حزب الله يهدد موقع «جنوبية» أمنياً: هل بدأت سياسة الإلغاء الشامل/د. منى فياض: الموقف السعودي وعروبة لبنان أو حكايتنا مع بلاد فارس

260

 حزب الله يهدد موقع «جنوبية» أمنياً: هل بدأت سياسة الإلغاء الشامل؟
خاص جنوبية 2 مارس، 2016/

هو تهديد واضح، وبالأمن هذه المرة، بعدما فشلت كل المحاولات لكم أفواه المستقلين الشيعة العاملين في موقع “جنوبية”. والتهديد ينتشر منذ ساعات على وسائل التواصل الاجتماعي والمجموعات الخاصة بحزب الله والتي يديرها مسؤولون إعلاميون من داخل التنظيم الحزبي لإدارة الرأي العام الشيعي عموما. سياسة موقع جنوبية المحايدة والمعتدلة والمعارضة لكل ما يناهض اللبننة والوطنية، تصنف في ثقافة حزب الله “عمالة” لإسرائيل. كأنّ إسرائيل باتت في ذهن قيادة “حزب الله” هي حرية الرأي، حتى يتهم كل من له رأي خارج سياسته بالعمالة.
حزب الله الذي يخوّن كل من لا يمتثل له وكل من لا يصفق لمشروعه الإيراني الهوى والهوية. ولأن جنوبية موقع “شيعي الهوى”، فإن اعتداله يؤلم العقلية الحزبية. فالصوت الشيعي المعارض لحزب الله أكثر خطراً مئات وآلاف المرات على حزب الله من السلاح في أيدي معارضيه من السنة أو المسيحيين أو البوذيين. لأنّه صوت مختلف داخل بيئة هذا الحزب، ويعبّر عن شريحة كبيرة من الشجعان المجاهرين بآرائهم، أو الصامتين خوفا من “العمالة”. وربما هذا ما يؤلم حزب الله هذه الأيام، هو أنّ متابعي “جنوبية” داخل بيئته باتوا بعشرات الآلاف يومياً، وباتوا يزيدون عن 50 و60 ألفا وأحيانا عن 70 و80 ألفا يومياً، من لبنان ومن داخل بيروت وضاحيتها الجنوبية. لهذا يريد “حزب الله” القول لمن يجرؤ على إعلان وإشهار الاهتمام بجنوبية وبما يكتبه “متطوّعوها”، بأنّه سيعتبرهم إسرائيليين وليس أقلّ من ذلك. وهذه الموجات التخوينية ليست جديدة. آخرها كان قبل أشهر قليلة حين اتُهِمت بأنّها تجمع “شيعة السفارة”. يومها قالت “جنوبية” إنّها “شيعة السفارة اللبنانية في دويلة حزب الله” التي تأكل الدولة اللبنانية. اليوم موقع “جنوبية” يعلن أنّه عربي في الزمن الفارسي وديمقراطيّ في زمن قتل الآخرين وتخوينهم وتهديدهم وترهيبهم، ولمن كتب هذا البيان، نقول: “لن نخاف، وأعلى ما في خيلكم اركبوه”.
هنا نصّ البيان الذي يتوزّع على وسائل التواصل الاجتماعي:
“أفادت مصادر أمنية لبنانية أن الناطق الرسمي باسم الجيش الاسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي بات يشرف بشكل دوري على ما ينشر في موقع “جنوبية” لصاحبه الصحافي علي الأمين، وأكدت المصادر أن الأمين ينسق مع أدرعي بشكل مباشر عبر بريده الالكتروني، من جهة أخرى أكدت المصادر أن السفارة الأميركية في بيروت توقفت عن تمويل الموقع المذكور، فلجأ الأمين إلى أدرعي طالباً منه الدعم ، وجاءه الرد بالإيجاب بعد أيام مشروطاً بعدة شروط، وأهمها إشراف أدرعي وفريقه الألكتروني على ما ينشر في موقع جنوبية.
