علي حماده: حوار الطرشان في عين التينة/حسين شبكشي: القمامة وتقديس حسن نصر الله/هدى الحسيني: مطار بيروت الدولي في دائرة الخطر الداعشي

224

حوار الطرشان في عين التينة!
علي حماده/النهار/10 آذار 2016
أمس انعقدت جولة حوار موسع برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سبق أن ابتدع هذه الصيغة من الاجتماعات قبل عشرة اعوام بذريعة فكفكة الالغام “الفتنة” عبر سحب التوتر في الشارع الى خلف جدران مغلقة. مرّت سنوات وانتقلت جلسات الحوار من عهدة رئيس مجلس النواب الى عهدة رئيس الجمهورية (ميشال سليمان) لتعود مرة جديدة بعد خلو سدة الرئاسة الى عهدة رئيس مجلس النواب. يسجل لطاولة الحوار إنجاز تاريخي واحد، عدا الزعم انها تخفف احتقان الشارع، هو صدور “اعلان بعبدا” خلال ولاية الرئيس سليمان الذي تحدث عن فكرة “النأي بالنفس” عن أزمات المنطقة، في إشارة مباشرة الى الازمة السورية، وأي أزمة أخرى يمكن أن تنشب ويكون العالم العربي المحيط بلبنان مسرحا لها. طبعا أُلحق صدور “اعلان بعبدا” بتنصل “حزب الله” منه بالرغم من ان ممثل الحزب في الاجتماع لم يعارضه يومها. والى اليوم ما زلنا نراوح مكاننا على طاولة الحوار التي تجتمع مرة في الشهر من أجل الصورة. فهي لا تعالج ألباب المشاكل التي يعانيها لبنان، كتورط “حزب الله” في حرب سوريا بما يناقض “اعلان بعبدا”، ولا الازمة الاساس التي تتمثل في امتلاك الحزب المذكور سلاحا من خارج الشرعية، فضلا عن ان الطاولة لم تلامس موضوع الاستحقاق الرئاسي بجدية على الرغم من مرور أكثر من اثنين وعشرين شهراً على شغور سدة الرئاسة. وتستمر الدعوة الى انعقاد هيئة الحوار من دون التطرق الى البحث في عمق الازمة اللبنانية التي تتمثل، شئنا أم ابينا، في مواصلة حزب لبناني امتلاك سلاح غير شرعي، والاضطلاع بوظيفة اقليمية، وفي احتكامه الى قوة السلاح في كل خلاف سياسي داخلي. كل القضايا الاخرى مثل قول قوى مسيحية إن المعادلة السياسية تفتقر الى الميثاقية بفعل قوانين انتخاب “جائرة” او ممارسات غير ميثاقية على مستوى الوظيفة العامة، تبقى على اهميتها دون اولوية معالجة آفة السلاح غير الشرعي الذي يمتلكه “حزب الله”، فضلا عن تركيبته الامنية – العسكرية التي لم توفر اللبنانيين ولا العرب بممارساتها الارهابية على مدى سنوات طويلة، ولمّا تزل! إن طاولة الحوار التي تحولت مناسبة لالتقاط الصور التذكارية، وإن يكن الهدف منها “نبيلا”، بعيدة كل البعد عن الازمة العميقة التي يعانيها لبنان. وما لم يتم الجلوس حول طاولة جدية للبحث في مصير سلاح “حزب الله” توطئة لنزعه، وتفكيك منظومته الامنية – العسكرية، لا حلول مرتجاة في اي حوار، لا في قوانين الانتخاب، ولا في تثبيت ميثاقية مفتقدة، ولا في حل أزمات اقتصادية واجتماعية كبرى. في اختصار، نقول لاطراف الحوار من استقلاليين و”ممانعين” إن اي حوار لا يضع مسألة نزع سلاح “حزب الله” على بساط البحث الجدي هو حوار طرشان هدفه التعمية على البند الاخطر في الازمة اللبنانية، وذلك قبل اي شيء آخر. صحيح ان بناء الاوطان يحتاج الى حكمة، لكنه اكثر ما يحتاج الى معالجة الازمات المركزية قبل الثانوية.

القمامة وتقديس حسن نصر الله!
