حسام عيتاني: عن المؤتمر التأسيسي/نديم قطيش: ماذا تريد المملكة.. ماذا يريد لبنان؟/ وليد شقير: الغطرسة الإيرانية وعقاب لبنان//ثائر الزعزوع : نعم لبنان دولة محتلة

250

ماذا تريد المملكة.. ماذا يريد لبنان؟
نديم قطيش/الشرق الأوسط/26 شباط/16

لا يسوء المملكة العربية السعودية أن يهاجمها حزب الله، عبر مسؤوليه أو من خلال إعلامه! تغير العالم، والسعودية ليست البلاد فائقة الحساسية التي كانتها. فمن يبذل دمًا في اليمن، ويسلح في سوريا ويدعم ثروات حقيقية في مصر، بات جلده سميكًا حيال شتيمة هنا وهجاء هناك!
ما يسوء المملكة أن يصير لبنان الرسمي، أي دولته المركزية ممثلة بحكومته، منصة عدوان على المملكة وعلى الخليج عامة، تحت عناوين كاذبة تنتحل صفة المصلحة الوطنية اللبنانية! ما يسوء المملكة أن لبنان أضحى بدولته المركزية ممثلة بحكومته، ضعيفًا للحد الذي يجعل موقفه العملي أقرب لإيران وخطابها واستراتيجيتها، منه إلى العرب وهم في عز العدوان على أمنهم واستقرارهم ودولهم ومجتمعاتهم! يكفي إيران أنها تخرق الإجماع العربي، بصوت عربي من داخل الدولة وليس فقط من منابر الضاحية الجنوبية لبيروت. وفعلت! وفي التداعيات، يسوء المملكة أن موقفًا كهذا كان ليمر مرور الكرام، مصحوبًا ببيانات استنكار معدودة، لولا غضبة الرياض والخليج، التي فرضت حالة طوارئ على حلفائها في لبنان، ولا تزال تضعهم في خانة الإرباك بحيث لم يرتقِ الخطاب أعلى من خطاب الاسترضاء، والاسترحام وكنايات الأخ الأكبر والأخ الأصغر!! وقد تأكدت الرياض بعد غضبتها، أن البيان الصادر عن حكومة الرئيس تمام سلام هو تكريس فعلي لتوازن السلاح وسطوته، ليس في الحياة الوطنية اللبنانية بل عند لبنان الرسمي، أي دولته المركزية ممثلة بحكومته! هذا بالضبط ما يسوء المملكة. وهذا بالضبط مكمن الخطأ في نظرة الرياض إلى لبنان. لنعترف مرة واحدة وأخيرة أن أشياء كثيرة اغتيلت مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليس أقلها محاولة اغتيال عروبة لبنان واغتيال الدولة فيه. لبنان منذ ظهيرة 14 فبراير (شباط) 2005 ليس دولة. هو ساحة صراع مفتوح مع المشروع الإيراني نجحنا فيها حينًا وفشلنا أحيانًا. قاتلنا فيها دفاعًا عن لبناننا الذي قضى مع رفيق الحريري ورفضنا دفنه معه. وقاتلنا نيابة عن كل العرب، الذين نما حزب الله في وجدانهم ومخيلتهم قبل أن ينمو فوق رقابنا وصدورنا، وكنا نقاتله في صحافة بيروت حين كانت أعلامه ترفرف في ساحات الأزهر وقلوب العرب! ولأن لبنان ليس دولة، بل ساحة صراع مفتوح، بل الساحة الوحيدة التي كسرت حزب الله مرتين وفي عمليتي انتخاب متتاليتين، عامي 2005 و2009، أقول: إن الخطأ لم يكن في سحب الهبة، بل في منح الهبة من الأساس. فالتصور السياسي الذي أوصل للهبة، أي دعم الدولة في مواجهة الدويلة، هو نفسه التصور السياسي الذي يجعل الرياض غاضبة من الدولة حين تكتشف أنها نسخة ملطفة عن الدويلة!
