سابين عويس: التضييق على حزب الله مالياً وسياسياً لإضعافه/نبيل بومنصف: أيها اللبنانيون هل يضربكم الحنين إلى المتاريس/محمد علي فرحات: من بيروت إلى الرياض: المطلوب واحد

260

التضييق على “حزب الله” مالياً وسياسياً لإضعافه هل تدفع الحكومة ثمن الأخطاء الخارجية؟
سابين عويس/النهار/27 شباط 2016
قد تكون جهود رئيس مجلس النواب نبيه بري من بروكسيل نجحت في منع تفجر الأزمة بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” عبر تأمين انعقاد جلسة الحوار الثنائي بينهما، لكنها حتماً لم تلجم المناخ المشحون بينهما، والذي يعززه استمرار الاجراءات التصعيدية من المملكة العربية السعودية ودول الخليج تجاه لبنان، بما يشي أن لا تراجع في السياسة العربية المنتهجة راهناً، بل على العكس، تتجه الامور إلى مزيد من التصعيد، على رغم تفاؤل بري بقرب انتخاب رئيس جديد للجمهورية. يبدو واضحا من المسار التصعيدي الذي لا تزال تسلكه علاقة لبنان بالمملكة وبعدد من دول الخليج المتضامنة مع الرياض، أن كل الاجراءات والتفسيرات التي قدمتها الحكومة اللبنانية وبعض التيارات والقوى السياسية التي تدور في الفلك السعودي، لم تكن كافية لدفع القيادة السعودية إلى إعادة النظر في سياستها حيال لبنان، والسبب أن كل ما حصل لا يصيب الغاية المرتجاة. فالموقف السعوي، بقدر ما يستهدف “حزب الله” والفلك الايراني الذي يدور فيه، يصب غضبه على فريقه السياسي في لبنان الذي خذله في المواجهة الحادة التي تخوضها المملكة مع إيران والحزب تحديدا في جبهات أخرى. وتأتي الحكومة في مقدم هذا الفريق، إذ لم يكن تعاملها مع ما اعتبرته المملكة إساءة الى العالم العربي على مستوى التوقعات، بدليل التغاضي عن موقف وزير الخارجية جبران باسيل في مؤتمر دول التعاون الاسلامي، فضلا عن عدم المبادرة إلى تصحيح الخطأ، بل الذهاب إلى حد الامعان فيه من خلال تغطية ذلك الموقف، وهو ما طرح علامات استفهام كبيرة حول من يحدد السياسة الخارجية للبنان؟ وفي حين توقفت مراجع سياسية عند الخشية التي برزت أخيرا في بعض الأوساط من أن يكون الموقف السعودي تخليا عن لبنان وتركه تحت تأثير النفوذ الايراني، أكدت أن المملكة ومعها الخليج العربي لم يتحركا إلا بعدما لمسا أن لبنان بات فعلا في القبضة الايرانية، وان الهدف بات اليوم عزل نفوذ الحزب وإعادته الى لبنانيته عبر الضغط في اتجاه تأكيد الهوية العربية للبنان. وعزت المراجع قراءتها هذه الى أنه مضى على لبنان اكثر من عام ونصف عام من دون رئيس للجمهورية بفعل تعطيل “حزب الله” الاستحقاق. وعندما سلَم رئيس “تيار المستقبل” بقبول بانتخاب رئيس من صفوف الحزب والتحالف الآذاري الذي يقوده، بحيث تكون الحكومة من نصيب الفريق الآخر، تبين ان الحزب بات يستحوذ على الرئاسة وعلى الحكومة، كما يستحوذ على كل المفاصل الاساسية في إدارات الدولة ومؤسساتها. فالأداء الحكومي الاخير بيَّن ان الكلمة الفصل للحزب. وعليه، تخشى المراجع ان يكون على حكومة الرئيس تمام سلام (كاملة أو على وزير خارجيتها؟) أن تدفع ثمن أخطاء السياسة الخارجية، بعدما عجزت ولا تزال عن إصدار موقف حازم يثبت قولا لا فعلا التزام لبنان الحضن العربي. لكنها تستدرك لتقول إن الامور لن تصل إلى هذا المستوى، وعلى الجميع النزول عن “السطوح العالية” واستدراك الاخطاء المرتكبة. ودعت المراجع إلى التروي، من دون أن تغفل أهمية العودة إلى التركيز على الاستحقاق الرئاسي وضرورة إنضاج تسوية رئاسية تعيد إنتاج سلطة جديدة قادرة على التعامل مع الاستحقاقات الداهمة. وأكدت أن المطلوب عدم الانزلاق نحو المواجهة، كاشفة ان الكرة باتت في مرمى “حزب الله” الذي بدأ يدرك أن قرار التضييق عليه بات واقعاً، بدءاً من التضييق المالي الذي بدأته الولايات المتحدة الاميركية وصولا إلى الإجراء الاخير الذي اتخذته السعودية أمس والقاضي بتصنيف 3 أفراد و4 شركات بتهمة الارهاب لارتباطهم بالحزب.

