كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثامن/الحقيقة والحلم/الحلقة الثانية

230

كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثامن/الحقيقة والحلم/الحلقة الثانية
16 كانون الأول/2020

#Madamek_Charbel_Barakat

وبعد ميس تطل “المنارة” التي يقال بأنها كانت منارة تظهر من أعالي البحار ويهتدي بها البحارة وقد يكون ذلك بسبب انقشاع الضباب من حولها في أغلب ايام السنة . ثم يدخل الطريق إلى “حولة” تلك القرية التي سميت ب”موسكو” لكثرة الشيوعيين فيها، وهي تقع على تل جميل يشرف على وادي السلوقي ويطل على شقرا وتبنين وكل المنطقة حتى الساحل. ويعد حولة يسير الطريق على خط القنن الذي يفصل لبنان عن اسرائيل مجددا فيظهر سهل الحولا على يمين الناظر بينما امتداد منطقة جنوب الليطاني على يساره ويقف حرمون وهيبته في الجهة الشمالية مكملا المنظر مع جزء من جبال الباروك التي تظهر في البعيد لتعود إلى تومات نيحا وجبل الريخان فقلعة الشقيف التي ظلت تحرس وادي الليطاني منذ ألف سنة. وتعتبر “مركبا”، التي “تركب” فوق هذا الموقع مسيطرة بمجال الرؤية على كل ما حولها، مركزا مهما وقد كانت قلعة “هونين ” تقع بقربها على المقلب الشرقي ولا تزال آثارها باقية حتى اليوم. وبعد مركبا تبدو “رب تلاتين” كما يسمونها اليوم وهي بالفعل لا تزال تحمل اسمها الأصلي القديم وهو “ربة لاتين” أي “ربة” النهر “لاتين” أو “ليتان” أو “ليطاني” كما نسميه نحن، وقد ذكر في الكتابات المصرية القديمة باسم “رتنو” أو “لتنو” . وبعد “ربة لاتين” وعلى المقلب الشمالي تقع “الطيبة” بلدة “البيك” التي بقيت مدة أكثر من مئة سنة عاصمة المنطقة ومركز الزعامة فيها حيث كانت الوفود تتجمع في كل مناسبة للتعبير عن دعم ومساندة زعامة “بيت ألأسعد” وحيث كان “الطبيخ” يقدم للجميع على مائدة البيك ودون حساب. ولا تزال بعض أقوال ذلك الزمن ماثلة في اذهان ابناء المنطقة كقولهم: ” يا بيك حاعت مركبا عجل عليها بالتبيخ” ولكن هؤلاء الفلاحين لم يكونوا يأتون فارغي الأيدي إلى البيك بل تتقدمهم تقدماتهم لدعم كرمه: “إجت حولا بفحولا يا أحمد بيك…” وقد كان هم الناس في تلك الأيام على ما يبدو يتلخص ببادرة كرم من الزعيم وقد سلموه كل مقاديرهم وقرارات مستقبلهم، وها هم اليوم مضطرين لتحمل المسؤوليات ومترتباتها بغياب الزعماء الذين كانوا هم قد رفضوا وصايتهم واقطاعيتهم وسيطرتهم، كما يقولون، فهل إن حالهم أفضل اليوم مما كانت عليه زمن أولئك؟ ومن هم زعماؤهم اليوم؟ صبية يحملون السلاح ويقتلون عندما يحلو لهم؟ أم مشايخ يختبؤون تحت عماماتهم ويتاجرون بالوطن والضمير وأحيانا كثيرة باسم الله عز وجل، وبدل أن “يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر” يحللون الخطف والقتل والسبي والتهجير؟..
دارت هذه الأفكار في ذهن شريف وهو يقطع عديسة حيث لا يزال أحد قصور بيت الأسعد يتباهى بقرميده وقناطره ويشرف على ساحة الضيعة، فهو لم يهدم من قبل الفلسطينيين وجماعاتهم، ولكنه لا يزال يشتاق إلى سكانه وايام العز.
