الياس بجاني: الضمير والخجل هما الله في داخل الإنسان/Elias Bejjani: Conscience and Shame Are God

176

الياس بجاني: الضمير والخجل هما الله في داخل الإنسان
12 أيلول/2019
 Conscience and Shame Are God

إن الحرية المتفلتة من محاسبة الضمير، والبعيدة كل البعد عن أحاسيس ومشاعر وعن كل مقومات الحياء والخجل، والمتعامية عن ضرورة الخوف من الله ومن يوم حسابه الأخير هي حرية مدمرة وسرطانية لا تقود إلى غير مسالك الخطيئة وإلى الوقوع في أوحال وشباك التجارب الشيطانية.

الله الذي خلقنا على صورته ومثاله ووهبنا نعمة الحياة ودعانا أولاده هو يحبنا ويريدنا أن ان نعود إلى مساكنه السماوية التي اشادها لنا لنكون إلى جانب البررة والملائكة والقديسين حيث الفرح الدائم والأبدي.

ولكن، ومن أجلل أن نستحق السُكن في هذه المنازل السماوية مطلوب منا أن نحيا حياة أرضية ترضي الله في كل افعالنا وأقوالنا وحتى في أفكارنا وبحرية ولكن بمفهوم الله وبتعاليمه لهذه الحرية.

الله منحنا الحرية المطلقة ولكنه وحتى يتمكن من تنبيهنا لكل ما هو مهدد لإيماننا ولحريتنا بقي في داخلنا من خلال الخجل والضمير.

ومن هنا فمن من يقتل نعمتي الخجل الضمير بداخله فإنما هو يبعد الله عنه ويبقي نفسه عرضة للتجارب وللنزعات الغرائزية وذلك دون حماية أو تنبيه أو محاسبة للذات.

من المتفق عليه أنجيلياً بأن هدف كل تعليم أخلاقي في المسيحية يبغي اقتياد الإنسان إلى الحرية الحقيقية التي تتحقق بالرب يسوع المسيح: “تعرفون الحق والحق يحرركم” (يو 8: 32).

هكذا يدعونا الإنجيل، وتدعونا الكنيسة، إلى “حرية مجد أبناء الله” (رو 8: 21)، التي تتحقق عندما نحيا وصايا الرب ونسمع كلمته ونستنير بتعاليم قديسيه.

من هنا فإن أي دعوة إلى أي نوع أو نمط أو اسلوب لمفهوم الحرية خارج الحق، وبعيدا عن المسيح وسيادته على حياتنا، هي انغلاق لقلب الإنسان وأسر الخطيئة لنفسه في الأوهام والأهواء المعابة.

الحرية في مفهومها الإنجيلي هي أن “لا يتسلط شيء” على الإنسان.
“كل الأشياء تحل لي، لكن ليس كل الأشياء توافق. كل الأشياء تحل لي لكن لا يتسلط علي شيء” (1كو 6: 12).

بهذه العبارات، أوضح الرسول بولس حدود حرية الإنسان على المستوى الأخلاقي. فالمؤمن بالرب لا يسمح لأي فكر أو ممارسة أو عقلية أن تقيده أو تحرمه من حريته الممنوحة من الله.

الإنسان خلق على صورة الله ومثاله، أي على صورة حريته. هو في تكوينه كائن عقلي حر، وسيد على الخليقة، وهو مدعو إلى المحافظة على هذه النعمة الفريدة التي تميزه عن سائر المخلوقات.

الإنسان الذي يخاف الله ويوم حسابه الأخير هو مدعو إلى النمو في الحرية والسيادة والحكمة والإدراك، وإلى بلوغ كمال الحرية التي تُعطى له في مسيرة نموه الروحي من خالقه الكريم والمعطاء والمحب، ووكذلك في عمله على تنمية مواهبه الخلاقة، وفي العطاء والبذل والتضحية.

تتحقق الحرية في المسيحية بانفتاح الإنسان على نعمة الروح القدس وليس في ممارسات الشواذات الجسدية بكافة مواصفاتها المرّضية.

الحرية هي قدرة كل واحد منا على امكانية تحطيم أغلال الخطيئة وإبعاد كل ما من شأنه أن يؤذيه أو يدخل الظلمة إلى نفسه ويبعده عن الله وعن كل الأخلاقيات.

الحرية هي انطلاق الإنسان إلى ملء الحياة، في التوبة والجهاد والتنقية والمحبة.
الحرية هي المناعة النفسية والروحية ضد كل خطيئة وشر، والتي يقتنيها المؤمن بتمرسه على الاعتراف بخطاياه بصدق والتجائه المستمر إلى المعونة الإلهية.

