جعجع لـ”الرؤية” الإماراتية: إيران من أيقظ تنظيمات الإسلام السياسي و”حزب الله” و”داعش” وجهان لعملة واحدة

297

جعجع لـ”الرؤية” الإماراتية: إيران من أيقظ تنظيمات الإسلام السياسي و”حزب الله” و”داعش” وجهان لعملة واحدة
موقع القوات اللبنانية/كتب معتز قطينة في صحيفة “الرؤية” الإماراتية:

26 كانون الثاني/15

يفتح حوار مع شخصية مثل “الحكيم” أسئلة عدة، ربما لالتباس صورته على متابعي المشهد السياسي باعتباره الزعيم الوحيد الذي سجن لاتهامه بجرائم ارتكبت في الحرب الأهلية اللبنانية، ومكث في السجن 11 عاماً قبل أن يفرج عنه. وربما بسبب الصورة التي تصر آلات إعلامية على إلصاقها بجعجع لتحميله وزر مجازر تفرّق دمها بين الميليشيات، فوجد النظام القضائي في حينها شمّاعة يعلق عليها كل خطايا الحرب، على الرغم من تورط كثيرين بما لم يعد صعباً إثباته، كما اختفت في وقتها أدلة صار نفي إخفائها مستحيلاً، خصوصاً إذا استحضرنا أولى قرارات جعجع بعد رئاسة القوات اللبنانية المتعلق بقطع العلاقات مع إسرائيل والاتجاه نحو العالم العربي.

يرى الدكتور سمير جعجع أن الحرب على الإرهاب الذي يضرب المنطقة يجب أن يبدأ بمعالجة الامتدادات الفكرية التاريخية، التي نقلت تفسيرات تاريخية مغلوطة.

ويأمل جعجع أن تستمر الإمارات في حربها على الإرهاب، انطلاقاً من اعتقاده بدورها المهم في مواجهة التطرف والإرهاب، إلى جانب دعمها الاعتدال وتثبيته في المنطقة، مؤكداً أن الإنسان العربي متى توافرت له الظروف فهو قادر على تقديم إنجازات حضارية للإنسانية كلها. هنا الحوار:

÷ برأيك، ما أسباب تصاعد حركات الإسلام السياسي التي تمثلها تنظيمات داعش والإخوان المسلمين وغيرها من منظمات صنفت إرهابية في لبنان والعالم؟

لصعود الإسلام السياسي أسباب تاريخية وأخرى مباشرة، في الأسباب التاريخية هو أن هذا الفكر أحد تيارات الفكر الإسلامي الذي بدأ مع شخصيات فكرية ودينية متطرفة لها أثرها في التراث واستمر مع حسن البنّا وسيد قطب فيما بعد، وترك تأثيراً كبيراً وكان سبباً لنشوء حركات متطرفة من أهمها: كتائب عبدالله العزام، القاعدة، داعش، أنصار بيت المقدس وغيرها.

÷ كيف يمكننا مواجهة هذه النشأة التاريخية؟

هذا السبب التاريخي الفكري لا يجب الاستخفاف به أبداً، وبالتالي عند الحديث عن معالجات يجب أن تبدأ بمعالجة هذا التيار الفكري التاريخي، هناك أسباب أخرى مباشرة تتعلق بالأوضاع التي يعيشها المسلمون في كلّ من العراق وسوريا تحديداً وبعض الأماكن الأخرى من المنطقة. كلّ هذه الأسباب أدت إلى تصاعد تيار الإسلام السياسي المجسد حالياً أكثر ما يكون بتنظيم داعش في منطقة الهلال الخصيب، وحركة أنصار بيت المقدس في مصر.

÷ أُخذ عليك أنكَ قلت يوماً: «فليحكم الإخوان».. هل كنتَ تُساير الموجة حينها؟

أنا لا أساير أبداً لا الإخوان ولا سواهم، وهذا ـ في الحقيقة ـ تحوير لما قلته، فحين سُئلت: «ماذا لو ربح الإخوان المسلمون في مصر؟» أجبت: «فليحكم الإخوان، إذ علينا أن نحترم العملية الديمقراطية شريطة أن يحترمها الإخوان المسلمون أيضاً بعد نجاحهم، وأن يحترموا المبادئ التي قامت عليها الثورة وبالأخص الديمقراطية، الحرية، وحقوق المرأة، وإذا لم يفعلوا ذلك فإنهم سيسقطون عاجلاً أم آجلاً». لقد قلتُ هذا الكلام احتراماً للعملية الديمقراطية التي يجب أن نحترمها دائماً.

