د. رندا ماروني: فساد مقونن في ديكتاتوريات الطوائف

590

فساد مقونن في ديكتاتوريات الطوائف
الدكتورة/ر
ندا ماروني/21 كانون الثاني/17

درجة العادة في الحالة اللبنانية أن يتم تناول موضوع الفساد في ظواهره، والتركيز على هذه الظواهر، التي تتراوح وتتنقل في أزمات متعددة، أزمة كهرباء، مياه، نفايات، اتصالات، مواصلات، مرفأ، مطار، أزمات لا تعد ولا تحصى وتجاوزات وسرقات هنا وهناك فيكثر الكلام وتقل الحلول المطروحة.

نرى الخطأ ندل عليه، ولا نضع حلولا جذرية له، حتى عندما انتفض المجتمع المدني لضرورات حياتية استطاع أن يجذب الآف المؤيدين مواكبة إلى الشارع، وعندما تسلل المشروع السياسي من بين المطالب في الدائرة الواحدة والنسبية، لم نعد نرى إلا العدد المؤيد القليل جدا، ولم يستطع أن يطرح مشاريع إصلاحية تنبثق من الواقع السياسي، وإنما حلولا على قاعدة ما يجب أن يكون دون أخذ الواقع اللبناني بعين الاعتبار، ولا أستغرب هذا الأمر كون الحركات الاعتراضية في أغلبها التي كانت تدير الأرض تنتمي إلى القواعد اليسارية فكرا وعقيدة منطلقة من مسلمات ماركسية تاريخية، أي معالجة الواقع بنظريات بعيدة عنه وعن القدرة على تحقيقها، مثلا، إلا يمكن أن نكون مواطنون ومواطنات في دولة إلا في دائرة موسعة وقانون نسبي حيث على المواطن أن ينتخب 128 نائب دفعة واحدة دون أن يكون هناك أحزاب وطنية وبرامج معروضة، وكيف ستتم المحاسبة في هذه الحالة؟ وكيف سيكون باستطاعة المواطن التغيير في خياره السياسي بين حزب وآخر؟ أكيد إن المواطن اللبناني لا يستطيع تغيير خياراته السياسية بتغيير طائفته، وأكيد إن لعبة الديمقراطية العددية لديها شروط ومقومات غير متوافرة حاليا في الواقع اللبناني، فبدل أن يكون لدينا منظمي بوسطات، سيكون لدينا هذه المرة منظمي قطارات.

ومن قال إن في النسبية إلغاءا للطائفية السياسية؟

ألا يمكن أن يزيد من تفاقمها؟

إن التوزيع الطائفي حسب النظام الحالي هو توزيع نسبي، والمطلوب في موضوع النسبية المطروح اليوم هو إعادة النظر في النسب الموزعة في ظل هذا الظرف المحتدم طائفيا في المنطقة المحيطة وفي الداخل اللبناني ودون ضمانات لمصير أقليات مما سيفاقم الوضع سوءا.

وأما اليقين في هذا الموضوع، إنه إذا لم يتم الإصلاح على الصعيد السياسي فلن يكون هناك أصلاح في أي قطاع من القطاعات وعلى هذا الإصلاح أن ينطلق من مقومات واقعية عالمة بطبيعة المجتمع اللبناني لكي تستطيع أن تستنج حلولا واقعية قابلة للتنفيذ، فتأخذ الواقع كمنطلق للحل لا القفز فوقه.

لقد عرف البنك الدولي مفهوم الفساد بأنه إساءة استخدام الوظيفة العامة لتحقيق مكاسب خاصة، وهذا التعريف يركز على سبب الفساد في السلطات العامة وإساءة استخدامها، ويربط بين الفساد والدولة وأنشطة الدولة وتدخلها في السوق ووجود القطاع العام، وبمعنى آخر، فإن هذا التعريف يستبعد إمكانية الفساد في القطاع الخاص، ويركز بصفة مطلقة على الفساد في القطاع العام، ويتسق هذا التعريف مع معتقدات Gary Becker الفائز بجائزة نوبل الذي يقول : إذا ألغينا الدولة نكون قد ألغينا الفساد.

وبالرغم من تواجد الفساد في كل دول العالم إلا إنها تتراوح بين الدول الحديثة والأقل حداثة والمتخلفة، لكي تقل في الأولى وتتفاقم في الأخيرة حتى تصل إلى حد الاستيلاء على الدولة، وهذا ما يعرف بالفساد الكبير، وهو الفساد الذي يهدف إلى تغيير القواعد المنظمة للدولة، من قواعد تراعي المصلحة العامة إلى قواعد وتعليمات على قياس المستولين على السلطة ومصالح المفسدين، وقد وضع البنك الدولي فكرة الاستيلاء على الدولة أساسا لتفسير واقع الحياة السياسية في الإقتصادات الانتقالية، والافتراض الأساسي في تفسير هذا النوع من الفساد هو أن التشريعات والسياسات العامة تتأثر بشكل حاسم بما يريده ذوي السلطة والنفوذ وبمعنى آخر فإن السياسات العامة يتم وضعها لصالح القابضين على السلطة، ويعتبر هذا النوع من الفساد بالفساد المقونن في عمليات قانونية تماما ويأتي في هذا الإطار إعطاء التراخيص وإرساء المناقصات وتنظيم الأسواق وإصدار التشريعات الملتبسة والإبقاء على الإجراءات البطيئة.

