كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السابع/الخطف/الحلقة الثالثة

171

كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السابع/الخطف/الحلقة الثالثة
10 كانون الأول/2020

#Madamek_Charbel_Barakat

أراد ابو طوني التكلم ولكنه كان قد خرج قبل أن يستطيع هو أو “طعمة” أن يسألا حتى عن اسمه. أحس ابو طوني بأن هذا الزائر الليلي كان رحمة من عند الله، وقال في نفسه أنه منذ أن ذكر الله وصلى هاهو قد أرسل له من يعزيه. أوليس العزاء كلمة طيبة تبعث الأمل في النفس؟ وماذا يريد من في حالته أكثر من بصيص أمل يقنعه أن وضعه سيتحسن وأن الأمور ليست بهذا السوء؟ ثم التفت إلى طعمة الذي بدأ يرتاح له أكثر خاصة بعد أن خاطبه هذا الزائر ب”متاع رميش”، وكان طعمة في نفس الوقت بدأ يحس بأن رفيقه مسيحي مثله ومن المنطقة وقد يكون أحد معارفه فتقدم باتجاهه وقال:
– مين هيدا بتعرفو؟…
فاجاب أبو طوني:
– له أول مرة بشوفو، بس هيئتا لهجتو من المنطقة، بدو يكون من بنت جبيل يا من عيناتا ما بعرف… وانت صحيح من رميش؟…
أجاب طعمه:
– أي من رميش كنت نازل على صور، وصفولي حكيم اسنان شاطر، كل الليل مبارح ما وقف وجع هالضرس، ومتل ما بتعرف فش حدا فوق، حتى “الكرومي” مش ببنت جبيل، وقلت تا انزل شوف هالحكيم يدبرني قبل العيد، وانقطعت ما لقيت سيارات، وقفت عالبص انطر حدا اطلع معو وكل ما مرقت سيارة أشرلها، وتأخر الوقت وما مرق حدا، بعد شوي بلشت اسمع صوت ضرب وقواص خفت وركضت دوّر عا شي محل الطى فيه، والا مارق هالجيب اشرتلو بدون انتباه، وقف ورجع، شفت ركابو مسلحين قلتلن ما تواخذوني ما عرفتكن، سألني واحد لوين رايح قلتلو رايح عا بنت جبيل قال انت منين قلتلو من رميش قال شرف معنا. طلعت وفكرتن طالعين صوب المنطقة قلت بلكي بوصل على قانا أو تبنين وبعدين الله بيدبر، والا جابوني لهون.
فكر ابو طوني ببراءة طعمة هذا لا بل بسذاجته، فهل من المعقول أن يكون هناك بعد في هذه المنطقة من يعتبر أن القضية منتهية فينزل وحيدا إلى صور وينتظر أن يجد من يقلّه في العودة إلى بنت جبيل أو رميش دون أن يحسب للخطر المحيط، ثم وقبل أن يتسرّع بالإجابة وتحميل طعمة سوء التصرف الذي أوقعه في الأسر، فكّر أن حاله ليست افضل من حال طعمة، وذهابه هو إلى صيدا ليس تصرفا أذكى من تصرفه، فالأوضاع لم تزل هكذا خطرة ولا وجود لدولة أو مسؤولين والناس يعيشون تحت رحمة هؤلاء المسلحين فكيف يسمح لنفسه هو بالذهاب مع زوجته تاركين “كومة” أولاد في ليلة عيد راس السنة، فهل إن العمل أهم من وجع ضرس طعمه؟ وكما أنه لا يوجد في المنطقة بضاعة للمحل وقد اعتبر نفسه مضطرا للنزول إلى صيدا، فإن عدم وجود طبيب أسنان أيضا قد اضطر طعمه للذهاب إلى صور، وإن كان طعمه لا يملك سيارة فهذا لا يعني أنه مذنب أكثر منه، والنتيجة أن الأثنين قد أوقفا… فكّر ابو طوني لو أن طعمه كان ذهب إلى نهاريا في اسرائيل لكان أفضل له من القدوم إلى صور، فلا بد أن يكون هناك أطباء أسنان، واذاً فطعمه مذنب أكثر منه، ولكنه عاد فقال في نفسه أوليس الذهاب إلى حيفا أضمن من الذهاب إلى صيدا لشراء بضاعة، ولماذا لم يذهب هو إلى هناك بدلا من المخاطرة والنزول الى صيدا؟ فقد يساعده بعض أبناء البلدة الذين لا يزالون يسكنون في حيفا منذ ما قبل 1948 للتعرف على المحلات وقد تكون حيفا افضل من صيدا، فلماذا لم يفكر بالأمر سابقا؟…