÷ لاحظنا صعود حركات الإسلام السياسي في ظل الربيع العربي، لكنه أُسقط مجدداً كما شهدنا في تونس، ومصر بعد ثورة 30 يونيو، هل تعتقد أن هذه الحركات باتت مرفوضة شعبياً بعد فشلها السياسي؟

أنا من المؤمنين بأن للتاريخ اتجاهاً ومنطقاً، وبأن أي حركة تجيء عكس اتجاه التاريخ أو عكس منطقه فهي لا بد ساقطة حُكماً. منذ البداية لم أتخوف لحظةً من أن يتمكن التيار الإسلامي السياسي من السيطرة، باعتبار أنه إذا سيطر على الحكم فستكون لفترات قصيرة، ذلك لأن عقيدته وطرق تصرفه معاكسة لمنطق التاريخ، وهذا ما شهدناه بالفعل سواء في مصر أو تونس.

حتى بعد أن ربح الإخوان المسلمون الانتخابات في مصر، ووجهوا بثورة شعبية عارمة في أقل من سنة، واحتواها الجيش المصري وأنتجت حكماً مغايراً لكلّ ما يقومون به. وفي هذه المناسبة، ونحن نتحسر في هذه الأيام على موت الفنانة القديرة فاتن حمامة أتذكر ما قالته بعد انتصار الرئيس عبدالفتاح السيسي: «ربنا ما يورينا حكم الإخوان تاني»، هذا للدلالة فقط على ردة الفعل الشعبية.

÷ هل تعتقد أن هذه المنظمات تستغل الدين الإسلامي للوصول إلى السلطة؟

البعض منها نعم والبعض الآخر للأسف مغشوش بطرح فكري لا يُعبّر عن الإسلام فعلاً.

÷ لا بد أن هناك أسباباً تتعلق بالأنظمة الحاكمة وتأثيراتها في الإقليم الذي ظهرت فيه هذه الحركات، وما نجم عن وجودها من إرهاب..

هذا ما قصدته بحديثي عن الأسباب المباشرة، فمن ضمنها استبداد النظام السوري، عاش الناس في سوريا 40 عاماً تحت حكم ديكتاتوري من أعتى ديكتاتوريات الشرق الأوسط والعالم. وللأسف دفعتنا الظروف في لبنان للعيش فترة معينة تحت استبداد هذا النظام، نحن نعرف تماماً ماذا يعنيه هذا الظلم.

÷ سوريا فقط؟

العراق أيضاً بعد عام 2003، كلّنا نعرف الحالة التي تعيشها شرائح كبيرة من الشعب العراقي، وبالتالي هذا ما دفع الناس في البلدين إلى الثورة، فكلّ ثورة لا تخلو من التطرف والعسكرة والتفلت والفوضى وهذا ما هو حاصل الآن.

÷ هذه كل الأسباب المباشرة؟

البعض ينسى ــ أو يتناسى ــ أن الجمهورية الإسلامية في إيران هي من أكبر رموز الإسلام السياسي في القرن الـ 20 والـ 21، وهي بالتالي أوحت للآخرين بالذهاب إلى الإسلام السياسي، إضافة إلى تحركاتها وتصرفاتها في المنطقة التي أيقظت شياطيناً قديمة نائمة، ما دفع بعملية الإسلام السياسي والراديكالية والتطرف بألوانها كافة إلى حدودها القصوى، وهذا ما أدى إلى ظهور داعش وبقية المنظمات المتطرفة.

÷ بما أننا عرجنا على إيران.. فما موقفكم من احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث؟

نحن ندعم حق الإمارات في استعادة الجزر الثلاث، خصوصاً أن دولة الإمارات العربية المتحدة أعربت أكثر من مرة عن استعدادها التام ورغبتها الصادقة في إجراء حوار مباشر مع جمهورية إيران الإسلامية فيما يتعلق باحتلالها لجزر الإمارات الثلاث.

