الأب سيمون عساف/القلانس الثلاثة: مار أنطونيوس الكبير ومار افرام السرياني ومار مارون

229

القلانس الثلاث: مار أنطونيوس الكبير ومار افرام السرياني ومار مارون. 

الأب سيمون عساف/29 كانون الثاني/2021

1- مار أنطونيوس الكبير
2- مار افرام السرياني
3- مار مارون. 

القَلَنْسُوَةُ والجمع قلانس وقلانيس، قُلَنْسِيَةُ، توضَع على الهامَة.
هي غطاء رأس رجال اليهود المتدينين وفي صلاتهم خاصة. وايضا يضعها الرهبان في الصوامع والأديار، تُخاط في البرنوس وكان النُسَّاكُ يلبسونها في صدر الإسلام أو القمصان أو عباءة.

يعتمرها بشكل خاص كما ذكرنا المتعبدون ترمز الى الرغبة الوحيدة في التجدد بالروح القدس الذي لا يزال يهبّ فتتجلَّى مواهبُه في حياة الأصفياء والأبرار والقديسين، كما انها علامة رجال يسلكون طريقًا للوصول الى كمال محبة الواحد الأعظم. وبالتالي اشبه بخوذة الفوارس او المصارعين في الميدان. ينَوِّه عنها بولس الرسول:” إلْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ (…) فَاثْبُتُوا مُمَنْطِقِينَ أَحْقَاءَكُمْ بِالْحَقِّ، وَلاَبِسِينَ دِرْعَ الْبِرِّ، وَحَاذِينَ أَرْجُلَكُمْ بِاسْتِعْدَادِ إِنْجِيلِ السَّلاَمِ. حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ. وَخُذُوا خُوذَةَ الْخَلاَصِ، وَسَيْفَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ كَلِمَةُ اللهِ. ( أفسس 6: 11)

مار أنطونيوس الكبير
1) وُلد هذا القدِّيس العظيم في مدينة كوما في صعيد مصر نحو السنة (251م- 356 م). وَقد كتب سيرته القدِّيس أثناسيوس بطريرك الاسكندريِّة معاصره، قال: “وُلد أنطونيوس في مصر من أبوَين مسيحيَّين تقيَّين. توفي والداه تاركَين له أختاً دونه سِنًّا، فكان لها الأخ الشفيق المحبّ. سمع يوماً كلام الإنجيل المقَّدس: “إن كنت تريد أن تكون كاملاً فاذهب وَبِعْ كلَّ شيءٍ لكَ وأَعطِه للمساكين فيكون لك كنزٌ في السماء وتعال اتبعني” (متَّى 19: 21). فكان لهذه الآية وقعُها العميق في قلبه، فمضى فَبَاع ما يملك، تاركاً لشقيقته نصيبها، ووزَّع ما خصَّه على الكنائس والفقراء. واعتزل الدنيا. وأخذ يزور النسَّاك، صارفاً أوقاته بالصوم والتأمُّل والصلاة. فَحَسَدَه الشيطان وأخذ يجرِّبه. أمَّا أنطونيوس فكان ينتصر على هذه التجارب وهو يقتات بالخبز والملح وقليل من الماء.
وبالرغم من انتصاراته على التجارب، لم ينفكَّ الشيطان عن منازلته. وانفرد في الصحراء ودخل قبراً قديماً أقام فيه أشهراً. وما زال الشيطان يهاجمه بِصُوَرٍ حيوانيَّةٍ مُرعِبَةٍ، لكنَّه كان يقاومها بمعونة الله. وفي هذا العراك الهائل أشرق في ذلك الكهف نورٌ سماويٌّ وظهر الربُّ يسوع. فصرخ أنطونيوس: “أين كنت يا سيِّدي؟” فأجابه الربُّ: “كنتُ هنا، يا أنطونيوس، أنظر الى جهادك”. ثمَّ توغَّل في صميم الصحراء، واستأنف حياة التأمُّل ومناجاة الخالق مدَّة عشرين سنة، إلى أن عرف الناس بمقرِّه فأخذوا يأتونه من كلِّ صوب. وطلب الكثيرون منهم أن يَقبَلَهم في عداد تلاميذه، فأجاب طلبهم ونزل معهم إلى ضفاف النيل، حيث أنشأ لهم أديرة عديدة.
وفي المرحلة الأخيرة من حياته، زار أديرة رهبانه مُحَرِّضاً الجميع على الثبات في طريق الكمال. ورقد بسلامٍ في 17 كانون الثاني سنة 356 وله من العمر مئة وخمس سنين. من تركته الروحيَّة سبع رسائل شهيرة كان قد وجَّهها إلى بعض أديرة المشرق. وقد نقلت من القبطيَّة إلى اليونانيَّة واللاتينيَّة وطبعت مندمجة بين تآليف الأباء.

