عبدو شامي/أبعاد اتفاق الشيطان الأكبر والشيطان الأخطر

470

أبعاد اتفاق الشيطان الأكبر والشيطان الأخطر
عبدو شامي
15/4/2015

بعد مفاوضات ظهرت إعلاميًا شاقة وحرجة، أُعلِن في 2/4/2015 عن اتفاق-إطار نووي تاريخي بين أميركا (دول5+1) وإيران يتمحور حول فرض قيود لضمان سلمية البرنامج النووي الإيراني مقابل رفع العقوبات. وعلى الرغم من الفرحة العارمة التي عمّت شوارع طهران والنشوة التي انتابت الإدارة الأوبامية الأميركية، تبايت تفسيرات الجانبين حول آلية وتوقيت رفع العقوبات. لكن، أيًا تكن آليات الرفع، يبقى الأهم كامنًا في خلفيات الاتفاق وأبعاده وانعكاساته على المنطقة.

بداية، ثمة نقطة جوهرية من الصعب تجاهلها، وهي أن القوى العالمية وتحديدًا أميركا وإسرائيل مقتنعتان تمامًا أن البرنامج النووي الإيراني لن يشكل خطرًا عليهما، لأن إيران تعرف حجمها والمهمة الموكلة إليها في المنطقة والخط الأحمر في المجال النووي، ولذلك تمّ ترك إيران بسلام منذ عام 2007 لتعلن بفخر عن برنامجها وتقدّمه، وإلا، لو كان خطر إيران النووي حقيقيًا والأخيرة معاندة ومصمّمة على تجاوز الخط الأحمر كما هي الدعاية الإيرانية قبل وأثناء المفاوضات على لسان قادتها وممثِّل الإعلانات الإيرانية الأول “نتنياهو”، لكنا رأينا المفاعلات الإيرانية مدمّرة كما فعلت إسرائيل بمفاعل تموز العراقي عام1981، فلا مجال للعب ولا المخاطرة بالأمن القومي الإسرائيلي والأميركي. انطلاقًا من هذه النقطة الجوهرية تصبح الصيغة المنطقية للسؤال عن الاتفاق النووي الأخير: لماذا اليوم؟

ثمة ثلاثة عوامل رئيسية دفعت للتعجيل في الإعلان عن اتفاق-الاطار: العامل الأول، تدهور الأوضاع في الشرق الأوسط بما يهدّد وجوديًا المصلحة الإيرانية، لا سيما في سوريا ثم العراق، ما أدى الى انكسار الهلال الفارسي الذي أصبح عبارة عن جزر ومناطق مقطّعة الأوصال، الأمر الذي فرض تغييرا جذريًا على ستاتيكو المنطقة منذ الثورة الخمينية تقريبًا، من حيث تولي إيران حماية الأمن القومي الإسرائيلي عبر هلالها المتمدِّد على مراحل من طهران الى بغداد ودمشق وبيروت وغزة، أضف الى ذلك حاجة إيران الى المال بعد المليارات التي أنفقتها مؤخرًا على عملائها لتفادي سقوط أنظمتهم. العامل الثاني: المس بالمصلحة الأميركية التي تعتمد على تعاظم وتعظيم النفوذ الإيراني لاسغلاله فزاعة لدول الخليج أي آلة حلْب لطالما تمّ تثبيتها على ضِرع البقرة الحلوب الخليجية لدر مليارات الدولارات لمصانع السلاح الأميركي في صفقات خليجية كاملة الدسَم (60مليار دولار كلفة الصفقة السعودية الأخيرة)، الأمر الذي جعل من أميركا مورِّد السلاح الأول في العالم قبل روسيا والصين. العامل الثالث: تطلّع الرئيس “أوباما” لإنهاء ولايته بـ”إنجاز” يدخل به التاريخ، وعينه على إنهاء “العداوة” المستمرة دعائيًا منذ 35عامًا مع إيران، خصوصًا أن تراكم الفضائح جعلها غير قابلة للانطلاء على أحد. هذه العوامل الثلاثة حفّزت عقد اتفاق عنوانه “نووي” لكن مضمونه أبعد بكثير من العنوان، بدليل الآتي.

لم يكد يجف حبر الاتفاق-الإطار حتى بدأت دول العالم تطرق باب إيران بحثًا عن صفقات تجارية مغرية؛ الرئيس التركي “أردوغان” أول الزائرين في 7نيسان وقد مهّد لزيارته شعبويًا بخطاب هاجم فيه إيران بقسوة على دورها التوسعي في المنطقة، ليتبيّن أن الغرض الرئيس من الزيارة ليس أزمة اليمن إنما تعميق العلاقات الاقتصادية بين البلدين ليصل نهاية2015 الى 30مليار دولار، واستيراد النفط والغاز الإيرانيَين بأسعار معدّلة. بدورها روسيا، بدأت العمل باتفاق النفط مقابل الغذاء، وأعلنت في 13نيسان عن المباشرة في تسليم طهران صواريخ أرض-جو (أس-300)، بناء على صفقة تعود لعام2007 حالت العقوبات دون تسليمها. وإذا كانت قبل الاتفاق أكثر من 200 شركة إسرائيلية تستثمر داخل إيران فكم سيبلغ عددها بعده؟!

كل ما تقدّم يجعلنا نقرأ الاتفاق النووي بين “الشيطان الأكبر” و”الشيطان الأخطر”على أنه جزء من مخطط أكبر لتحويل طهران شريكًا استراتيجيًا لواشنطن في إدارة الشرق الأوسط بعد أن قلبت الثورة السورية الطاولة على الجميع ومسّت بالمصالح الصهيو-أميركو-إيرانية في الصميم. رفع العقوبات سيعيد استيعاب إيران الإرهابية ضمن الأسرة الدولية، سيجعلها تستعيد نشاطها الاقتصادي والتجاري، سيتيح لها استرجاع أموالها المجمدة والتي هي بأمس الحاجة إليها اليوم للإنفاق على معسكراتها ومرتزقتها في المنطقة بلا عراقيل، وتوسيع نفوذها ليصبح أكثر فاعلية. من ناحيتهما، ستبقى أميركا تحلِب البقرة الخليجية بالفزاعة الإيرانية-شرطي المنطقة، وستحيك إسرائيل وإيران “سجّادًا” جديدًا لتبادل الخدمات والمصالح فيما بينهما.

الإدارة الأميركية تسوّق فكرة أن “أوباما” يحاول أن يميّز نفسه عن سلَفه، غير أن واقع الحال يظهر أن الرئيسين متكاملان، “بوش” الابن خلّص إيران من عدوّيها اللدودَين في أفغانستان والعراق وفتح لها أبواب المنطقة لتصدير ثورتها، واليوم “أوباما” يوطد هذا النفوذ ويشرِّعه باتفاق دولي ظاهره نووي وباطنه جيو-سياسي.