أسقطوا وهم دعم الدولة التي يسيطر عليها حزب الله في لبنان، فوظيفتنا فيها كلبنانيين هي حماية الحد الأدنى منها ليوم سيأتي ويتحرر فيه لبنان من الاحتلال الإيراني! وحمايتها ليست بالدعم الاستثنائي لمؤسساتها القائمة والمستتبعة، بل بتمتين المشروع السياسي المواجه لحزب الله!
لنسمِّ الأشياء بأسمائها. بأقل من أربعة مليارات بكثير يمكن دعم مشروع سياسي حيوي ونشط في لبنان في مواجهة دويلة الحرس الثوري، سياسة وإعلامًا وتنمية. فلبنان ملعب سياسي وإعلامي قبل أي شيء. نعم حزب الله يعرف أن رهان خصومه على الدولة لذلك يضعفها ويضعف مشروعهم السياسي من خلال الاعتداء عليها وبهدلتها واستتباعها! لا طائل من الاستمرار في معركة دعم الدولة إلا بالحدود التي تسمح ببقاء الهيكل واقفًا، وهذا لا يتطلب مليارات للجيش الذي يترجم إرادة سياسية بعدم الاصطدام بحزب الله لا الآن ولا بعد عشرات المليارات!
سأكون صريحًا. إن شعور الكثير من اللبنانيين من حلفاء المملكة حيالها، يشبه شعور الكثير من السعوديين حيال أميركا. شعور بالفقد والتخلي وسوء الفهم المتبادل. فالبلد متروك عمليًا منذ ما قبل انتخابات العام 2009، وقدرته على الصمود تضعف كثيرًا!
وإذ ينظر اللبناني حوله ويرى سوريا والعراق، أي الساحات الفعلية للمواجهة مع إيران، لن يتشجع لمغامرات غير محسوبة ولا تندرج في سياق مواجهة متفاهم عليها، لأنه سيكون الخاسر بسبب توازن القوى الحالي، ويفقد لبنان بالتالي آخر صمام أمان يمنعه من السقوط التام في قبضة إيران.
ما لا يريد أن يعترف به أحد أن لبنان يعيش حربًا أهلية باردة يُلبسها اللبنانيون كل أنواع الأقنعة إلا قناعها الحقيقي. المعركة الآن هي معركة إعادة التوازن إلى الساحة اللبنانية، لحماية الدولة لاحقًا. الساحة أولاً. وهذا يبدأ بإزالة الشكوك وترميم الثقة والتخفف من الأوهام والدعم الصحيح في المكان الصحيح والإقلاع عن «استراتيجية الزعل»! لبنان العرب لم يقصر في معركة لبنان والعرب ولا حاجة لإعادة سرد رواية الدم منذ خريف العام 2004 وحتى اغتيال الحبيب محمد شطح! أخشى أن ترتكب المملكة مع لبنان الخطأ الاستراتيجي الذي ارتكبته مع العراق، ما رماه فريسة كاملة لإيران! فما لا يؤخذ كله لا يترك جله. وما لا تؤخذ دولته إلى خياراتها الطبيعية لا تترك ساحته للهزيمة المحققة.ساحة لبنان تقول: وا سلماناه.

