مرزوق الحلبي: صورة حزب الله الحقيقية/زهير قصيباتي: لخليج ولبنان والأفعى/محمد اليامي: صباح الحرف/صوت لبنانيي الخليج

334

صورة «حزب الله» الحقيقية!
مرزوق الحلبي/الحياة/02 آذار/16

كل ما فعله «حزب الله» في لبنان منذ انضوائه تحت عباءة ولاية الفقيه هو فعل قوة واستقواء على الشركاء في البلد، ولا علاقة له بمفهوم الشرعية أو الصدقية. بل إن كل التفاهمات معه منذ الطائف حصلت كمحصّلة لفائض قوته العسكرية مقابل الدولة والقوى التي تشكّل المجتمع اللبناني. وما فعله هو إصراره على اللعب بالقوة لا بالسياسة، واستغلال الدولة لا الانضواء تحت سلطة قانونها. فسلاحه موجه بالأساس نحو رأس دولة المؤسسات لأنه يشكّل نقيضاً لمفهوم الدولة قولاً وفعلاً، أيديولوجياً وممارسة على الأرض. أما وجوده في البرلمان فهو للتستّر على ما ذهبنا إليه وللظهور بمظهر اللاعب الشرعي في البرلمان وفي السياسة، وهذا علماً بأنه مستعدّ، كما فعل دائماً، لإطلاق النار على رأس السياسة واستبدالها بالعنف تحت تسميات مختلفة. فهو هكذا فعل كلما لاحت بوادر اقتدار السياسة على العنف والدولة على الميليشيا والسيادة الوطنية على الولاء لمرجعيات لا وطنية مثل ولاية الفقيه أو طاغية الشام. صحيح أن «مقاومة» إسرائيل في الجنوب اللبناني غطّت لردح من الزمن على ما يعرفه اللبنانيون بصغارهم وكبارهم. وصحيح أن الاحتلال السوري للعاصمة نحو ثلاثين عاماً أعطى مزيداً من القوة لـ «حزب الله» كمقاول أساسي مرة وثانوي لمشاريع إقليمية. لكن «قبول» اللبنانيين بهذا الواقع لم يكن من شرعية دور «حزب الله» ولا بتفويض من الدولة، بل لأن الحزب كان ولا يزال أقوى من الدولة وأقوى من كل الفرقاء الشركاء مجتمعين ومتفرّقين من الناحية العسكرية ـ ليس إلا! لقد حاصر «حزب الله» الدولة بالقوة العسكرية وهددها بما لديه من قُدرة على مصادرتها تماماً وعلى كنسها تحت خبط ألويته، وأغدق بالدولارات الخضراء على عناصره وعوائله. بل بدا قادراً على الاستحواذ على مناطق هُجّر منها من هُجّر من السكان غير الموالين له. هذا ما يعرفه اللبنانيون وغيرهم. وهذا ما ينبغي أن نقوله لـ «حزب الله» والمنافحين عن عُنفه والمتمسكين بصورته منقذاً ومخلّصاً ـ ولا أعرف ممَا! إن دخول قوات «حزب الله» الحرب ضد الشعب السوري إلى جانب طاغية الشام ضعضع الى حد ما صورته وتمثيلاته. كما أن خطابات السيد المبتسم لم تعد تسحر إلا عند مستبطني القهر التواقين إلى «بطل» ولو لفظياً. ومع هذا لا يزال الحزب قوياً بما فيه الكفاية ليفرض حالة من الصمت على جرائمه في سورية والتستّر على قبضته المشدودة حول عنق بيروت وأهلها ولبنان وتاريخه ومستقبله. ومن هذه الجرائم اللعب بمصير لبنان ووضعه بكامله شعباً ونظاماً ودولة وإنساناً رهن الوضع في سورية، يناور به بما يليق بمتجبّر في بورصة تثبيت الطاغية أو فرض شروط لرحيله!