يذكر أن “جنوبية” موقع معارض لحزب الله ويكاد يكون متخصصاً في الهجوم على الحزب وجمهوره ومركزه يقع في الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله.”
هذا البيان مادة يتناقلها مناصرو حزب الله منذ ظهر يوم الثلاثاء، وهو يذكّرنا بما شهدته الأيام الماضية في مدينة بيروت من تهويل وشعارات مذهبية وتهديدات على خلفية فيديو تقليد السيد حسن نصر الله، الذي عرضته قناة mbc. لذا نضع هذا البيان بمثابة إخبار برسم قوى الأمن الداخلي والنيابة العامة التمييزية، وإذا ثبت ما جاء فيه ندعوها إلى اعتقال كلّ من يعمل في “جنوبية” ومحاكمة كلّ من يتّصل بالعدوّ الإسرائيلي، وبكلّ عدو للبنان، من المذهبية، وصولاً إلى التهديد بالقتل. ونحمّل حزب الله بشكل مباشر مسؤولية أيّ سوء قد يتعرض إليه موقع “جنوبية”.
بالطبع لن نكلّف أنفسنا عناء نفي هذا البيان الخرافي، لنكتفي بنشره كي يكون بمتناول الرأي العام، مع التأكيد على أنّ أقلامنا لن تقيّدها تهديدات وأنّ مشروعنا اللبناني مستمرّ وأنّ إيماننا بالثورات العربية سيظل سيّد كلامنا، وأنّ عروبتنا ليس للنقاش.

الموقف السعودي وعروبة لبنان أو حكايتنا مع بلاد فارس
منى فياض/العرب/02 آذار/16
تقوية مواقف حلفاء الداخل ومطالبتهم بالحزم ومساعدتهم على الصمود والضغط لانتخاب رئيس بأي ثمن أجدى وأنفع. عاقبوا الجزء وليس الكل. لن تنتهي التداعيات التي سببتها صدمة سحب المملكة العربية السعودية للهبة المقدمة للجيش اللبناني قريبا. لا شك أن السعودية، طالما دعمت الدولة اللبنانية، سواء داخليا أو في المحافل الدولية، وساهمت في إنهاء الحرب الأهلية الطويلة التي غرق فيها لبنان، وساعدت على إعادة إعماره في كل مرة تعرض فيها للاعتداءات الإسرائيلية، وخصوصا بعد حرب 2006 الأخيرة.
في المقابل كانت سياساتها التقليدية المعتدلة، خصوصا بعد اغتيال رفيق الحريري، تكبح أحيانا جماح بعض أطراف الفريق السيادي وتلزمه بتقديم تنازلات موجعة؛ الأمر الذي ساهم في إضعافه وترهله بشكل فقد معه روح المبادرة والصمود، فأصبح عاجزا عن مواكبة السياسة السعودية الجديدة التي تبلورت مع العهد الجديد تجاه سياسات إيران العدوانية والمعتمدة على حزب الله الذي يستغل، صفتيه “اللبنانية” و”العربية”، من أجل القيام بما تعجز عنه إيران التي تريد أن تظهر كدولة منضوية في المنظومة الدولية. فيقوم بالاعتداءات على عدة مستويات؛ السياسية والإعلامية والمذهبية وحتى الأمنية، غير عابئ بنتائجها على الوضع الداخلي ومورطا للحكومة. يضاف إلى ذلك عجز مكونات 14 آذار عن مواكبة السياسة السعودية المستجدة للكف عن تقديم تنازلات سياسية من دون قعر تهدد وجود لبنان نفسه، والتي تشاركت مع خصمها في تبادل المصالح الخاصة والمحاصصات، التي يوظفها الفريق الآخر للاستيلاء على الدولة برفق وتروٍ؛ بما يذكرنا بتجربة قتل الضفدعة بوضعها في مياه فاترة وإشعال نار هادئة تحتها تقتلها دون أن تحس.
