المرجع العلامة السيد علي فضل الله للنهار الكويتية: شهداء القنيطرة هم شهداء بالمعنى العام لأنهم لم يقتلوا داخل معركة

574

المرجع العلامة السيد علي فضل الله للنهار الكويتية: شهداء القنيطرة هم شهداء بالمعنى العام لأنهم لم يقتلوا داخل معركة
كتبت غنوة غازي في “النهار الكويتية”
06 شباط/15

أسئلة كثيرة حملتها “النهار الكويتية” إلى المرجع العلامة السيد علي فضل الله، واعدةً بطرح مجموعة من القضايا المشابهة بصورة شبه شهرية مع سماحته، ومع مجموعة من رجال الدين المتنوّرين، علّ التنقيب في جواهر الامور يدحض زيف بعض ما يلمع على السطح، فيهدي الناس إلى حقائق إنسانية أتت بها الأديان لصالح الإنسان، ثم الإنسان، ثم الإنسان!

العلامة السيد فضل الله رحب بالفكرة، بل أثنى على أهمية طرح مثل هذه المواضيع للتوضيح وتصويب المسارات، داعياً علماء الدين كافة للاجتماع بغية تحديد مجموعة من المفاهيم، التي بسبب اللغط حولها – يشهد العالم العربي ما يشهده من عنف واقتتال!

تفاصيل الحديث مع العلامة السيد فضل الله في الحوار الآتي نصّه:

• بدايةً، ماذا تعني كلمة شهيد؟

كلمة الشهيد تعني حسب مفهومنا، الذي يقتل في سبيل الله، وذلك تحقيقاً لأهداف إرادة الله للحياة. أما الذي يقتل لحسابات شخصية، فموته لا يدخل تحت عنوان الشهادة. والشهيد له معنى شرعي، وهو وفق المعنى الشرعي له أحكام. هو الذي يقتل في ساحة المعركة. اما الذي يجرح ويتم نقله إلى مستشفى، ثم يموت فيما بعد، فهذا بالعنوان الشرعي لا يسمى شهيداً. فمعنى العنوان الشرعي هو أن الشهيد لا يغسل ولا يكفن، بل يدفن بثياب المعركة.

وكلمة الشهيد تعني فيما تعني أن دمه يشهد على مظلوميته في مواقع المظلومية، أو على مظلومية الأمة التي يدافع عنها، بمعنى أن دمه يشهد على واقعه.

• هل كل الذين يسقطون دفاعاً عن الوطن أو حفاظاً استباقياً عليه، أو فداء قضية بلد يعتبرون شهداء؟

المهم ان تكون نيّتهم خدمة قضية حق وعدل وليس فيها ظلم. فالمبدأ الأساس الذي يريده الله للحياة هو أن تُبنى على أساس العدل. فإذاً، يجب ان تكون قضية عدل وحق، وليس من اجل ظلم الآخر أو الإساءة لحريته.

• ماذا عن شهداء القنيطرة، وقد سقطوا غدراً وليس في أرض معركة؟

هم شهداء بالمعنى العام وليس الخاص لأنهم لم يقتلوا داخل معركة.

• ماذا عن الذي يقتل نفسه في سبيل قضية معينة، وكلنا نعلم ان قتل النفس حرام في معظم الاديان؟

من ناحية المبدأ، بالتأكيد ان قتل النفس لا يجوز، الا في حال كان هناك قضية كبرى، قضية عدل.

• وهل هناك حديث يجيز قتل النفس في سبيل قضية؟

ليس هناك حديث معين، لكن ثمة عنوانا عاما هو الجهاد. ويبقى الأصل للهدف الذي انطلق الشخص منه، ولكن الامر من المفروض الا يكون موسعاً كثيراً كما هو حاصل اليوم.

• ألا تعتقد أن معنى الشهادة أصبح فضفاضاً نوعاً ما، في ظل وجود ارتال من الصور في الشوارع لشهداء لا نعرف أحياناً اين سقطوا وكيف؟

هذا الكلام صحيح للأسف. فمن المفروض ان يتم الحفاظ على قدسية كلمة الشهيد، وفي بعض الحالات يجب ألا نقول شهيداً بل يفضل أن يقال مظلوم.

