العسيري للمدن: ولماذا لا تفهم إيران الواقع اللبناني/محمد نمر: حديث عن مواجهة في لبنان وماذا عن 7 أيار جديد/عديد نصار: مفاعيل الإجراءات الخليجية بحق لبنان

247

العسيري لـ”المدن”: ولماذا لا تفهم إيران الواقع اللبناني؟
منير الربيع/جنوبية/الجمعة 26/02/2016
العسيري لـ”المدن”: ولماذا لا تفهم إيران الواقع اللبناني؟ مصلحة لبنان مع أشقائه العرب لا مع إيران (تصوير: علي علوش)
قد تكون المرّة الأولى في العالم، التي تشهد سفارة دولة ما تشهده سفارة المملكة العربية السعودية في بيروت، بعد أن فتحت أبوابها لاستقبال المتضامنين معها، وللتعبير عن الشكر لما قدمته السعودية للبنان، لليوم الثالث على التوالي.
وفود سياسية، إقتصادية، حزبية وشعبية تقاطرت للتعبير عن التضامن، آملة من الإدارة السعودية إعادة النظر بالقرارات التي اتخذتها. ويتوسّط السفير علي عواض العسيري الجموع، في حركة مكوكية، وحوارات كثيفة، آملاً بأن لا تتصعّد الأمور أكثر، “نتيجة تداعيات سياسة خاطئة انتهجتها الحكومة اللبنانية، عبر اتخاذ أحد وزرائها مواقف تتعارض مع الإجماع العربي وتغلّب مصلحة دولة غير عربية على المصالح العربية المشتركة”.
وسط أجواء تنذر بأن ثمة قرارات خليجية تصعيدية جديدة ضد لبنان، يقول العسيري لـ”المدن”: “نحن لا نتمنى أن يستمرّ هذا التصعيد، وليس من أسلوب وأدبيات المملكة بأن تصعد بحق لبنان، ولكن هناك خطأ كبيراً وجارحاً ارتكب في محافل دولية، تجاه المملكة، وهذا يحتاج إلى أن يتم التعامل معه بجدية وإيجابية”. وفيما تتردّد أصداء بأن المملكة لم تكن راضية على البيان الذي خرجت به الحكومة مؤخراً، يرفض العسيري التعليق على مضمون هذا البيان قائلاً: “المسؤولون في الحكومة اللبنانية أذكياء، ويعلمون ما هو الخطأ وكيف يجب معالجته بحكمة وشجاعة”.
ولكن هل يعتبر ذلك ضغطاً على الرئيس سعد الحريري؟ يجيب العسيري بأن “الحريري كان واضحاً في تضامنه مع المملكة من خلال اللقاء التضامني الذي دعا إليه، وقد ناشد خلاله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بإعادة النظر بهذه القرارات، وبعدم التخلّي عن لبنان”.
ويتوجه العسيري بالسؤال لمن ارتكب هذا الخطأ قائلاً: “لماذا إتخاذ هذا الموقف، ولصالح من تم اتخاذه، وبحق من اتخذ، ومن يستهدف ويضرّ”، قبل أن يستدرك بالتأكيد مراراً أن “المملكة لا تطلب شيئاً لها، بل ما نريده هو مصلحة لبنان وشعبه، سواء المقيمين، أو المغتربين في الخليج، وعلى اللبنانيين تقييم مصلحة المقيمين في الخليج، وما هي المصالح المشتركة بين لبنان ودول الخليج”. ولكن، هل هناك خطر على اللبنانيين المقيمين في الخليج؟ يلفت العسيري إلى أن السفارة لا تتمنى ذلك، ولكن ليست هي التي تتخذ القرار، نحن كديبلوماسيين نحرص على أن تصان هذه العلاقة.
ما هو المطلوب إذاً؟ هل المطلوب اعتذار “حزب الله”؟ يشير العسيري إلى أنه “ليس من شأننا الطلب من الحكومة اللبنانية، لكن الخطأ معروف، وعلاجه معروف، مع الإحتفاظ بعدم التدخل في الشأن اللبناني، بالإضافة إلى عدم الإملاء على المسؤولين”. ويسجل العسيري جملة ملاحظات: “أين هي مصلحة لبنان؟ هل هي في الخليج أم مع الجهة الأخرى التي يدافعون عنها؟ ولماذا يتم الطلب من دول الخليج تفهم الواقع اللبناني، وليس التوجه إلى الدولة الأخرى التي لا مصالح للبنانيين معها، والطلب منها ذلك، عبر القول لها: أنا عربي، وإنتمائي عربي، وعضو مؤسس في جامعة الدول العربية، وبالتالي فإن عروبتي ومصلحتي ومصلحة شعبي تفرض علي الإلتزام بمواقف الدول العربية، اما لتلك الدولة فهي ليست عربية ولا تمثّل العروبة بأي شكل من الأشكال، عليها أن تتفهم الموقف”.
