سجعان قزي: ما كلُّ اعتذارٍ بادرةَ تهذيب/مارلين خليفة: سجعان قزّي كاتانغا المبشّر بالحياد والمتمرّد الذي فاوض الفلسطينيين باسم بشير وكتب خطاب قسمه

226

ما كلُّ اعتذارٍ بادرةَ تهذيب
سجعان قزي/افتتاحيّةُ جريدة النهار/06 أيار 2021

سجعان قزّي: كاتانغا.. المبشّر بالحياد
مارلين خليفة/أساس ميديا/الثلاثاء 04 أيار 2021

سجعان قزّي: المتمرّد فاوض الفلسطينيين باسم بشير… وكتب خطاب قسمه
مارلين خليفة/أساس ميديا/الأربعاء 05 أيار 2021

**************
ما كلُّ اعتذارٍ بادرةَ تهذيب
سجعان قزي/افتتاحيّةُ جريدة النهار 06 أيار 2021

في ظروفٍ طبيعيّة، كنا رَحّبنا باعتذارِ الرئيسِ المكلَّف سعد الحريري، وقد مَضَت سبعةُ أشهر والحكومةُ لم تَتشَكَّل، فيما البلدُ ينهار. فكما لا يَحِقُّ وطنيًّا وأدبيًّا لرئيسِ الجُمهوريّة، أيِّ رئيسِ جُمهوريّة، أن يتأخّرَ أسابيعَ قبلَ بَدءِ الاستشاراتِ الملزِمةِ لاختيارِ رئيسٍ مكَلَّف، لا يَحِقُّ وطنيًّا وأدبيًّا أيضًا لرئيسٍ مكلَّف، أيِّ رئيسٍ مكلَّف، أن يَتأبّطَ التكليفَ ولا يُشكِّلَ حكومةً في مدّةٍ معقولة. البلدُ ليس مُلكَ “الطائف” والطوائف، ولا مُلكَ الرؤساءِ والصلاحيّات. لكنَّ عجزَ الرئيسِ الحريري ليس ناتجًا عن فشلٍ أحاديٍّ وعِناد، إنّما عن وجودِ مشروعٍ متكامِلٍ لدى المحورِ السوريِّ/الإيرانيِّ لوضعِ اليدِ على البلد. والسيطرةُ على الحكومةِ هي إحدى حلقاتِ هذا المشروعِ الانقلابيِّ الذي يَتناساه البعضُ أحيانًا.

لقد تَخطّينا مرحلةَ تحديدِ نسبةِ المسؤوليّةِ بين الرئيسِ عون والرئيس الحريري إلى مرحلةِ انكشافِ مسؤوليّةِ فريقٍ بكامِله يواظبُ على إحكامِ السيطرةِ على لبنان استباقًا مفاوضاتِ أميركا وإيران حولَ دورِ طهران المتمادي في دولِ الشرق الأوسط، بموازاةِ مفاوضاتِهما حولَ الاتّفاقِ النوويّ. لا يَجبُ أن نضيعَ في الثلثِ المعطِّل والحقائبِ وأسماءِ الوزراء. مُعضلةُ الحكومةِ أبعدُ من ذلك. ما عادت الاستحقاقاتُ الدستوريّةُ جُزءًا من النظامِ، بل من الانقلابِ المستمر. ولا يجبُ أن نُهروِلَ إلى التسوياتِ الداخليّةِ لأنَّ تسوياتٍ تجري بين دولِ المنطقةِ ولا بدَّ مِن اللَحاقِ بالقطار. هذا منطقٌ سَبقَ له أن دَمَّرَنا. التقارباتُ الجاريةُ في المنطقةِ اليوم مرحليّةٌ ومبنيّةٌ على زَغَل. وبِقدْرِ ما يُفترضُ أن نواكبَها احتياطًا، فلا نخافُ منها إذا تَحلّينا بروحِ الصمود.

في هذا الإطار، إنَّ اعتذارَ سعد الحريري عن تشكيلِ الحكومة ـــ إذا حَصل ــــ هو بَدءُ نهايةِ “اتّفاق الطائف” وضربةٌ للحالةِ السُنيّةِ الوطنيّة. والاعتذارُ هو هزيمةٌ لقوى السيادةِ والاستقلال ـــ أين هي؟ ــــ وانتصارٌ لحزبِ الله ولحلفائِه في السلطةِ وللمحورِ السوريِّ/الإيرانيِّ عمومًا. لو يُسفِر اعتذارُ الحريري عن تكليفِ شخصيّةٍ أخرى بمواصفاتٍ وطنيّةٍ، وعن تشكيلِ حكومةٍ وطنيّةٍ، لشَجَّعْناه على الاعتذار. لكن اعتذارَه ـــ عدا عن تأثيرِه السلبيِّ على مستقبلِه السياسيِّ ــــ سيكون بمثابةِ استسلامٍ للحالةِ الانقلابيّةِ ويَضعُ المؤسّساتِ الدستوريّةَ الثلاث (رئاسةُ الجُمهوريّة، المجلسُ النيابيّ، ومجلسُ الوزراء) تحت سيطرةِ المحورِ الإيرانيِّ/السوريِّ رغمَ محاولاتِ الرئيس نبيه بري تحييدَ المجلسِ النيابي. إنَّ صمودَ الرئيس الحريري هو أساسيٌّ لمنعِ اكتمالِ الانقلاب، وللانقلابِ على الانقلابِ لاحقًا.