مرت ساعة أخرى قبل أن يأتي أحد الحراس ليطلب منهما التوجه إلى الخارج وإذا بسيارة اسعاف بانتطارهما. ثم أمرا بالتمدد كل على محمل وبرفع أحد أكمامه، وجاء أحدهم فأعطى كل منهما إبرة في العضل تساءل أبو طوني، دون أن يستطيع الاعتراض، عما هي، ثم بدأ يحس بثقل في عينيه وسرعان ما غاب عن الوعي. وبعد قليل أحضرت أم طوني وإذ رأت أبو طوني ورفيقه ممددين على المحملين فاقدي الوعي ذعرت ولم تعرف ما في الأمر، هل قتلا أم هل فقدا الوعي تحت الضرب والتعذيب أم ماذا؟ ولم تجرؤ على الصراخ أو الاعتراض، واسودت الدنيا في عينيها خاصة عندما دفعها ذلك المسلح لتتمدد على المحمل الثالث وأحضر رفيقه الأبرة وأمرها برفع أحد أكمامها. لم تجد في حالتها تلك من تلتجيء إليه فقد حاولت عبثا أن تجد في عيون أي من هؤلاء المسلحين نوعا من الرحمة أو الشفقة أو الجواب على تساؤلاتها، فاسلمت أمرها إلى الله وأغمضت عينيها منتظرة تلك النهاية حيث ستلاقي وجه ربها. وعندما بدأت تحس بالدواء يدور في دمها استرخت ولم تعد تحرك ساكنا. ولكنها بعد مرور بعض الوقت شعرت وكأنها لم تزل تسمع هديرا يشبه هدير المحرك وتحس بحركة السيارة التي تقلهم، ثم بدأت تسمع حديثا يدور غير بعيد عنها. فاصغت قليلا وإذا به حديث بين سائق ومن يرافقه. حاولت ام طوني أن تدرك الذي يدور حولها، فهل هي في عالم آخر أم هل كانت تحلم وتتخيل تلك الأصوات؟..
بعد مدة على هذه الحالة أحست وكأن شيئا من الضوء قد لمع فحاولت فتح عينيها وإذا بها ترى ىسقف السيارة. التفتت ام طوني لتتاكد من وضعها فإذا هي بالفعل ممددة على المحمل ومربوطة بقشاط حول مستوى الصدر والساقين وبجانبها محمل آخر ينام فيه فاقد الوعي أبو طوني بينما ينام الرجل الآخر على المحمل الثالث المعلق فوقه. أعتقدت ام طوني في البدء أن وقتا طويلا قد مر عليهم ولم تفهم لماذا بقيت هي على قيد الحياة بينما زوجها ورفيقه لا يبدو عليهما ذلك، ثم توقفت السيارة وسمعت حديثا في الخارج وأدار أحدهم مصباحا أنار المقصورة التي يرقدون فيها وكأنه يبحث عما في داخلها ثم أمر السائق بالمتابعة؟ أحست ام طوني بعد قليل وكأن زوجها يتنفس فشكرت الله وبدأت تحاول أن تتفهم الوضع؛ فهم إذا لم يعطوا مادة قاتلة بل مخدرة كي يسهل نقلهم دون أن يدروا إلى أين ودون أن يتسائل أحد في الطريق عن هويتهم، فالمنظمات التي تسيطر على الطريق ليست واحدة ولسبب ما لا يريدون أن يعرف الآخرون إلى اين يأخذونهم ومن هم هؤلاء المنقولون، وعرفت بأن المخدر لم يؤثر بها كغيرها لأن الطبيب كان وصف لها منذ مدة، وبسبب بعض المشكلات العصبية الناتجة عن الحرب والخوف، دواء ليساعدها على النوم وكان له تأثير المخدر ما جعلها، وبسبب المداومة عليه، أقل تاثرا بالمخدر من غيرها وهذا ما سمح لها بأن لا تغيب عن الوعي مدة طويلة. عندئذٍ ارتاحت قليلا فهي وزوجها لم يزالا على قيد الحياة، ولكن إلى اين يأخذونهما؟…
بعد مسيرة خالتها ام طوني دهرا كانت السيارة تدخل إلى مكان تحت الأرض تفوح منه روائح الرطوبة ودخان السيارات ثم توقفت سيارة الاسعاف وترجل السائق ومرافقه وكثرت الحركة وفتح الباب فأغمضت ام طوني عينيها لكي يعتبروها مثل الآخرين ثم حملت وهي على المحمل ووضعت في مصعد وأدخلت إلى أحد الطوابق العليا حيث وضعت على سرير في غرفة صغيرة وأغلق الباب.