لـ”حزب الله” بطبيعة الحال نصيب وافر في أحاديث السفير السعودي الجانبية والصحافية. يقول لـ”المدن” إن “حزب الله جزء من لبنان، ولكن عليه مراعاة مصلحة بلده، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، لأن تدخله سيدخل لبنان في مشاكل هو بغنى عنها، كما يجب عدم التدخل في شؤون دول الخليج العربي، لأن ذلك سيرتد سلباً على لبنان، خصوصاً في ضوء المواقف التي تتخذها بعض الأطراف باسم لبنان والحكومة”.
وفي وقت ترددت معلومات عن أن الرئيس تمام سلام لن يزور السعودية حالياً بالإضافة إلى تأجيل جولته الخليجية، بسبب عدم اصطلاح الأوضاع بعد واستمرار التصعيد، يشير العسيري إلى أنه على تواصل مستمرّ ودائم مع سلام الذي “حمّلني رسالة لن أفصح عن مضمونها، وقد وصلت إلى خادم الحرمين”.
وحدها الإجراءات السعودية المقبلة يكتنفها الغموض في حديث العسيري ومن بينها سحب الودائع الخليجية من المصارف اللبنانية، مفضلاً إختصار إجابته بالقول: “لن أجيب بنعم أو لا حول هذا الموضوع، هذا القرار بيد دول الخليج وإذا ما اتخذ نحن سننفّذه”. أما بشأن ما تم اتخاذه من تدابير في شأن الرعايا السعوديين في لبنان، يعتبر العسيري أنه جاء من حرص حكومة السعودية على سلامة المواطنين السعوديين الذين يتواجدون في لبنان أو الذين ينوون القدوم اليه لبنان، فهل هذا يعني أنهم يتخوفون من تدهور الأوضاع الأمنية؟ يجيب باللغة الإنكليزية: “no comment”.. لا تعليق.

حديث عن مواجهة في لبنان… وماذا عن “7 أيار” جديد؟
محمد نمر/النهار/27 شباط 2016
نجح وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق في مقابلته التلفزيونية ليل أول من أمس في ترك أثر لدى اللبنانيين، خصوصاً بحديثه عن أن “لبنان مقبل على مواجهة عربية كبرى”، لكنه كان حريصاً على أن الأمن سيبقى ممسوكاً، لإدراكه أن اللبناني يبحث اليوم عن أي مؤشر ليقول: “خربت” أو إن “الحرب الأهلية آتية”.
وتزامناً مع ارتفاع حدة الخطاب السياسي، حاول مجهولون استغلال التوتر السياسي والإعلامي الذي تلى القرارات السعودية برمي منشورات في منطقة قصقص تنبه “السُنَة إلى عملية يحضر لها حزب الله”، وتناقلها اللبنانيون على “واتس آب” ومواقع التواصل الاجتماعي التي تشهد أكثر المواجهات بين أنصار “8 و14 آذار”، فضلاً عن تحذيرات إعلامية من وقوع “7 أيار” جديد، فهل لبنان مقبل على مواجهة عربية كبرى، وما مصير المظلة الأمنية؟ يستغرب نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي كلام المشنوق، ويعتبر أن الوزير “أراد أن يحدث أثر المواجهة الكبرى قبل وقوعها”، ويضيف: “عندما يصدر هذا الكلام عن مسؤول لبناني ووزير داخلية، بصرف النظر عن صحة الموقف أو عدم صحته، فيعني أنه يحاول تحقيق نتائج المواجهة قبل حدوثها”، متسائلاً: “هل ستقع المواجهة أو أن هذا الضجيج غايته جر حزب الله إلى التفاوض؟ وعلى ماذا يتفاوض؟ فهم يعلمون جيداً بعدم قدرتهم على التأثير على الحزب في مسائل سوريا واليمن والبحرين والمنطقة ويريدون التفاوض على احداث فك ارتباط بين الحزب وحلفائه في معركة رئاسة الجمهورية، وهذه المحاولة التي يسعون إلى تحقيقها بوسائل عدة، لم تحقق أهدافها سابقاً”. في المقابل، يعتبر نائب رئيس “تيار المستقبل” النائب السابق أنطوان أندراوس “أننا لسنا متجهين إلى مواجهة مع العرب بل هناك ميليشيا “حزب الله” تواجه أخوتنا العرب، وثلثا الشعب اللبناني سيدفع الثمن، ولسنا كلبنانيين في مواجهة