حرّر فكرك: أيها اللبنانيون… هل يضربكم “الحنين” إلى المتاريس؟!
نبيل بومنصف/النهار/27 شباط 2016
قد لا يكون لائقا او مستساغا اتهام اللبنانيين بقصر الذاكرة في حقبة كهذه باتت فيه النصال تتكسر على النصال جراء التراكم الهائل لأزماتهم المتصاعدة، سواء التي صنعت في لبنان وبأيدي الطبقة السياسية التي لم يشهد لبنان مثيلا لها في تعميم الأفضال على ابنائه او تلك التي صنعها الخارج الاقليمي وصراعاته المتمددة اليه. ولكن الحاصل منذ هبوب العاصفة الخليجية على لبنان للمرة الاولى في تاريخ العلاقات السعودية – الخليجية مع لبنان بهذا التفجر الغاضب المخيف منذرا بمزيد من العزل الخليجي العقابي للبنان بسبب سياسات فريق داخلي بات يوجب مصارحة من نوع آخر تتصل بواقع مرضي لبناني يستعيد نفسه كلما لاحت بوادر تطورات من النوع الذي يضع اللبنانيين على محك الاختبار المصيري. نقول ذلك ونحن نعاين الانقسام العمودي الحاد الذي أفضى بعد اكثر من خمس سنوات من الحرب السورية نجا فيها لبنان من الفتنة الكبرى التي خشي الجميع ان تحرقه الى اعادة شدنا الى حقبات الانقسامات الكبرى التي لم تجف آثارها وتداعياتها عن واقع لبنان السياسي والاجتماعي والطوائفي والمذهبي حتى الان على رغم مرور حقبة نكاد نترحم عليها وكانت سمتها الاصطفاف السياسي العريض العابر للطوائف من ٢٠٠٥ حتى الامس القريب على رغم كل ما حملته من آلام وإحباطات وإخفاقات ومكاسب واختراقات سواء بسواء.
لعل كثرا لا يَرَوْن الآن موجبا لإثارة هذا الجانب من الواقع الشديد التأزم الذي يغمر البلاد ويتهددها بتداعيات ونتائج خطيرة بعدما زج بنا بعضهم في هذا الأتون الحارق لارتباطه بمحور اقليمي فيما عجز البعض الآخر عن منع تجاوز الخطوط الحمر التي كانت معروفة للجميع وسط التحولات الكبيرة التي عرفتها المنطقة في السنة الاخيرة على الاقل. ومع ذلك يتعين على اللبنانيين الذين لا يلامون ان طمست ذاكرتهم بفعل القمع المأسوي للأزمات التي تخضعهم لأقسى اليوميات في كل شيء، ان هذه الذاكرة تستبطن استعادات مذهلة لواقعات الانقسامات الكبرى كلما “دق الكوز بالجرة” في سياق ارتباط قوى داخلية بمحاور اقليمية، وهي حقيقة لا تعفي اي فريق او طائفة او مذهب من تبعة استحضار مناخات الانقسامات المؤدية الى الاهوال. هكذا احترق لبنان مرات ومرات منذ ما قبل الحرب الكبرى في 1975 وإبانها وبعدها، بل قبلها منذ نهايات الخمسينات والستينات من القرن الماضي. حكاية الانقسامات الكبيرة كانت دوما تفضي الى المتاريس الطائفية المتداخلة مع حروب المصالح الخارجية ولم يتبدل حرف بعد من هذه المعادلة ولو اختلفت الظروف وتبدل