أكمل شريف طريقه بعد عديسة ليصبح محاذيا للحدود حيث يسير بنفس الوقت طريق اسرائيلي بين بساتين التفاح المزروعة بشكل منظم والتي تبدو مشغولة ومتابعة، وقد أظهرت قدرة هذه الأرض على الانتاج إذا ما أحسن تدبيرها وأدخلت عليها الطرق العلمية الحديثة والخبرة المكتسبة من أفضل مدارس العالم الزراعية، وكان يشرف على هذه البساتين منزل “ابو سمير” وهو ممن بقي متمسكا بزعامة “البيك” ولم يشأ أن يتركها بالرغم من قساوة الظروف وتأثيرها عليه، وقد كان شريف تعرف به في 1983 عند “الشيخ أدمون” في الصالحية، وكان أبو سمير صديقا للشيخ أدمون وغيره من الرجال المنظورين في المنطقة.
كان الشيخ أدمون ابن بيت من البيوت المفتوحة في شرق صيدا وكان والده “الشيخ جريس الخوري” من الرجال الذين يحسب لهم حساب في صيدا وجوارها منذ ايام الشيخ بشارة وشمعون، وكان الشيخ أدمون خير خلف لخير سلف عرف الزعامة ومتطلباتها فكان على “قد الحمل” وكانت كلمته مسموعة وصيته معروف، وقد وقف موقف الزعماء الذين لا يبيعون الناس لمصلحة خاصة. وهكذا فهو وقف في 1958 وفي الأحداث الجارية منذ 1976 وفاوض الفلسطينيين والأحزاب ثم السوريين وفي النهاية الاسرائيليين، ولكنه في كل الحالات كان يفتش عن مصلحة الناس في شرق صيدا ليحميهم من التعدي على أرواحهم أو أرزاقهم شأنه شأن كل الزعماء المحليين في المنطقة الذين لم يفترقوا عن قواعدهم وما غرهم منصب أو حزب أو سياسة عليا، وكان همهم الناس البسطاء وعملهم التفتيش عن هذه المصلحة في خلال معمعات وتغييرات فاقت بسرعتها أحيانا مدارك الكثيرين وسرعة تصورهم. وهكذا فلم يترك انسحاب الاسرائيليين وتغيير الوضع مجالا للشيخ أدمون وأمثاله، ولم يكن هناك عنوان في اي من الجانبين يلجأ اليه لحماية مواطنيه، ففي جانب القوات كان سمير جعجع قد انسحب مع عناصره إلى بيروت، وفي صيدا كان مصطفى سعد قد اصيب في حادث مؤلم أفرغ ساحتها من القيادة التي قد تسيطر على الأرض، بينما لم يتبق على الساحة الفلسطينية أي من الوجوه المعروفة، وجاءت هجمة جماعة التوحيد الطرابلسية التي لا تعرف أهالي صيدا المسلمين فكيف بهم يعرفون مسيحييها، ومن جهة أخرى جماعة حزب الله ذات التوجه الإيراني والتي يديرها “الحرس الثوري”، وكانت الدولة اللبنانية بدت عاجزة عن الوقوف بوجه تلك الهجمة البربرية باتجاه شرق صيدا، بينما كان الجنرال لحد يقود المنطقة الحدودية وجزين وهو أحد الضباط المعروفين إن من حيث ماضيه العسكري وإن من حيث شخصيته وعلاقاته السياسية واتزانه الذي يدعو إلى الثقة، ففضل الشيخ أدمون وأهالي شرق صيدا الإلتجاء اليه ليكون لهم العون في هذه الظروف الصعبة سيما وأنه يقود جيشا ويستند إلى دولة، فلم يكن الشيخ ممن يتركون جماعتهم في الموقف الصعب، لذلك تهجر مع كل هؤلاء المسيحيين الذين تركوا بيوتهم وأرزاقهم في قرى شرق صيدا على أمل أن تجري اتصالات لتعيدهم إليها بعد أن تهدأ الأحوال… وهكذا فقد كان يتردد على منزل صديقه “أبو سمير” أحيانا، وكان شريف كلما رأى سيارته الأميركية الزرقاء في باحة منزل ابو سمير يحاول أن يدخل ليلقي السلام على الشيخ الذي بقيت صفات الزعامة والتصرفات التي تمليها ترافقه بالرغم من التهجير وذله.
