نبيل بومنصف/إياكم والشغور الثاني

90

إياكم والشغور الثاني!
 نبيل بومنصف/النهار/21 تشرين الثاني 2016

لنكن واقعيين، السذّج وحدهم كانوا يتوقعون اقلاعة معبدة بالورود للعهد العوني، ولكن احدا لم توقع ان يحصل ذلك مبكرا على هذا النحو.

لا يتصل الامر حصرا بتعقيدات تأليف الحكومة من الناحية المحاصصية التي لم يكن ممكنا تجاوزها بسرعة وسط اختلاط عوامل التناقضات المتدافعة ضمن تركيبة يراد لها ان ترسم هيكل السياسات العريضة للعهد والحكومة من اول الطريق.

بل الأهم هو عامل الاعتراض المبكّر الذي بدأ ينشر مؤشراته حول احدى الرافعات الرئيسية للعهد المتمثّلة بالتحالف الثنائي المسيحي بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” من خلال الرمي المركز سياسيا واعلاميا على حجم تمثيل “القوات” في الحكومة والتعامل معه كفقاعة مضخمة يراد لها تغيير قواعد التوازنات السياسية مع العهد العوني.

يعرف الجميع ان هاجس سطوة ثنائية مسيحية تنتاب قوى مسيحية أخرى أولا وقبل الشركاء الآخرين. ولم يكن مفاجئا ان تتردد أصداء هذا الهاجس لدى الفئات المسيحية الحزبية والمستقلة قبيل انتخاب الرئيس العماد ميشال عون وبعده لأن الساحة الانتخابية والسياسية الأساسية التي ستشهد تداعيات واقع التحالف الثنائي العوني – القواتي تتصل بالشارع المسيحي اولا.

ولكن المفاجأة الحقيقية التي تكتسب دلالات شديدة التعبير تبرز في معالم الريبة الآتية من مقلب الثنائي الشيعي والتي كان صوت الاعتراض العاجل الذي صدر عن الرئيس نبيه بري حيال موقف الرئيس عون في زيارته لبكركي بمثابة “مفرزتها السباقة” وأعقبتها مؤشرات متتالية في معركة الأحجام السياسية الدائرة عبر عملية تأليف الحكومة.

لا ندري ما اذا كان الرئيس المكلف سعد الحريري الذي بات خبيرا متمرسا في التزام الهدوء والصمت وقت احتدام الأزمات قد اكتشف حقيقة ثابتة وهي ان ما صنع قبل انتخاب الرئيس يختلف عما يراد صنعه بعد الانتخاب.

 هي حقيقة ليس الرئيس الحريري وحده معنيا بها بل اكثر الافرقاء المنخرطين الآن في البحث عن سر اندفاعة قلقة من امكان ان تشكل الحكومة الجديدة عنوان تبديل جوهري في ميزان القوى الداخلي.

وربما يتعين الإشارة هنا الى ان ثمة “نشوة” مسيحية راحت بعيدا في التغني بالرئيس القوي والثنائي القوي والواقع الذي يراد استعادة توازنه حركت بقوة حساسيات وحسابات كانت في طور المهادنة واستفاقت على نذير هذا المنحى.

تبعا لذلك سيغدو طبيعيا التساؤل عن سبل تسييل شعار الميثاقية وتصحيح المشاركة المختلة واستعادة التوازن المفقود ما دام تأليف الحكومة ايقظ معركة لم تكن في الحسبان في هذا التوقيت المتسرع.

 ولعلنا لا نغالي ان تساءلنا هل ثمة ما لا ندركه بعد من اسرار غلفت انهاء ازمة فراغ رئاسية قياسية لندخل في غياهب أزمة شغور حكومية تحت وطأة صراع الاحجام والأدوار الذي يحاصر استيلاد الحكومة الجديدة؟