اللاعبون في الداخل والخارج. منذ ثورة ١٩٥٨، الى حقبة نهايات الستينات حيث اقتحم العامل الفلسطيني الواقع الداخلي عقب أيلول الأسود في الاْردن وسقوط الوطن البديل للفلسطينيين وانتقالهم الى لبنان لإقامة الدويلة البديلة من فلسطين، أخذ الانقسام اللبناني بعداً مدمراً وسقط اللبنانيون في اختبار الوحدة او التراصف خلف الدولة التي لم تكن مشروع دولة آنذاك بل دولة كاملة المواصفات، ومع ذلك لم تصمد في نهاية الامر امام تفجر الانقسام الداخلي الكبير والانشطار القاتل. بعد الأعوام الخمسة عشر من الحروب التي تداخلت فيها عوامل “الحرب الاهلية” وعوامل “حروب الآخرين” حل سلام الطائف ولكنه لم يستأصل اعتمال الانقسامات الجذرية التي برعت الوصاية السورية في توظيفها واستثمارها طمعا باحتلال مستدام للبنان. كان الخط البياني المنطقي في اي بلد طبيعي يفترض ان الانسحاب القسري للوصاية السورية عام ٢٠٠٥ سيحمل توحيدا حتميا للبنانيين اسوة بانسحاب الاحتلال الاسرائيلي من الجنوب عام ٢٠٠٠. لا هذا ولا ذاك أديا الى تلك الأعجوبة، بل ان الانشطار الكبير بين ٨ آذار و١٤ آذار حول الدولة المرتجاة الى “مشروع” دارت حوله الصراعات العمودية والأفقية من كل حدب وصوب ولم يسلم لبنان من اختراقات دموية ان بحرب الاغتيالات وان بعملية ٧ أيار ٢٠٠٨. خلال السنوات الاخيرة خاض لبنان احد ادق الاختبارات لمناعته حيال المخاوف المقيمة من فتنة مذهبية توقدها نيران الصراعات الاقليمية بل الاحتراب المذهبي الذي استباح دول المنطقة قاطبة. واذا كان يحلو لبعضهم ان يتحدث عن أعجوبة تجنب لبنان للحريق عقب تورط “حزب الله” في الحرب السورية وتداعياته الداخلية فان الثابت الذي لا يحتاج الى اثبات هو ان الاستقرار الذي طبع الواقع اللبناني كان ولا يزال نتيجة عوامل ثلاثة: مظلة دولية وارادة داخلية وتنامي القدرات العسكرية والامنية اللبنانية. كل ذلك يطرح بلحظة الآن على بساط المخاوف الصاعدة حيال انقسام طارئ حول الأزمة غير المسبوقة مع الدول الخليجية. لن يكون من الحكمة في شيء تجاهل خطورة مجريات تسلسلت منذ انفجار الازمة على “هوية القرار” اللبناني في الصراع بين السعودية وإيران وكأننا مجددا امام خطر استعادة معادلة ٥ ايار و٧ ايار ٢٠٠٨ حين قررت الحكومة مواجهة “حزب الله” فاذا به يغرز ذراعه المسلحة في بيروت. ولن يكون من الحكمة ايضا عدم الالتفات الى “السجل الطبي” للبنان في تجارب الانقسامات بين المحاور الخارجية. ولا نريد ان يأخذنا الذعر الى الظن بان لبنانيين باتوا يحنون الى المتاريس وهم في نعيم أزمة نفايات لم يعرفها أفقر بلد من بلدان العالم الثالث وما دون. فتيقظوا!!