غيرَ أنَّ صمودَ الحريري يَستدعي أن تَقِفَ جميعُ القوى السياديّةِ إلى جانبِه وتَدعمَه على أساسِ برنامجِ حكم. لقد حان الوقتُ لأن تَخرجَ هذه القِوى من انقساماتِها ودفاترِ شروطِها ومن غيبوبتِها وتتّحِدَ مع الحَراكِ الشعبيِّ الوطنيِّ في جَبهةِ إنقاذ. لا يَحِقُّ لهذه الشخصيّاتِ أنْ تَقبِضَ أو تَرِثَ أو تؤسِّسَ هذه الأحزابَ العظيمةَ، بغالِبيّتِها، وتُجمِّدَ طاقاتِها. هذه الطاقاتُ هي مُلكُ الشعبِ والأجيالِ والشهداء لا مُلك رؤسائِها. كانت هذه الأحزابُ دومًا للوطن لا للسلطة، وتاريخُها مواجهةٌ ومقاومة.

صمودُ الرئيسِ سعد الحريري يَتطلّبُ أيضًا دعمُ الدولِ العربيّةِ والغربيّةِ وغيرهِا التي تؤيّدُ سيادةَ لبنان واستقلالَه ونظامَه الليبراليّ. إن سياسةَ الانكفاءِ المؤذي التي يُمارسها بعضُ الدولِ العربيّة، وسياسةَ التنازلِ المخْجِلِ التي يُتقِنُها بعضُ الدولِ الغربيّةِ تجاه لبنان ليستا أفضلَ استراتيجيّةٍ لمواجهةِ التمدُّدِ الإيرانيِّ والهلالِ الشيعيّ. الصديقُ عند الضيقِ لا عندَ اليُسْر. وبالتالي، لا نُلامُ إذا اعتَبرنا هذه السياساتِ بمثابةِ عقوباتٍ صديقةٍ علينا، وبعضَ الزياراتِ بمثابةِ إعلانِ إفلاس. لقد مَضى علينا خمسون سنةً ونحن نُقاتِل عنكم ونَحمي خطوطَكم الأماميّةَ والخلفيّة. فلا تُمنِّنونا بالمال، فنحن دَفعنا شهداء.

في الزمنِ الصَعبِ لا مكانَ للأصدقاءِ الرَماديّين، ولا مكانَ للتشفّي ورؤيةِ الصديقِ يَسقُطُ من دون أن تَمتدَّ يدُ العونِ إليه. ولا نَقبلُ مساواةَ من يناضلُ لبناءِ دولةٍ حرّةٍ وديمقراطيّةٍ بمَن يُجاهد لإسقاطِها وبناءِ مُـجَسَّم آخَر. ويُخطِئُ مَن يَترقّبُ لحظةَ ما قبلَ السقوطِ النهائيِّ ليتدَخّلَ. لا أحدَ يستطيعُ التَحكّمَ بتلك اللحظةِ غيرُ الآب الّذي في السماوات. اليومَ لا غدًا يَحتاج لبنانُ إلى أشقائِه وأصدقائه. فلا تُعاقبوا شعبًا بأكملِه بسببِ عصابةٍ أو منظومةٍ فاسدة. فسِّروا لنا كيف تُعيدون العلاقاتِ مع نظامِ بشّار الأسد وتَقطعونَها مع شعبِ لبنان؟ في كتابِهما “Empires in World History” الذي صَدرَ سنةَ 2010 عن جامعةِ برينستون Princeton يَذكُر المؤرِّخان جين بوربانك Jane Burbank وفريدريك كوبر Frederick Cooper أنَّ “الدولةَ الصغيرةَ التي لا تُنقَذُ في الوقتِ المناسب، يَتحوّلُ سقوطُها خطرًا على حلفائِها قبل أعدائها”.

نَفهم أن يَرفضَ المجتمعان العربيُّ والدوليُّ تعويمَ هذه السلطةِ الجامحة، ونحن كذلك. لكنْ هناك بدائلُ كثيرةٌ لإنقاذِ شعبِ لبنان من محنتِه. يُمكن مساعدتُه مناطقيًّا عوضَ مساعدتِه مركزيًّا، ومن خلالِ مرجِعيّاتِه عوضَ سلُطاتِه الرسميّة. ويُمكن مساعدتُه خصوصًا في تبنّي مشروعِ عقدِ مؤتمرٍ دوليٍّ خاصٍّ بلبنان وإعلانِ حيادِه. ويُمكن مساعدتُه في التحلّي بالجرأةِ على توفيرِ القدراتِ المتنوِّعةِ لتطبيقِ القراراتِ الدوليّةِ التي اتّخذْتموها أنتم بالذات. هذه هي الحلولُ التي يَحتاجها لبنان إذا كنتم صادقين بحِرصِكم على إنقاذِه والمحافظةِ على وِحدتِه المهدَّدةِ فعليًّا.

