عبد الرحمن الراشد: الروس قادمون إلى السعودية//أسعد حيدر: سيناريوات يوم سقوط الأسد وما بعده؟

359

الروس قادمون إلى السعودية
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/20 حزيران/15

الأسبوع الماضي كنتُ مشاركًا في ندوة مغلقة في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» في العاصمة الأميركيّة، وجلها كان عن أزمات سوريا والعراق واليمن. وهيمن موضوع الاتفاق النووي الوشيك بين واشنطن وطهران وتبعاته على النقاش، وأن الاتفاق يمثل نقطة تحول سياسية مهمة. وكان هُنَاك من تحدث متسائلاً عن ردود الفعل، ومآلاته المحتملة، السياسية والعسكرية. وتوقع البعض أن يستفز الاتفاق دولاً في المنطقة ويدفعها لبدء مشروعها النووي، و«لن تتوقف حتى تحصل ما حصلت عليه إيران في الاتفاق».وهذا يفسر الاهتمام الكبير بزيارة ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى روسيا. فقد اتضح من خلال زيارته أن السعودية قررت دخول النادي النووي، ببناء 16 مفاعلاً نوويًا، ومنحت روسيا الدور الأكبر في تشغيلها. طبعًا، هذا لا يعني أنه توجه للتسلح العسكري، لكنه يعني أن الرياض حسمت أمرها سريعًا وقررت أن تدخل المجال النووي، وكان وزير التعليم السعودي قبل شهر قد وقع على ابتعاث ألف طالب لدراسة تقنية الطاقة، بما فيها النوويّة.

وفي رأيي، أن أهم ملامح الزيارة الرسمية لولي ولي العهد السعودي، أنها تخرج على الخط التقليدي؛ فهي تتم في وقت شرعت فيه الولايات المتحدة، وحلفاؤها الأوروبيون، بمقاطعة روسيا اقتصاديًا عقوبة لَها على أحداث أوكرانيا. الحكومة السعودية هذه المرة، وعلى غير العادة، قررت العكس، تنشيط علاقاتها مع موسكو، وتوسيع تجارتها معها، وتوقيع اتفاقيات وصفقات في مجالات حيوية مثل الغاز والتقنية العسكرية والنووية. وهذه من المرات النادرة التي تسير الرياض في الخط المعاكس لواشنطن. والسبب واضح؛ أن السعوديين الذين ساندوا الموقف الغربي بمقاطعة إيران لعشرين سنة، ومواجهتها إقليميًا، اكتشفوا في لحظة أن واشنطن طعنتهم في الظهر، عندما قررت التفاهم مع نظام طهران دون أدنى تفاهم مع شركائها الآخرين في المقاطعة!

طبعًا، يجب ألا نقرأ التطورات الجديدة خارج إطارها السياسي، حيث لا أتصور أن السعودية قررت الانقلاب على مواقفها وتحالفاتها، بل الأرجح أنها تريد الخروج من الزاوية الأميركية الضيقة، وتوسيع خياراتها. روسيا دولة مهمة دائمًا، وقررت حديثًا أن تكون لاعبًا نشطًا وصعبًا في المنطقة، في الوقت الذي اختارت فيه إدارة الرئيس الأميركي الحالي ممارسة سياسة تقليل الانخراط، وتبنت سياسات معاكسة لدول الخليج وضعتها في موقف صعب، بدعمها بغداد رغم سياساتها الطائفية، وترك نظام الأسد في سوريا يرتكب أكبر مأساة في تاريخ المنطقة، ربع مليون قتيل وعشرة ملايين مشرد، دون أن تسمح لتسليح المعارضة. يبدو أن الشعور بسلبية واشنطن، والنتائج الخطيرة عليهم من سياساتها، جعلتهم يفكرون في توسيع خياراتهم الخارجية، وتوزيع استثماراتهم السياسية شرقًا وغربًا.

ورغم أن العلاقة السعودية استؤنفت مع موسكو منذ نحو أربعة عشر عامًا، فإنها بقيت محدودة، ولم يتم تنفيذ شيء مهم من وعود التعاون، فلا السعودية اشترت صواريخ سكود المتفق عليها، ولا حصل الروس على شيء من صفقات الغاز التي كانت معروضة. الآن، يبدو أن طريق موسكو الرياض صار أكثر حركة. ويقول السفير الروسي في الرياض، أوليغ أوزيروف، إنه تم منحهم أرضًا لإقامة مقر جديد لسفارة بلاده في الحي الدبلوماسي بالرياض، وفي موسكو جدد الرئيس فلاديمير بوتين دعوته للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لزيارة روسيا، وتسلم الرئيس بوتين دعوة أيضًا لزيارة الرياض. السعودية تريد أن تكسب روسيا إلى صفها، التي أصبحت رقمًا مهمًا في معادلات المنطقة، في سوريا واليمن ولبنان، والتوازن العسكري مع إيران، وهذه مهمة ستحتاج إلى عمل مكثف ومستمر.