حسين شبكشي/ «الشرق الأوسط»/10 آذار/16
لعل «أهضم» ما في موضوع حسن نصر الله هو قناعته ومؤيديه أنه من غير المسموح أبداً انتقاده أو التعرض لشخصه بأي صورة من الصور، لأن له «قدسية»، وأنه شخصية «دينية» لا يمكن التعرض لها. حقيقة لا أعلم شروط وماهية التصنيف الديني الذي اعتمد عليه حسن نصر الله! فالكتب السماوية مليئة بالشخصيات الشريرة المذكورة في سياق السرد الديني، شخصيات مثل إبليس وفرعون وأبو لهب، لكن بطبيعة الحال من الممكن التعرض لهذه النوعية من الشخصيات بعين الاعتبار، خصوصاً إذا ما تمعنا في سجل حسن نصر الله الأسود المتعلق بالإرهاب والدموية والغدر والقتل، والأمثلة المذكورة لذلك كثيرة جداً. والغريب أن أحد أهم وأكبر أبواق تنظيم حزب الله الإرهابي النائب في البرلمان اللبناني محمد رعد، حينما تم انتقاده وبشدة، بسبب هجومه العنيف على بطريرك الموارنة في لبنان نصر الله صفير آنذاك، قال مدافعاً عن موقفه إنه ما دام البطريرك «دخل» في المعترك السياسي فلا قدسية ولا مكانة خاصة له، ويصبح بالتالي مثله مثل أي سياسي آخر في لبنان عرضة للانتقاد، وطبعاً حسن نصر الله تخطى مكانه السياسي، ليصبح إرهابياً وبامتياز ومنذ زمن ليس بالقليل. اللعبة الخبيثة التي يلعبها حسن نصر الله وميليشياته في لبنان هي جزء من فكرة شيطانية أكبر، الغرض منها تفريغ لبنان تماماً من عمقه الطبيعي والاستفراد بالسلطة بالقوة الجبرية، فهو تمكن من تعطيل انتخاب رئيس جمهورية، بل وبالامتناع التام عن حسم الترشح لصالح أحد المرشحين الاثنين المعلنين في الانتخابات الرئاسية اللبنانية، وكلاهما محسوب على التيار المؤيد لحزب الله، وطبعاً يبقى الموقف غريباً ومريباً جداً، لماذا يرفض حزب الله حسم قرار الترشيح إلا إذا كان هناك غرض آخر في نيته، وهو تفريغ البلد بأكمله من مؤسسات الحكم كافة، ليبقى الوضع تحت السيطرة للفريق الوحيد المسلح، والقادر على الحسم على أرض الواقع. بمعنى آخر حزب الله يستعد لاختيار رئيس الجمهورية القادم من «جماعته» وليس من «التيار المؤيد له»، ولعل خطابات الإرهابي حسن نصر الله الأخيرة أظهرت نوعاً من السذاجة السياسية المتطورة في وصفه بأن أعظم لحظات حياته كان موقفه من أحداث اليمن، وليس المواجهة مع إسرائيل، وهو يؤكد بذلك دوره الخبيث والحقير في تأجيج الصراعات في المنطقة بالأسلوب الإجرامي الذي خطه لنفسه. أكثر ما يضحك هو قناعة حسن نصر الله ومؤيديه بأنه شخصية مقدسة، وهو يطرح فكرة التقديس بصورة عامة باعتبارها طرحاً فكرياً يستحق النقاش، فهناك من عبد البقر وأجلّ الفيلة وتبارك بالأسود وعبد الأشجار، وبالتالي لا غرابة أن يتم الاعتقاد بقدسية حسن نصر الله. العقول المغيبة تفعل أكثر من ذلك بكثير.  مسكين لبنان إذا كان فيه ناس تعتقد بقدسية نصر الله، لكنه ذات البلد الذي لم يستطع أن يجمع قمامته بعد مضي سبعة أشهر على أزمتها.

مطار بيروت الدولي في دائرة «الخطر الداعشي»
هدى الحسيني/«الشرق الأوسط»/10 آذار/16
التأثير السلبي لرفع العقوبات الاقتصادية عن إيران ظهر بقوة في لبنان. ففي وقت تحتفل فيه إيران بهجمة رجال الأعمال الغربيين عليها، يأخذ الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، لبنان إلى المجهول. في خطابه قبل الأخير طلب من دول الخليج العربي، وبالذات من المملكة العربية السعودية، أن تترك لبنان وتواجهه. واجهته بأن اعتبرت «حزب الله» تنظيمًا إرهابيًا. قامت قيامته وبدأ يكيل الاتهامات ويرفع منسوب التحدي. يوم السبت الماضي وصف نائب رئيس المجلس التنفيذي في الحزب الشيخ نبيل قاووق، الأمين العام للحزب بالعربي ذي النخوة. وفي اليوم التالي قال نصر الله إن حزبه قاتل في سوريا والعراق والبوسنة، ويتضامن مع البحرين واليمن، إنما من دون أن يأتي الأمر من «السيد القائد»، ويقصد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي.
