وسام سعادة: حزب الله مسألة لبنانية وإقليمية دولية في آن/غسان شربل: معركة موقع لبنان/د. شمسان بن عبد الله المناعي: السعودية تقرع الجرس للبنان

281

حزب الله» مسألة لبنانية وإقليمية دولية في آن
وسام سعادة/المستقبل/22 شباط/16

«حزب الله» مسألة. مسألة ليست هي تماماً نفسها إنْ نظر إليها في سياقها اللبناني، أو في دائرتها العربية، أو في بعدها الدولي. وهي مسألة مستعصية طالما ظلّ الرهان على حل هذه المسألة لبنانياً فقط، أو عربياً فقط، أو دولياً فقط. لكن الاستعصاء سيخفّض درجة، وتصبح مسألة «عويصة» فحسب إذا ما جرى البحث عن نهج يربط بين الأبعاد الثلاثة، اللبناني والإقليمي – العربي والدولي لهذه المسألة. فـ»حزب الله» في إشكاله اللبناني، هو تنظيم تعبوي مسلّح له قاعدة جماهيرية موالية له، وهو تنظيم يلتزم بالطاعة الحديدية داخله، وبالتكليف الشرعي كرابط بين قيادته وجهازه الأمني التعبوي وبين قاعدته ومناصريه، وهو تنظيم أعفى نفسه، بل أعفته الوصاية السورية، من حل الميليشيات – أحد أسس اتفاق الطائف. وبالتالي أعفى نفسه من نهاية الحرب الأهلية، ويجسد من ثم استمرارها، ولو من جانب أساسي واحد. وهو الحزب الذي يقود بالنتيجة منذ انسحاب الجيش السوري مشروعاً تغلّبياً مذهبياً، مؤدلجاً، يجد في نظام الملالي الإيراني صورته المشتهاة ومادته التطبيقية. هو في الوقت نفسه حزب تصدّر مشهدية تحرير الجنوب، الذي سوّغ باسمها إعفاء نفسه من التوافق الوطني على حل الميليشيات، وكان تمكّن قبل ذلك من إلغاء المقاومة الوطنية، ومن تقويض نفوذ حركة «أمل« في الضاحية، والجنوب، والبقاع. حصّل في التسعينات نوعاً من التفاف وطني حول كفاحه جنوباً، لكنه اعتبر نفسه في حلّ من أي منطق دولتي بعد التحرير، وفي حلّ من أي إجماع وطني، ومصادراً قرار الحرب والسلم، وفي عملية تحايل مفضوحة على ماهية الدستور نفسها، حين يشترط التوافقية المطلقة حينما يرتأي ذلك، أو يكتفي بقراره هو حين يريد ذلك.
لكن الحزب لو كان فقط مجرد حزب تدعمه وتموّله إيران كي يقود مشروع هيمنة لطائفته على بقية اللبنانيين ويبني نظاماً موالياً لإيران في لبنان لكانت مشكلته قابلة للحل في سياقها اللبناني كحسب. كان في أسوأ الحالات سيستولي على السلطة ويطرح تجربته ويتكفل الواقع بامتصاصها تدريجياً.
لكن الحزب يتجاوز الحسبة المحلية. لا يمكن فهمه إلا بتشبيهه بـ»سرايا المقاومة» التي تتبع له ويسلّطها على مناطق معروفة بمناهضته. هو بمثابة «سرايا المقاومة» حيال «الحرس الثوري الايراني». هو الفرع العربي من الحرس. وفرع حيوي جداً لأن السياسات الإيرانية تجاه معظم البلدان العربية تتقاطع مع دور ما لـ»حزب الله«. لبنانياً، سلاحه أعفى نفسه من نهاية الحرب الأهلية، وواصلها على طريقته. عربياً هو شبكة عابرة للعواصم والبلدان.حتى الساعة، ظلت محاولات مقاربته لبنانياً منفصلة عن التشكّي منه عربياً، والعكس صحيح. التطورات الأخيرة، والقرارات السعودية الواضحة الاتجاه، يفترض بها على العكس من هذا أن تفتح الطريق للمواءمة بين النضالات اللبنانية ضد تغلبية «حزب الله» والتزامه خطط إيران وبين السياسات العربية، لأن حل مشكلة «حزب الله» تكون لبنانية، عربية، دولية، في وقت واحد، أو لا تقدم في اتجاه الحل.