إن سياسةَ انكفاءِ الأشقّاءِ والأصدقاءِ اضْطُرّت أَفرقاءَ لبنانيّين إلى قَبولِ دخولِ القوّاتِ السوريّةِ سنةَ 1976 وقَبولِ مساعدةِ إسرائيل سنة 1982. فهل يريدُ الأصدقاءُ والأشقّاءُ دفعَ اللبنانيّين إلى هذا النوعِ من الخِيارات زائدًا الخِيارَ الإيرانيّ؟

تجاه هذه الخِيارات، وقد اكتَويْنا منها جميعًا، خِيارُنا الرفضُ والمواجهةُ والصمود، لا الانصياعُ وطأطأةُ الرؤوس. لا ضرورةَ للهلعِ ولا للإحباط. حين يكون التردّدُ في كلِّ مكانٍ لا تكون الشجاعةُ في أيِّ مكان. لكنَّ الشجاعةَ، وإن غابَت عن كلِّ مكانٍ تبقى فينا وعندَنا. ما خَسِرْنا إلا في زمنِ التسوياتِ والتنازلاتِ والهروب. وما انتصَرنا وبَقينا واسترجَعنا لبنانَ الحبيبَ إلا في زمنِ الشجاعةِ والمقاومة. فلا يُـخَيِّــرْنَا أحدٌ بين الباطلِ والباطل، ولا يَـظُــنَّــنَ أحدٌ أنْ لا خِيارَ لنا إلا هو…  واضِح؟

في الثاني من آذار 1941، وفرنسا تحت الاحتلال، أَطلق الجنرالُ فيليب لوكليرك، رفيقُ الجنرالِ ديغول، قَسَمَ “كوفرا” Koufra، وفيه ألّا يتراجعَ إلّا بعدَ أن يُرفرفَ علمُ فرنسا في ماتز Metz وستراسبورغ. حبّذا لو يُقسِمُ اللبنانيّون معًا بألّا يبقى في لبنانَ علمٌ سوى علمِ لبنان.