÷ حزب الله وداعش.. هل هما أعداء؟

في الأحداث الراهنة، نعم حزب الله هو عدو لداعش إذ إنهما يتقاتلان، ولكن على المستوى المبدئي هو وداعش وجهان لعملة سياسية واحدة هي الإسلام السياسي، ووجود الواحد منهما يُغذي الآخر حتماً.

÷ سبق وذكرتم أنه لا فرق بين جرائم الأسد وداعش..

نعم. سبق وقلت ذلك، باستثناء فرق واحد هو أن جرائم الأسد أكبر بكثير من جرائم داعش، فداعش ترتكب جرائمها بأساليب بدائية وبوحشية كبرى بينما الأسد يرتكب جرائمه بوحشية أكبر، وبوسائل متطورة ما يؤدي إلى مآس بشرية أكبر بكثير.

÷ هل كانت الحرب على حركة الإخوان المسلمين في مصر، مثلاً، كافية لاجتثاث الإرهاب من جذوره؟

طبعاً لا، هذه خطوة من الخطوات المطلوبة، برأيي أن الحرب على الإرهاب لها أوجه عدة وتقتضي خطة معقدة جداً ولا خلاص لنا إلا باعتمادها.

÷ وما هي هذه الخطة؟

تبدأ بالتخلُص من التيار الفكري التاريخي المتطرف، وحذفه من التراث ككلّ، إذ إن الأمور تبدأ بالفكر، ويجب إسقاط هذا التيار الفكري نهائياً وكلياً من الأدبيات الإسلامية.. بل منعه من أساسه.

÷ هذه استراتيجية ملائمة على المدى البعيد، لكن ماذا عن الآن؟

الآن عمل مرحلي وآني يتعلق بمواجهة هذه الحركات عسكرياً، كما يحدث مع أنصار بيت المقدس وغيرها في مصر، أو كما يجري مع داعش في العراق وسوريا.

÷ هل المواجهة العسكرية كافية في العراق وسوريا مع استمرارية الأنظمة القائمة هناك؟

الجانب الآخر من خطة اجتثاث الإرهاب من جذوره هو التخلُص من النظام الديكتاتوري في سوريا واستبداله بنظام ديمقراطي، والتوصُل إلى حلول سياسية مطلوبة في العراق من خلال إشراك كل مكونات الشعب في السلطة العراقية. هذه الخطة من جوانب عدة، وأحد هذه الجوانب لا يُغني عن الجوانب الأخرى.

÷ برأيك هل المسيحيون في العالم العربي مستهدفون؟

أنا برأيي أن المسيحيين والمسلمين المعتدلين هم مستهدفون في العالم العربي وأكبر دليل ما نشهده من أحداث على الأرض. يظهر فعل الاستهداف لدى المسيحيين أكثر من المسلمين باعتبارهم في بعض الدول العربية أقليات، وبالتالي يقعون في مخاطر الاندثار الكامل عند أول حادث يتعرضون له.

÷ وما هو الحل برأيك؟

الحلّ هو أن نعتني بالمسيحيين والمسلمين المعتدلين، بينما الحلّ الفعلي حكماً يكون بمحاربة الإرهاب ككلّ، ولكن إلى جانب ذلك علينا الاعتناء عناية خاصة ببعض الأقليات المسيحية في بعض البلدان، نظراً لقلة عددهم وعدم تمكنهم بمفردهم من مواجهة أحداث بضخامة الأحداث التي يواجهونها.

÷ هل شعرتم بالخوف حين بدأ الإخوان المسلمون استلام الحكم في عدد من البلدان العربية؟

ولا في أي لحظة، وأكبر دليل هو جوابي حين سُئلت: «ماذا لو ربح الإخوان المسلمون؟»، لم أخَف انطلاقاً من إيماني، وكما قلتُ بأن أي حركة تتصرف بعكس منطق التاريخ مستحيل أن يُكتب لها النجاح.

÷ الإرهاب يضرب لبنان منذ عام 2004 مع محاولة اغتيال النائب مروان حمادة، ثم في 2005 مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه.. والآن الإرهابيون يختطفون جنوداً لبنانيين.. من سينتصر في النهاية موجة الأصولية أم الدولة؟

منطق الدولة هو الذي سينتصر في النهاية، باعتبار أن الدولة هي ضمن منطق التاريخ بينما الأصولية تسير بعكسه.