أما ابو طوني ورفيقه فقد أدخلا إلى غرفة تحت الأرض وتركا هناك على الأرض وبجانب كل منهما بطانية.
في اليوم الثاني أفاق أبو طوني وطعمة ونظرا حولهما فاذا بهما في غرفة لا يدخلها النور ولا الهواء ولا تزيد على المترين طولا وعرضا وارتفاعا. وقد أغلقت بباب حديدي فيه فتحة لا تزيد عن العشرين سنتي طولا وعرضا وقد قسمت بثلاثة قضبان حديدية، كانت هذه الفتحة صلتهم الوحيدة بالخارج يرون من خلالها بعض الضوء اذا ما انيرت اللمبة التي في الممر معلنة قدوم أحد الحراس.
مر وقت حضر فيه الحارس وتلا عليهما بعض التعليمات المتعلقة بالذهاب إلى بيت الخلاء وعدم الازعاج أو الإلتفات إلى أي من الغرف التي تعج بالموقوفين ولا يجدر بهما التكلم مع أحد ولا الجواب إذا ما نادى أحدهم والا أخذا إلى غرفة التعذيب.
بعد مرور مدة أصبح موعد بيت الخلاء هو الفرصة التي ينتظرانها ومع أن الروائح كانت لا تحتمل هناك الا أن الخروج من الغرفة والتمشي باتجاه بيت الخلاء كان يعتبر نزهة، وكان موعد حضور الأكل الذي لم يزد مرة عن رغيف وبعض الحساء الغير معروف اصله، كان موعدا يحاول ابو طوني أن يعرف منه مرور الوقت كونه لم يكن يرى النور الطبيعي ليعرف متى ينتهي النهار ويبدأ نهار آخر.
بعد عدة ايام بحساب ابو طوني استدعي هو إلى غرفة كان يجلس بها خلف طاولة ثلاثة أشخاص باللباس العسكري أخذوا دور المحققين وانهالوا عليه بالأسئلة كل بدوره، وكانت هذه الأسئلة عن القرية وعنه وعن عائلته وأقاربه ومن كان عضوا في الكتائب ومن يحمل سلاحا… وما إلى هنالك، وكان أبو طوني في كل هذه الأسئلة يحاول أن يتمالك نفسه فلا يعطي جوابا يجعله يبدو وكأنه يخفي شيئا وفي نفس الوقت لم يرد أن يقول كل ما يعرف. وبعد ذلك اليوم اصبح ابو طوني يعتقد بأنه الشغل الشاغل لهؤلاء فهم يحضرونه في كل ليلة ويبدأون باستجوابه وقد اعتمدوا في كل ليلة السؤال عن كل من يسكن في واحد من شوارع عين إبل وماذا يفعل وعن أولاده وما عنده وكأنهم يريدون أن يكتبوا يوميات تفصيلية لكل فرد من البلدة بحسب ما يعرف ابو طوني. وهكذا ويوما بعد يوم بدأ أبو طوني بالتعود على الحالة ولكنه أخذ يحس بأنه لا يمكنه أن يخفي شيئا.
لم يعد ابو طوني يفهم لماذا هو موجود في هذا السجن ولا ما هو ذنبه ولا اذا كانت زوجته قد بقيت في الرشيدية أو أطلق سراحها أو أحضرت معهم أو أي شيء من هذا القبيل ولم يعد يدري إذا كان سوف يخرج يوما من هذا السجن أم لا ولكنه أصبح ينتظر ذلك الموعد الليلي حيث يقف أمام هؤلاء المحققين يسألونه فيتكلم ويتذكر قريته ببيوتها وسكانها وكأنه يعيش فيها في تلك اللحظات فينسى أنه مسجون وأنه قيد التحقيق، وفي نفس الوقت كان له حافز آخر يجعله يرى الأمور بهذا المنظار لم يكن ليدركه في حينه.
ظل ابو طوني على هذه الحال قرابة الثلاثة اشهر ثم وفي أحد الأيام تغير الحارس الذي يقوده إلى بيت الخلاء وبعد أن قضى حاجته كالعادة وبدأ بتنظيف المكان قبل أن يعود قال له هذا الحارس الجديد:
– عرفت شي عن حرمتك؟
فتعجب ابو طوني من السؤال وخاف في نفس الوقت أن يكون هناك شيء ما غير مستحب ولكنه أجاب:
– له انت بتعرف؟
أجاب الحارس:
– طمن بالك طلعت من شي شهر واستلمها الخوري مارون بصور ووصلت عالبيت.. لا تخاف…
وإذ حاول أبو طوني أن يستفهم أكثر رفع ذلك الشاب اصبعه إلى فمه إشارة بالصمت وكأنه لا يريد أن يعرف أحد أنه أخبره شيئا.
