أحمد عدنان: استقالة تمام سلام ضرورة وواجب

269

استقالة تمام سلام ضرورة وواجب
 أحمد عدنان /العرب/29 تموز/16

شهدت القمة العربية الأخيرة في موريتانيا تسابق القادة العرب على تجاهلها، وقد يكون السبب ضعف البنى التحتية والخدمات في بلد القمة، وقد يكون توقيتها الصيفي الحار، وقد يكون تشاؤم القادة العرب من نتائجها التي لن تتجاوز البعد الكرنفالي. شهدت القمة مشاركة رئيس الحكومة اللبناني تمام سلام، وقد تحفظ على وصف حزب الله كميليشيا إرهابية، ونسب إليه قول أن الحزب الإلهي المعمم جزء لا يتجزأ من النسيج اللبناني.

ترأس تمام سلام حكومة شعارها “المصلحة الوطنية”، وهذا ما ظنناه أواخر عهد الرئيس ميشال سليمان، لكن مع مرور سنتين على الفراغ الرئاسي اللبناني، أفضل تسميتها “حكومة تشريع الفراغ”، لأن هذه الحكومة أصبحت تشكل حاجزا يقي حزب الله من محاسبة اللبنانيين والمجتمع الدولي.

ينتمي تمام سلام إلى أسرة عريقة لها مكانتها بين البيوت السياسية اللبنانية، يسير البيارتة يوميا في شارع سليم سلام، ولا يعرف البعض أن سليم هو جد تمام، وبسبب ضحالة الثقافة السياسية ربما لا يعرف البعض الآخر من هو سلام الجد، سليم صاحب تاريخ مشرف في العمل العام، ترأس بلدية بيروت وانتخب نائبا في “مجلس المبعوثان العثماني” وعضو مجلس ولاية بيروت، وبعد خلع السلطان عبدالحميد نشط سليم في حركات التحرر العربي والمؤتمرات الوحدوية، وحين دخل الملك فيصل بن الحسين إلى دمشق تحت راية الثورة العربية أصبح سليم سلام عضوا في الحكومة العربية الكبرى وممثلا لها في بيروت.

والد تمام، صائب بك سلام نار على علم، أحد أهم الوجوه السنية في لبنان إن لم يكن أهمها قبل الحرب الأهلية وفي قسط منها، تولى رئاسة الحكومة نحو ست مرات، وشارك وزيرا نحو تسع مرات، فضلا عن الاحتفاظ بالمقعد النيابي لعشر دورات تشريعية، رفع صائب بك في مسيرته السياسية شعارات تنم عن إدراكه العميق للواقع اللبناني كشعار “لا غالب ولا مغلوب” و“لبنان واحد لا لبنانان”.

صائب بك من أبطال الاستقلال اللبناني ومسيرته ساخنة جدا، قد يتفاجأ القارئ بأنه المؤسس الحقيقي لشركة طيران الشرق الأوسط، استقال من الوزارة نظرا للموقف المتخاذل الذي اتخذه كميل شمعون من العدوان الثلاثي، كما استقال بعد عقدين لرفض رئيس الجمهورية إقالة قائد الجيش إثر عملية الكوماندوس الإسرائيلي في مطار بيروت، كان من زعماء الثورة الشعبية ضد كميل شمعون، وفي عهد فؤاد شهاب كان من المعارضين الشرسين للمكتب الثاني، وحين اجتاحت إسرائيل لبنان تم تكليفه محليا ودوليا بالتفاوض مع ياسر عرفات، وأدّى مهمته بنجاح ليكون من أبطال صدّ الاجتياح.

في أوج الحرب اضطرّ صائب سلام لمغادرة لبنان منفيا بعد خصومة مع حافظ الأسد، كان صائب بك مدركا لمطامع البعث السوري في لبنان، عرف صائب بك قدر رفيق الحريري، وعرف رفيق الحريري قدر صائب بك، لذلك لا مكان للعجب حين تعلم أن صائب بك هو من افتتح مشروع رفيق الحريري الأثير، السوليدير، أو الوسط التجاري في بيروت، وشكل هذا الحدث بداية عودة صائب سلام من المنفى، وهذه مناسبة للطلب من تمام سلام الإفراج عن مذكرات والده حبيسة الأدراج منذ نحو عقدين.