÷ وهل أنت مطمئن على قوة الجيش اللبناني ووحدته؟ هل يملك القدرة على مواجهة الإرهاب ودحره؟

أنا مطمئنٌ على قوة الجيش ووحدته، ينبع ذلك انطلاقاً من تفاهم كل الفرقاء اللبنانيين على هذا الأمر، إذ إن الجيش قادر بسهولة على مواجهة الإرهاب ودحره.

÷ حزب الله.. هل هو رأس حربة في تحالف الأقليات لمواجهة الإرهاب؟

أبداً، لا بل بالعكس. وأنا أحب أن أُذكّر في هذه المناسبة أن حزب الله هو وجه من أوجه الإسلام السياسي وبالتالي لا يمكن أن يكون رأس حربة في تحالف الأقليات. ومن جهة أخرى، وخصوصاً في لبنان وسوريا، أعتقد أن مجرد وجود حزب الله بالشكل الذي هو عليه دفع بالكثيرين إلى تبني الإرهاب، الأمر الذي نرفضه بكل تأكيد.

÷ في موضوع الرئاسة اللبنانية، متى سيُنتخب رئيس جديد؟

موقفنا واضح ولم يتغيّر.. إذ لا يجوز أن تبقى سُدّة الرئاسة فارغة بعد ثمانية أشهر من انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد، لذا أدعو جميع الفرقاء مجدداً إلى النزول إلى المجلس النيابي في أول جلسة وانتخاب رئيس بكلّ بساطة.

÷ في سياق الحرب على الإرهاب، كيف تنظرون إلى دور الإمارات في التصدي للإرهاب والتنظيمات الإرهابية؟إن الإمارات تلعب دوراً مهماً في المنطقة لجهة مواجهة التطرف والإرهاب. لقد أثبتت الإمارات أنها تدعم الاعتدال في العالم العربي لأنها ترى فيه عامل استقرار للمنطقة كلها. وأنا شخصياً لفتتني على سبيل المثال لا الحصر مشاركة السيدة مريم المنصوري، وهي أول إماراتية تقود طائرات حربية مقاتلة، في الضربات الجوية ضد تنظيم داعش في سوريا.. آمل أن تستمر الإمارات في حربها على الإرهاب والمنظمات الإرهابية، لأن الإنسان العربي متى توافرت له الظروف المناسبة، فهو قادر على تقديم إنجازات حضارية للإنسانية جمعاء. ونحن إلى جانب الإمارات وكل الدول العربية الأخرى في سبيل الوصول إلى دول عربية حرة، سيدة، مستقلة، عادلة، تعددية وديمقراطية ينعم فيها المواطن العربي بالأمان والاستقرار.

وأوجه شكراً كبيراً جداً لدولة الإمارات العربية المتحدة على التقديمات الخيرية والإنسانية والإنمائية التي تقوم بها في العالم العربي ولبنان، ولا سيما ما تقوم به مؤسسة زايد للأعمال الخيرية والإنسانية عبر المساهمة بدعم المراكز والأعمال الثقافية والتعليمية والإنسانية والعلمية.

÷ هل ثمة ما تودون إضافته إلى هذا الحوار؟

أوجّه تحية إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الذي يقود دولة الإمارات نحو مزيد من التقدم والازدهار والتطور. لقد قال صاحب السمو مرةً: «إننا في دولة الإمارات العربية المتحدة ننطلق في نظرتنا للقضايا العربية بأنها قضايا مرتبطة ببعضها، وبأن الألم العربي ألم واحد، وحينما يتألم العربي في فلسطين المحتلة أو في لبنان فإن هذا الألم يصيب أبناء الإمارات، وكذلك عندما نتوصل إلى حل مشكلة عربية معينة فإن الانفراج يصيبنا جميعاً، ولا يمكن أن يشعر أحد منا بالطمأنينة ومنزل أخيه يتصدع وأمنه وحياته معرضان للخطر». هذه هي دولة الإمارات التي نحب، والتي تنطلق من ثوابت واضحة تحرص من خلالها على تعزيز علاقاتها مع الآخرين على أساس من الاحترام المتبادل والتفاهم والحوار والتعاون ونبذ أشكال الإرهاب والعنف والتطرف كافة.