نص عظتي البطريرك الراعي والمطران عودة لليوم 08 تشرين الثاني 2020/البطريرك الراعي من طرابلس: نريد عدالة تكشف الفساد والمفسدين ونريدها شاملة لا انتقائية/المطران الياس عودة للسياسيين: تخدمون لبنان إذا تنحيتم وعمر بكامله لن يكفيكم لتتوبوا

95

المطران الياس عودة للسياسيين: تخدمون لبنان إذا تنحيتم وعمر بكامله لن يكفيكم لتتوبوا
الأحد 08 تشرين الثاني 2020

البطريرك الراعي من طرابلس: نريد عدالة تكشف الفساد والمفسدين ونريدها شاملة لا انتقائية
الأحد 08 تشرين الثاني 2020
وطنية – ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي قداسا في كاتدرائية الملاك ميخائيل في منطقة الزاهرية في طرابلس، عاونه المطرانان جورج بو جوده، ويوسف سويف، النائب العام على الابرشية الخوراسقف أنطوان مخايل، المونسنيور نبيه معوض، والخوري جوزاف فرح، بمشاركة المطران ميشال عون، راعي أبرشية طرابلس وتوابعها للروم الكاثوليك المطران ادوار ضاهر، وعدد من الكهنة.
حضر القداس النواب: جان عبيد، نقولا نحاس، علي درويش، رئيس حركة الاستقلال النائب المستقيل ميشال معوض، قائد اللواء الثاني عشر العميد الركن المغوار فادي بو حيدر، رئيس اللجنة الأسقفية للحوار المسيحي الإسلامي المطران شارل مراد ممثلا بمنسق اللجنة الأسقفية للحوار في الشمال جوزاف محفوض، الى فاعليات بلدية، اقتصادية، اجتماعية، أمنية، وأبناء الرعية.
في بداية القداس، تحدث الخوري جوزاف غبش، فقال: “‎صاحب الغبطة، يا من أعطي له مجد لبنان، أنتم الراعي الصالح والأب الجامع، والمدبر الحكيم. كل عيوننا شاخصة إليكم، أنتم الربان الحكيم، لسفينة الكنيسة والوطن، في خضم الازمات والرياح التي تعصف بنا من كل حدب وصوب. فنحن نعول على حكمتكم لتقودوا الوطن إلى ميناء السلام والأمان والازدهار”.
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة قال فيها: “حان عيد التجديد في أورشليم” (يو10: 22)، قال فيها: “1. تحتفل الكنيسة اليوم بعيدين ليتورجيين هما: تجديد البيعة، وعيد الملاك ميخائيل شفيع هذه الكاتدرائية. ونقيم احتفالا كنسيا ومدنيا بتدشين شوارع مطارنة لهم آثارهم في خدمة الأبرشية ومدينة طرابلس العزيزة وهم أنطون عبد وأنطون جبير وجبرايل طوبيا ويوحنا-فؤاد الحاج. إنها مبادرة حميدة من سيادة المطران جورج بو جوده ورؤساء بلدية طرابلس المتعاقبين، وصولا الى رئيسها الحالي الدكتور رياض يمق. لأنها تذكر بالتاريخ الطويل الذي عاشه الموارنة مع المسلمين فيها، وبنوا معا عيشا مشتركا على أساس من التعاون والتضامن في إنمائها الإجتماعي والإقتصادي والتربوي، وفي شد أواصر الوحدة الوطنية فيها. وقد ردد الطرابلسيون الأحباء: “الحارة من دون نصارى خسارة”. فتحية محبة لعائلات طرابلس العزيزة، ولشخصياتها المدنية والسياسية والدينية، ولتراثها العريق. فمن هنا نتوجه إلى الدولة اللبنانية، وبين مسؤوليها كبار من هذه المدينة، أن تخصها وشعبها بعناية إنمائية فائقة كي تستعيد دورها “كمدينة الفقير”، بدلا من أن تكون، كما أصبحت اليوم مدينة الفقراء.
