سيّد أحمد غزالي/رئيس وزراء الجزائر الأسبق: المرأة في نظر قادة إيران: خطر على الأمن القومي

263

المرأة في نظر قادة إيران: خطر على الأمن القومي
سيّد أحمد غزالي/رئيس وزراء الجزائر الأسبق/العرب/21 أيلول/16

إذا نظرنا إلى تاريخ الشرق نجد أن مجتمعاتنا ذكورية بكل ما في الكلمة من معنى وأن المرأة فيها كائن من الدرجة الثانية. ففي عهد الجاهلية كان مجرد وجود الأنثى بين الذكور يمثّل عارا لوالدها ولعائلتها. أما بعد ظهور الإسلام، فقد تم إنقاذ الطفلة الرضيعة من مصير الوأد، وبنيت أسس حقوق المرأة في شكلها الراهن.

لكن، هذه الحقوق تختلف من بلد عربي وإسلامي إلى آخر، وتتفاوت نظرة الأنظمة إليها بين نظام داعم لها يعتبر أن لا تقدم لمجتمعه وأمهاته ونساؤه لا يتمتعن بحقوقهن، وبين نظام يساوي بين حقوق المرأة وجرائم الأمن القومي؛ وبالنسبة إلى المثال الأول هناك دول عربية كثيرة يمكن الاستشهاد بتجربتها في مجال دعم حقوق المرأة، فيما يبرز النظام الإيراني في الجهة المقابلة كمثال رئيسي وحالة شاذّة في معاداة المرأة.

سجّلت المرأة الإيرانية حضورها السياسي قبل حوالي 150 عاما من خلال المشاركة في «ثورة التبغ» ضد احتكار الشركات البريطانية له، وواصلت مسيرتها ودخلت ساحة الثورة الدستورية في بداية القرن العشرين، وهي التي أدّت إلى تحديد صلاحيات الملك المطلقة وتأسيس البرلمان.

وقد كان للنساء بعد ذلك دور كبير في ثورة زعيم الحركة الوطنية الإيرانية بقيادة محمد مصدق في خمسينات القرن الماضي، ومساندته في تأميم النفط ومواجهة الحصار الذي فرضته بريطانيا لإفشال قرار التأميم. وعندما بدأ النضال المسلح ضد حكم الشاه في ستينات القرن الماضي، فلم تتوان المرأة عن المساهمة الجادة فيه والدخول في إطار التنظيمين الرئيسيين؛ منظمة فدائي شعب ومنظمة مجاهدي الشعب (أي مجاهدي خلق).

لكن، كل هذا التاريخ لم يشفع لهن عند قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي صعدت على أنقاض الثورة التي كان صوت النساء عاليا فيها، وكانت المرأة أول ضحايا حكم رجال العمائم في إيران؛ والحقيقة أننا إذا أردنا تقديم وصف حي لما تعرّضت له النساء المعارضات في غياهب السجون والزنازين الرهيبة فإن أحدا -غير المُجرّب- لن يُصدّق وحشية صنوف التعذيب والتنكيل، وصولا إلى إعدام الحوامل واغتصاب الفتيات البكر ليلة إعدامهن “خوفا من ذهابهن إلى الجنة!”، وغير ذلك من الممارسات الساديّة الإجرامية.

إذا نظرنا في هذه الحقائق، وأخذنا بعين الاعتبار التناقض الجذري الواضح في هذه الأيام بين مواقف أهل الحكم في إيران والمعارضة الإيرانية على صعيد السياسة أو الموقف من تسييس الدين، فإن موضوع المرأة وموقف كلّ من الطرفين تجاهه لا يقلّ تناقضا.

وإذا أردنا تسليط الضوء على مدى هذا التناقض وأبرز صوره، فإن البعض ممّا سنأتي على ذكره لن يصدّقه الكثيرون أيضا. ويكفينا أن نستشهد بنماذج ممّا كتبه كبارهم أو ردّدوه في أحاديثهم عن المرأة وتَمَيُّز الرجال المطلق عنها، حتى نرى أبرز هذه الصور.

في وصفه للمرأة ورأيه في خصائصها المميّزة بالضعف وعدم تحمّل مختلف الأعباء والمسؤوليات، يستوقفنا كلام لهاشمي رفسنجاني، أحد مهندسي نظام الجمهورية الإسلامية يقول فيه “لا تعني العدالة أن تتساوى المرأة مع الرجل في أيّ قانون يتمّ وضعه، فالاختلافات بينهما في القامة والخشونة والصوت والنمو وطبيعة العضلات والقدرة البدنية والمقاومة في وجه المصائب والأمراض، تشير إلى أن الرجال في جميع هذه المجالات أكثر قدرة، وحجم المخّ عندهم أكبر (من المرأة)، وهذه الاختلافات لها تأثيراتها في ما يتعلق بتولّي المسؤوليات والتكاليف والحقوق». (منشور في صحيفة إطلاعات عدد 6 يونيو 1986).