سجعان قزّي:  كاتانغا.. المبشّر بالحياد
مارلين خليفة/أساس ميديا/الثلاثاء 04 أيار 2021
منذ فتوّته عاشر سجعان قزّي الكبار وصادق القادة وأحبّ الناس العاديّين. وفي حقبة السبعينيّات والثمانينيّات كان يوجد كبار وقادة وعظماء. تعرّف إلى مؤسّس حزب “الكتائب اللبنانيّة” بيار الجميل من خلال والده، وكان يبلغ ستة أعوام، وإلى بشير الجميّل رئيس الجمهورية الأسبق في السادسة عشرة من العمر. واكبَ شخصيّات كثيرة، بعضهم لا يملك خامة القادة. ومع جميع هؤلاء رفض الانصياع والطاعة العمياء. هو المتمرّد حتّى على نفسه، إلا أنّ عينيه تدمع أمام ثلاث كلمات: أمي وأبي وبشير.
يتميّز سجعان قزّي بسرعة البديهة: ذات يوم من عام 1977، كان يفاوض، باسم بشير الجميل، أبو أياد نائب رئيس حركة فتح، وباسل عقل أحد قياديّيها، في السفارة الكويتية في منطقة بئر حسن. طوّقَت منظمة “الصاعقة” السوريّة مكان الاجتماع. لمعَت فكرة في ذهن سجعان، الشاب المفاوض: طلب من سفير الكويت، عبد الحميد البعيجان، مستضيف الاجتماع، أن يسمح بوضع العلم الكويتي على سيّارته الرسميّة وكأنّ السفير ينطلق في مهمّة، فاستقلّها قزّي تاركاً مرافقيه في الخارج، فظنَّ عناصر الصاعقة أنّ الاجتماع مستمرّ، فيما كان قزّي وصل سالـماً إلى بيت الكتائب بالأشرفية، وأفشل عملية القبض عليه.
في عام 1984، وتحديداً في 6 شباط الشهير، اختطفت عناصر مجهولة سجعان قزّي على طريق المطار وهو عائد من مهمّة في واشنطن. قاوم مختطفيه وأفلت منهم ووصل إلى مركز الجيش قرب مطار بيروت، لكنّ عناصر من “حركة أمل”، يفوق عددهم العشرين، وصلوا إلى مركز الجيش، وتمكّنوا من خطفه مجدّداً تحت أنظار الجيش، واقتادوه إلى عمق الضاحية الجنوبيّة. أثناء احتجازه، عرض عليه أحد الخاطفين فنجان قهوة فاعتذر وطلب زجاجة عصير مقفلة ليتأكّد أن لا مادّة تخدير أو سمّ في ما يتناوله. تدخّل الرئيس نبيه بري وأطلق سراح قزّي، ثمّ استقبله في منزله في شارع بربور خلف كورنيش المزرعة.
يتميّز سجعان قزّي بسرعة البديهة: ذات يوم من عام 1977، كان يفاوض، باسم بشير الجميل، أبو أياد نائب رئيس حركة فتح، وباسل عقل أحد قياديّيها، في السفارة الكويتية في منطقة بئر حسن
المتمرّد منذ يفاعته
على شاكلة هذه المبارزات التي شهدتها الحرب، أمضى قزّي حياته الغنيّة بتجارب ومخاطر تصلح للتدوين في كتاب: صحافي في جريدة “العمل” في الثامنة عشرة، مسؤول مصلحة الإعلام في حزب الكتائب في العشرين، رئيس قسم الأخبار في إذاعة “صوت لبنان” في الثالثة والعشرين، مسؤول الشعبة الخامسة في القوّات اللبنانية سنة 1976، مؤسّس إذاعة “لبنان الحر”، إذاعة “المقاومة اللبنانيّة”، في السادسة والعشرين، وأدارها بين عاميْ 1978 و1985، ومستشار الرئيس بشير الجميّل وكاتب خطاباته حتّى استشهاده عام 1982، مؤسّس نشرة “تحليل استراتيجي حول الشرق الأوسط” (MIB) في باريس في الثالثة والثلاثين. في باريس، التي سافر إليها في 17 كانون الثاني سنة 1986 بعد تعرّضه لمحاولتيْ اغتيال بعد “الاتّفاق الثلاثي”، نجح في أن يصبح مستشاراً في المخاطر السياسية لكبرى الشركات الصناعيّة العاملة في مجالات الدفاع والطيران والنفط والإنشاءات العامّة. وعُيِّن بين عاميْ 1991 و1998 خبيراً لشؤون الشرق الأوسط في “الأمانةِ العامّةِ للدفاعِ الوطنيِّ” التابعة لرئاسة الحكومة الفرنسيّة. وكان منزله الباريسيّ ملتقى كبار المسؤولين الفرنسيّين والصناعيّين ورجال الأعمال والصحافيّين.
ولمّا عاد إلى بيروت عام 2000 بعد غياب 15 سنة في فرنسا، استعاد نشاطه في حزب “الكتائب اللبنانيّة”، فكان المستشار السياسيّ للرئيس أمين الجميّل، ثمّ المرشّحَ للنيابة في كسروان ــ الفتوح ضدّ اللائحة التي رأسها الجنرال ميشال عون، ثم انتُخب نائباً لرئيس حزب الكتائب، ثمّ عيِّن وزيراً للعمل بين عاميْ 2014 و2016 في حكومة رأسها الرئيس تمّام سلام.
على شاكلة هذه المبارزات التي شهدتها الحرب، أمضى قزّي حياته الغنيّة بتجارب ومخاطر تصلح للتدوين في كتاب
على الرغم من الانسجام في الخيارات الوطنيّة الاتّحاديّة بينه وبين سامي الجميل، والمحبّة التي يكنّها له، اختلف سجعان معه لـمّا تسلّم رئاسة الحزب من والده وقرّر فجأة الخروج من الحكومة. رفض قزّي الاستقالة من الحكومة لأنّه لم يقتنع بها، ولأنّ القرار اتُّخذ من دون استشارته. يومئذٍ أطلق سجعان عبارته: “في العشرينيّات كنت أشارك في القرارات مع بشير الجميل، وفي الستينيّات لن أنفّذ قراراً لم أشارك فيه مع سامي الجميّل”. فكانت القطيعة و”فتى الكتائب” فصل السياسي المتمرّد، واختار الشيخ سامي مستشارين من جيله في محاولة يائسة لاستمالة ما كان يسمّى بمجموعات المجتمع المدني.
البطريرك يستشيره… لكنّه ليس مستشاره
أعجب البطريرك الماروني بشارة الراعي بفكر سجعان قزّي مقدّراً كتاباته وآراءه وتحليلاته في القضايا السياسية، ونشأت بينهما، خصوصاً منذ عام 2019، علاقة تقدير ومحبة متبادلين. يبتسم سجعان قزي حين نسأله: هل أنت مستشار للبطريرك؟ فيقول: “غبطة البطريرك يستشيرني أحياناً، لكنّي لست مستشاره. في بكركي لا يوجد مستشارون”. لكنّ الجميع يدرك أنّ قزّي وضع طاقاته الفكرية والسياسية كلّها في خدمة البطريرك، وأنّه يعمل معه على مشروعيْ الحياد والمؤتمر الدوليّ. أكثر ما يحرص عليه قزّي هو استقلاليّته السياسية والفكرية لكي يحتفظ بحرّية الكتابة والتعبير والموقف، فلا يعتبر قرّاؤه أنّ ما يقوله ويكتبه يعبّر دوماً عن رأي البطريرك. يتحاشى قزّي إحراج البطريرك بمواقفه، ويتحاشى أيضاً عيون الحسّاد والغيارى… ومهما نفى سجعان قزي وأصرّ أنّه ليس مستشاراً للبطريرك الراعي، فهاتفه لا يستكين، إذ كانت تنهال عليه طوال اللقاء معه اتصالاتٌ يستفسر أصحابها من السياسيّين والمحازبين والإعلاميّين والأصدقاء، عن آخر المستجدّات…