وعند مروره قرب بوابة فاطمة كانت مجموعة من السياح تقف قرب علم لبناني وآخر اسرائيلي وضعا هناك داخل الحدود من الجهة الاسرائيلية مع كتابة تشير إلى “الجدار الطيب”.
نظر شريف بين هؤلاء المجتمعين لأخذ صور تذكارية مفتشا، فقد كان تلامذة “أولبان عكيفا” بأتون إلى الجدار الطيب من ضمن برنامجهم المدرسي. وكان هذا المعهد مختص بتعليم اللغات، بخاصة العبرية للقادمين الجدد إلى اسرائيل، والعربية للإسرائيليين الذين يرغبون بذلك، وكان شريف زاره مرة والتقى ب”شولميت” تلك السيدة المسنة التي ابقت أثرا في نفسه؛ فهي بالرغم من سنها، وقد تجاوزت السبعين على ما يبدو، كانت تدير ذلك المعهد مع كل متطلبات تلامذته، فقد جمعت بين الأمريكيين والروس، والسود والآسيويين، وبين الدروز واليهود، والمسيحيين والمسلمين، إلى جانب أهل الضفة والقطاع، واستقبلت مهاجرين روس ومن ألأميركيتين، وبعض الآسيويين والهنود، وعددا من الكاريبيين والاسكندنافيين، وكل هؤلاء كانوا يقيمون لمدد تزيد حيانا عن الشهر في منتجع على شاطيء “نتانيا” حيث تقع المدرسة بقرب تزل سياحي يستعمل قسم منه لطلاب المعهد.
كانت شولميت من اليهوديات المتحمسات لاسرائيل ولشعبها وكانت من المناضلات في سبيله، ولكنها كانت تفتش، في نفس الوقت، عن روح السلام الذي يرقد داخل كل شخص لتستغله كي ينعم أحفادها بالسلام المنشود ويصبح شعبها جزء من هذه البلاد متفاعلا مع بنيها مقبولا عليهم ومقبولين هم ايضا عليه. ولكنها لم تكن تبشر علنا أوتناقش صراحة هذه الأمور، إلا أنها في تفتيشها عن خصائص الناس لتبرزها، وعن تراث الآخرين لتتعرف عليه، وفي برنامجها التي تضعه، وقد تباهت بكل تراث اليهود لتعرّف الآخرين عليه، وباختيارها لمساعديها وبينهم “علي ” من المثلث و”سميرة” من غزة، كانت تحاول أن تقرب شعوبا وأفكارا علها تتقبل بعضها فتتعايش بسلام. وقد عرف شريف فيما بعد أنها رشحت من قبل لجنة نوبل للسلام لتحمل هذا اللقب ولم يعرف ما إذا كانت قد حصلت عليه، ولكنه كان كلما مر من قرب ذلك الجدار الطيب يفتش بين الزوار عله يراها هناك لأنه اعتبر فيها نفحة المستقبل الآتي الذي يحلم به وكل ابناء المنطقة…
مر شريف على تل النحاس حيث يقع إلى الشرق المطار العسكري الفرنسي الذي استعمل في الأربعينات اثناء الحرب العالمية الثانية وتقع على التلة الجنوبية المحازية له اليوم قرية “المطلة” الاسرائيلية. وكانت المطلة من أوائل القرى التي أنشأها المهاجرون اليهود منذ بداية القرن. وكان بعضهم قد اشترى أراض في المرج إلى الشمال منها حول المطار بقيت بعد رسم الحدود داخل الأراضي اللبنانية، شأنها شأن كثير من أراضي رميش وعلما التي يعرفها شريف ويعرف اصحابها. وفي الجهة المقابلة إلى الغرب بدت قلعة الشقيف بكل روعتها وجلالها، فهي، وإن تهدم جزء من سورها الخارجي وبعض أبراجها، قد بقيت تلفت النظر بموقعها الرابض فوق حافة الشير الصخري الذي يزيد ارتفاعه عن المئتي متر والذي يقف فوق النهر الهادر فيضطره إلى الدوران حوله عدة كيلومترات قبل أن يتحول إلى الغرب