مع العرب بل أن المواجهة العربية ستكون ضد سياسة ايران”، مؤكداً أن “انضمام أي دول عربية اخرى إلى جانب دول الخليج سيكون بسبب سياسة حزب الله تجاه تلك الدول ونحن ندفع ثمن سياسة السيد حسن نصرالله”. وعما إذا كان هدف الحملة على “حزب الله” جره إلى التفاوض، يقول أندراوس: “أشك أن تكون هذه أهداف الحملة، لكننا نتمنى أن يجلس “حزب الله” إلى الطاولة ويرى مصلحة لبنان والشعب واخواننا العرب، ففي نهاية المطاف شيعة لبنان من العرب ولا نريدهم ايرانيين، وإذا كان ما يحصل يوصلنا إلى حوار من هذا النوع مع الحزب، فنحن نتمنى ذلك كي يقلع حزب الله عن سياسته”. لم يقترب المشنوق من خط الأمن، وأكد أن “لبنان يتجه إلى الهاوية” لكن المظلة الأمنية ستبقى. يتوقف الفرزلي عند هذا الكلام قائلاً: “إذا كانت المواجهة الكبرى ستقع فإن المظلة الأمنية التي حكمت لبنان لن تبقى، وحديث الوزير المشنوق عن بقائها غير دقيق لأنه أقله يمكن القول بأن لا أحد يستطيع أن يضبط الإيقاع إذا سقطت المظلة الأمنية، وإذا كانت المراهنة على الأميركي بان يبقى ضابط الايقاع، فهو قاتل “حزب الله” ويعتبره ارهابياً باجماع مجلس النواب لكنه لم يطرد الشيعة من أميركا، ولم يقطع المساعدات على الجيش اللبناني”. ويضيف الفرزلي: “لا أريد تصديق أن مواجهة ستقع، لأنها إذا وقعت فعلاً فستحدث نتائج استراتيجية على الارض وتترك بصمات نهائية على واقع الكيان اللبناني”.
بالنسبة إلى أندراوس ـ”كل الهزات الأمنية واردة في البلد”، متسائلاً: “من يملك السلاح اليوم، ومن يستطيع أن يقوم بـ 7 أيار أو ما يشابهه هو من يمتلك السلاح، وإذا لم ينزل به يستخدم أسلوب القمصان السود، وسمعنا شائعات من أيام أنه حصل مثل هذا الاستنفار، والطابور الخامس موجود هو أيضاً ويستغل حال البلد لتخويف الناس”. ويميز الفرزلي بين الهزة العسكرية الشبيهة بـ”7 أيار” والهزات الأمنية الضيقة، ويقول: “استبعد أحداثاً عسكرية أما الهزات الأمنية فنشاهدها من حين إلى آخر، كالتفجيرات التي ربما تزيد حدتها في المستقبل ويمكن ألا تزداد لكنها في نهاية المطاف لن تؤثر”.
لم يكشف رامي المنشورات هويته، وفي رأي الفرزلي أن “على الجيش القبض على هذه الجهة لأن ما قامت به يندرج ضمن افتعال فتنة مذهبية، ويظنون أن حزب الله يخشاها ولا يريدها وبذلك يريدون لي ذراعه قبل حين”، متسائلاً: “ما الفرق بين هذه المنشورات وقول المشنوق إن هناك مواجهة عربية كبرى؟”. لكن لأندراوس رأياً آخر، هو أن “الطابور الخامس” وزع المنشورات، ولا يستبعد “أن تكون خلفها الجهة التي تريد النزول إلى الشارع”، غامزاً من قناة “حزب الله”. لا تزال قوى 8 آذار في حال صدمة أمام ما يجري ولم تلتقط أنفاسها للرد، وتتجه الأنظار نحو جلسة انتخاب رئيس جمهورية في 2 آذار المقبل، ويقول الفرزلي في هذا الشأن: “عليهم إدراك أن يوم 2 آذار لن يشهد انعقاد جلسة رئاسة، وسيكون ذلك بمثابة الرد القريب المدى على كل هذه الحملة، وبعد 2 آذار ليس كما قبله، وحاليا هناك كباش”. في المقابل يقول اندراوس: “في حال كان رأي الفرزلي أن الرد سيكون بعدم عقد جلسة في آذار، وهو نائب سابق لرئيس مجلس نواب، فآسف لهذا الكلام وأنصح له بركوب الطائرة والذهاب إلى ايران ليعيش فيها، لأنه يجب ألا يعيش في دولة ديموقراطية”. ويصف حال البلاد بأنها “سيئة جداً، خصوصاً إذا كنا سنكمل بمثل هذه الحكومة والتناقضات، حتى أمنياً، فمن أقدم على ارتكاب 7 أيار يستطيع أن يكرره”.

