علي الأمين/إيران بطلة فيلم أميركي تأديبي طويل

111

إيران «بطلة».. فيلم أميركي «تأديبي» طويل!
علي الأمين/جنوبية/06 كانون الثاني/2020

أثار خبر مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس بغارة أميركية توتراً بين أميركا وإيران، حول كيفية رد إيران وبرز تساؤل حول ما سيقوم به حزب الله في عملية الرد أو الثأر؟ تأخذ السياسة الاميركية تجاه ايران بعداً تأديبياً، كما هو مُلاحظ، اذ لم يعكس قرار اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني تحولاً استراتيجياً اميركياً تجاه ايران التي لم تزل هدفاً للتفاوض يؤمّل الرئيس الاميركي تحقيقه.

ففي خلاصة التحليلات والتسريبات من الصحافة الاميركية أنّ واشنطن كانت تهدف من وراء اغتيال سليماني المحافظة على قواعد اللعبة مع ايران في العراق، بعدما تجاوزت ايران وسليماني على وجه التحديد هذه القواعد، سواء بما قالته وزارة الدفاع عن ضربة استباقية لمخطط كان يعدّه سليماني، أو بما جرى امام السفارة الاميركية من محاولات اقتحام قام بها افراد من الحشد الشعبي وبعض قياداته.

في المقابل فان العراق يشكل بالنسبة للسياسة الايرانية بعداً استراتيجياً يتصل بـ”الهلال الشيعي” الذي يشكل مصدر النفوذ الايراني في المشرق العربي. بين الغاية التأديبية الاميركية والهدف الاستراتيجي الايراني في العراق، يساهم الانقسام السياسي الاميركي بين الجمهوريين والديمقراطيين حول عملية اغتيال سليماني، باحداث ارباك اميركي حيال الخطوات العسكرية التصعيدية ضد ايران، بحيث أنّ ايّ قرار عسكري أميركي لاحق، يخضع اليوم لحسابات داخلية تتصل بعدم وجود اجماع على السياسة الخارجية.

خطاب نصرالله
من هذه الزاوية يمكن قراءة خطاب امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله امس، في حفل احياء ذكرى سليماني في الضاحية الجنوبية، حيث تحاشى نصرالله في خطابه توجيه ايَّ تهديد مباشر بالرد على عملية الاغتيال، فهو لم يهدّد اسرائيل ولا واشنطن بغير ما هو معروف من مواقف تقليدية له تجاه اسرائيل أو الوجود الاميركي في المنطقة. لكن نصرالله ركّز على نقطة اساسية كررها لمرات عدة، أنّ ما قبل ٢ – ٢ – ٢٠٢٠ هو غير ما بعد هذا التاريخ، كما انه تحدث عن وجود مشروعين وحيدين في المنطقة هما مشروع اميركا ومشروع ايران، واشار باستهزاء الى الذين لا يعرفون “وين الله حاططن” في اشارة الى بعض من لم يقرّر في ايّ من المشروعين هو.

انطلاقاً من ذلك فان الخيار الذي يتّجه اليه نصرالله، ليس الثأر كما كرر في كلمته، بل الاستمرار في معركة تحقيق الاهداف التي حملها سليماني، ايّ أنّ لا جديد يفرضه عليه هذا الاغتيال في مواجهة اميركا، خصوصا ان ايران بدأت عملية الردّ كما قال، وهذا تخفُّف من حمل الأعباء التي لا يرى نصرالله حاجة لحملها في لبنان، فهو يسيطر على لبنان واطلق قبل اغتيال سليماني قرار تشكيل حكومة الأكثرية التي يتحكم بها.

المعركة في العراق
لذا فان العراق هو الساحة الفعلية التي تتطلب العون لتعزيز نفوذ ايران، والمعركة الفعلية التي تخوضها ايران بعدما استحكمت على مفاصل السلطة في لبنان، لذا كانت اشادته بالحكومة العراقية ورئيسها المستقيل، في سياق تعزيز خيار الابتعاد عن واشنطن والعمل على اتخاذ الاجراءات القانونية لاخراجها عبر البرلمان والحكومة، (وهذا له حديث اخر له تعقيداته القانونية والسياسية).

يجب التذكير ان الانتفاضة العراقية التي استشعرت ايران منها قلقاً على نفوذها، هي الهدف الحقيقي الذي تريد ايران التخلص منه، ويأتي اغتيال سليماني وابو مهدي المهندس، فرصة لتغيير المشهد في العراق، من انتفاضة كان اخراج ايران من العراق العنوان الابرز في مطالبها، الى مشهد شعبي آخر عنوانه اخراج القوات الاميركية من العراق.

تصويب نصرالله كان على بلورة هذه الصورة وهذا المشهد المبتغى، بمعنى ان الردّ على اغتيال سليماني لن يكون بأقل من اغتيال الانتفاضة العراقية التي قال المرشد علي خامنئي “تحركها اميركا واسرائيل” وبالتأكيد اغتيال الانتفاضة اللبنانية التي تحركها السفارات كما قال والمح نصرالله وحلفاؤه في العديد من المحطات.

بعد اغتيال عماد مغنية في شباط من العام ٢٠٠٨ في دمشق، لم يرد حزب الله حتى اليوم على اسرائيل التي اتهمها باغتياله، ولكن الردّ كان في ٧ ايار الشهير من نفس العام.

الرد اليوم لن يكون ضد ترامب ولا اي مسؤول اميركي، بل عبر الانقضاض على مشهد الانتفاضة بوسائل امنية وسياسية في لبنان والعراق. بهذا المعنى يمكن فهم كلام نصرالله عن ما بعد تاريخ ٢ – ٢ – ٢٠٢٠.