قاصدا البحر. وفكر شريف أن هذه المنطقة لو قدر لها الهدؤ والطمأنينة لكانت أجمل بقاع لبنان وأكثرها ثراء، فالمرتفعات التي تحيط بالقلعة تعتبر أجمل المناطق السياحية وقد تبنى عليها أفضل الفنادق، ومحيط النهر، إذا ما تم تنفيذ الجزء المتعلق ببناء السد المقرر في مشروع الليطاني على “الخردلي” مع محيط البحيرة التي ستنشأ سيعتبر من الأماكن العالمية سياحيا فيطور اقتصاديات هذه المنطقة التي حرمت من الرفاه والاستقرار طيلة هذه السنوات. وكثرة المياه سوف تبعث الحياة في الأراضي القفراء، التي تشتاق إل العطاء، وتشتهي أن تحركها اياد نشطة تتنافس في الانتاج، بدل أن تتقاتل لتبقيها جرداء قاحلة تفتقد الطير والزهرة وقطيع الماعز، فلو قدر لهذا الشعب أن يحيا بسلام بالقرب من هؤلاء الاسرائيليين، لكنا اليوم نرى الطائرات تحط في مطار القليعة، والفنادق تتزاحم على تلال أرنون، ويتسابق المتزلجون فوق مياه بحيرة الخردلي، وتقوم المطاعم وبرك الأسماك على الجانبين، ويزهر كل أنواع الورود قرب “الفيلات” التي يكسوها القرميد الأحمر الذي ستنتجه مصانع “راشيا الفخار”، وينافس بجودته ماركة “الفراشة” الأيطالية و”النحلة” الفرنسية، ويرجع إلى مرجعيون عزها، وتصبح حاصبيا مدخل مناطق التزلج في جبل الشيخ، وينافس مركز شبعا مراكز فقرا وفاريا، ويصبح الجنوب مركز استيعاب للقادمين من السواحل، ومركز نشاط اقتصادي يساهم في ثراء البلد بدل أن يساهم في دماره ويحمله أعباء وأحقاد تفسد عليه عيشه. فلو قدر لهذا الشعب قادة يعرفون أن يؤمنوا له الهدؤ، أمكننا أن تعيد نصف اللبنانيين الذين يهاجرون كل يوم إلى بلد في العالم فيستقرون فيه ويعملون ويساهمون في ثرائه وديمومته، وقد اصبح عددهم يفوق عدد الفلسطينيين الذين تركوا فلسطين في 1948. ويصبح هذا الجنوب، عينه، الذي هو اليوم كابوس الوطن ومصدر القلق الدائم على مستقبله، يصبح هو مصدر الاستقرار والقوة التي تسنده وتمده بالطاقة والرجال والأموال… ولكن أين نحن من كل هذا والقذائف تتساقط على رؤوس الناس هنا لكي لا يقال أننا لا ندعم “قضية العرب”، وكأن آبار البترول قد توقفت في السعودية أو ليبيا لتدعم “قضية العرب” أو أن المنتجعات السياحية في المغرب وتونس قد أغلقت لهذا السبب. ونحن لو كنا دولة منتجة لاستطعنا أن نحل مشاكل الناس، ونساهم في قضاياهم وتأمين رفاه أبنائهم، أكثر بكثير من أن نكون دولة يستجدي أبناؤها لقمة العيش على ابواب الصحاري المحرقة أو الفيافي الباردة، ويتباهى قادتها بأنهم يقودون كل يوم إلى الموت عشرات الممتلئين حيوية ونشاط، ليرضى سادتهم في المحيط القريب أو البعيد، ويأخذون قسطا من الوقت على شاشة تلفزيون أو في صدر جريدة…
دار هذا كله في راس شريف وهو يقطع الطريق بين تل النحاس والقليعة حيث يسير على مسافة عدة كيلومترات مشرفا من الشرق على السهل الذي يجاور القليعة ومرجعيون والخيام ومن الغرب على تلال الشقيف والنبي طاهر و”الجرمق”، تلك القرية الصغرى التي كانت تشكل حدود المتصرفية من جهة الجنوب والتي تقع فوقها “العيشية”.