يسرني أن أحيي معكم هذه المناسبات، وأن أقدم لكم التهاني بعيد الملاك ميخائيل، المكرم في هذه الكاتدرائية والمدينة. إنه رئيس الملائكة وخصم الشيطان، كما جاء على لسان النبي دانيال (10: 13)، وفي رسالة يهوذا الرسول (آية 9). ومعروف أنه “المحامي عن شعب الله”. يروي يوحنا الرسول في رؤياه أنْ”حدثت حرب في السماء، ميكائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنين وملائكته، فلم يقو عليهم، ولا بقي لهم مكان في السماء، فألقي التنين الكبير، الحية القديمة ذاك الذي يقال له إبليس والشيطان” (رؤيا 12: 7-9). إن إسم ميكائيل يعني “من مثل الله؟” فإليه كمحامٍ عن شعب الله المؤمن والناصر لله نصلي اليوم كي يحرس الملاك ميخائيل الأبرشية وطرابلس العزيزتين، وينصر لبنان.
2.في هذه المناسبة الجميلة تشكر الأبرشية راعيها سيادة أخينا المطران جورج الذي خدمها بتفانٍ مدة خمس عشرة سنة، وترحب براعيها الجديد سيادة أخينا المطران يوسف سويف الذي هو إبنها، يحبها وتحبه. نصلي على نية هذين الحبرين ملتمسين من الله، بشفاعة أمنا مريم العذراء، والقديس مخائيل، رئيس الملائكة، أن يحقق أمنياتهما في رسالتيهما الجديدتين.
3.كل هذه الإحتفالات تندرج في إطار التجدد الذي تنطبق عليه كلمة الإنجيل: “حان عيد التجديد في أورشليم” (يو 10: 22). إنه اليوم عيد الدعوة للتجديد في حياتنا الشخصية، وفي مؤسساتنا. وكم نتوق أن يتحقق في دولتنا بوجوه مسؤولين جددٍ فيها، وبنهجها وبمؤسساتها الدستورية كافة. فالمسيح الرب أتى “ليجعل كل شيء جديدا” (رؤيا 21: 5). أجل، لقد “حان عيد التجديد” (يو 10: 22). ويسعدني ان أقدم معكم ومع جالياتنا في مختلف الولايات المتحدة التهاني مع اطيب الدعاء للرئيس المنتخب السيد جو Biden، راجين له النجاح في خدمة اميركا والسلام في العالم وحقوق الشعوب.
في كلام الرب يسوع في سياق جدال اليهود معه، كما سمعنا في الإنجيل، يكشف لنا ربنا حقيقتين أساسيتين يرتكز عليهما إيماننا وكل تجدد. الأولى إعلانه أنه المسيح، المرسل من الآب، ويعمل أعمال الآب. يسمي المؤمنين به خرافه، وهو راعيها الصالح. هم يسمعون صوته ويتبعونه، وهو يعرفهم ويحميهم من الذئاب الخاطفة. الثانية إعلانه أنه إبن الله، المساوي للآب، وهو معه واحد. إلى وحدة الشركة بين الآب والإبن يدعونا ربنا لندخل بالإيمان والصلاة، ونعيشها فيما بيننا وفي المجتمع، ونعمل على شد أواصرها، واضعين حدا للنزاعات والخلافات والعداوات.
4. عندما يتجدد الأشخاص تتجدد المؤسسات والمجتمعات. فالتجدد هو إصلاح العيوب التي شوهت وجه الإنسان والكنيسة والمجتمع والوطن مع مرور الزمن. فلا بد من العودة إلى الهوية الأساسية، إلى نقطة الإنطلاق، ومقابلتها مع الحاضر. وهذا أمر ضروري، لأننا كلنا بشر وعرضة للسقوط. التجدد يوجب عدم ترك الأمور كما كانت. في الكنيسة، هذا التجدد يجب أن يطال الأشخاص والمؤسسات التربوية مدارس وجامعات، والهيكليات الراعوية كالأبرشية والرعية، والحركات والمنظمات الرسولية. فيصبح الجميع أكثر إشعاعا وانفتاحا.