الغطرسة الإيرانية و«عقاب» لبنان
وليد شقير/الحياة/26 شباط/16
تتنازع اللبنانيين، سياسيين وجمهوراً، تيارات وتقديرات متناقضة في التعاطي مع الأزمة الناشئة بين بلدهم وبين المملكة العربية السعودية، غير المسبوقة والخطيرة والمرشحة للتصاعد، خلافاً للآمال بإمكان احتوائها. أولاً: مع أن قطاعاً واسعاً من اللبنانيين يدرك خطورة الأزمة وآثارها السياسية والاقتصادية، فإن قلة منهم تستوعب المستجدّ في هذه الأزمة مقارنة مع سابقاتها التي عولجت في العقود الماضية باعتبارها «غيمة صيف». ولم يسبق لأي أزمة بين البلدين أن اقترنت بخروج القيادة السعودية عن سياستها التقليدية في مواجهة التوترات الإقليمية باعتماد الديبلوماسية الهادئة وتجنب الحروب، لمصلحة خوض المواجهات العسكرية وتحريك آلتها العسكرية خارج أراضيها دفاعاً عن نفسها في إطار الحرب التي تشنها إيران عليها عبر الأدوات التي نجحت في اصطناعها على مدى العقود الماضية، وصولاً الى حديقتها الخلفية، اليمن. عدم إدراك جوهر هذا التحول ودخول المملكة في مواجهة للمرة الأولى مع دولة أجنبية، يدفع حتى بعض من يصنَّفون في خانة أصدقاء السعوديين التاريخيين، الى وصف الأزمة بأنها «غيمة عابرة»، فيما هي أعمق بكثير. وبات على هذا البعض ألا ينتظر من الجيل الجديد الفعال في المملكة تغليب العاطفة التي تحلى بها الجيل الثاني من حكامها وأمرائها تجاه لبنان، الذي أمضوا جزءاً من حياتهم فيه وأعجبوا بمشهده الاجتماعي- السياسي وأقطابه الذين رحلوا. الجيل الثالث، مهما كان تقييم البعض لسياساته، لغة المصالح والبراغماتية عنده تغلب عامل العاطفة حيال لبنان عند الجيل الثاني، الذي بدوره أخذ يستغرب هذا التبدل في المشهد السياسي اللبناني الذي عرفه وخبره وانبهر فيه أحياناً، فاستحال مشهداً هابطاً يفتقد في العديد من وجوهه الى الكفاءة والحنكة والتبصر، ويغلب عليه الصراخ وممارسة الشأن العام بالتبعية لأجهزة المخابرات وتوسل العصبية والشعبوية. بات حديث الجيل السعودي الثاني يبدي العاطفة تجاه لبنان من باب الحنين الى بلد اختفت نكهة الحيوية في حياته السياسية، وتراجع بناء عليه معيار أساسي من معايير التعاطي مع لبنان.
ثانياً: هناك من يعتقد في صفوف أصدقاء السعودية، أن طموح القيادة السعودية أن تواجه الحكومة اللبنانية محاولات «حزب الله» وإيران «مصادرة قرار الدولة»، كما جاء في بيان الرياض عن وقفها المساعدات العسكرية للجيش وقوى الأمن، تنقصه القدرة لدى حلفائها وأصدقائها، فانكفاء المملكة على مدى السنوات السابقة عن لبنان، وخصوصاً منذ عام 2011 (بعد فشل ما يسمى السين- سين)، شمل عدم دعم حلفائها وأصدقائها في لبنان، الأمر الذي فعلت عكسه إيران، فواصلت استثمارها لكسب النفوذ على الساحة اللبنانية سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، فدربت فيه ميليشيات ومجموعات وأطلقت فضائيات إعلامية لخدمة مشاريعها الإقليمية، بالتوازي مع تأمين مستلزمات انخراط «حزب الله» في الحرب السورية، هذا فضلاً عن التسويات التي اضطرت حلفاء السعودية في لبنان وأصدقاءها إلى تقديم التنازلات، نظراً إلى اختلال ميزان