الدكتورة رندا ماروني: وثيقة وخطاب

467

وثيقة وخطاب
الدكتورة رندا ماروني/24 حزيران/17

ما غُيِّب من وثيقة بعبدا ظهر في خطاب السيد، لقد أتى الخطاب مكملا للوثيقة وموضحا الصورة المشرقة للدولة.. فإذا كانت الدولة في تفسيرها العلمي تضم الأرض والشعب والمؤسسات فهي في لبنان لها تفسير خاص خارج عن الإطار العلمي للتفسير، فهي الشعب والجيش والمقاومة.

ماذا يعني عمليا هذا التفسير بالمقارنة مع الأساس العلمي للمعنى؟

في الأساس العلمي الشعب مصدر السلطات والمؤسسات تستمد شرعيتها من الشعب الذي أولاها ثقته نتيجة لانتخابات عادلة ونزيهة لفترة معينة، لكي تحتكر شرعية استعمال القوة وتطبيق القانون على بقعة جغرافية محددة بمساحة الوطن وتقوم السلطة العليا بالبت في الأمور المهمة، كإعلان الحرب وعقد السلم وإبرام المعاهدات ومراقبة المسؤولين عن حسابات الدولة وسن القوانين، والديمقراطية تفترض التواصل بين الحكام والمحكومين والانتخابات هي وسيلة هذا التواصل الأساسية فالشعب ينقل همومه وهواجسه إلى من هم في السلطة وعلى هؤلاء بصفتهم ممثلين عن الشعب العمل على وضع سياسات تلبي مطالب الشعب وتستجيب لتطلعاته ويأتي الحساب يوم الانتخابات، فالانتخابات إضافة إلى كونها وسيلة لتمثيل الناخبين هي وسيلة محاسبة أيضا، والمحاسبة هي الضابط الأساسي لممارسات من يتولى السلطة بإسم الشعب، وفي غيابها تفقد الديمقراطية قيمتها عمليا من ناحية أخرى تشكل الانتخابات وسيلة لتداول السلطة ووسيلة لتجديد الحياة السياسية، وتجديد الحياة السياسية ملازمة للديمقراطية وهذا ما يفرقها عن الأنظمة الديكتاتورية المصابة بالرتابة والركود.

وإذا أعدنا النظر في التفسير العلمي لمعنى الدولة مقارنة بالدولة اللبنانية نرى أن الثلاثية، أي الأرض والشعب والمؤسسات، قد استبدلت ليحل محلها الشعب المكبل الغير قادر على المحاسبة نتيجة لقوانين انتخابية جائرة، أما المؤسسات جردت من مضمونها السلطوي في احتكار شرعية القوة التي أوكلت لها من الشعب وابقي على مؤسسة الجيش الخاضعة لسلطة منزوعة السيطرة في رسم السياسات الإستراتيجية التي تصب في مصلحة الدولة، أما الأرض ذات الحدود سحقت بقرار مقاومة عابرة وخارقة للحدود.

وفي غياب الحدود لا لوجود لدولة، الأرض هي المساحة المحددة للدولة ولا دولة من دون مساحة وتتوج هذه المساحة ببعد حضاري له تاريخ وأساس أيديولوجي مكون وأهداف واستراتجية واضحة تنطلق من هذا المسار الطويل لتصب في المصلحة العليا لهذه الأرض وهذه الحدود، أما المشاريع العابرة لحدود هذه المساحة فلها تواريخ أخرى وأيديولوجيات جديدة طارئة لا دخل لها لا بتاريخ لبنان ولا بايديولجيته ولا بمصلحته ولا بحدوده.

هذه المعادلة الغير علمية المفروضة على الشعب اللبناني وعلى الدولة اللبنانية ظهرت بجزء منها في وثيقة بعبدا، فظهرت كوثيقة استسلام وخضوع سياسي كامل، واستكملت في خطاب السيد، لتظهر الصورة جليا كما هو واقع الحال، لقد تجاهلت الوثيقة كليا الموضوع السيادي ومسألة احتكار شرعية استعمال القوة والاستراتيجية الدفاعية وأبدت انزعاجها من الصوت المعارض.