5. لكن التجدد لا يقتصر على الكنيسة فقط، بل يشمل الدولة أيضا، بمواطنيها ومسؤوليها وهيكلياتها ومؤسساتها، لكي يتأمن فيها الخير العام، والسلام الإجتماعي، وبناء شعب تسوده الوحدة والوفاق والتضامن. لا نعني بالسلام الإجتماعي غياب العنف، بل بناءه يوما بعد يوم على أساسٍ من العدالة الأكمل بين المواطنين، كما نعني الإنماء الشامل والمتوازن بين مختلف مناطق البلاد (راجع فرح الإنجيل 218-219).
6. ما يؤسف له حقا، عندنا في لبنان، أن الجماعة السياسية تحارب التجدد في أدائها وممارساتها، وتحارب الإصلاح المطالب به دوليا في الهيكليات والقطاعات. كنا ننتظر، مع الشعب الجائع والمنكوب والمتروك جريحا على قارعة الطريق، حكومة إختصاص على قياس التحديات المصيرية. فنسمع بتشكيل حكومة محاصصة، بدلا من حكومة تعتمد المداورة الشاملة في الحقائب الوزارية من دون استثناءات، وعلى أساس من الإختصاص والكفاية (راجع المادة 95/ب من الدستور). فمن غير المقبول على الإطلاق أن يسيطر على الحكومة فريق، ويقرر شكلها فريق، ويختار حقائبها فريق، ويعين أسماء وزرائها فريق، فيما الآخرون مهمشون كأنهم أعداد إضافية. كفوا أيها السياسيون النافذون عن انتهاك الدستور والميثاق ووثيقة الوفاق الوطني. ما بالكم ترفعون لواء المبادرة الفرنسية، وتعملون بعكسها؟ أسسوا لسلام جديد، لا لثورة جديدة! أسسوا لوطن الدولة الواحدة، لا لوطن الدويلات!
7. كنا ننتظر من الوزارات المعنية وبلدية بيروت أن تهب لمساعدة منكوبي إنفجار المرفأ وأهالي الضحايا وأصحاب المنازل المتهدمة، فإذا بها في غياب شامل وإهمال كأنهما مقصودان، فيكونا جريمة ثانية إلى جانب جريمة الإنفجار. إننا ننتظر تحقيقا عدليا يشمل الوزراء المعنيين المتعاقبين والمسؤولين الإداريين والموظفين، منذ إدخال كمية ال 2755 طنا من نترات الأمونيوم المحظورة مثل الأسلحة إلى المرفأ وإيداعها في العنبر رقم 12 مع كميات كبيرة من المواد السريعة الإحتراق، من دون أن يجهز هذا العنبر بأي آلية إطفاء، فيا لجرم الإهمال وعدم الإكتراث! إليك أيها الرئيس فادي صوان، المحقق العدلي تتجه جميع الأنظار، وبخاصة أنظار أهالي الضحايا والمنكوبين والمعوقين، وأنظار الكنيسة والمجتمع بعد أكثر من ثلاثة أشهر سادها صمت مطبق يثير القلق. إنها ساعة القضاء النزيه والشجاع:فإما يستعيد الثقة به، وإما يفقدها بالكلية. لا أحد فوق القضاء سوى الله. قال أحد قضاتنا اللبنانيين: يخسر القاضي نصف قوته، عندما يخاف من الأقوياء؛ ويخسر النصف الثاني عندما يظلم الضعفاء!.
إن أهالي ضحايا فوج إطفاء بيروت العشرة، ينتظرون إنصافهم وعزاءهم بإعلان أبنائهم شهداء الواجب، ومعاملتهم والتعويض عنهم مثل شهداء الجيش وعائلاتهم. وهي الآن ساعة إنصاف رجال الإطفاء المعرضين حياتهم دائما للخطر.