ظهر تمام في المشهد السياسي خلال حياة والده الكبير، حيث انتخب نائبا عن بيروت سنة 1996، لكنه في عام 2000 مني بخسارة فادحة في وجه رفيق الحريري، وعاد جديا إلى المشهد السياسي عام 2008 وزيرا للثقافة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، ثم نائبا عن كتلة تيار المستقبل عام 2009 تحت راية الشيخ سعد الحريري، لكننا نتذكره خلال ثورة 14 آذار في مقلب آخر، حين كانت معارضة الوصاية السورية تجتمع في لقاء البريستول، وكان تمام بك مع الموالاة في لقاء عين التينة تحت عباءة الرئيس نبيه بري.

تم تكليف تمام سلام برئاسة الحكومة بتاريخ 6 نوفمبر 2013 بعد استقالة الرئيس نجيب ميقاتي، لكن حكومته لم تر النور إلا في 15 فبراير 2014؛ لم يكن تمام المرشح الأول للحكومة لكنها آلت، في النهاية، إليه.

منذ تولّى تمام رئاسة الحكومة ظهرت غير مشكلة؛ التطاول على مقام المقعد السني الأول، التردد في اتخاذ القرار وضعف القرار نفسه، وربما لا يلام على ذلك بسبب تركيبة الحكومة نفسها، كان أداء الحكومة ورئيسها هزيلا في أزمة النفايات وكان أداؤها بائسا خلال أزمة العلاقة السعودية اللبنانية بسبب موقف وزير الخارجية جبران باسيل في اجتماع الجامعة العربية الذي نظر في اعتداء إيران على المقار الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد، وكان مؤسفا أن يزعم باسيل أنه اتخذ موقفه بالتنسيق مع رئيس الحكومة، والطامة الكبرى تحققت حين قامت السعودية بإيقاف هبة الجيش اللبناني، عقد تمام سلام اجتماعا حكوميا لإصدار بيان لا طعم له ولا رائحة، وحاول سعد الحريري التغطية على فضيحة الحكومة بفكرة العريضة الشعبية الموجهة للسعودية، لكنها خطوة لم تكن على مستوى الحدث هي الأخرى.

من خلال سيرة تمام وظروفه وشخصيته لا يمكن لوم تحفظه على توصيف “حزب الله” بالإرهابي، فهذه جزئية صغيرة من الأزمة الكبرى، فحكومة سلام، بقصد أو بلا قصد، شكلت غطاء فاقعا لإرهاب حزب الله خارج الحدود وتعطيله داخل الحدود، وأول من يدرك ذلك هو حزب الله، روى لي وزير لبناني أنه ذات جلسة قام وزير عوني بالمزيدة على الحكومة، وبعد انفعال تمام وغضبه، كان من قام بالتهدئة هو وزير من حزب الله!

تمام سلام مسؤول عن استمرار الفراغ، فلن يحصل أي نقاش جدي لحل الرئاسة إلا إذا سقطت حكومة تشريع الفراغ، ونذكّر تمام بك بأن سبب الفراغ هو إرهاب من وصفهم بأنهم جزء من النسيج اللبناني، وهم أنفسهم من قتلوا رفيق الحريري ووليد عيدو ووسام الحسن ومحمد شطح وغيرهم من رموز ثورة 14 آذار التي حررت لبنان من الوصاية السورية، وهم أنفسهم من يقتلون العرب والسنة في سوريا والعراق والبحرين واليمن، وتسميتهم باللبنانيين إساءة للبنان شعبا ووطنا ودولة. الشيعة جزء لا يتجزأ من النسيج اللبناني أما الحزب الإلهي فهو ميليشيا إيرانية.

يمكنك أن تقول في صائب سلام ما شئت إلا التشكيك في كونه صاحب قرار ومحنكا سياسيا، فضلا عن زعامته البيروتية والسنية والوطنية، التي لا لبس فيها ولا خدش عليها، ويمكنك أن تقول في تمام سلام ما شئت إلا التشكيك في دماثة خلقه وأصالة معدنه ونزاهته، وأتمنى أن يتأمل تمام بك سيرة والده ومواقفه، وأهمها معارضته للوصاية البعثية السورية، ولا يجوز أن يكون ابنه، ولو بلا قصد، غطاء للوصاية الإيرانية التي ترمي إلى ابتلاع السنة والدولة ونسف اتفاق الطائف، لذلك فالأحرى بتمام بك أن يضع الجميع أمام مسؤولياتهم بإعلان الاستقالة، ماذا لو لم تتحقق النتيجة المرجوة؟ أيا تكن النتيجة فهي أفضل من تغطية الإرهاب الإيراني في لبنان، فعلى سلام تذكر أن والده كان رجل المواجهة كما كان رجل التسويات.