لقد تحول لبنان إلى تابع ومنفذ للسياسة والأجندا الإيرانيتين؛ فالنأي بالنفس كان صيغة لعدم تعميق الخلاف الداخلي تجاه الأزمة السورية، وليس للنأي بالنفس عن العروبة للالتحاق بإيران وخدمة مصالحها. كما أن الحفاظ على الوحدة الوطنية لا يتعارض مع العروبة كما يزعم وزير خارجيتنا، الذي نفى رئيس الحكومة تمثيله للسياسة اللبنانية! فهل وصل بنا الأمر في لبنان إلى أن ننقسم بين عرب وفرس؟ الحكومة السابقة، التي كانت أقرب إلى حزب الله، كانت تعترض على ما كان يقوم به الوزير السابق، عدنان منصور، بينما تسكت هذه الحكومة عن تصرفات أكثر انحيازا وتطرفا في زمن حرج.
استعادت إيران مع الملالي الفورة الكبيرة التي سبق أن قامت بها منذ أكثر من ألفي عام ودامت 50 عاما. وللاستفادة من دروس الماضي، وللإضاءة على الحاضر، سأورد مختصرا لحكايتنا مع بلاد فارس بحسب المؤرخ البريطاني إي إتش غومبريتش.
يكتب أنه حصل أمر غريب جدا، يصعب فهمه، بين سنتي 550 و500 قبل الميلاد.
على سلسلة الجبال العليا التي تجري شمال منطقة بلاد الرافدين، تعيش قبيلة برية جبلية منذ فترة طويلة. كانت لدى أفرادها ديانة غاية في الجمال: كانوا يعبدون الضوء والشمس وآمنوا بأنهما في حرب مستمرة مع قوى الشر المظلمة. هذا الشعب الجبلي هو الفرس.
على مدى المئات من السنوات كان يهيمن عليهم الآشوريون، ومن بعدهم البابليون. في أحد الأيام كانوا قد وصلوا إلى حد الاكتفاء من هذه السيطرة. وكان حاكمهم سايروس ذا شجاعة وذكاء استثنائيين، وهو لم يعد مستعدا لتحمل الظلم الذي يتعرض له شعبه. قاد سايروس فرقة من خيالته جنوبا إلى سهل بابل. تطلع البابليون من علياء حصونهم وضحكوا على فرقة المقاتلين الصغيرة التي تجرأت على مهاجمة مدينتهم. غير أن هؤلاء نجحوا في تحقيق هدفهم باستخدام الشجاعة والدهاء؛ (الصفة التي تبدو ملازمة لهم حتى الآن). وعليه فقد أصبح سايروس سيد هذه المملكة العظيمة. كانت أول أوامره هي إطلاق سراح كل الناس الذين أسرهم البابليون، وكان من بينهم اليهود، الذين عادوا إلى ديارهم في بيت المقدس وكان ذلك في العام 538 ق م، (الذين حفظوا الود في عدة مناسبات قريبة رغم البروباغندا). لكن ملوك الفرس لم يقنعوا بالمملكة العظيمة التي حصلوا عليها؛ بل توجهوا لاحتلال مصر، ونجحوا في المهمة. سقطت مصر وتم خلع الفرعون. أصبحت هذه القبيلة الفارسية القديمة سيدة كل العالم القديم تقريبا. لكنهم لم يكونوا قد سيطروا على بلاد الإغريق بعد، كانت تلك هي الخطوة القادمة.