ففي الشكل وكما وزعت الدعوات وكما أفادة وكالة الأنباء المركزية فإن جدول الأعمال تضمن سبعة بنود، تناول البند الأول موضوع إنشاء مجلس الشيوخ.

إن تناول موضوع إنشاء مجلس الشيوخ يشكل مخالفة دستورية للأسباب الآتية:
لقد نصت المادة 95 من الدستور اللبناني على أن مجلس النواب هو المخول في اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وهو المخول في تشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية وبعد أن تتم عملها هذه الهيئة أتت المادة 22 لإكمال مضمون المادة 95 حيث مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي يستحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية، فكيف يدرج هذا الموضوع كبند أول للبحث ولم تشكل بعد هيئة وطنية لدراسة إلغاء الطائفية السياسية كما وأنه ما زالت المناقشات الزعماتية في صياغة القانون الانتخابي العتيد تحت مسمى الحقوق الطوائفية شاخصة في الأذهان.

لقد صوب المسار الرئيس نبيه بري وأخمد حماس باسيل وأتت الوثيقة خالية من ذكر أي بند متعلق بهذا الموضوع.
لقد استطاع الرئيس بري نقل لبنان إلى النظام النسبي ولو كانت هذه النسبية مجتزئة دون أن يحصل الطرف المقابل على ضمانة طائفية كضمانة مجلس الشيوخ وهنا يكمن الإبداع.

أما وثيقة بعبدا التي وصفت بأنها استكمال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني ففي الشكل لا يجوز البحث في مصير الشعب اللبناني في ظل استبعاد القوى السياسية المعارضة فالمهمة حسب الدستور منوطة بمجلس النواب والدستور واضح بهذا الخصوص وواضح أيضا لجهة إشراك شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية
أما من حيث المضمون فلقد غيب البند الأهم من استكمال تطبيق وثيقة الوفاق الوطني الا وهو استرجاع حق مجلس الوزراء في تقرير الحرب والسلم وحده دون شريك حسب ما نصت المادة 65 من الدستور

ما غاب عن وثيقة بعبدا أتى خطاب السيد ليعلنه ويقول الأمر لي في الحرب والسلم ساعة أريد وساعة أشاء، أما أنتم تستطيعون التسالي والالتهاء في صياغة عدد من البنود لكي توهمون أنفسكم كما الشعب اللبناني، أنكم على متن دولة، لقد أتت الأكثرية النيابية على مجلس النواب في العام 2009 تحت شعار بناء الدولة ، فأين أنتم من هذا الشعار؟ فبين وثيقة وخطاب كثر الإرهاب وتدحرجت المفاهيم وبانت الأنياب…
وثيقة وخطاب
وعصر إرهاب
تدحرجت المفاهيم
وبانت الأنياب
لتنهش وطنا
وتدمي شعبا
دون رحمة
ودون إحتساب
إلا لغلة
نفيسة الوصف
مطرزة النسج
مذهبة الأكواب
فهي الغاية
الآية والرآية
أما المعلن
متقن الخديعة
مطول الإسهاب
لقلب الحقائق
وتحوير الشروح
بغير إتجاه
وأسر الألباب
فالإيهام وسيلة
والتهويل أخرى
لتزوير تاريخ
ونيل الألقاب
عقول العفاريت
لا تقبل نقدا
فالنقد عندها
حالة حساب
ترميها بذم
فتقول نغم
هذا الصحيح
هذا الصواب
نحن الآمرون
ثرثروا ما تشاؤون
فالقافلة تسير
من دون محاسبة
من دون عقاب
نتقاسم المهام
نطلق السهام
فالعصر إرهاب
مترجم في وثيقة
موثق في خطاب
تدحرجت المفاهيم
بانت الانياب