من بيروت إلى الرياض: المطلوب واحد
محمد علي فرحات/الحياة/27 شباط/16
اللبنانيون في قلق. وحده الغبيّ أو المتعصب لا يقلق من تردي علاقة لبنان بمجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً بالمملكة العربية السعودية. لا ينفع اللبناني ابتلاع المهدئات. المشكلة حاضرة وتتفاقم وهي تعني المواطنين جميعاً، أنصار 14 آذار وجماعات 8 آذار والمستقلين. نبحث عن وساطات في أماكن بعيدة والمطلوب واحد وقريب. إنه القشة التي قصمت ظهرنا: التردد أو التحفظ في الموقف من الاعتداء على سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد. الحاكمون في إيران تنصلوا وإن لم يصدقهم أحد، لكنهم تنصلوا علناً أمام أهل منطقتنا وقادة العالم. وردد الحاكمون في بغداد كلام جيرانهم الإيرانيين في اجتماعات الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي. العراق الموصوم بنفوذ طهران غسل يديه من جريمة الاعتداء على المقرّين الديبلوماسيين السعوديين. هذا منطق الأمور، ولا علاقة له بالخلاف السياسي وحتى بالخصومة أو العداء. المطلوب واحد وقريب، أن يعتذر حكام لبنان بوضوح عن خطأ خارجيتهم، بما يعني تأكيد العلاقة اللبنانية – السعودية العريقة. وفي ذلك شجاعة وواقعية لا يفتقدهما اللبناني. غريب أمر الإدارة الحاكمة في الوطن الصغير. كأنها ليست من نسل الذين ربطوا الشرق والغرب بحبال متينة في الاقتصاد والسياسة والثقافة. ودوّروا الزوايا في مرحلة الطفرة الناصرية ومدها الجارف. كان الصراخ يعلو بالتخوين، وصولاً إلى الشتائم، فاستطاعت النخبة اللبنانية الحاكمة آنذاك الحفاظ على علاقات حسنة مع جبابرة الصراع في المنطقة، معلنة لبنان منصة إعلام وحوار فكري وتبادل مصالح سياسية واتصال بالعالم، ومع هذا كله تأمين مصالح اللبنانيين، الناصري منهم والمناهض لعبدالناصر. الخارجية اللبنانية لم تكن موفقة في الملتقيين العربي والإسلامي، وإن تذرعت كما قال وزيرها بالبيان الوزاري اللبناني. لقد نظرت إلى شكله ولم تدرك معناه الواضح والمتوهج: إدانة الاعتداء على مقارّ ديبلوماسية ووجوب التضامن العربي والإسلامي في هذا المجال على الأقل.هكذا تتم قراءة البيان الوزاري للحكومة اللبنانية وليس باصطناع الانحياز إلى وحدة وطنية رآها وزير الخارجية مهددة: مَن يستطيع من الأطراف اللبنانيين تأييد الاعتداء على السفارة والقنضلية السعوديتين في إيران؟ ومن يجرؤ على مثل هذا التأييد في لبنان الصديق التاريخي للسعودية منذ ملكها الموحّد عبدالعزيز آل سعود؟ اللبنانيون المعنيون بكتابة تاريخهم القديم والحديث والذين يتفقون أو يختلفون على وقائع هذا التاريخ، لا يستطيع أي منهم إنكار إيجابية العلاقة بين بيروت والرياض، فهي بقيت مستمرة وناهضة في مراحل الهدوء والتأزم في عالمنا العربي. ولا يمكن أي منطقة في لبنان أو طائفة أو حتى عائلة، إلّا تلمس علاقة ما بالمملكة العربية السعودية، علاقة حاضرة في الواقع وفي الذاكرة. ولا ننسى حضور كل من البلدين في خيال مواطني البلد الآخر. اللبناني يعرف المملكة جيداً وإن لم يزرها، فقد رآها في صوَر أهله أو أقربائه، والسعودي يعرف لبنان جيداً في ساحله وجبله وسهله، وله في هذه الأمكنة أصدقاء ومشاركو اهتمامات ومعارف. وأبعد من ذلك، فالسعودية تمثل للعرب اليوم، وبالتالي للبنانيين، المرجع الأساس بعد انهيار العراق وتردي أحوال مصر. لذلك، يتمسك اللبنانيون بالعلاقة مع الرياض ويرونها حيوية من النواحي الاستراتيجية، قبل القرابة القومية والصلة الثقافية والمصالح الاقتصادية. لا أعتقد أن الحضور السعودي في لبنان ضعُفَ بعد موقف الخارجية اللبنانية المؤسف. إنه قوي وحيوي مثلما كان دائماً، وهذه الحقيقة يجب أن يعرفها العالم، الصديق وغير الصديق، فليس لبنان ساحة صراع بين الرياض وأي منافس آخر، لأن للسعودية مكانة وتاريخاً مع الوطن الصغير يعرفهما الكاره قبل المحب، وإن كان هناك من يحاول الاستفادة من قلق اللبنانيين.