القوى بينهم وبين حزب يستخدم قوة سلاحه في بسط نفوذه داخل مؤسسات الدولة وفي الحياة العامة، بما يخدم مستلزمات انغماسه في الحروب التي يخوضها. وفيما برر حلفاء الرياض التسويات التي عقدوها برهانهم على الدولة، فإن قرار السعودية دعم الجيش اللبناني في هذا السياق بالهبتين اللتين قررتهما للجيش، لم يغير من واقع اختلال ميزان القوى. ثالثاً: إن جزءاً من الطبقة السياسية يدفن أصحابه رؤوسهم في الرمال في التعاطي مع الأزمة الناشئة بين لبنان والمملكة، لا سيما قيادة «حزب الله»، حين يحيّد الأنظار عن أسباب القرارات السعودية حيال لبنان الى ما يعتبره «مأزق اليمن»، ويتهكم على حملة التضامن اللبناني مع المملكة. فسياسة التعمية على عمق الأزمة هي في الوقت نفسه للتعمية على المأزق الذي غرق فيه الحزب نفسه في اليمن وغيره، والذي ازداد رسوخاً مع إعلان الحكومة اليمنية عن وثائق تدخله هناك، ومن ضمنها القتال على الحدود السعودية، ليضاف ملف إلى ملفات تدخله في أماكن أخرى من العالم أوجبت إجراءات مالية وعقابية ضده. فالحزب ينفذ خطط طهران الإقليمية ويترك للبنانيين حصاد مفاعيلها على حياتهم ليشملهم العقاب، وهو يعتمد على حلفاء يتعاطون مع الأزمة عبر التلاعب بالألفاظ لأهداف تتعلق بالترشح للرئاسة والحرص على دعم هذا الترشح، ما يدخل الأزمة المستجدة مع المملكة في حسابات صغيرة تغرق لبنان في الأزمة أكثر فأكثر. والغطرسة الإيرانية في استخدام لبنان تجعل الذين ينفذون سياستها عاجزين عن إدراك خطورتها، لأنها تناصب دولاً العداء وتنكر عليها رد الفعل. أي من هذه التقديرات كاف لاستنتاج أن الأزمة الراهنة ليست قريبة الحل.

نعم لبنان دولة محتلة
ثائر الزعزوع /العرب/26 شباط/16
عام 2012 اضطررت بعد خروجي من الاعتقال في سجون النظام السوري للتوجه إلى لبنان بغرض السفر إلى فرنسا، كوني لا أستطيع السفر من مطار دمشق الدولي، وكان بانتظاري على الجانب الآخر من الحدود اللبنانية أحد الأصدقاء والذي قام بنقلي بسيارته إلى مطار رفيق الحريري، ولم يخف طيلة الطريق إلى المطار خوفه من أن تقوم عناصر حزب الله بإيقافنا واعتقالي من جديد وإعادتي إلى سوريا، لأن لديها قوائم بالمطلوبين للنظام السوري، وعندما وصلنا إلى المطار ازداد خوفه، فالمطار خاضع بشكل شبه كلي لسيطرة عناصر حزب الله، وقد استخدم الصديق علاقاته الطيبة ببعض الأشخاص العاملين في المطار من أجل ضمان سفري بسلام، وهذا ما حدث. اليوم بدأ سؤال في ما إذا كان لبنان دولة مستقلة يعود للطرح مجددا لا من قبل ساسة ومراقبين عرب، بل من قبل اللبنانيين أنفسهم، وهم الذين احتفلوا عام 2005 كل على طريقته بالتخلص من زمن الوصاية السوري الذي استمر قرابة ثلاثة عقود خسر لبنان خلالها استقلال قراره السياسي، كما خسر، اغتيالاً، عددا من سياسييه ومثقفيه الذين كانوا يسعون لمداواة جراح البلد الخارج من حرب أهلية مرهقة، لم تبتدئ القائمة برئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ولم تنته بالصحافيين جبران تويني وسمير قصير، إلا أن فرحة الاستقلال الثاني كما يسميه اللبنانيون لم تكتمل، لأن الوصاية والتدخل