عند عودته إلى الحجرة التي سجن فيها كان أبو طوني هذه المرة مختلفا فقد لاحظ عليه طعمة شرودا وصمتا أكثر من ذي قبل وبدا كأنه ينعزل على نفسه ويهرب من الاجابة على الأسئلة ويتجنب حتى التقاء نظره به. لم يفهم طعمه هذا التغيير ولكنه تصور أن شيئا ما حدث لأبو طوني جعله يتاثر ويدخل في نوع من الانطواء على نفسه، يفكر… ولكن بماذا؟
حاول طعمة مرات عدة أن يحدّثه أو أن يستدرجه إلى المشاركة بالرأي ولكن دون جدوى، حتى مأكله أصبح اقل من ذي قبل ولم يعد ينتظر نزهة بيت الخلاء ولا ذلك الموعد الليلي، وفي آخر مرة ذهب إلى الموعد المذكور عاد وكأنه ضرب فقد ظهرت بعض الرضوض على وجهه وتمزق شيء من القميص الذي يرتديه. وبعد ذلك اليوم لم يعد يُطلب إليه الذهاب إلى الموعد. ثم بعد ايام شعر طعمه بأن ابو طوني اصبح يتكلم في الليل وكأنه يرى كوابيس وعندما جاء الحارس في إحدى الليالي وسمع صوته وتبين أنه يتكلم في منامه ذهب وأحضر من أعطاه حقنة جعلته ينام مدة طويلة خالها طعمه بأنها يومين. ثم أصبحت هذه العملية روتينية تكررت بعد عدة ايام. وأصبح سلوكه عندما يستيقظ لأكثر من وقعتين غير طبيعي ولا يعرف النوم بدون تلك الحقنة. شغل هذا الوضع بال طعمه ولكنه لم يكن بقادر أن يغير فيه شيئا وبدأ هو لأول مرة بالصلاة من أجل صديقه. فماذا اصاب ابو طوني وماذا كان سبب تحوله إلى هذه الحال؟
كان أبو طوني الذي قبل واقعه في سجنه وعملية التحقيق تلك وكل الصعوبات المرافقة، يتحمل كل ذلك شاعرا في قرارة نفسه بأن عائلته بحاجة إليه وإلى والدتهم فكانت تلك المقاومة والصمود، وأحيانا ابتسامته أمام الصعاب، من أجل أن يبقى على قيد الحياة ليعين هذه العائلة التي اصبحت بدون اب ولا أم، ولم يكن يعلم اي شيء عن زوجته منذ أن أخبره ذلك الحارس في الرشيدية بأنها بخير عند ام محمود. ولكن خبرية هذا الحارس الجديد بأنها قد خرجت وسلمت إلى الأب مارون في صور، للتأكيد، جعلته يحتار بين الصمود من أجل الخروج وبين الاستسلام والتخلص من هذه الصعوبات كلها، وصارت الأفكار تدور في راسه، فهل أن زوجته بالفعل قد خرجت: إذا فقد اصبح للأولاد الآن من يهتم بهم فلماذا يقاوم قدره. أم هل انها لم تخرج بالفعل فاين هي الآن وماذا يستطيع هو من أجلها؟
هذه الأفكار كانت شغلته وجعلته في دوامة لم يعد يعرف الصحيح فيها من الخطأ، حتى أنه، وفي ضعفه وقلة الأكل وتأثير الرطوبة وغياب نور الشمس، أصبح يتلهوس ولم يعد يؤمّن لأحد وخاصة بعد أن بدأوا باعطائه تلك الحقن، فقد أصبح الشك عنده حالة مزمنة وبدأ يرتاب من كل شيء، وعاد يرى طعمه أحيانا كثيرة وكأنه هنا لكي يتجسس عليه ويحصي خطواته، وكلما سمع صوتا صار يخال بأنه يعنيه. ثم اصبح يتصور أمورا تحدث مع اقاربه ويسمع صوت زوجته تناديه ثم اصوات قهقهة وضحك، ويخال أحيانا أنهم يسجلون أصواتا ليسمعوها له ويعرفوا ردات فعله، وأن كل ذلك جزء من التحقيق. فقلل كثيرا من كلامه ومن اتصاله باي كان وانزوى أكثر فاكثر على نفسه في زنزانته…
أصبح طعمه بعد قليل هدف الزيارات الليلية، وكأن هؤلاء يجرون اختبارا على الموقوفين عندهم مثلما يجري العلماء اختباراتهم على الفئران، ولكنه لم يستسلم فقد رأى بأم عينه ما جرى لرفيقه وحاول ألا يقع في نفس الحالة. كان على طعمه أن يشغل نفسه بالصلاة وهو لم يكن يحفظ أمور الدين ولم يكن من الذين يعرفون الكثير من الصلوات ليرددها فاعتمد المسبحة وأخذ يتلوها ذهابا وايابا في كل وقت وهكذا شعر بداخله أنه يرفض الواقع ويتقوى بما هو أعظم منه…