مار افرام السرياني
2) الملفان مار أفرام السرياني بالسريانية (ܡܪܝ ܐܦܪܝܡ ܣܘܪܝܝܐ: مور إفرم سوريويو). ولد عام 306 م في مدينة نصيبين من أسرة مسيحية، وتتلمذ على يد خاله مار يعقوب النصيبيني أسقف نصيبين وانخرط بالسلك الرهباني واختار البقاء في رتبة الشمامسة حتى وفاته حيث لم يكن يحسب نفسه أهلا لأن يقلد مهام الكهنوت، قام بتأسيس مدرسة لاهوتية في نصيبين (306 م ـ الرها 373 م)، ذاع صيتها واشتهرت بين أبناء ذاك الزمان.
راهب سرياني من رواد كتاب وشعراء المسيحية، ويعده بعض المؤرخين واللاهوتيين أعظم من كتب القصيدة والترنيمة الدينية في الشرق المسيحي، ولفصاحة لسانه وبلاغة أدبه وطهارة سيرته لقب بالقاب عدة كقيثارة الروح القدس وشمس السريان، وهو على كل حال أحد اباء ومعلمي الكنيسة الذي تجمع على قداسته جميع الطوائف المسيحية الرسولية.
أجبر على النزوح من مدينة نصيبين بعد سقوطها بيد الساسانيين عام 363 م، وانتقل إلى مدينة الرها التي كانت آنذاك خاضعة للحكم الروماني وتنيح هناك عام 373 م.
كما انه برع القديس افرام السرياني بتفسير الكتاب المقدس وعقائد الإيمان القويم واتبع في ذلك الطريقة الشعرية حيث أبدع أجمل ما كتب في شرح وإيضاح المعاني الروحية لكلمة الله، إضافة إلى ذلك اهتم بالكرازة وعاش حياة المتصوفين، جميع مؤلفاته كتبها باللغة السريانية وترجمت لمختلف لغات العالم وتعد من روائع الأدب المسيحي السرياني، وتمتاز مؤلفاته الكثيرة بالرقة وبجمال التفكير والتعبير وما زالت تتلى حتى اليوم كجزء من ليتورجيات الكنائس السريانية المختلفة، كتب الكثير في مدح السيدة العذراء. كما يعزى إليه تطوير الموسيقى الكنسية السريانية المستخدمة في القداديس السريانية.