والعيشية بلدة استشهد رجالها في 1976 وذنبهم أنهم لبنانيون أراد الغرباء أن يعلموا بهم أبناء المنطقة على الرضوخ لارادتهم، فقاوموا الهجوم الذي قاده الفلسطينيون وجماعة الجيش العربي والأحزاب، واستشهد من ابناء البلدة اربعون شابا، ثم دخل “الغزاة” على من بقي محتميا بالكنيسة فأكملوا عليهم، وكان الذين استطاعوا أن يهربوا باتجاه القليعة ومرجعيون هم الوحيدون الذين بقوا على قيد الحياة، وقد تمركز فيها السوريون إلى أن دخل الاسرائيليون في 1982 فانسحبوا أمامهم وظلت بقايا آلياتهم وكتاباتهم على حيطان العيشية تشهد ل”بطولاتهم” ضد السكان الآمنين وانهزامهم الدائم أمام “الأعداء”.
كان أهالي العيشية قد عادوا اليها بعد 1982 وبدأوا بناء المنازل المتهدمة ولملمة الجراح وإعادة الحياة إلى ربوعها، ولم يسعفهم بذلك صندوق ولا التفتت إليهم الدولة وكأنهم مذنبون لوجودهم في هذه الأرض منذ مئات السنين، وقد زينوا ربوعها، وجللوا منحدراتها وجعلوها تزهر بالخضرة على مدار السنة. وقد كانوا عمروا كنيستهم الجديدة ودشنها المطران باحتفال مهيب وفاخروا بها، ثم، وعندما أرادوا الاحتماء من الهجمة البربرية، لم يجدوا أفضل منها ملجأ. ولكن “الأشقاء المحبين” لم يحترموا مرة قداسة هيكل أو حرمة معبد فكان ما كان. ويوم عاد السكان، كان أول ما قاموا به إعادة ترميم الكنيسة وكان قد تهدم بعضها من جراء القذائف والرصاص…
في ساحة كنيسة القليعة كان الشيخ “كلوفيس” يتحدث مع الأب “منصور” وحولهما عدد من الأهالي عرف منهم شريف بعض مهجري شرق صيدا، وبين هؤلاء ذلك الرجل الذي كان يغني في مؤخرة الباخرة ليلا. فقد كان هناك عدد من هؤلاء يسكن في القليعة كما في قرى مسيحية أخرى. وكان الشيخ كلوفيس ابن بيت فرنسيس وهم من البيوت المعروفة وكانوا يملكون بعض المزارع حول العيشية وفي منطقة “انصار” قرب النبطية كما كانوا يملكون، كبعض المتمولين اللبنانيين، أراض في منطقة سهل الحولا قبل 1948. وابناء القليعة مزارعون نشطون بأغلبيتهم لم يتركوا الأرض تبور ولا لحقوا بالمدنية الزائفة، وقد خدم أبناءهم في الجيش اللبناني في كل المناطق. وها هم اليوم يقدمون الشهداء على مذبح الوطن كما في كل مرة لكي يبقى لبنان مرفوع الراس وتبقى لهم عزة النفس التي طالما فاخر الجدود بها. وكانت القليعة قد امتدت حتى قاربت منازلها منازل مرجعيون وأصبح البولفار الذي كان يوصلها بمرجعيون طريق داخلية تتوزع على جانبيه المحلات التجارية والأبنية السكنية، وها هي المدرسة المهنية التي بدأ بانشائها الرهبان الأنطونيين قد ظهرت بعض منشآتها.