السوري في الشؤون اللبنانية لم يتوقفا يوما، واستمر حزب الله يمارس دوره الذي أوجد بسببه، وهو إخضاع الدولة اللبنانية للوصاية الإيرانية عابرة الحدود بحجة محاربة إسرائيل، وتحرير الأراضي المحتلة وصولا إلى بيت المقدس. لكن هذا الوعد الأسطوري لم يتحقق منه شيء على أرض الواقع، فيما أصبح لبنان محتلا بشكل كامل من قبل إيران، وباتت المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الله أشبه بالمستوطنات الإيرانية التي لا تستطيع الدولة اللبنانية إدارتها، أو ملاحقة المجرمين المطلوبين فيها، مثل الرباعي المتهم من قبل المحكمة الدولية الخاصة بالوقوف وراء اغتيال رفيق الحريري، بينما يقع عليها اللوم في حال تعرضت تلك المستوطنات لأي خلل كما حدث إبان التفجيرات التي ضربت بيروت الجنوبية في نوفمبر من العام الماضي. وإذا كنت ومن خلال تجربة شخصية أستطيع أن أجزم أن لبنان دولة محتلة من قبل إيران، فإن هذه الحقيقة، التي باتت معروفة للجميع، كانت تؤرق العديد من الدول العربية، الخليجية منها على وجه الخصوص، والتي كانت قد رصدت زخما استثماريا لا يستهان به للبلد الخارج من أتون حرب أهلية، والذي يمثل قبلة سياحية عربية وعالمية، لعديد من الأسباب، لكنه وخلال السنوات الأخيرة فقد تلك الخصوصية وتحولت شوارعه إلى مصب للقمامة وتعطل قراره السياسي بشكل كامل، وباتت حكومته عاجزة عن تشكيل لجنة لحل مشكلة القمامة المتفاقمة، ناهيك عن إصدار بيان إدانة للعمل الهمجي الذي استهدف سفارة وقنصلية المملكة العربية السعودية في طهران ومشهد. ورغم المحاولات التي بذلتها العديد من القوى السياسية، تيار المستقبل على وجه الخصوص، لإعادة حزب الله إلى الحارة اللبنانية من خلال عملية سياسية متوازنة، إلا أن إرادة الولي الفقيه كانت أقوى من أي انتماء أو ولاء وطني، وقد تبع حزب الله غريزته الطائفية وانقاد إلى المشروع الإيراني، ووضع لبنان في فوهة النار السورية المشتعلة من خلال تدخله إلى جانب قوات النظام، ومشاركته في قتل الشعب السوري، وصولاً إلى مساهمته في دعم ميليشيات الحوثي في اليمن، ومحاولته العبث بأمن مملكة البحرين ودولة الكويت. وكانت دول مجلس التعاون الخليجي قد تنبهت لخطر حزب الله وصنفته منظمة إرهابية، ونبهت من خطره على المحيط العربي، إلا أن الخطوة السعودية الأخيرة بإلغاء المنحة التي كانت مقررة للنهوض بالجيش اللبناني ودعمه، يمكن النظر إليها على أنها خطوة متقدمة في اتجاه محاصرة آفة حزب الله التي تفتك بالجسد اللبناني ولا يمكن اعتبارها موجهة ضد لبنان أو شعبه، فما قدمته الرياض على مدى عقود للدولة اللبنانية أكبر من أن يتم نسيانه. ولأن الحزب الذي يتصرف مثل عصابة خارجة على القانون قد لا يتورع عن الاستيلاء على أي أسلحة وتجهيزات قد يتم تسليمها للجيش اللبناني، وقد تلقت العديد من القوى اللبنانية رسالة الرياض واضحة غير مشفرة، بأن حزب الله خطر على لبنان وعروبته وقد أخذ حجما أكبر مما يستحقه ولا بد من تشكيل تحالف لبناني في وجهه من أجل إعادته إلى حجمه الطبيعي، وإلا سيجد لبنان نفسه يبحث عن أطلال عروبته كما تبحث الأحواز منذ عقود طويلة.