مفاعيل الإجراءات الخليجية بحق لبنان
عديد نصار/العرب/27 شباط/16
يستطيع حزب الله أن يشن حربا كلامية حامية على السعوديين وعلى مملكتهم في سياساتها الخارجية كما في سياساتها الداخلية، بل ومن مصلحته أن يشن مثل هذه الحرب، وأن يشجع حلفاءه والتابعين على كيل الشتائم والاتهامات ومن على مختلف المنابر للسعوديين أفرادا وأسرة حاكمة ومواطنين.
ويستطيع باقي مكونات الائتلاف المافيوي المسيطر، الغاصب للسلطة، في لبنان التغاضي عن هذه الحرب، أو الرد عليها بمثلها، لا فرق، طالما أنه لا تهديد لسيطرتهم وأن مصالحهم مؤمنة وأن ما يصب في حساباتهم، سواء مباشرة من أسيادهم الخارجيين، أم من خلال عمليات الفساد المتمادية داخليا تبقى خارج احتمالات المحاسبة. هذه مصلحة حيوية ليس فقط لحزب الله، بل لمختلف القوى المافيوية الغاصبة للسلطة وللتمثيل الفئوي طائفيا ومذهبيا في لبنان طالما خدمت تعميق الاصطفافات الطائفية والمذهبية في مجتمع لو توحد مضطهدوه لما تمكنت تلك القوى من طمر مدنه وقراه بالنفايات، بل لما استمرت أياما معدودات خارج السجون. لقد تمادى حزب الله وحلفاؤه والتابعون في حربهم الكلامية ضد السعوديين إلى درجة تجاوزت حدود المتوقع والمعتاد على مدى سنوات خلت، ما دفع السلطات السعودية والخليجية إلى اتخاذ إجراءات اعتبرتها رادعة بحق السلطات اللبنانية التي لم تكن، برأيهم، في مستوى العلاقات التاريخية التي بين لبنان وتلك الدول، فلم تجرؤ على التصدي لهذا الحزب ولا استطاعت رسم سياستها الخارجية بمنآى عن إرادته. هذه الإجراءات طالت بشكل خاص الهبة السعودية للجيش وقوى الأمن اللبنانيين، كما الودائع والأفرع البنكية السعودية في لبنان، فيما تعرض للتهديد بالطرد كل من ينتمي إلى ما يعتبر البيئة الحاضنة لحزب الله من عاملين لبنانيين في الخليج. وإذا أردنا مقاربة نتائج هذه الإجراءات ومردودها الحقيقي لا بد من التذكير بطبيعة النظام المسيطر في لبنان، وبالتالي طبيعة القوى المؤتلفة في السلطة. هذا النظام الذي تشكل من قوى ميليشيات الحرب الأهلية التي تحولت في السلطة إلى مافيات سلطوية في ظل وصاية النظام الأسدي على مدى خمسة عشر عاما، بالتحالف مع مافيا الريع المالي، يستمد وجوده بالأساس، كما استمراريته، من التبعيات الخارجية المتعددة لقواه المسيطرة. فكل منها مرتبط بمركز هيمنة إقليمي أو دولي يتبادل معه منافع السيطرة المحلية سياسيا وماديا، وبالاستقلال التام عن أجهزة ومؤسسات الدولة، بحيث بات لكل من تلك القوى علاقاته الخارجية الخاصة المستقلة عن سلطة المؤسسات الدستورية والرقابية، بما في ذلك التمويل والتسليح والتوجه السياسي والدور الإقليمي. ولكن حزب الله، من بين تلك القوى، يبقى هو الجهة الأكثر ارتباطا وبشكل مؤسسي، إدارة وتوجيها وتسلحا بالعتاد والأيديولوجيا من باقي القوى المسيطرة المرتهنة بالنفوذ والدعم السياسي والمالي. هذه الحقيقة التي يجب أن نراها كي يصبح بإمكاننا تقييم نتائج الإجراءات الخليجية التي وُوجهت بها مؤسسة الدولة اللبنانية مؤخرا ردا على حرب حزب الله المنوه عنها أعلاه. فوقف المساعدات المالية لمؤسسات الدولة هو ممارسة الضغط على الحكومة لاتخاذ إجراءات قد لا تتمكن منها بسبب وجود حزب الله وحلفائه بقوة في الحكومة وفي البرلمان، وبالتالي فأقصى ما يمكن أن يحصل، وقد حصل في جلسة استثنائية مطولة للحكومة، تسويات في هذا الموضوع على طريقة تدوير الزوايا التي ابتكرها رئيس البرلمان نبيه بري.