وفي المناسبة، لا بد من توجيه تحية شكر وتقدير لنقابة محامي بيروت ولفريق المحامين الذين يتولون مجانا متابعة ملفات المتضررين وقد بلغت 1333 ملف إدعاء. إنها صورة جميلة عن القضاء والمحاماة.
8. نحن والشعب نريد حقا عدالة تكشف الفساد والمفسدين، ولكن نريدها عدالة شاملة لا انتقائية؛ عادلة لا ظالمة؛ حقيقية لا كيدية؛ قانونية لا سياسية. لذا نطالب أن يشمل التحقيق في آن كل المؤسسات المعنية بأموال الدولة والمواطنين: من مصرف لبنان إلى وزارات المالية والطاقة والأشغال العامة والداخلية والإتصالات والبيئة وسواها، ومن مجلس الإنماء والإعمار إلى مجالس المناطق ومجالس إدارات المصالح المستقلة، وصولا إلى جمعيات مختلفة الهويات التي تلقت أموالا وبددتها.
وفي كل ذلك، يجب تجنب العبث بمصير المؤسسات الوطنية،أكانت عسكرية أم أمنية أم قضائية أم مالية، التي هي في أساس منعة لبنان. فإن محاكمة المسؤولين فيها لا تعني إدانتها كمؤسسة عامة بحد ذاتها.
9. إلى الله العادل والرحوم نرفع صلاتنا، بشفاعة أمنا مريم العذراء ومار ميخائيل رئيس الملائكة، كي ينتصر الحق على الباطل، والعدل على الظلم، والرحمة على تحجر القلوب. ونرفع نشيد المجد والتسبيح، الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.

المطران الياس عودة للسياسيين: تخدمون لبنان إذا تنحيتم وعمر بكامله لن يكفيكم لتتوبوا
الأحد 08 تشرين الثاني 2020
وطنية – ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، قداس الأحد في كاتدرائية القديس جاورجيوس وسط بيروت.
بعد الإنجيل، ألقى عظة قال فيها: “أحبائي هذا الأسبوع حافل بالأعياد أولها اليوم مع رئيسي الملائكة ميخائيل وجبرائيل وسائر رؤساء الملائكة والقوات الملائكية، وغدا نعيد للقديس نكتاريوس العجائبي أسقف المدن الخمس وبعد غد نقيم تذكار الرسول كوارتس أحد الرسل السبعين مؤسس كنيسة بيروت وأول أسقف عليها. تجتمع في هذه الأعياد الثلاثة أهم صفات المسيحي الحقيقي: المحبة والتواضع وتمجيد الله. وظيفة الملائكة الأساسية هي النظر إلى العرش الإلهي وترنيم تسبحة الظفر المثلثة التقديس: قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت. نسمع في القداس الإلهي نصا يخاطبنا لكي نشابه الملائكة بالتسبيح: أيها الممثلون الشيروبيم سريا والمرنمون التسبيح المثلث تقديسه للثالوث المحيي لنطرح عنا كل اهتمام دنيوي كوننا مزمعين أن نستقبل ملك الكل تحتف حوله مراتب الملائكة بحال غير منظور. يحثنا كاتب القداس الإلهي على ألا نهتم بشيء أرضي زائل وأن نكتفي بالنظر إلى الرب والتحدث معه بلغة الملكوت أي بالصلاة والتسابيح وهو يمجدنا”.