السؤال: كيف يكون عربيًا ذا نخوة ومرجعيته الروحية والعسكرية إيرانية؟
كذلك شكر نصر الله دولاً عربية عادت بعد مؤتمر تونس ودعمت الحزب ضد تلك الصفة. لم يأخذ بعين الاعتبار أن تلك الدول لا تعاني فوق أرضها من وجود «حزب الله»، ثم إن الدعم الكلامي لا يكلفها اقتصادًا، أو سياحة، أو استثمارًا، ولا يكلفها أيضًا أخذ بلادها كلها رهينة حزب يدين بالولاء لإيران التي لن تغير مخططها إلا بتغيير النظام. أما الغرب فإن نصر الله لا يوفره من إطلاق التهديدات والشتائم، هذا الغرب تستقبله إيران اليوم بأيدٍ مفتوحة، وهو يرى فيها سوقًا جديدة فُتحت في وجهه متعطشة للبضائع الغربية. يرى نفطًا وسيارات وطائرات ومواد غذائية ومعدات وتقنيات طبية، وبالتالي فإمكانية الربح من رفع العقوبات الاقتصادية وفيرة وواضحة. يبدو أن كثيرين تناسوا أن تلك العقوبات الاقتصادية ضبطت إلى حد ما «الحرس الثوري» ومنعت ذراعه العسكرية «فيلق القدس» كما «حزب الله»، من تحقيق أهدافه النهائية، وهي تصدير الثورة عبر المقاومة والحرب. حتى مع وجود تلك العقوبات اتّهمت إيران مرارًا بتحويل الأموال إلى الإرهاب، وظل قادتها يبتسمون بدهاء للكاميرات فيما هم يجيزون رفع ميزانية «فيلق القدس» ونقل الأسلحة إلى «حزب الله». الآن مع أكثر من مائة مليار دولار رفع التجميد عنها، ومليارات الدولارات استثمارات، ما الذي يمنع إيران من استخدام إمكاناتها الجديدة لتمويل «فيلق القدس» و«حزب الله» والحوثيين؟ لا يحتاج هذا إلى حسابات، ونظرة على الميزانية المقترحة للسنة المقبلة تكشف زيادة بنسبة 15.2 في المائة لـ«الحرس الثوري»، وزيادة بنسبة 50 في المائة لأجهزة الاستخبارات. جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، قال أخيرًا إن جزءًا من هذه الأموال ستصب لدى «فيلق القدس» ومكونات إرهابية أخرى، وفي وقت لاحق اعترف بأن «حزب الله» يملك ما بين سبعين إلى ثمانين ألف صاروخ، مضيفًا أن أغلب هذه الصواريخ وصلته عبر الحدود من «إيران إلى دمشق».
وفي حين كشف كيري عن الترسانة الصاروخية التي صارت للحزب من إيران قبل رفع العقوبات، إلا أنه لم يكشف بشكل شامل عن عمليات «فيلق القدس» لتسليح وتدريب ميليشياته الشيعية على المتوسط. يتحدى نصر الله أن «حزب الله» يقاتل في سوريا مع معرفة الجميع بأن هذا ما هو إلا تلبية لنداء «السيد القائد» في إيران. لكن ماذا سيفعل الحزب إذا ما كانت الآلاف من صواريخه في دمشق، ألا يريد أن ينقلها إلى لبنان؟ هذا بالضبط ما يقوم به الآن. مقاتلو الحزب على طرفي الحدود السورية – اللبنانية، والحزب على أتم استعداد لنقل الأسلحة الإيرانية إلى بيروت، هو لن ينقل فقط الأسلحة من سوريا، بل سينقلها أيضًا مباشرة من إيران. ليس سرًا أن للحزب ومنذ سنوات حرية في مطار بيروت (مطار رفيق الحريري الدولي)، تجيز له التهريب على مختلف أنواعه، بما فيها أموال وأسلحة ومعدات عسكرية، كأن لا سيطرة للشرعية اللبنانية على ذلك المرفق. قدرة الحزب على التهرب من الجمارك (يشكو سرًا عدد كبير من سياسيي لبنان تراجع العائدات الجمركية في المطار والمرفأ)، وعلى تجنب تحكم الدولة، تمكّنه من السماح لعملاء «الحرس الثوري» الإيراني بالعمل في المطار بقليل أو حتى من دون أي قلق. هؤلاء الناشطون في مطار بيروت من «الحرس الثوري» هم أعضاء في «الشعبة 