سيناريوات يوم سقوط الأسد وما بعده؟
أسعد حيدر/المستقبل/20 حزيران/15

صديقي «أسدي وممانع حتى العظم». أهميته أنه لم يبدل ولم يغير ولم يتنازل، رغم أنه دفع ثمن مواقفه إبعاداً دائماً عن المواقع والغنائم. قال لي ضاحكاً: «لن تكون موجوداً حتى ترى ما بعد الأسد»، وما قاله صديقي ممكن. المؤكد «أن الأسد لن يبقى الى الأبد» السؤال: متى وكيف وماذا بعد؟ التطورات الميدانية، تسمح بالتفاؤل. الأسد لم يعد يسيطر على أكثر من 20 بالمئة من الأراضي السورية. زحف المعارضة مستمر. القضم والهضم للمواقع يتقدم. حماة وحمص، قريباً تحت مرمى النار. دمشق بدأت تعاني من «القنص المدفعي». رغم ذلك لا تكفي التطورات العسكرية لأن يسقط الأسد. يجب انتظار قرارات القوى الخارجية المشدودة أساساً الى تعبها من بقاء الأسد، تماماً كما هذه القوى تنتظر تعب القوى المتقاتلة حتى تتقدم باتجاه الحل السياسي. لا شك أن الأسد بدأ يتعب لكن المهم أن يقرر حلفاؤه، إبلاغه تعبهم منه. كل هذا مرتبط بالمفاوضات والمقايضات. أمام هذا الواقع، لا يوجد سيناريو واحد لسقوط الأسد ولا سيناريو واحد لما بعد الأسد. يوجد سيناريوات عديدة، جميعها خارجة من «مغطس» الدماء السوري. من دون أولوية فإنها:

[تتفاهم موسكو وطهران مع واشنطن «ان الأسد خارج الحل». يتم ابلاغ الأسد بأن «ساعة المنفى» قد دقّت، فيجمع حقائبه ويأخذ من يريد ومن يقبل، ويتوجه الى احدى العواصم من بينها موسكو الباردة أو طهران الاسلامية، أو البرازيل التي يستطيع أن يختفي في أدغالها ولو الى حين. قد يسبق ذلك حتى يفهم الأسد أن «الفيلم الدموي الطويل» انتهى، صدور قرار من مجلس الأمن بانتهاء زمن سلاح التدمير الشامل من «البراميل المتفجرة» والسلاح اللاإنساني «غاز الكلور«. يفهم الأسد أنه عملياً خسر الحرب، ولا داعي للبقاء في «البونكر«، فيقبل الرحيل. من المؤكد أنه لن ينتحر كما فعل هتلر. الانتحار في حالته هذه تتطلب الشجاعة. من ورث السلطة، ليس كمن صعد من القاعدة الى القمة. [ يعاند الأسد تقدم المعارضة والخارج ويقاتل حتى آخر سوري. ترفض «نواة» الجيش والنظام السوري الانتحار، فيقع الانقلاب العسكري على يد مجموعة من الضباط منهم ضابط علوي كبير يشكل ضمانة للعلويين وهي ضمانة ضرورية، وتكون النهاية اعتقال أو مقتل الأسد ومَن معه خصوصاً شقيقه العقيد ماهر الذي يوصف بأنه «رئيس الليل»، لأنه يتسلم السلطة من شقيقه بشار الذي يوصف بأنه «رئيس النهار». [ يصل الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية الى قناعة، بأن استمرار الحرب في سوريا والعراق تهدد الأمن العالمي، فيتم استصدار قرار أممي بالتدخل العسكري المباشر. يمر القرار من دون أن تستخدم موسكو الفيتو. تبدأ «عاصفة» جديدة أين منها «عاصفة الصحراء». نهاية الأسد لا تعني نهاية الحرب. بالعكس اليوم التالي لما بعد الأسد، حرب كونية أخرى أوسع وأشرس، تشمل كل القوى ضد «داعش». تتوقع قوى سورية وعربية، أن يتخلى القسم الأكبر من السوريين عن «النصرة» و»داعش» لأنهم انضموا إليهما لحاجتهم للسلاح والمال، بعد أن منع عنهم السلاح والقرار بالقتال والقبول بالهجرة أو التهجير، أي ليس عن قناعة حقيقية، هذا التحول يسهل المعركة ضد «داعش» ويخفف أعباءها على السوريين. توجد احتمالات وسيناريوات عدة لمستقبل الأسد ونظامه وأيضاً ما بعده. منها غرق سوريا في «العرقنة» أو «الصوملة»، أو على الطريقة «الليبية» كما يتخوف «القيصر» بوتين. كل شيء يتوقف على جدّية «الكبار»، وماذا «ستقبض» كلٌ من موسكو وطهران ثمن تخليهما عن الأسد. لهذا فإنه يوجد رابحون كبار وصغار في جميع الاحتمالات، وخاسر واحد كبير هو الشعب السوري.