مار مارون
3) وُلِدَ القدّيس مارون نحو سنة 350م، في شمال سوريا في مدينة (“كفر نابو” ) قورش حاليا وهي تقع شمال شرقي أنطاكية. وهو آرامي العُرق وسريانيّ اللغة، كما يدل اسم مارون. وهو لفظة سريانية آرامية “مار” وتعني ” السيد “. على ما جاء في كتاب “تاريخ أصفياء الله” الذي الفه المؤرخ ثيودوريطس أسقف قورش عام 459 . كان صديق القديس يوحنا فم الذهب وزميل الدراسة، دراسة في أنطاكية قبل أن يتبنى كل منهما نمط الحياة النسكية كما ورد في رسالة القديس يوحنا فم الذهب.
في عام 398 هجرَ مارون الحياة العامّة واعتزل في كالوتا على جبل في المنطقة القورشيّة شمالي غربي مدينة حلب. وعلى رأي عالم الاثار«كلرمون- غانو» ان هذا الجبل يدعى اليوم جبل سمعان، نسبة الى دير مار سمعان العامودي. وهناك قضي أيامه ولياليه في العراء بالصوم والصلاة والتقشّف متنسكا. وقد وصفه ثيودوريطس قائلا :” مارس مارون تقشف وضروب من الإماتات، تحت جو السماء، متعبدًا ومجهدا في الأصوام والصلوات والليالي الساهرة والركوع والسجود، والتأمل في كمال الله ومتى اشتدَّت العواصف كان يلجأ إلى خيمةٍ نَصَبَها هناك من جلد الماعز. وابتنى لنفسه صومعة حقيرة يلجأ إليها في ظروف نادرة” . واقام على المعبد الوثني المهجور للإله نبّو فحوّل ما فيه الى عبادة الله الحقيقية.
ونظرا الى تقشّفه ومواعظه وموهبة الشفاء جعلت الناس يتوافدون إليه من القرى والبلدات المجاورة ، منهم مَن لجأ إليه لمرضٍ جسديّ وآخرون لمرضٍ نفسي. فجاء في سيرة حياته :«كانت الحُمىَّ تخمدُ بظلِّ بركته، والأمراض على اختلافها تشفى جميعها، والأبالسة تنهزم بعلاجٍ واحد منه وهو “الصلاة”.
غير أن القديس مارون لم “يقتصر على شفاء أمراض الجسد بل كان يبرئ أيضًا أمراض الروح، فكان يشفي من الغضب والكذب واستباحة المحرمات وغيرها من المنكرات” كما ورد في سيرته في كتاب ثيودوريطس.
والتفَّ حوله في مغاور وكهوف وصوامع، ينتظرون تفقده إياهم فيُصغون بلهفة الى عظاته وإرشاداته«الموجّهة الهادية في مجاهل الحياة النسكية». وكان أقرَب الأشخاص إلى مارون الراهب زابينا الّذي أولاه القدّيس الكثير من الاحترام وأوقرَ شيخوخته واقتدى ببعض طُرُقه في الزُهدِ والتقشّف حتى أنّ بعض المؤرخين اعتبرَ أنَّ الراهب زابينا قد يكون معلّم مارون. ومن تلاميذه ايضا يعقوب القورشي وليمناوس، وصديقه الناسك زيبيناس.
وفي عام410 توفي القدّيس مارون “فقامت معركة عنيفة بين السكّان المجاورين للاستيلاء على جثمانه، وكانت الغلبة لبلدة متاخمة مكتظّة بالسكّان.” كما ذكرُ المؤرِّخ ثيودوريطُس وهذه البلدة تنطبق فعليًا على براد التي كانت مركزًا إداريًا في سوريا الشماليّة، جنوب قورش في نحو نصف ساعة بينها وبين حلب. وهو ما قامت البطريركية المارونية بتثبيته رسميًا عام 2010.
وفي 452 شيَّد الامبراطور البيزنطيّ مرقيانوس ديراً بجوار بلدة معرّة النعمان تكريماً لهذا القدّيس العظيم. وانتسبَ كثيرون إلى هذا الدير فسُمّوا رُهبان دير مار مارون، كما انضوى أيضاً عددٌ لا يُستهان به من الراهبات ولعلَّ أشهرهنَّ القدّيسات مارانا وكيرا ودومنينا.
وبعد أن بشّر تلامذة مار مارون اهل لبنان تركز كيان المارونية في لبنان. فنشأت روحانية الموارنة في لبنان . واصبحت هذه الروحانية تراثٌ روحيٌّ يشدُّ الموارنة إلى الإنجيل، إلى السيّد المسيح الإله المتجسّد، بالقديس مارون مثالهم في عيش الإنجيل ببساطة وإخلاص، وبتفانٍ وبطولة .
وقد تمّ نقل ذخائرهامة القديس مارون من إيطاليا إلى لبنان العام 1999 ، بناءً على طلب من البطريركيّة المارونيّة، وأودعت في دير ريش موارن، دير هامة مارون . ومع ان الموارنة بعيدون عن جثمان القديس مارون، فان بركته تشملهم بذخائر هامته المقدسة.
ومنح البابا غفرانًا كاملاً وفق معتقدات الكنيسة الكاثوليكية، لكل من يمارس سر الاعتراف وسر الإفخارستيا يوم 9 شباط من كل عام.‬ وإلى هذا القديس يعود أصل تسمية الموارنة Maronites الذين يعيشون في لبنان، ويعتبرون القديس مارو أباهم الأكبر ويذكرونه في قداساتهم.