يحرز الإنسان الحرية بالتربية الصالحة والتدرب الشجاع على طاعة الله واستمداد القوة منه.

يُعطي البشر تعريفات مختلفة للحرية بحسب ما يوافق غاياتهم وتطلعاتهم وتشرّع شوذاتهم وممارساتهم غير السوية.

والبعض يعتبرون الحرية قيمة أخلاقية إنسانية فقط طبقاً لمعاييرهم وبالتالي بثقافتهم هي مجردة من كل بعد إيماني وتتغير وتتبدل وتتلون لتتناسب مع اجنداتهم واطماعهم وشوذاتهم الأرضية.

هذه الحرية غير إيمانية هي في حقيقة أمرها أداة ومجرد أداة بعيدة عن الله وعن تعاليمة ومفرغة كلياً من العطاء والتضحية والتجرد والأهداف النبيلة .. وهي بمفهومها الشارد هذا تستعبد الإنسان وتقتل الله بداخله الذي هو الضمير والخجل وتجعله عبداً لغرائزه والشهوات الجسدية والترابية.

إن ما يدعو إليه البعض ويعيشه اليوم باسم الحرية من تفلت لا مسؤول، وغوغائية، وضياع للقيم، وتمحور أناني حول الذات، وإرضاء للشهوات المظلمة، فهو في حقيقته تذرع غير صادق بأفكار تجرد الإنسان من أثمن ما في حياته، من صورة الله فيه ومن إمكانية النمو وبلوغ “ملء قامة المسيح” (أف 4: 13).

لا يحقق الإنسان إنسانيته إلا في المسيح، وأي كلام غير هذا هو ضياع، بل تضليل، لمن يبحث عن معنى الحياة وعن غاية الوجود.

واجبنا كمؤمنين نؤمن بالعطاء دون مقابل وبواجبات الأبوة والأمومة المقدستين، واجبنا أن نصون أبناءنا من كل أذى، وأن نحميهم ممن يحاولون أن يسبوهم بأفكارهم الدهرية العالمية الغريبة عن الإنجيل وعن وصايا الرب يسوع. واجبنا أن نحميهم من كل شر متأت من كل حرية زائفة، وأن نقودهم، كرعاة ومعلمين وأهل، إلى ينابيع ماء حية.

“الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف” (يو 10: 11) لا سيما إذا ما شاهد الذئب مقبلا. لذا، من واجب المؤمن أن يتصدى بقوة سلمية وحضارية بشجاعة لكل ما من شأنه أن يسيء إلى حرية أبنائه من فن أو فكر أو عادات أو انحرافات وأنماط عيش شاذة.

الحرية هي صورة لكمال الله ومحبته. الله، بملء حريته، يخلق الكون من العدم، ويبدع الإنسان، ويسكب فيه نعمته، ويتدخل في تاريخ الخلاص من أجله.

الرب، من أجل عظم جلال محبته، وبحريته المطلقة، تجسد من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، وقبل الصليب طوعا من أجلنا، وفتح للانسانية جمعاء الطريق إلى الحق والحياة لأنه هو كان وما زال “الطريق والحق والحياة” (يو 14: 6).

طاعتنا لله ولناموس المسيح هي الضمانة الوحيدة لحرية الإنسان، ولازدهار حياته “بالروح والحق” (يو 4: 23)، وللفرح الحاصل بخلاص الرب. وحدها الطاعة لله تضمن حرية الإنسانية وانعتاقها من كل شر وظلمة.

لذلك، يفتخر الرسول بولس بأن يسمي نفسه في أكثر من رسالة “عبد يسوع المسيح” (رو 1: 1).

هذه التسمية في الكتاب المقدس هي أحد أقوى التعابير عن الحرية الحقيقية التي يمكن للانسان بلوغها.

هي اتحاد الإنسان الكامل بالله، وامتلاؤه من نوره الإلهي، وغلبته على كل ظلمة وقباحة وخطيئة في هذا الدهر.

هذه التسمية هي الانعكاس الكامل لمحبة الله في قديسيه الممجدين بالنعمة، والذين أضحوا، بانفتاحهم الكامل على النعمة المحيية والحق المحرر، آنية مختارة للثالوث القدوس. ألا جعلنا الله القدوس من عداد هذه الآنية المختارة.

ملاحظة: اضغط هنا لقراءة المقالة التي في أعلى بنسختها الإنكليزية

ملاحظة: التأملات في أعلى مستوحاة من روحية عظة للمطران الياس عودة تناول من خلالها مفهوم الحرية .

*الكاتب ناشط لبناني اغترابي
عنوان الكاتب الالكتروني
Phoenicia@hotmail.com
رابط موقع الكاتب الالكتروني على الإنترنت
http://www.eliasbejjaninew.com