عادة تتصف الدول المتخلفة ودول العالم الثالث ومنها الدول العربية بتفاقم الفساد فيها نتيجة لعدة أمور يأتي على رأسها الهوة بين الحاكم والمحكوم، هذه الهوة التي لا تنفك تزيد عمقا وإتساعا، حيث من الصعب أن نجد في دولة عربية حاكما يجسد طموح شعبه، ويستمد شرعية حكمه من إرادة شعبية تجلت من خلال مؤسسات تتوافر فيها ضمانات الحرية والنزاهة، فمفهوم الحرية في اختيار الحكام ومحاسبتهم لم يجد له طريقا بعد في عالمنا العربي مما يخلق تخبطا سياسيا وغياب لمقومات ومؤسسات الدولة، يعرضها للاهتزاز عند أول مفترق أمني أو اقتصادي.

ولكن هل تنطبق هذه الحقائق على الواقع اللبناني المؤسساتي والاقتصادي والأمني؟

فلبنان بلد متعدد، لا حاكم مطلق فيه يستطيع أن يهيمن وحده كما يحلو له، وصحيح أن لبنان بلد متعدد وفي هذا عامل إيجابي انعكس على موضوع الحرية في التنوع الديني والثقافي والمعتقدي وحرية إبداء الرأي، إلا أن المواطن اللبناني مكبل في جملة أمور أخرى هامة، تضع مصيره على المحك، فهو مكبل لدرجة نستطيع أن نصفها بالقمعية التي لا تستطيع أن تغير في واقعه المذري شيئا.

فهو عاجز عن تقرير مصيره من خلال انتخابات تفرز إرادته، وهو عاجز عن ممارسة حقه في محاسبة الحكام المقررين والفاسدين، وهو خارج اللعبة السياسية إلا كمصفق أو ناقد، وعند النقض عليه الحذر من ما سوف يواجهه في متطلبات استمراره، حتى يصح القول أنه يعيش في ديكتاتوريات الطوائف وفي داخل هذه الديكتاتوريات يزيد القمع وانتقاد الرأي الآخر، أما بين هذه الديكتاتوريات وعند اتفاقها يقونن الفساد وتقسم المغانم، ولا نعرف الحقائق إلا عند الاختلاف حول القسمة.

والتدهور الأكثر خطورة ما شهدناه من تحول في المجتمع المسيحي من المتعدد السياسي إلى السياسة القابضة المبعدة للآخرين، فبدل أن نشكل نموذجا للتعددية يحذى به، انتقلنا إلى نماذج أخرى تسير وفق المفهوم المتعارف عليه في الدول العربية لمفهوم السلطة القامع والمقونن للفساد.

إن البحث في مسألة التطور الاجتماعي والحد من قضايا الفساد، اقترن تاريخياً بتطور مفهوم الحرية ووعي الإنسان لقدراته العقلية على فهم مجتمعه والعمل على تطويره انطلاقاً من المعطيات الواقعية وليس من خلال ما يبغيه البعض أن يكون، ولا يمكن أن نتوقع أي تطور في مفهوم الدولة والحد من الفساد خارج إطار تطور مفهوم الحرية لا السير بالاتجاه المعاكس حيث الطريق حتما سائرة إلى الفساد.

فساد مقونن

في ديكتاتوريات الطوائف

يقسمون المغانم

بين زمرة أشاوس

والشعب في حالة مكبلة

وليس في حاله إلا بواصف

هو المفعول به

تتقاذفه القوانين

بصورة شرعية وجرحه

في الجسد نازف

لا حول ولا قوة له

يقف وحيدا

في وجه العواصف

في وجه سلب مقونن

فتشكل الخوف

في جملة مخاوف

في دين يزداد تصاعدا

لا يعرف الوقوف

ويأبى أن يكون بواقف

في ديكتاتوريات

تتناتش حصصا

وتقذف بعضها بالقذائف

ماء، كهرباء، هاتف

لا حول ولا

صورة مفجعة

لا نستطيع بوصفها

أن نكون بواصف

فالرقابة لاحقة

لا سابق فيها

وهي في العمل

في بطء الزواحف

ومختصرة في قول

المراقب إذا اتفقوا

أما الخلاف فيعلن

في جملة مواقف

إنه لحال يرثى له

ولا يستطيع الرثاء

أن يكون للحل صارف

فالفساد مقونن

في ديكتاتوريات الطوائف.