وحين نسأله: “إذن أنت لا تزال فتى الكتائب؟”، يجيب: “لم أعد فتى، ولم تعد الكتائب الحزب الذي عرفته وناضلت في صفوفه خمسين سنة في العزّة والكرامة. فهذا الحزب كان من أعظم الأحزاب في تاريخ لبنان وتاريخ مسيحيّي الشرق. هذا حزب وطنيّ، لا يمينيّ ولا يساريّ”.
أعجب البطريرك الماروني بشارة الراعي بفكر سجعان قزّي مقدّراً كتاباته وآراءه وتحليلاته في القضايا السياسية، ونشأت بينهما، خصوصاً منذ عام 2019، علاقة تقدير ومحبة متبادلين. يبتسم سجعان قزي حين نسأله: هل أنت مستشار للبطريرك؟ فيقول: غبطة البطريرك يستشيرني أحياناً
الحياد… لإحياء “لبنان الكبير”
اللافت أنّ مشروع الحياد سبق لقزّي أن كتب فيه دراسات عدّة تضمّنها كتاباه اللذان أصدرهما: “سياسة زائد تاريخ” (2004) و”لبنان والشرق الأوسط بين ولادة قيصريّة والموت الرحيم” (2007). أطلق البطريرك في عظاته مفهوم “الحياد الناشط” وصار، بالإضافة إلى المؤتمر الدولي الخاص بلبنان، ركيزة الديبلوماسية البطريركية اليوم في المحافل اللبنانية والعربية والدولية والأممية. يقول قزي: “إنّ تبنّي البطريرك الراعي مشروع الحياد الناشط هو لإحياء مفهوم “لبنان الكبير” وفلسفة نشوء هذا الكيان. فالكنيسة المارونية أرادت لبنان مستقلّاً لا دولة قوميّة مسيحيّة ولا جزءاً من سوريا”. ويعتبر قزي “أنّ موقف البطريرك الراعي يهدف إلى تثبيت كيان لبنان لمئة سنة جديدة”.
الحياد العسكريّ لا يعني عدم الدفاع عن أراضينا
وحول كيفيّة تطبيق حياد لبنان بعد نشوء الكيان الإسرائيليّ عام 1948؟ يجيب قزّي: “باستثناء نشوء دولة إسرائيل، جميع التحوّلات التي حصلت في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط تعزّز المطالبة بتطبيق حياد لبنان. أمّا حيال إسرائيل، فلبنان ملتزم ما بقي من القضيّة الفلسطينيّة، لكنّه يحافظ على الحياد العسكري بانتظار السلام مع إسرائيل. وحتّى السلام مع إسرائيل لا يمكن أن يتمَّ قبل حلّ القضايا العالقة معها، وأبرزها: الاعتراف بحدودنا الدولية انطلاقاً من خطّ الهدنة، الاتفاق حول ثروات النفط والغاز، إيجاد حلٍّ للاجئين الفلسطينيين في لبنان، والتزام إسرائيل عدم الاعتداء على دولة لبنان والاعتراف بحياده. إنّ السلام اللبناني مع إسرائيل لا يرتبط بالسلام العربي معها، خصوصاً أنّ العرب صالحوها، بل بالقضايا الثنائيّة العالقة”. ويضيف قزي: “إنّ الحياد العسكري لا يعني الامتناع عن الدفاع عن أراضينا في حال تعرّضها لاعتداء، لذلك يجب أن يكون قرار الحرب والسلم محصوراً في يد الدولة اللبنانية فحسب..”.
حول كيفيّة تطبيق حياد لبنان بعد نشوء الكيان الإسرائيليّ عام 1948؟ يجيب قزّي: “باستثناء نشوء دولة إسرائيل، جميع التحوّلات التي حصلت في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط تعزّز المطالبة بتطبيق حياد لبنا
“متحف سجعان قزّي للفنون الجميلة”
يجلس قزّي في مكتبه، وحوله كتب ومجلّات وصحف معظمها أجنبية، وهو يسكن معظم الوقت في منزله في أدما. منزل يصحّ وصفه بـ”متحف سجعان قزّي للفنون الجميلة”. فكيفما أدرت العين تقع على منحوتات ولوحات لكبار في الفن التشكيلي اللبناني والعالمي، وعلى مجموعات كتب. بدأ قزّي يجمع جميع هذه القطع الفنية والثقافية مذ كان في العشرينات، ثم حين سكن في باريس حيث غاص في ثقافتها ومجتمعها وتقاليدها. هو الفرنكفوني الذي درس في معهد الرسل في جونية، ثم الفلسفة في الكسليك، والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف ـــ اليسوعية. وهو الآن يعطي دروساً عن “دور الثقافة في الإعلام” لطلّاب الماجستير في جامعة القديس يوسف. عام 2019 كان على وشك العودة إلى باريس ليكون إلى جانب ابنتيه Aude وJoy، لكنّه عدّل قراره مع اندلاع الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول 2019، وانتشار جائحة كورونا، وتسارع الحوادث اللبنانية، وبقي، على نحو خاصّ، “ليشارك إلى جانب البطريرك الراعي في مبادراته لإنقاذ لبنان”.
وُلِد سجعان قزّي في بلدة العقيبة على ساحل فتوح ـــ كسروان في 6 تشرين الثاني من عام 1952. والده ميلاد، الذي توفّي شابّاً، وكان رئيس منطقة العقيبة الكتائبية، وفي قيادة مجلس إقليم كسروان. أُطلق على ميلاد لقبُ “كاتنغا” Katanga، وهي المقاطعة التي ثارت على دولة الكونغو في الستينيّات، لأنّه كان يرفض الخضوع الآليّ لقرارات تتّخذها القيادة المركزية في الكتائب من دون العودة إلى القيادات المناطقية. ووالدته “انْـهاليتا” (أنجال)، وهي ولدت في كوبا. له شقيقان: جان وجورج، وشقيقة هي إليسار. بدأ سجعان حياته المهنية ولمّا يزل في البكالوريا. ترك بلدته العقيبة يافعاً، وسكن في بيروت وعمل صحافياً في جريدة “العمل” الكتائبية حيث أصبح على تواصل مباشر مع مؤسّس ورئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل الذي عيّنه مسؤول مصلحة الإعلام في الحزب، وأصبح أصغر عضو في المجلس السياسي الكتائبي بحكم كونه مديراً لإذاعة لبنان الحرّ.
يصف قزّي بيار الجميل بأنّه “رجل استثنائي في تاريخ لبنان والشرق الأوسط”. وحول سبب تركه إذاعة “صوت لبنان” وتأسيسه إذاعة “لبنان الحرّ”، يقول قزي: “بعدما دخلت قوات الردع العربية إلى لبنان أواخر عام 1976، وقبول “الجبهة اللبنانيّة” وحزب الكتائب بهذا الدخول، صارت متعذّرة مقاومة القوات السورية، التي تحوّلت احتلالاً، من خلال “صوت لبنان” التي التزمت، وهذا أمر طبيعي، سياسة الحزب. لكنّ بشير الجميل، الذي رفض دخول القوّات السورية وقرّر التصدّي لتجاوزاتها، أراد صوتاً طليقاً يعبّر عن سياسة القوات اللبنانية، أي المقاومة اللبنانية، فبادر إلى إنشاء إذاعة جديدة، وسلّمني إدارتها. وكنت أذيع يوميّاً تعليقاً سياسيّا”.
في الحلقة الثانية: فاوض الفلسطينيين باسم بشير.. وكتب خطاب قسمه