• هل هناك توجهات سياسية معينة تستفيد من هذا المعنى لكي تعطي معنويات اكثر لهؤلاء الشهداء وذويهم؟

كل جهة تحاول الاستفادة من المعنى الديني ومن النتائج التي يعطيها الدين للذين يموتون في سبيل الله، فهناك من يريد استغلال ذلك، كما يتم استغلال الكثير من القضايا الدينية لتحقيق مآرب سياسية. والحقيقة انه ليس هناك مشكلة في هذا، فالمآرب السياسية قد تكون مآرب حق. ولكن الاهم هو ان تنطلق من عمق الدين. فالقضايا في سبيل الله من المفروض ان تكون قضايا دقيقة جداً. فإن الله لا يريد هذه الصور العنيفة الذي نشهدها الآن في الواقع والتي تسيء إلى كرامات الناس.

• إلى متى سيبقى الصوت السياسي وصوت الإجرام هو الطاغي على صوت العقل؟

على العلماء الخروج من أن يكونوا جزءاً من المسار السياسي، والخروج من جميع الحسابات، لتحديد المفاهيم الدينية بدقة. وكما يقول الحديث إذا ظهرت البدع، فعلى العالِم أن يظهر علمه وإلا عليه لعنة الله. ولكن للأسف فإن الجو العام السائد لا يساعد على ذلك.

• ما هو الدور الذي تحاولون أن تلعبوه في ظل تزايد سقوط الشهداء داخل الطائفة الشيعية الكريمة تبعاً لدور حزب الله والمقاومة المحسوبة عليها؟ وما رأيكم بوجهة النظر القائلة بأن الطفل الشيعي بات يتربى على ثقافة الموت لا الحياة وأن طموح كل طفل شيعي ان يكبر ليكون مشروع شهيد بدل أن يكون مشروع مبدع أو سواه؟

نحن دائما نقوم بالتوجيه، ونقول صحيح أن الشهداء لهم دورهم، ولكن أيضا العلماء لهم دورهم، وأصحاب الاقلام الحرة لهم دورهم، كما أن للعمال دورهم وللزّراع دورهم، فهؤلاء جميعهم إذا أخلصوا في عملهم سيصلون إلى الجنة. فهذا الإخلاص هو شهادة في موقع الشهادة. فالشهادة هي جزء من المسار وهي جزء من حاجة، عندما نحتاج إلى الشهادة. ولكن نحن في ذات الوقت بقدر ما نحتاج إلى الشهداء نحتاج إلى العلماء وإلى الكتاب وإلى الصحافيين وإلى العمال، لكن للأسف فإن ما نشهده من بعض التوجهات في التربية الدينية أنها تحاول أن توجه الجهود إلى أن الجنة تحصر هنا، والتصوير بأن كل الأماكن والمجالات الأخرى لا توصل إلى الجنة. وهذا خطأ يقع فيه كثيرون.

• هناك الكثير من الدوافع التي تدفع الشباب إلى الانخراط في هذا النهج، منها كالعوز المادي مثلاً. فهل لهؤلاء المجاهدين اجر الشهداء أيضاً؟

النية هي الأساس. فهناك فرق بين من يقاتل في سبيل الله ومن يقاتل بهدف راتب مادي أو نتيجة احتقان مذهبي. النية هي العنصر الأساسي. فلماذا انطلقوا في هذا الطريق؟ وعلى أي أساس؟ ونحو اي هدف؟ والنية والهدف يجب ان يكونا صافييْن.

• لكن اليوم ثمة أكثر من جهة تدعي الجهاد، وكلّ من أجل طائفته، بما معناه جهاد في سبيل الله.. فأي المجاهدين يسير نحو الجنة؟!

هنا تدخل النية. لذا نحن دائما ندعو المسلمين إلى ضرورة التنبه إلى نواياهم، وان يحددوا على اي اساس يقاتلون. فهل هم يقاتلون على أساس طائفي أو مذهبي أو أن هناك قضية محقة؟ وبهذا المعنى، حتى لو كان الجهاد ضد العدو، فيجب أن تكون النية واضحة. والأهم هو الإخلاص في النية وأن لا يداخلها أي شك أو لبس.