وموقع مرجعيون الجغرافي يجعلها من أهم المدن الداخلية في لبنان لو قدر لهذه المنطقة أن تحيا بهدؤ، فهي نقطة التقاء لكثير من الطرق القادمة من الشمال أو الغرب أو الجنوب أو الشرق، ففي لبنان أربعة محاور رئيسية متوازية تسير من الشمال إلى الجنوب هي الخط الساحلي وخط القنن الغربي وخط غرب البقاع وخط السفوح الشرقية والحرمون، وتلتقي ثلاثة منها في مرجعيون وهي: أولا خط سفوح الحرمون وهو ثلاثة محاور تلتقي كلها قرب مرجعيون، فالمحور الأول الدي يربط راشيا الوادي ببيت لهيا والكفير وميمس وحاصبيا يتصل بالثاني الذي يربط راشيا الوادي بضهر الأحمر كفرمشكي ومرج الزهور ويصل إلى كوكبا والخط الثالث الذي يربط طريق الشام بجب جنين القرعون فسحمر ويحمر والدلافي ثم يلتقي بالطريقين السابقين. ثانيا خط البقاع الغربي الذي يبدأ من زحلة شتورا قب الياس كفريا صغبين ومشغرا ويلتقي إذا نزل بعد الصريرا إلى جسر الدلافي بالطريق السابق، ولكنه إذا أكمل دورته إلى القطراني فكفرحونة يلتقي بخط القنن الغربي. ثالثا خط القنن الغربي الذي يقطع كل المتن والشوف ليصل إلى جزين ويكمل عبر كفرحونة والعيشية فيلتقي طريقي ضهر الرملة غرب صاليم وطريق الزهراني النبطية، الذي يتفرع عن الخط الساحلي، في الجرمق، ويكملوا مجتمعين عبر الخردلي إلى مرجعيون. أما طريق صور تبنين شقرا فتلتقي طريق الناقورة بنت جبيل في حولا ويكملان إلى مرجعيون، وهذان الطريقان يتفرعان كطريق الزهراني النبطية من الخط الساحلي. هذا في لبنان أما طرق شمال اسرائيل فتتجمع بعد طبرية لتنتهي في المطلة قرب مرجعيون، وطريق الجولان السورية القديمة تصل إلى بانياس وتدخل إلى المجيدية فإلى مرجعيون. واذا فلمرجعيون أهمية كبرى من الناحية الأقتصادية والاستراتيجية وهي عقدة الطرق الداخلة إلى كل لبنان أو الخارجة منه إلى اسرائيل وفلسطين والأردن وحتى سوريا. ولو تصورنا سلما يقوم بين لبنان وإسرائيل وسوريا والأردن لكانت أقرب الطرق إلى الأردن من لبنان هي عبر مرجعيون إلى طبرية فجسر الشيخ حسين على الحدود الأردنية في الأغوار الشمالية، ولكانت طرق القاع ومناطق حماة وحلب السورية إلى اسرائيل والضفة الغربية والأردن ومناطق الحجاز السعودية هي عبر مرجعيون. من هنا أهمية هذه المنطقة في ذهن أبنائها وحلمهم الدائم بالدفاع عن السلام المنشود كونه سيعطيهم ما لا يحلم به اي مكان آخر في لبنان، وإذا ما استقتل هؤلاء في الدفاع عن مناطقهم ومحاولة تعجيل السلام الآتي، ولا بد، فإن لهم، ليس فقط عذرا، بل حافذا قويا للنضال في هذا الاتجاه.

*********************
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة التمهيد والحلقة الأولى (طريق البحر) من كتاب الكولونيل شربل بركات “المداميك”
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الأول…الحلقة الثانية
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الأول…الحلقة الثالثة
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الأول…الحلقة الرابعة
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الأول…الحلقة الخامسة
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الثاني…الوصول إلى عين إبل/الحلقة الأولى
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الثاني…الوصول إلى عين إبل/الحلقة الثانية
* ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثاني…الوصول إلى عين إبل/الحلقة الثالثة
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الأولى
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الثانية
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الثالثة
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الرابعة
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الخامسة
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الرابع/الحلقة الأولى/سيطرة المنظمات
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الرابع/الحلقة الثانية
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الخامس/الحلقة الأولى/الجدار الطيب
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الخامس/الحلقة الثانية
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السادس/الحسم والحصار/الحلقة الأولى
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السادس/الحسم والحصار/الحلقة الثانية
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السابع/الخطف/الحلقة الأولى
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السابع/الخطف/الحلقة الثانية
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السابع/الخطف/الحلقة الثالثة
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثامن/الحقيقة والحلم/الحلقة الأولى