هذا الأسلوب في التعبير المعتَمَد للتفريق بين الجنسين في أبسط الأمور وأهمها في آن، يعود إلى ارتباط فكر رجال الدين الحاكمين في إيران وتزمّتهم في التطرّف بالخصائص الفسيولوجية للإنسان، بينما ينطلق موقف المعارضة استنادا إلى منطق القرآن الكريم بأن جوهر الإنسان -بجنسيه- يكمن في الأعمال الإنسانية المميّزة، أي في الوعي والحرية وقبول المسؤولية.

وعلى النقيض تماما مما يقوله رفسنجاني، رأت المعارضة الإيرانية، أن لا وجود لأيّ اختلاف في الحقوق والمسؤوليات والتكاليف بين المرأة والرجل يدعم أو يبرّر طرح المتطرفين الذي يعتمد التمييز بينهما على أساس الجنس إلى حدّ العداء للمرأة، دون أن ينسوا أن أبشع من عَبَّر عن هذا التمييز كان آية الله الخميني مؤسس هذا النظام بقوله في كتابه تحرير الوسيلة «النساء كائنات شرّيرات. فإذا امتنعت المرأة عن توفير المناخ المناسب لإرضاء زوجها، فيحق له أن يضربها ويواصل ضربها كل يوم حتى تستسلم لرغبته».

وجاءت على هذا المنوال مواقف سائر أصحاب العمائم في إيران دون أن يُفيدنا أحدهم ما إذا كانت المرأة في ضوء هذه الرؤية تستمدّ ثقتها وعماد وجودها من الرجل، وعليها من أجل الحصول على ثقته أن تفعل أي شيء يرضيه، وماذا إذا أهمل الرجل زوجته أو خانها، ماذا عليها أن تفعل، وأين العدل في هذه الحالة؟

من هنا بدأت محنة ملايين النساء في إيران تدخل منعطفا لا يمكن تصوّر عذاباته؛ وليس من المبالغة القول إنه مهما تخيّل أيّ منا وحشية الأساليب الأكثر دموية، لن يتصوّر إلى أي حدّ وصلت حالة القهر والإذلال التي يُعاني منها الإنسان في إيران؛ ففيها وحدها من بين أنظمة الكون كله يحكم على المرأة المعارضة بالإعدام وهي حامل بطفلها منذ عدة أشهر، بعد جلدها قبل ذلك، والتهمة هي إخفاء معلومات أو التحريض ضد النظام.

ما سلف ذِكره يتعلق بوضع المرأة وكيفية النظرة إليها في ظلّ حُكم أصحاب العمائم. ويبقى من الضروري لاستكمال الجانب الآخر من الصورة التوقف أمام مكانة المرأة ودورها المقاوم للتأكد من أنه على النقيض مما هو سائد في ظل النظام، لم تعد فقط تتمتع بحقوق متساوية مع الرجل، بل تأخذ دورها الكامل في كافة تفاصيل الحياة بما في ذلكالمتعارف عليه بأنه منحصر في اختصاصات الرجال، وصولا إلى تسلّمها مسؤوليات رئيسية وفي مقدمتها القيادة؛ فمع مرور الأيام وطول التجربة، استحال على حركة المعارضة استمرارها في السير بساق واحدة، وفرضت ضرورة التغيير الذي يُحطّم ذهنيات التعصّب الموروث.

من إيران إلى بلدي الجزائر يقتضي القول بصراحة إننا أيضا قد مررنا بتجربة شبيهة في ما يتعلق بمعاداة المرأة، مع أنني أجزم أن أحدا لا يشك في الدور النضالي للمرأة الجزائرية المجاهدة في صفوف الثورة، وهو ما يعترف به الصديق والعدوّ، حيث لم تدّخر إبان حرب التحرير أي جهد على طريق الكفاح والتضحية في جميع المجالات وحافظت على استمرار بقاء صورتها كمناضلة، دون أن يكون لها دور في قيادة الحركة الوطنية.

ولا يمكن الإنكار في الوقت ذاته أن بعض الأخوات المناضلات قد أصبحن رمزا للثورة في بلدنا من أمثال الفدائيتين جميلة بوحيرد وجميلة بوباشا وغيرهما من اللواتي أصبحت سِيَرَهَن مواضيع لقصص وروايات العديد من الكُتّاب. وعلى خلفية هذه الأرضية بوجهها المشرق أردتُ منذ بداية تولّي منصب رئاسة الحكومة عام 1990 تعيين امرأة وزيرة للمجاهدين، تأكيدا على تثميننا لدور المرأة في الثورة ولفتة تقدير لمجاهداتنا.