8000»، التابعة لـ«فيلق القدس»، أي الفرقة السرية المسؤولة عن السلاح الاستراتيجي، ومن خلال هذه المهمة فإن «الشعبة 8000» مرتبطة بشكل وثيق جدًا بالصناعات العسكرية الإيرانية. وعن طريق نقلها الأسلحة بانتظام من طهران إلى مطار بيروت، فإن «الشعبة 8000» تعزز وتوسع باستمرار ترسانة «حزب الله». تصل الشعبة عبر رحلات مدنية إلى مطار مدني، وتحمل أيضًا قسمًا من عتاد تكنولوجي عسكري ضروري وحيوي للحزب. ولأنه لا توجد سيطرة للحكومة على ما يقوم به «حزب الله» و«فيلق القدس» ولا معرفة بما يجلبانه إلى المطار، فإنه من الصعب تقييم حجم الضرر المحتمل الذي يمكن التسبب به. وحول هذا الأمر تقول تقارير غربية صدرت في الآونة الأخيرة، وبعضها بريطاني، إن مطار بيروت هو الآن على قائمة أهداف «داعش»، فقط لأنه محور رئيسي لعمليات الحزب، وعنصر أساسي في تقويته وتعزيز ترسانته.
هذا التجاهل الواضح للقوانين المحلية والدولية يشكل مصدر قلق للحكومة اللبنانية، وكذلك لشركات الطيران الأجنبية التي تستخدم المطار. وكان الوزير السابق وئام وهاب – ربما عن غير قصد أو عدم معرفة بالسبب – لفت الشهر الماضي إلى ما كادت تتعرض له إحدى طائرات «الخطوط الجوية الفرنسية». وهناك حكومات غربية تطالب منذ زمن بإيجاد حلول للثغرات الأمنية في المطار، وأرسلت فرقًا فنية وأمنية أعدت تقارير عن الواقع الراهن في المطار. وظلت الحكومة اللبنانية تعد بـ«إجراءات على الطريق» إنما تتجنب القول حول الذي يحول دون التأخير في رصد الأموال المطلوبة، لأنه حتى لو رُصدت الأموال، فإن إرادة الحزب تبقى أقوى من إرادة الدولة. إنه «القوة الفائضة» التي صارت تتحكم بكل المنافذ اللبنانية برًا وبحرًا وجوًا. قبل أسبوعين وفي ظل القرار السعودي المرتبط بالمواقف اللبنانية، حذرت السعودية والبحرين والإمارات رعاياها من السفر إلى لبنان. ففي أي وقت من الأوقات يمكن للحزب أو للشعبة الإيرانية القيام بشحن معدات عسكرية إلى المطار أو خارجه خلافًا للقانون، ما يعرّض الركاب وأطقم شركات الطيران بالإضافة إلى العاملين في المطار إلى خطر محدق. هذا خط مستقيم ورسمه ليس معقدًا، إنما يتحتم أن يفتح الأعين على واقع مخيف: رفع العقوبات يدفق الأموال على إيران، التي بدورها تزيد من دعمها المالي للمجموعات التابعة لها أو المحسوبة عليها. فمن هناك، من طهران تحط الأموال في دمشق، وعدن، وبغداد، وبيروت، وذلك لاستمرار القتال في المنطقة. منذ رفع العقوبات، كثر ظهور حسن نصر الله، وتصاعدت نبرته، وتوسعت اتهاماته. هذه الخطب رسائل تأكيد للمرشد الأعلى على أن خط الثورة متواصل انطلاقًا من لبنان. فالحزب انطلق من لبنان ليحارب في سوريا والعراق، وكان قد انطلق من لبنان إلى البوسنة، وهناك كان لمحاربة «الكفار الصرب» ولزرع بذور ثورية إيرانية. إيران تستعد لاستقبال السياح و«حزب الله» يقطع شرايين الحياة في لبنان، يتنقل من حرب إلى حرب، حتى لو وصل به الأمر إلى الحرب مع إسرائيل. هو يستعد وهي لا تتفرج عليه، بل تستعد أيضًا. بسبب سيطرة «حزب الله» كل شيء ممنوع على لبنان. فلا نمو اقتصاديًا، ولا استقرار دائمًا، ولا رئيس للجمهورية، فمن يقوم بدور الرئيس الفعلي هو حليفه رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أطاح بالحكومة فعليًا عبر «مهزلة» طاولة الحوار.