المتمرّد: فاوض الفلسطينيين باسم بشير… وكتب خطاب قسمه
مارلين خليفة/أساس ميديا/الأربعاء 05 أيار 2021
تحت إدارة سجعان قزّي، صارت إذاعة “لبنان الحرّ” “ملتقى الأصوات الحرّة ومنبراً ثقافيّاً وفكريّاً”. ويعترف قزي أنّ حياته في إذاعة “لبنان الحر” هي الأحبّ إلى قلبه. فهي شكّلت خليّة العمل السياسيّة لبشير الجميل. يقصدها السياسيّون والسفراء والعاملون في الشأن العام، وينتقلون بمعيّة سجعان للقاء بشير في المجلس الحربيّ، وكأنّهم يقدّمون أوراق اعتمادهم في الإذاعة أوّلاً.
“الإذاعة هي أهمّ إنجاز في حياتي لأنّني جعلت منها مركزاً حضاريّاً للمقاومة اللبنانية”. توأم قزي الموسيقى الكلاسيكية مع أبرز البرامج السياسيّة التي قدّمها شباب جددٌ، حرص قزّي على اختيارهم من غير الصحافيّين، لكنّهم صاروا لاحقاً صحافيّين متألّقين، منهم على سبيل المثال لا الحصر: أنطوان الراعي، جورج صدقة، جورج غانم، نوفل ضو، روزانا بو منصف، بيار غانم، نعمة موسى، ريتا ضو، طوني عون، طوني عيسى، أنطوان قسطنطين إلخ… وشارك في برامج الإذاعة كبارٌ أمثال: شارل مالك، الأب ميشال الحايك، المطران بولس مطر، الأب الشهيد ألبير شرفان، فؤاد إفرام البستاني، الياس ربابي، كمال الشرتوني، الأديب يوسف الخال، المسرحيّ جلال خوري، الشاعر هنري زغيب، والكاتبة لور غريب وزوجها أنطوان كرباج، وسواهم…
المفاوض باسم بشير إبّان الحرب
جمعت سجعان قزي ببشير الجميل صداقة شخصية عزّزتها العلاقة النضالية. كان قزّي هو من يكتب خطابات القائد الشابّ منذ أوّل خطاب له في احتفال كتائب الرميل عام 1974، لكنّ خطاباً واحداً لم يتسنّ لبشير إلقاؤه، ويتمثّل بخطاب القسم، بسبب اغتياله عام 1982. لعب قزي أدواراً محوريّة في علاقات بشير السياسيّة مع الخصوم في تلك الحقبة، التي يحرص على إبقاء تفاصيلها طيّ الكتمان، ولم يفكّر حتّى الآن في كتابة مذكّراته على الرغم من أنّه غزير الكتابة، فله خمسة كتب منشورة، وأربعة جديدة أرجأ إصدارها بسبب الوضع الحالي.
توأم قزي الموسيقى الكلاسيكية مع أبرز البرامج السياسيّة التي قدّمها شباب جددٌ، حرص قزّي على اختيارهم من غير الصحافيّين، لكنّهم صاروا لاحقاً صحافيّين متألّقين
ويخصّ قزّي “أساس” بكشفه للمرّة الأولى أنّه كان المفاوض باسم بشير الجميل مع منظمة التحرير الفلسطينية من جهة، ومع الحركة الوطنية من جهة ثانية. إذ كان يعقد اجتماعات في السفارة الكويتية مع ياسر عرفات وأبو أياد وهاني الحسن وباسل عقل وأبي حسن سلامة. أمّا محاوروه في الحركة الوطنية فكانوا من الحزب التقدمي الاشتراكي والمرابطون وحركات اليسار. وشارك في مساعي الحوار الأب يواكيم مبارك والشيخ ألكسندر الجميل والمحامي رامز يعقوب. وكشف قزي أنّ أبا حسن سلامة كان يلتقي بشير الجميّل في منزل الشيخ ألكسندر، الذي يعتبره قزي من أذكى آل الجميّل، ويتميّز بتواضعه.
لقاء بشير وكمال جنبلاط… وبداية التفكير بتوحيد البندقيّة المسيحيّة
كان ياسر عرفات مهتمّاً بحصول تقارب بين الحركة الوطنية والجبهة اللبنانية ليظهر أنّه يوجد وفاق لبناني، ولا داعي لدخول قوات حافظ الأسد إلى لبنان. وهذه الخطّة لم تنجح، إذ دخلت القوات السورية تحت مسمّى قوات الردع العربية عام 1976. في خضمّ هذه المحاولات وقع ما لم يكن بالحسبان، إذ قُتلت السيدة النبيلة ليندا جنبلاط الأطرش، شقيقة كمال جنبلاط، في منزلها في شارع سامي الصلح (المنطقة الشرقية). جنّ جنون بشير حين علم بالخبر، وقصد المنزل شخصيّاً مع سجعان قزّي، وكانت جثّة ليندا لا تزال طريحة الأرض. تمكّن بشير من معرفة من قام بالعمليّة، ولم تكن القوات اللبنانية بطبيعة الحال، وأبلغ كمال جنبلاط بالتفاصيل عبر الأب يواكيم مبارك ورامز يعقوب. رافق قزّي ومبارك جثمان الشهيدة ليندا حتّى مستديرة الطيّونة، ثمّ توالت الاتصالات إلى أن عُقد لقاء بين بشير وكمال جنبلاط في 28 أيّار 1976 في منزل محسن دلّول قرب دار الإفتاء. ويكشف قزي أنَّه “في أثناء الاجتماع، تبلّغنا خبر عبور القوات السورية المصنع، مستبقةً بذلك أيّ اتّفاق بين الجبهتين اللبنانية والوطنية. وبعد ذلك بأشهر، اغتيل كمال جنبلاط عام 1977، ولم يستكمل المشروع. لو أكملت العلاقة لكان لبنان في مكان آخر”.