أضاف: “سمعنا في رسالة اليوم: ما الإنسان حتى تذكره أو ابن الإنسان حتى تفتقده؟ نقصته عن الملائكة قليلا بالمجد والكرامة كللته وأقمته على أعمال يديك أخضعت كل شيء تحت قدميه؛ ففي إخضاعه له كل شيء لم يترك شيئا غير خاضع له. الإنسان الذي هو أنقص من الملائكة قليلا كونه مجبولا من مادة زائلة من الطين جعله الله سيدا على كل شيء إلا أنه خسر هذه السلطة بسقوطه في الخطيئة ومع ذلك عاد الله الآب فأرسل ابنه الوحيد ليعيد الكرامة للانسان فتجسد وخضع للآلام. يتابع الرسول بولس: إلا أننا الآن لسنا نرى بعد كل شيء مخضعا له (للانسان) وإنما نرى الذي نقص عن الملائكة قليلا (بأخذه جسدا ماديا) يسوع مكللا بالمجد والكرامة لأجل ألم الموت لكي يذوق الموت بنعمة الله من أجل الجميع. هذا المجد الذي ناله البشر بتجسد المسيح الخلاصي وموته وقيامته البهية لم تحصل الملائكة على مثله ما يؤكد عظم محبة الله لنا. هذا يجعلنا نشعر بالتميز لكن بتواضع طبعا لأن هذا التميز يحملنا مسؤولية عظمى الأمر الذي يؤكد عليه ما نسمعه في القداس الإلهي: نشكرك أيضا من أجل هذه الخدمة التي ارتضيت أن تتقبلها من أيدينا مع أنه قد وقف لديك ألوف من رؤساء الملائكة والشيروبيم الكثيرو العيون والسيرافيم ذوو الستة الأجنحة متعالين ومجنحين. لقد تقبل الرب تقدمتنا مع أنه لا يحتاجها بوجود ذبيحة التسبيح التي تقدمها له ملائكته بلا فتور. مع ذلك نعود ونسقط في الخطايا مفضلين إياها على اتباع وصايا الرب فيما الملائكة ينفذون أوامر الله بلا تردد. يقول كاتب المزامير: الصانع ملائكته أرواحا وخدامه لهيب نار (مز 104: 4) أما نحن فنريد مجادلة الرب في كل ما يشاؤه من أجل خلاصنا”.
وتابع: “كلمة ملاك تعني المرسل، وكل مسيحي مرسل على الأرض لينقل البشرى السارة إلى إخوته. هذا ما قام به القديس نكتاريوس والرسول كوارتس كل منهما بطريقته تجمعهما ميزتان هما التواضع والصبر. فالقديس نكتاريوس ظلم واضطهد وقاسى ألم الشائعات التي حيكت ضده مع ذلك لم يفتح فمه متمثلا بسيده الذي وصفه إشعياء النبي بقوله: ظلم وهو خاضع وما فتح فمه. كان كنعجة تساق إلى الذبح وكخروف صامت أمام الذين يجزونه لم يفتح فمه (53: 7). هذه إحدى ميزات المسيحي الأساسية لأن الظلم إذا جوبه بظلم مثله أتت النتائج كارثية تماما مثلما يحدث حولنا في عالم اليوم. الأسبوع الماضي تعرض كاهن أرثوذكسي لإطلاق نار وهو بعيد عن أسباب النزاعات الأخيرة تلك النزاعات التي أيقظت العصبيات الدينية في العالم أجمع. إن ما حدث مع الكاهن أو في الكنائس الأخرى حول العالم جوبه بالصلاة والتسبيح وليس بإراقة الدماء. ونحن نرفع الصلاة من أجل كل من سقط ضحية للعصبيات لكي يريح الرب نفوس من انتقل منهم إلى الأخدار السماوية ويضمد جراح من نجا. من هنا نفهم رسالة المسيحيين الملائكية رسالة المحبة والفرح القيامي لأن الغلبة والظفر يحصلان بهذه الرسالة فقط لا بالعنف الذي قد ينجر إليه البعض. ألم يعلم المسيح تلميذه الذي قطع أذن عبد رئيس الكهنة في بستان الزيتون قائلا: رد سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون (مت 26: 52)؟”