هذه هي صورة «حزب الله» كما مارسها وجسّدها هو بنفسه. وحين يموت الحياء ـ تقول النظرية الاجتماعية ـ تموت السياسة أيضاً. أما عجز اللبنانيين حتى الآن عن قول ذلك أو تغييره فلا يغيّر من هذه الحقيقة في شيء ـ «حزب الله» قوة لا وطنية في لبنان تبتزّ الوطن وأهله يومياً في سبيل مشاريع خارجية. لا بدّ أن يتأثّر الحزب ضعفاً أو قوة بما ستؤول إليه الأوضاع في سورية. ونرجح أن يلجأ إلى القوة في الحالات المحتملة على اختلافها. فضياع سورية كمنقطة نفوذ وانقضاض إيرانية يعني اتساع مهمات الحزب وتعاظم مكانته بالنسبة الى إيران. وإذا استتب الأمر فيها لمصلحة روسيا ونظام الطاغية وإيران يرجّح أن يركّز الحزب على تنفيذ كامل مشاريعه في لبنان إلى حدّ مصادرته. إنها في نهاية الأمر ليست لعبة المحاور الإقليمية فحسب، بل هي أيضاً ديمغرافيا التمدّد السكاني وصولاً إلى الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط .

الخليج ولبنان والأفعى
زهير قصيباتي/الحياة/02 آذار/16
ضربة كيماوية طائشة قد تصيب لبنان في أي وقت… أليس هذا ما يبشّرنا به الروس الذين باتوا مقتنعين بأن «داعش» وجماعات إرهابية استخدمت سلاحاً كيماوياً في سورية والعراق؟ يعدوننا أيضاً بفيديرالية لسورية يضمنونها ويحرسونها، ولمَ لا؟ أليست الدولة العراقية الاتحادية نموذجاً جديراً باقتدائه، واللحاق به، إلى الجحيم؟ بين الرعب من الكيماوي و «زيكا» النفايات الذي وحّد المناطق اللبنانية بلا عصبيات، ورغماً عن خرائط النفوذ ومصالح الكبار، بات السؤال: متى يشدّ اللبنانيون رحالهم إلى بقعة ما في العالم، عقاباً لساستهم؟ ولكن، هل يُجمعون على معاقبتهم، وهم لا يهدرون فرصة للبحث في ما يطمئنهم إلى مصيرهم ومستقبل أجيال، ونقلهم إلى نعيم رفاهية، لا يشبهه إلاّ تقدُّم بلدان اسكندينافيا؟! أمن لبنان اليوم يشبّهه «مصدر» بالأفعى الواقفة على ذيلها… متى تَعِبَت انهار الهيكل على رؤوس الجميع. لكنهم موعودون بالحلول، بدءاً من تحصين البيئة إلى بلديات تحمي الوطن ودستوره، رغم غياب رأسٍ للجمهورية.
سيل التحذيرات من الانفجار، ينهمر يومياً، فيطمئن اللبنانيون إلى ثبات جمهورية الاضطراب على حالها. ما المشكلة في التعايش مع أوبئة النفايات، وأي مسألة تستحق القلق ولو بقي قصر الرئاسة باحثاً عن مطلوب لفرصة «ذهبية»؟… فقر وبطالة وشاشات تحتفل بالأصوات الصاعدة، لكنها لا تهمل الأصوات النشاز في السياسة التي لا تملّ مهنة تحقير الآخر اللبناني وتكفيره لتهجيره. هذه حالنا ومَنْ لا يعجبه فليحزم حقائبه ويرحل! هذا لسانهم الذي سقط بالإعلام إلى ما دون الحضيض، بعدما جعل السياسة بازار شتائم… مَنْ يشتم أكثر يسجّل نقاطاً لتثبيت أرجُله على أنقاض الدولة.