ولكن الحقيقة التي يعرفها الجميع والتي تؤكد أن حزب الله سار، ويسير، في سياساته الداخلية باتجاه تعطيل وشل مؤسسات الدولة، بدءا من تعطيل انتخابات الرئاسة لمدة قاربت السنتين، ومرورا بتعطيل إجراء انتخابات برلمانية وبالتالي التمديد مرتين لمجلس النواب وشل عمله في التشريع والمراقبة والمحاسبة، وصولا إلى تعطيل عمل الحكومة، وهو شريك فيها، ليتمكن من تنفيذ أجنداته الإيرانية داخليا وخصوصا في المنطقة، دون أن يزعجه أحد في مساءلة أو مطالبة أو محاسبة، هو المستفيد الأبرز من الإجراء المتعلق بوقف أو تجميد أو إلغاء المنحة المالية المخصصة لمؤسستيْ الجيش والقوى الأمنية، لأن إضعاف هاتين المؤسستين يصب بالأساس في طاحونة حزب الله الذي طالما تذرع بذلك لتبرير سياساته الأمنية والتسليحية. فهل يريد السعوديون تقديم ذلك لحزب الله على طبق من فضة؟ أما الإجراء الثاني الذي بادرت إليه السعودية، وقد تتمادى فيه دول الخليج والذي يتمثل بطرد العديد من اللبنانيين العاملين هناك بناء على انتمائهم المذهبي، فهذا أيضا خطأ فادح، إذا اعتبر سلاحا في وجه حزب الله. والادعاء أن هؤلاء يمولون حزب الله لا يستقيم لأن أمرا كهذا لا ينبغي أن يأتي كرد فعل على سلوك بعينه أو واقعة بعينها، كالموقف الذي جر لبنانَ إليه وزيرُ خارجيته جبران باسيل في الآونة الأخيرة بخصوص ما جرى للبعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، الوزير الذي ينتمي لكتلة حليفة لحزب الله، بل كان يفترض بهذه الدول أن تمارسه عفوا بناء على معطيات مادية وقرارات قضائية واضحة وشفافة. وفي الحالة المنوّه عنها أعلاه فإن طرد أعداد متزايدة من المواطنين اللبنانيين العاملين في الخليج سيستفيد منه حزب الله بشكل كبير لجهة اعتبار حزب الله ممثلا حقيقيا لهؤلاء المواطنين من خلال احتسابهم عليه، وبالتالي دفعهم دفعا ليكونوا فعلا في صف حزب الله. وهنا، فإن حزب الله سيحتضنهم وسيؤمن، ربما، لهم عملا في قواته. هل تريدون لحزب الله أن يحشد المزيد من العناصر في سوريا أو يهدد بهم الآخرين في الساحة اللبنانية نفسها؟ وبالإضافة إلى خطورة دفع الساحة اللبنانية إلى مزيد من التأزيم ووضعها على شفى حرب أهلية حامية، وانعكاسات ذلك على المنطقة في ظل تواجد أكثر من مليون لاجئ سوري وأكثر من نصف مليون لاجئ فلسطيني، أعتقد أن على القيمين على سياسات المنطقة، المنشغلين في أكثر من ساحة، أن يعوا بدقة المخاطر الناجمة عن سياساتهم اللبنانية، والتي أعتقد جازما أنهم يعرفون تماما زواريبها ومخاطرها وتقاطعات واصطفافات وارتباطات القوى المسيطرة على ساحاتها.