والأمر الخطير الذي حدث أنّ مجموعة من “نمور الأحرار” أقامت حاجزاً مدجّجاً بالمدفعية أمام مقرّ قوى الأمن الداخلي، وحاولت منع بشير الجميل من دخول الأشرفية أثناء عودته من الاجتماع بكمال جنبلاط. فترجّلتُ من السيّارة وحاولت إقناعهم بالحسنى بأنّه لا يجوز منع بشير الجميل من الدخول إلى الأشرفية لأنّ ذلك سيؤدّي إلى اقتتال بين الكتائب والأحرار. لكنّهم أصرّوا على موقفهم إلى حين أتتهم أوامر جديدة من الرئيس كميل شمعون. ومنذ تلك اللحظة فَكّر بشير بضرورة توحيد البندقية.
يخصّ قزّي “أساس” بكشفه للمرّة الأولى أنّه كان المفاوض باسم بشير الجميل مع منظمة التحرير الفلسطينية من جهة، ومع الحركة الوطنية من جهة ثانية. إذ كان يعقد اجتماعات في السفارة الكويتية مع ياسر عرفات وأبو أياد وهاني الحسن وباسل عقل وأبي حسن سلامة
اضطلع قزي أيضاً بالعلاقات مع السفراء العرب، ونجح في فكّ المقاطعة عن الجبهة اللبنانية بتنظيم لقاء للسفير الكويتي عبد الحميد البعيجان مع بشير الجميل في بيت الكتائب بالأشرفية. وإثر اللقاء، توجّها معاً إلى مقرّ الجبهة اللبنانية. وبعد أسبوع أثناء سفر البعيجان الى الكويت اختطف السوريّون طائرته في رسالة واضحة له!
المثقّف وذوّاقة الفنون
هذا غيضٌ من فيضِ مبارزاتٍ سياسيةٍ وأمنيةٍ عاشها سجعان قزّي، وعلى الرغم من غنى تجربته لا تزال قراءات سجعان قزي الأدبية هي الطاغية: في الشعر يحبّDe Lamartine, Victor Hugo, Baudelaire, Verlaine, Paul Valéry,. وفي الأدب Chateaubriand, Albert Camus. وفي الفلسفة تأثّر بـ Hegel, Kant, Aristote, Zénon, . وفي الموسيقى يهوى الموسيقى الناعمة والموسيقى الكلاسيكية لـ Chopin, Mozart, Debussy, Beethoven, Chostakovitch, Rachmaninov . وفي الرسم يحبّ لوحات صليبا الدويهي وبول غيراغوسيان وإيلي كنعان وقيصر الجميّل وحسن جوني وحسين ماضي وأمين الباشا. وكانت أوّل لوحة اشتراها عام 1980 من بول غيراغوسيان بسعر 800 ليرة لبنانية دفعها بالتقسيط.
الاتّفاق الثلاثيّ ومغادرة لبنان… ومساعدة الرئيس برّي!
لكنّ حياة سجعان قزي لم تكن هادئة كالموسيقى الكلاسيكية. فكلّ ما بلغه في حياته كانت ثمرة نضال وانتزاع. اتّكل على إرادته لا على الحظّ. مرّ بصعوبات كثيرة واجتازها بالإيمان والعزم. تميّز بالإخلاص والوفاء، إلى جانب تمسّكه بالكرامة والعنفوان. ربّما كان الوحيد من مسؤولي حزب الكتائب والقوات اللبنانية، الذي قدّم استقالته من إذاعة لبنان لمّا حصلت انتفاضة جعجع/حبيقة في 12 آذار 1985 على الدكتور فؤاد أبي ناضر قائد القوات اللبنانية. وعلى الرغم من تحفّظه على الاتّفاق الثلاثي، كان في عداد الوفد الذي ذهب إلى دمشق بعد إلحاح إيلي حبيقة. ضمّ الوفد: إيلي حبيقة، الياس الهراوي، فؤاد بطرس، خليل أبو حمد، ميشال إده، مخايل الضاهر، كريم بقرادوني، وشارل غسطين وقزي. ولمّا رآه عبد الحليم خدام بادره بالقول: “شو؟ متى رح تصير إيجابي تجاهنا؟”، فأجابه قزي: “الإيجابية نديّة”. وبعد اجتماع 3 ساعات مع الراحل حافظ الأسد، عاد الوفد وحصلت بعد نحو شهرين الانتفاضة ضدّ حبيقة والاتّفاق من قبل جعجع وأمين الجميل، وأُرغم قزّي على مغادرة لبنان.
اضطلع قزي أيضاً بالعلاقات مع السفراء العرب، ونجح في فكّ المقاطعة عن الجبهة اللبنانية بتنظيم لقاء للسفير الكويتي عبد الحميد البعيجان مع بشير الجميل في بيت الكتائب بالأشرفية