ولكن، ليست كل المنطقة ظلاماً ولا لبنان الضعيف- القوي الذي ذهب إلى سورية لمطاردة «التكفيريين»، وسيكون جاهزاً حتماً لمقارعتهم، ولو في الصين. أليس ذلك كافياً ليطمئن اللبناني إلى مصيره؟! لماذا يقلق بعضهم إذاً من «الفوضى الأمنية الشاملة» التي تنقّلت من منطقة إلى أخرى؟ الأفعى ما زالت صامدة، على ذيلها. وعلى ذيلها يتذاكى الجميع. نحن اللبنانيين لا نخشى فتنة، ولا حتى الأسلحة الكيماوية، ولو كانت في يد «داعش». لبنان أقوى، هو وطنيّ لأنه باقٍ في الجغرافيا، وإقليميّ لقدرة بعض مَنْ فيه على تصدير القوة إلى مشارق المنطقة ومغاربها، ودوليّ لأنه يحجز مكاناً في عالم ما بعد الاتفاق النووي الإيراني.لعله لن يكون عالم كيماوي «داعش»، ونفايات تفضح عقم السياسة، وحبل فقر وبطالة، يشد على أعناق اللبنانيين ممن هم ليسوا «فئة ممتازة».
مع كل ذلك، رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط المرتاح إلى «تنوُّع المجتمع الإيراني» في الانتخابات، لا ينسى مناشدة مساعد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان أن «يفرجنا»، لينطلق قطار انتخابات الرئاسة في لبنان. يعترف جنبلاط أيضاً بـ «النظام الطائفي المتخلّف» في البلد، والذي يحرم اللبنانيين من مناعتهم إزاء شرارات الفتنة الطائفية- المذهبية. لكنّ السؤال الذي لن يجدي تكراره حتماً، هو كيف يحق للإيرانيين التنوُّع والاختيار، ويحجبونهما حيث أصابع نفوذهم في المنطقة العربية؟
هل سُمِح للبنانيين ودولتهم باتخاذ موقف من التدخُّل في سورية والبحرين واليمن والعراق؟ هل تسمح القوة المهيمنة في الدولة، باستفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة، لإخراج لبنان من العناية الفائقة، وإنقاذه من ورطة «النأي بالنفس» عن الإجماع العربي؟ هل تقبل أي قوة في لبنان بالرضوخ لغالبية الرأي العام؟
إنه العقم الذي أصاب الصيغة اللبنانية، بعدما حرمت مرحلة الوصاية السورية وبعدها الإيرانية، البلد من استكمال تطبيق اتفاق الطائف، لأسباب معروفة. إنه العقم في ابتداع مخرجٍ يليق باللبنانيين، فلا يخشون مسيرة أو تظاهرة، ولا يندفع لسان بالشتائم. وللمقارنة فقط، مَنْ يصدّق أن إيران تصدِّر مكوّنات «نووية»، ونحن عاجزون عن تصدير نفايات؟! نصدّق أن إيران حتى في عز عهد الإصلاحيين، أطلقت العنان أو لم تتصدَّ لمشاريع «الحرس الثوري» في المنطقة، وطموحات الامبراطورية… وأن إيران حسن روحاني منفتحة على الغرب لمصلحتها لا لمصلحة العرب الذين لم تخطُ بعد خطوة واحدة باتجاه مصالحتهم وفتح باب الحوار معهم، فيما تحتجز انتخابات الرئاسة اللبنانية رهينة، وتُبرّر للحوثيين خوض حرب مع شعبهم، وتحرّك خيوط «الحشد الشعبي» ومَنْ وراءه في العراق المتأرجح على حبال الفتن. جَذْرُ المشكلة في العلاقات اللبنانية- الخليجية أنّ وجه لبنان تغيَّر، وأنّ كثيرين من ساسته أفقدوه مناعته التعدُّدية، وغلّبوا «عضلات» النووي الإيراني على عروبته. جَذْرُ المشكلة- المأساة في لبنان هو تغييب العقل… وكلما غاب، علا الصراخ، وتحولت الشتائم سلاحاً أبدياً.