حكم داريوش إمبراطورية الفرس الشاسعة، والتي امتدت من مصر إلى حدود الهند، إلى درجة لم يكن لشيء أن يحدث في أي مكان في العالم إلا بأمر منه. عبّد داريوش الطرق حتى تنتقل أوامره بلا تأخير إلى أقصى بقاع مملكته. وكان يتجسس حتى على أهم موظفيه ومزرياناته، عن طريق مخبرين معروفين بـ”عيون وآذان الملك”، (كما حالهم الآن). وجّه هذا الملك أنظاره نحو آسيا الصغرى حيث مدن الإغريق على سواحلها. لم يعتد الإغريق أن يكونوا جزءا من إمبراطورية عظيمة، لها حاكم يرسل أوامره يعلم الله من أي موقع في قلب آسيا، متوقعا الطاعة الفورية. كان العديد منهم تجارا أغنياء، معتادين على إدارة شؤونهم بأنفسهم واتخاذ قراراتهم الخاصة ولم تكن لديهم أي رغبة في أن يحكمهم ملك فارسي، ولم يكونوا ليدفعوا أي ضريبة. لذا ثاروا وطردوا الحكام الفرس… وقد كتب لهم الانتصار بعد صراع. والسبب أن السفن الإغريقية كانت أكبر حجما وأسهل قيادة، والأهم من ذلك أنهم يحاربون بكل طاقاتهم من أجل حريتهم. لم يتجرأ الفرس مجددا على الهجوم على الإغريق. كما استطاع الإسكندر هزيمتهم الساحقة في ما بعد. وللتذكير صمدت مدينة صور وقاومت هذا الإسكندر نفسه لـ7 أشهر، بينما تهاوت المدن الفارسية أمامه. علنا نتعظ من التاريخ.
وفي عودة إلى غلبة الفرس، لم يكن الفرس أضعف أو أقل ذكاء من الإغريق، بل العكس تماماً. ولكن الإغريق كانوا مختلفين. فبينما ربطت الإمبراطوريات الشرقية العظيمة نفسها بقوة إلى تقاليدها وتعاليم أسلافها، اتجه الإغريق، والأثينيون خصوصا، إلى ما هو عكس ذلك تماما. كل سنة تقريبا كانوا يأتون بجديد. كانت الأشياء تتغير باستمرار، وضمن قيادتهم أيضا. هذا ما يفسر لماذا خلال المئة سنة التي لحقت الحروب الفارسية، ظهرت أفكار متجددة في عقول شعب أثينا الصغير هذا، أكثر من تلك التي مرت بعقول شعوب الإمبراطوريات العظيمة في الشرق، من الأفكار إلى الرسم والنحت والمعمار والمسرحيات والشعر والاختراعات والتجارب والنقاشات والجدل.
وانطلاقا مما سبق نقول إن سياسة السعودية الجديدة، المتحررة من التقليد السياسي المعتاد، تجاه إيران العدائية ربما هي الأنجع والأنسب لمواجهة فورة الغرور الفارسي المستعاد والذي لم يدم في التاريخ أكثر من 50 عاما. وستستعيد هذه البلاد حريتها وعزتها ولو بعد حين وبعد الكثير من التضحيات.
في المقابل لا أظن أن الموقف السعودي الغاضب والذي يعاقب الجيش والشعب اللبناني أو العاملين في الخليج العربي هو الشكل الأنسب للرد على إيران. إن المواجهة من واجب اللبنانيين وممثليهم في الحكومة أو خارجها، لأن الأمر لا يتعلق فقط بالهبة السعودية أو بالتضييق على لبنان اقتصاديا أو على العاملين في الخليج على أهمية كل ذلك. إنه يتعلق بالموقف المبدئي من كون لبنان عربيا بحسب الدستور اللبناني، ولا يمكن لأي مكون في الحكومة التي تمثل لبنان الرسمي أن ينفي هذه الصفة الأساسية عن لبنان واللبنانيين. إن أمن لبنان جزء من الأمن القومي العربي.
إن تقوية مواقف حلفاء الداخل ومطالبتهم بالحزم ومساعدتهم على الصمود والضغط لانتخاب رئيس بأي ثمن (الأمر الذي ارتأى وزير خارجيتنا أنه استغلال رخيص للأزمة) أجدى وأنفع. عاقبوا الجزء وليس الكل.