إلا أنني سرعان ما فوجئت بأن مبادرتي هذه قد دفعت بعض الإخوة المجاهدين إلى إبداء قلقهم حيالها، كما دفعت البعض الآخر إلى معارضتها ورفض تعيين امرأة على رأسه في منصب وزير، مما دفعني إلى التراجع عن هذا المشروع وترك هذه الفكرة التي توسّمتُ خيرا من ورائها كخطوة عميقة المعنى. وقلت للجميع وقتها إنني أعتبرها بمثابة هدية للمجاهدين تُومئ من قبلهم إلى تقديرهم لنصفهم الآخر وتعبيرا عن استمرار تمسّكهم بالروح الثورية وإلى مستوى التقدم في بلدنا، إلا أنهم مع الأسف لم يروا تلك المبادرة بالعين التي رأيتها بها.

إلى جانب هذه الخطوة كان في برنامجي الحكومي العمل على تساوي عدد الرجال والنساء في تولي المناصب الوزارية، بغية تحقيق التكافؤ الذي أؤمن بضرورته بين الجنسين، إلا أنني عندما عَرضتُ توجهي هذا على المسؤولين السامين وقتها عارضوا هذه الفكرة.

وحتى النساء اللواتي عَرضْتُ عليهن قبول مناصب وزارية ووافقن على تحمّل مسؤوليتها، عُدن بعد ذلك فرفضنها خوفا من معارضة أزواجهن والتسبب في حال التمسك بقبولها في تعكير أجواء الأُسرة وانهيار العلاقة العائلية. وأكثر من ذلك، كان بودّي عندما توليت منصب وزير الخارجية عام 1989 أن أعمل لأول مرة على تعيين امرأة جزائرية كأول سفيرة لبلدنا. ولما كان القانون الجزائري لا يسمح بأن يكون الرجل وزوجته في مثل هذه الحالة بعيدين عن بعضهما، فقد كان عليّ أن أجد حلا لهذا الوضع، وقد وجدته فعلا من خلال تعيين سيدة كفوءة بمنصب سفيرة وتعيين زوجها معها بمنصب سفير أيضا، على أن يكون هو الشخص الثاني في السفارة.

غير أن الجهاز ورئيس الدولة لم يقبلا يومها فكرة أن تكون المرأة في الموقع الأول وأن يكون الرجل في الثاني. لذا قمت بتعيين الاثنين معا بمرتبة سفير وفي مستوى واحد. وبقيا في عملهما معا طوال فترة وجودي في الخارجية وكذلك في رئاسة الحكومة، إلى أن أُعفيا من منصبيهما بعد ذلك.

هذه التجربة تقول إن عدم الثقة بالنفس هي السبب الأساس الكامن وراء عدم تقبّل النساء المسؤوليات الكبيرة في بلدنا، كما أن نزعة الهيمنة لدى الرجال في المقابل تمثّل عائقا أمام تقدم النساء نحو تبوّء مواقع المسؤوليات الكبيرة.

ومن هذه النقطة يمكن فهم أهمية التجربة الإيجابية لدى المقاومة الإيرانية، والقول إنه عند ما تولّت النساء المسؤوليات والمراتب القيادية كان الرجال العاملون تحت إشرافهن يشعرون في البداية وكأن الدنيا تضيق من حولهم، فقد كان من الصعب عليهم الاقتناع بقدرات النساء، كما كانت هناك مقاومة سرّية من قبلهم واستخفاف بنوع العمل والمسؤوليات، في مقابل عدم زوال المشكلة الدائمة للنساء المتمثلة في عدم الاقتناع بقدرات أنفسهن.

غير أن فتح باب النقاش لعدة سنوات بين ومع كافة هؤلاء النساء والرجال ومحاولة حثّهم على الولوج إلى هذا العالم الجديد أعطى ثماره العملية. وكان النظام في طهران يتابع تفاصيل هذا التطوّر الجذري داخل صفوف المعارضة، وحاول بأساليبه المعتادة ومهاترات أجهزته الدعائية اتهام المعارضين بمختلف أشكال المفاسد، نظرا إلى خشيته الجدّية من تأثير التيارات المعارضة على نساء إيران واتساع مقاومتهن للوضع المفروض عليهن من قبله.

خلاصة القول إن مجموع هذه الإنجازات التي حقّقتها المعارضة الإيرانية تؤشر إلى أن هذا النظام المعادي للمرأة، ستكون المرأة المساهم الرئيسي في إسقاطه.