صباح الحرف/صوت لبنانيي الخليج
محمد اليامي/الحياة/02 آذار/16
الأخ اللبناني غسان الصفدي الذي يبدو من رسالته أنه مقيم في الخليج أسعدني برسالة بعثها يقول فيها: «أعجبني مقالك اليوم الســبت ٢٧ شباط (فبراير)، نحن اللبنانيين نطرح الســـؤال نفسه عن أنفسنا، ولا أسعني هنا إلا أن أتذكر مقولة للصحافي اللبناني المغدور جبران تويني بأنه تجب الاستعاضة عن برنامج التجنيد الإجباري الذي كان مفروضاً على الشباب اللبناني بإرسالهم كمغتربين للعيش خارج لبنان لفترة ليتـــعلموا وطنيتهم، وكيف يتعاملون بعضــهم مع بعض ومع محيـــطهم بعيداً من التقاليد والأعراف التي استحكمت بالحياة المحلية خلال العقود الماضية، والتي أدت إلى تدهور البلد سياسياً واجتماعياً وأخلاقياً.
لا يسعني هنا إلا أن أطلب منكم ومن الإخوة الحكماء مثلكم أن تكونوا الصوت الطاغي في البلدان العربية عموماً وفي الخليج خصوصاً، وألا تضعوا الأغلبية التي لا تزال تؤمن بالأخلاقيات والقيم بتعاملها بمحيطها العربي خصوصاً والدولي عموماً بالسلة نفسها التي للأسف تريد فئة صغيرة، ولكن مستقوية، أن تضعنا فيها. بدأنا نسمع أصواتاً في منطقة الخليج وعند ذكرها بعض التجاوزات والتصرفات الشاذة التي تقوم بعض المنظمات أو المجموعات اللبنانية بها باستعمال كلمة اللبنانيين بصورة عامة وهذا بالضبط ما تريده هذه الفئات التي اختطفت المنابر والشاشات». انتهت رسالته التي يعقّب فيها على مقالي «استيراد لبنان» التي تـــساءلت فيها لماذا لا يعيش الإخوة والأصدقاء اللبنانيون في بلدهم كما يعيشون في الخارج، يعيشون بسلام، لا يظهرون الطائفية، ولا يتحزبون إلا لطلب الرزق والمعيشة. هذه الرسالة ومعها رسالتان تصبان تقريباً في الاتجاه نفسه أخذتني إلى صوت لبنانيي الخارج، ليس الخليج تحديداً، حيث برزت المشكلة، ولكن في كل أنحاء العالم، وتذكرت تـــساؤل البعض هنا في الخليج عن أصوات المقيمين، ولماذا لا يستنكرون موقف الحكومة؟ وأجيب بسؤال: ترى أين القنوات التي يستطيعون من خلالها إيصال أصواتهم؟ يجب أن تذهب وسائل الإعلام المــرئي والمـــطبوع إليهم، وإذا كنا شهـــدنا تقريرين أو ثلاثة في بعض الصحف التي التـــقت مغـــتربين لبــنانيين في الشارع الخليجي من أصحاب المهن وأخـــذت منـــهم مقـــولات انطـــباعية، فإننا لم نشـــهد استكتاب أو اســـتنطاق ديبلوماسيين، واقتصاديين، وتنفـــيذيين في كبرى الشركات، وأصحاب أعمال، بل ومثقــــفين وشـــعراء في وســـائل الإعلام، وبالتالي لا يمكننا الحكم على صمتهم بقدر ما تمكننا إعادة النظر في طريقة إيصال صوتهم. وربما كان الاستثناء المهم نوعياً لكنه غير كاف كمياً، هو الكتاب اللبنانيون في الصحف العربية. لجأت الجاليات اللبنانية في الخليج إلى الإعلانات المدفوعة المرتفعة الكلفة للتعبير عن موقفها، أو فلنقل موقف الغالبية منها، وإذا كان البعض نظر إلى هذه الإعلانات كدفاع عن مصالحهم، فلا بأس في أن يقف الإنسان إلى جانب مصلحته، خصوصاً وهي تعبر في النهاية عن أن مصلحته كجزء من الصالح العام اللبناني تتطلب مواقف حكومية لبنانية واضحة في دعمها لمن يدعمها من دول الخليج، خصوصاً السعودية.