بسبب وضعه الأمني انتقل إلى مطار بيروت من الأشرفية بمساعدة رئيس حركة أمل نبيه برّي، الذي أرسل إليه الشيخ حسن المصري، فواكبه إلى المطار بمساعدةٍ أمنية وفّرها المدير العام للأمن العام آنذاك الدكتور جميل نعمة. ذهب إلى باريس، وفي جيبه 1700 فرنك فرنسي “أعطتني إيّاها أمي”. وفجأة، يتحوّل سجعان قزي إلى شخص آخر: تغرورق عيناه بالدموع، وتدمعان. وبعد أن يرتشف القليل من قهوته الباردة، يقول: “ثلاثة يحرّكون دموعي: أمّي وأبي وبشير”.
انطلاقة باريسيّة من تحت الصفر
بدأ قزّي في باريس حياة جديدة من تحت الصفر. ويقول قزّي: “ساعدني مادّيّاً في بدايات سكني في باريس المرحومان ميشال إده وجوزف عبدو الخوري لأعيش. والأخير موّل إطلاق النشرة الاستراتيجية التي أسّستها ولم أتمكّن من مواصلة إصدارها لأنّني لا أعرف “لَمّْ المصاري”. أمام الصعوبات الماديّة، تذكّر قزي صديقاً فرنسياً، هو أندريه جانييه، الذي كان الملحق الصحافي في بيروت أيّام كان قزي في الإذاعة. بحث عن رقم هاتفه واتّصل به، ووجد أنّه أصبح سفيراً ومندوب وزارة الخارجية لدى وزارة الدفاع الفرنسية. بادر جانييه وقدّم صديقه قزي إلى مدير العلاقات الدولية في شركة “Aérospatiale”، وأعدّ له دراسة عن آليّة اتّخاذ القرار في داخل مجلس التعاون الخليجي. كسب قزي 25 ألف فرنك فرنسي! وكرّت سبحة الشركات الكبرى التي طلبت عبر عقود سنويّة خدماته الاستشارية في المخاطر السياسية، وجذب إليه كبريات الشركات الفرنسية، من بينها، على سبيل المثال لا الحصر، توتال، طومسون، داسو للطيران، سنيكما، ساجيم، ألكاتيل، وسواها. ارتاح قزّي مادّيّاً، فاشترى شقّة، وتخطّى المرحلة القاسية. يتحوّل سجعان قزي إلى شخص آخر: تغرورق عيناه بالدموع، وتدمعان. وبعد أن يرتشف القليل من قهوته الباردة، يقول: “ثلاثة يحرّكون دموعي: أمّي وأبي وبشير”
العائلة هي الأهمّ
سجعان قزي متزوّج بدانيا حليم بارود التي تعرّف إليها في إذاعة لبنان الحرّ أثناء إعدادها بحثاً لنيل ماجستير في العلوم السياسية في جامعة اليسوعية. تعرّضت دانيا أيضاً للاضطهاد، إذ اعتقلها جهاز استخبارات الانتفاضة، واحتجزها في مبنى “القوبرلي” في ذوق مصبح لمعرفة نشاط سجعان في باريس. لسجعان ودانيا ابنتان توأمان: Aude، وهي مهندسة معمارية في لندن بعدما أنهت دراساتها العليا في جامعة كولومبيا في نيويورك، وتعطي دروساً في هذه الجامعة. وJoy التي أنهت دراساتها العليا في الصحافة والعلوم السياسية في جامعة George Town بواشنطن بعدما تخرّجت من الجامعة اليسوعية في بيروت، وهي عملت في تلفزيون M6، والآن في تلفزيون TF1 في باريس. بعد 15 عاماً من الغربة، عاد سجعان قزي إلى لبنان. عام 2000 اقترح عليه النائب والوزير السابق، المرحوم جورج إفرام، أن يترشّح للانتخابات النيابية على لائحته، لكنّ النظام الأمني اللبناني ــ السوري حال دون ذلك. وفيما توطّدت علاقة قزي بالرئيس أمين الجميل في المنفى الباريسي، ومع العماد ميشال عون، الذي كان يزوره دوريّاً في مرسيليا و”هوت ميزون” قرب باريس، طلب إليه الشيخ أمين أن يكون مرشّح “حزب الكتائب” للانتخابات النيابية في كسروان، فنال نحو 26.300 صوت، وهي أعلى نسبة أصوات يحصدها مرشح كتائبي في كسروان منذ عام 1961. ثم انتخب نائباً لرئيس الحزب عام 2010. عام 2014 اختاره حزب الكتائب ليمثّله في الحكومة، فعُيِّن وزيراً للعمل. واختلف لاحقاً مع سامي الجميل ليستحقّ اللقب الذي ناله والده المتمرّد: “كاتنغا”.
يقول قزي اليوم إن “الأحداث أعطته الحقّ”، ويضيف: “لبنان بحاجة إلى حزب الكتائب، وآسف ألا يعود الشيخ سامي إلى الخطّ التاريخي الذي بنى عظمة الكتائب وأمجادها”.