بعد مرور حوالي الشهر بحسب تقدير طعمه جاء ذلك الحارس الذي كان أخبر ابو طوني عن خروج زوجته وقال لطعمه ألا يخاف فقد قرب موعد خروجهم. لم يرد طعمه أن يتفاءل كثيرا خوفا من أن يكون كلام الحارس نوعا جديدا من الاختبار فحاول أن يبدو غير مهتم وسأله لماذا هذا الاهتمام بخروجهم فقد تعودوا على هذه الحال. لكن الحارس أفهمه بأن بعض الاتصالات قد اثمرت وأنهم سيخرجون خلال ايام فلا يخف وليحاول أن يقوي معنويات صديقه ابو طوني. ثم قال له بأنه هو الذي أخبر أبو طوني بخروج زوجته من السجن وأنه يعطف عليهم كونه من المنطقة ويعرف الكثيرين من أبناء رميش وعين إبل، ولكن ظروف هذه الحرب جعلتهم كل في موقع، وأصر على طعمه ألا يخبر أحدا بأنه قد حدّثه بذلك لأنه ممنوع عليهم التكلم مع السجناء. فسأله طعمه “اين نحن”؟ فقال له في بيروت الغربية ولكن لا يمكنني أن أزيد على ذلك…
بعد يومين بالفعل تمت عملية نقلهما إلى صور عند الفجر وكان اطلاق سراحهما حوالي الساعة العاشرة صباحا حيث سلما إلى الأب مارون الذي أوصلهما إلى جسر الحمرا وهناك كانت عين إبل ورميش باستقبالهما، فقد تجمعت أكثر من ثلاثين سيارة من البلدتين لاستقبال هذين اللذين مضى على احتجازهما حوالي الأربعة اشهر وجريمتهما النزول إلى صور وصيدا.
كان الاستقبال مؤثرا، وعند وصولهما إلى جسر الحمرا ركض ابو طوني من السيارة التي كانت تقله وصرخ بالمجتمعين بضرورة الذهاب من هناك بسرعة لأنهم سوف يقصفون المكان فقد سمع الفلسطينيين يتحدثون بذلك. وهكذا فقد انسحب الجميع سريعا باتجاه الناقورة دون أن يشكروا جماعة الأمم المتحدة الذين كانوا رافقوا الأب مارون من صور إلى جسر الحمرا.
وهكذا انتهت واحدة من عمليات الخطف التي كانت سببا يمنع الكثيرين من ابناء المنطقة من محاولة الانتقال شمالا كون الطرق غير آمنة وتقع تحت سيطرة مجموعات مسلحة متعددة ومتقاتلة أحيانا، والأهم أنها تكمن الحقد لأبناء هذه المنطقة وخاصة المسيحيين منهم…

***********************
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة التمهيد والحلقة الأولى (طريق البحر) من كتاب الكولونيل شربل بركات “المداميك”
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الأول…الحلقة الثانية

*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الأول…الحلقة الثالثة
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الأول…الحلقة الرابعة
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الأول…الحلقة الخامسة

*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الثاني…الوصول إلى عين إبل/الحلقة الأولى
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/ الفصل الثاني…الوصول إلى عين إبل/الحلقة الثانية
* ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثاني…الوصول إلى عين إبل/الحلقة الثالثة
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الأولى
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الثانية
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الثالثة
*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الرابعة

*ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الثالث/الحلقة الخامسة
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الرابع/الحلقة الأولى/سيطرة المنظمات
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الرابع/الحلقة الثانية
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الخامس/الحلقة الأولى/الجدار الطيب
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل الخامس/الحلقة الثانية
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السادس/الحسم والحصار/الحلقة الأولى
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السادس/الحسم والحصار/الحلقة الثانية
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السابع/الخطف/الحلقة الأولى
ملاحظة/اضغط هنا لقراءة كتاب الكولونيل شربل بركات “مداميك”/الفصل السابع/الخطف/الحلقة الثانية