وقال: “القديس نكتاريوس مثال معاصر لكل المسيحيين الذين يظنون أن عليهم أن ينتقموا لأنفسهم من أجل رد الاعتبار إلى المسيحية أو من أجل تقويم عمل الآخرين. لو كان فكر القديس نكتاريوس هكذا لما وصل إلى مبتغاه أو إلى هدف المسيحية الأسمى أي التأله. نرتل لرؤساء الكهنة القديسين كالقديس نيقولاوس والقديس نكتاريوس قائلين: لأنك أحرزت بالتواضع الرفعة وبالمسكنة الغنى. القديسون هم الذين ساروا على خطى الرب بصبره على الآلام فنالوا القيامة والحياة الأبدية ونحن مدعوون لكي نفعل مثلهم. الرسول كوارتس مثال آخر يحتذى به في الحياة الروحية المسيحية. هذا الرسول الذي يعود إليه الفضل في تأسيس كنيسة بيروت هو من الرسل السبعين ومذكور في رسالة الرسول بولس إلى أهل رومية (16: 23). يصف الرسول بولس أخاه في الرسولية كوارتس بالأخ وهذه العبارة على اقتضابها تحمل المعاني الكثيرة. فالأخوة المسيحية تحمل في طياتها المحبة الكاملة والتضحية التي لا حدود لها على عكس الأخوة السياسية التي أصبحت مرادفة للمصلحة والمنفعة. الأخ في المسيح يبلسم الجراح ويأوي الغرباء ويطعم الجياع ويروي العطاش. ربما هذا ما فعله الرسول كوارتس في بيروت الوثنية التي حضر إليها حاملا بشرى الخلاص السارة. الوثنيون لا يعرفون المحبة بل يسعون وراء إشباع رغباتهم وملذاتهم. ربما كانت طريقة عيش الرسول كوارتس للمحبة المسيحية بينهم سببا لاجتذابهم إلى المسيح واهتدائهم. الرسولية أحيانا هي عمل صامت فعل محبة يدوي أكثر من الكلام الكثير. هكذا بجهلنا سيرة حياة مؤسس كنيستنا في بيروت نتأكد أن الصمت أبلغ من كثرة الكلام وأن البذار التي زرعها كانت بركة الرب فيها وها هي مثمرة حتى يومنا هذا وثمارها هم أبناء أبرشيتنا المحروسة بالله الذين لا يزالون ثابتين على إيمانهم ورجائهم رغم كل ما حملته إليهم الأيام الصعبة ولا تزال”.
أضاف عودة: “أما الأخوة السياسية التي غالبا ما نسمع عنها فهي متقلبة بحسب الظروف والمصالح. فمن كان أخا اليوم أو حليفا يصبح غدا من ألد الأعداء وهذه العداوة تنعكس سلبا على المحيط وعلى الوطن. مشكلتنا في لبنان أن لا أحد يثق بالآخرين لأنه يخشى أن ينقلبوا عليه إذا ما تغيرت ارتباطاتهم أو ظروفهم. أنظروا إلى ما نعيشه اليوم. حلفاء الأمس يتناحرون وينصبون الفخاخ في وجه بعضهم البعض، وإلا ما سر العقد التي تنشأ فجأة عندما تلوح حلحلة في موضوع الحكومة؟ هل يحتمل البلد هدرا أكثر للوقت؟ هل يحتمل اللبنانيون تجاهلا أكبر؟ يبدو أن الفوضى وغياب سلطة حاكمة فاعلة تسائل وتحاسب يناسبان من يعشش الفساد في نفوسهم. يا أيها السياسيون ألا يصم آذانكم أنين اللبنانيين؟ ألا يعذب ضمائركم مشهد العاصمة المدمرة وأهلها الحزانى المشردين والمستضعفين؟ الوقت لا يمكن استعادته وقد أوشك على النفاذ في معركتنا من أجل التغيير والنهوض بلبنان. وإن ضاعت الفرصة فهي الأخيرة كما تقولون أنتم. جميعكم تنادون بالإصلاح. ماذا فعلتم لفرضه؟ كلكم ينعى الحالة التي وصلنا إليها ماذا فعلتم لتداركها؟ معظمكم يشكو من الفساد ويحمل راية محاربته ما هي الإجراءات التي اتخذتموها؟ الجميع يريد حكومة بالأمس قبل اليوم. لم لا تسهلون ولادتها؟ ولم تضعون الشروط والعراقيل؟ كلكم تريدون المداورة فلماذا تتمسكون بالحقائب التي تديرونها وكأنها ملك لكم أو حق مكتسب؟ وإذا كنتم تدعون خدمة الوطن والمواطنين إذا تسلمتم هذه الحقيبة الوزارية دون الأخرى فأنا أقول لكم إن الخدمة لا تكون في مكان دون الآخر ومن أراد الخدمة يخدم في أي مكان. أما الشعب فيقول لكم أنتم تخدمون لبنان إذا تنحيتم وفتحتم المجال أمام أصحاب الخبرة والاختصاص لأنه سئم وعودكم ومل تجاوزاتكم. ألا تدركون أن مصلحة الوطن والمواطن تأتي قبل مصالحكم؟”
وتابع: “ما يعيشه اللبنانيون من وجع وحرمان لا يسمح لكم بهذا الدلع السياسي غير المقبول حتى في مجاهل الغابات. أهكذا تؤلف الحكومات في زمن المآسي؟ هل بتصفية الحسابات والتعطيل حتى نيل المطالب أو بالتقاسم والتحاصص والشروط يكون خلاص لبنان؟ وما هي حصة اللبناني في وليمة التقاسم هذه؟ هل فكرتم بالمشردين والمحزونين والثكالى والجياع؟ هل تدخل في حساباتكم الأوضاع الاقتصادية المنهارة والأوضاع الاجتماعية السيئة وأوضاع الطلاب والمرضى والعاطلين عن العمل وكل ذي حاجة؟ أوقفوا تدمير لبنان بسبب تعنتكم وكبريائكم وأنانيتكم. ألم يكفكم تفجير بيروت؟ هل تريدون تفجير لبنان بمن فيه؟ دعوا الرحمة تدخل قلوبكم وأعلنوا توبتكم عن كل الخطايا التي اقترفتموها بحق هذا البلد وأبنائه. إن عمرا بكامله لن يكفيكم لتتوبوا عن كل أخطائكم. أنتم اليوم على قيد الحياة. هل تعلمون ماذا يخبئ لكم الغد؟ في الماضي خاطبت ضمائركم ولكن دون جدوى. اليوم أخاطب قلوبكم علها تلين. أنتم تنحرون لبنان. ماذا تتركون لأبنائكم ولأحفادكم إن كنتم لا تأبهون للبنانيين؟ ألا تلاحظون الشرخ الكبير بينكم وبين شعبكم؟ لقد فقدتم شرعيتكم يوم نزع الشعب ثقته منكم. أتركوا هذا الشعب الطيب يعيش. إنه يستحق الطمأنينة والسلام والعيش الهانئ الكريم في دولة عادلة ويقظة بعد كل العذابات التي ذاقها ولسان حاله يقول من فجر منازلنا وقتل أولادنا وشردنا وأفقرنا وجوعنا؟ أين نتيجة التحقيق ومن هو المذنب؟ المواطن ما زال خائفا على حياته وأمنه ومستقبل أبنائه وما زال يترقب أي انفجار أو مصيبة ستحل به بعد وأنتم تتلهون بحصصكم غير آبهين لمسؤوليتكم ولحكم الله الآتي عليكم”.
وختم عودة: “البلد لا يبنى بالاستئثار واللامبالاة أو الحقد والانتقام أو التدخلات والإملاءات ولا بالتعويل على الخارج أو الارتباط به. البلد يحتاج لرجالات كبار يتحلون بالحكمة والعلم والنزاهة والتواضع والصبر والقدرة على العمل الدؤوب النافع عاملين بأحكام الدستور مترفعين عن كل مصلحة إلا مصلحة الوطن. فمن له أذنان للسمع فليسمع”.