عن المؤتمر التأسيسي
حسام عيتاني/الحياة/26 شباط/16
يرفع «حزب الله» وأنصاره في لبنان سلاح الدعوة الى مؤتمر تأسيسي في وجه تلويح تيار «المستقبل» بالاستقالة من الحكومة الحالية. يقول الحزب ان الآخرين مضطرون الى القبول بواحد من خيارين لا ثالث لهما: إما القبول بالدور والنفوذ والتمدد الذي يمارسه في مؤسسات الدولة اللبنانية وإما سيقلب الطاولة على الجميع ويفرض حله الخاص. في المبدأ، تبدو فكرة المؤتمر التأسيسي ضرورية في المرحلة هذه التي بلغها الاجتماع السياسي اللبناني من ناحية التفكك وعجز السلطات التنفيذية عن أداء أبسط مهماتها. اتفاق الطائف الذي يكرر أقطاب «14 آذار» تمسكهم به انتهى بعد احتضار طويل سببته الوصاية السورية وعدم الالتزام بنص وروح الاتفاق ناهيك عن تغيرات عميقة في المشهد الدولي الذي احتضن «الطائف» حيث انكفأت الولايات المتحدة وبات راعياه الاقليميان، المملكة العربية السعودية والنظام السوري في حالة عداء صريح. لبنان إذاً في حاجة الى اعادة صوغ نظامه السياسي للخروج من ازمته التي مرّ عليها أكثر من عقد من الزمن. إدارة النظام على الطريقة التي جرى اعتمادها بعد الانسحاب السوري في 2005 لم تزد عن كونها اداة لتوليد المآزق والازمات عند كل استحقاق انتخابي، نيابي او رئاسي، على ما يشهد الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية المستمر منذ حوالى العامين والمجلس النيابي المعطل والممدد لنفسه منذ عامين ونيف. الاعتقاد بقدرة لبنان على الخروج من ازمته البنيوية هذه من دون وقوع خضات سياسية وربما امنية كبيرة او تدخل خارجي كثيف، اعتقاد ساذج. ذلك ان سياسات الهوية وضعت لبنان في طريق مسدود لا مجال فيه إلا للصدام والعنف كمخرج وحيد من الجمود الخانق الحالي. واحدة من معضلات سياسات الهوية قيامها على التعامل مع مكونات «جوهرانية» لا تقبل التغير وثابتة في مكانها وزمانها، وليس على ادارة الاختلاف بين قوى واعية لمصالحها ولإمكان تبدل هذه المصالح. بيد أن «حزب الله» بطرحه فكرة المؤتمر التأسيسي لا ينطلق من هاجس تصحيح الأخطاء ومكامن الخلل التي عانى منها اتفاق الطائف، بل يرمي الى تغيير التوازنات السياسية التي أرساها الاتفاق المذكور ومنها نقل السلطة السياسية من رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء مجتمعاً. اختزل رئيس الوزراء (السني) في مراحل معينة السلطة في شخصه وهمّش رئاسة الجمهورية وبقية اعضاء مجلس الوزراء لكن هذه ستكون مشكلة بسيطة مقارنة بالكم الهائل من المشكلات التي سيطرحها المؤتمر التأسيسي لناحية الاضطرار لاعادة تشكيل عقد اجتماعي وسياسي جديد في لبنان المنقسم والواقف على شفير الهاوية. غني عن البيان أن الحزب عندما يتناول هذا المؤتمر لا يقصد تحسين التمثيل المسيحي او تغيير شكل النظام الاقتصادي – الاجتماعي وبناء دولة الرفاه، بل يهدف الى إفهام السنّة اللبنانيين أنه وحلفاءه المسيحيين باتوا يشكلون اكثرية عددية وسياسية ينبغي لها ان تحصل على حصة مُقررة في السلطة. وهو يعلن أن الاصطفاف السني- الشيعي ضد المسيحيين اثناء الحرب الأهلية الماضية قد انتهى وظهر مكانه اصطفاف شيعي – مسيحي ضد السنّة. وعلى هؤلاء ان يرضخوا لهذه المعادلة بعد هزيمة المعارضة السورية المسلحة وبعد انفكاك العرب عن لبنان. وما من داعٍ للتذكير ان «المواطن» اللبناني لن يجني شيئاً من تغيير مشابه، لا على المستوى المعيشي ولا الاجتماعي، اللهم باستثناء ازدياد الخطب النارية التي تُبشّر بقرب الوصول الى القدس التي مرت طريقها في الزبداني والحسكة.
بكلمات ثانية، سيعمل رعاة المؤتمر التأسيسي المقبل، إذا حصل، على تكريس مرحلة طويلة ودموية من صراعات الهوية والطوائف والملل المتناحرة.