 

معركة موقع لبنان
غسان شربل/الحياة/22 شباط/16
لاحظت أن فؤاد بطرس وزير خارجية لبنان السابق، الهادئ والمتحفظ، ضغط مرات عدة بيده على جبهته وكأنه يطالب ذاكرته بالاستيقاظ التام والإنصاف الكامل. شعرت بشيء من الحرج. قلت له: «أخشى أن أكون أزعجتك بالأسئلة». أجاب: «لا أبداً لكن حين يتحدث مسؤول سابق مثلي عليه أن يكون أميناً ودقيقاً. لا يحق لنا أن نخطئ بحق الحقيقة والبلد والأشخاص». عاد إلى بالي مشهد فؤاد بطرس، رحمه الله، حين رأيت وزير خارجية لبنان الحالي جبران باسيل يتخذ في الاجتماعين العربي والإسلامي الموقف المؤسف من مسألة الاعتداء على المقرات الديبلوماسية السعودية في إيران. كان على الوزير أن يأخذ في الاعتبار البديهيات التي يجب أن تحكم الموقف اللبناني. وهي أن لبنان بلد عربي درج على الإفادة من الدعم السعودي السياسي والمالي كلما عصفت به الأزمات أو الأخطار. وكان عليه أن يفكر بمصالح مئات آلاف اللبنانيين العاملين في السعودية والخليج. وأن يتوقع كوزير للخارجية أن لا تتبنى السلطات الإيرانية نفسها ممارسة من هذا النوع. وكانت الحصافة تقضي أن لا يعتبر نفسه أقرب إلى إيران من وزير خارجية العراق الذي أيّد قرار الإدانة. تمنّيت يومها لو أن الوزير باسيل قرأ يوم جلس في مكتب فؤاد بطرس مذكرات الأخير وحواراته.
لا أريد المبالغة في تحميل باسيل المسؤولية. إنه وزير في حكومة تشبه سفينة مثقوبة تعاند للبقاء على قيد الحياة في جمهورية سائبة مقطوعة الرأس. كان عليه ببساطة قبل الذهاب أن يصوغ مع رئيس الحكومة تمام سلام موقفاً يراعي هويّة لبنان ويحفظ مصالح اللبنانيين. لكن الحكومة حكومات والجمهورية جمهوريات. وإذا كانت تحكّمت بموقف الوزير رغبته في الحفاظ على الحظوظ الرئاسية لعمّه العماد ميشال عون فإن رصاصته أصابت هذه الحظوظ قبل أن تصيب غيرها. كان موقف باسيل من قماشة المواقف التي تفوق قدرة لبنان على الاحتمال. فالوزير يعرف بالتأكيد الدور الذي لعبته السعودية في إنهاء الحرب في لبنان عبر اتفاق الطائف. ويعرف مساهماتها في تجنيبه الاختناقات المالية. ويعرف أن خصوصية هذه العلاقة دفعت السعودية إلى الإعلان عن مساعدة غير مسبوقة للجيش اللبناني وقوى الأمن. وكان يفترض بالوزير أن يعرف أيضاً أن السعودية تشعر اليوم بأنها مستهدفة بمحاولات تطويق واستنزاف ترمي إلى تهديد موقعها ودورها واستقرارها ما دفعها إلى مغادرة سياسة الصبر إلى سياسة الرد والقرار. أعرف «أن القصة أكبر من باسيل». أكتب بعدما سمعت كلاماً صعباً من رجل عاقل محب للبنان. قال: «كنا نعتبر لبنان شرفة عربية ومصدر إلهام في التعايش وقبول الآخر والانفتاح. للأسف لقد تغير لبنان».
وأضاف: «لنكن واقعيين. هناك معركة حول موقع لبنان الإقليمي ترشّح هذا البلد لخسارات كبيرة. يقف الخليجيون اليوم على عتبة اليأس من قدرة لبنان على الاحتفاظ بموقعه كبلد عربي يعيش تحت سقف الإجماع العربي محتفظاً بعلاقاته مع معسكر الاعتدال العربي».
ورأى «أن معركة موقع لبنان بدأت قبل اندلاع الحريق السوري. يمكن إيراد محطات عدة في هذه المعركة. اغتيال رفيق الحريري لم يكن حدثاً عابراً وله علاقة بدوره في تثبيت موقع لبنان العربي. حرب 2006 محطة أخرى كانت ترمي في جانب منها إلى التغلب على آثار الانسحاب السوري من لبنان وتكريس «حزب الله» وكيلاً للدورين الإيراني والسوري في لبنان. منع الحكومات التي شكّلت بعد الانسحاب السوري من الحكم والاستقرار كان جزءاً من معركة الموقع». وقال: «حاولت السعودية إنقاذ سورية ولبنان من الانزلاق إلى موقع مناقض لطبيعتهما ومصالحهما. هذه كانت الفكرة الحقيقية وراء ما عرف بالـ «سين سين» أي السعودية وسورية. كان الغرض إعادة التوازن إلى سياسة سورية الإقليمية بعدما أخذها بشار الأسد وبتأثير من «حزب الله» إلى موقع التطابق مع السياسة الإيرانية في الإقليم. وكان الغرض أيضاً تصحيح العلاقات السورية – اللبنانية وحفظ الموقع العربي للبنان. تنبّهت إيران إلى هذه المحاولة وتولّى «حزب الله» بموافقة سورية إحباطها». وأضاف: «كانت السين سين فرصة لنظام الأسد وكانت فرصة للبنان لكنها ضاعت. الآن تغيّر لبنان وتغيّر الخليجيون أيضاً. إنهم ليسوا جمعية خيرية خصوصاً حين ينخرط لبنانيون في سياسة استهداف السعودية ومحاولات تطويقها ويتابعون مصادرة القرار اللبناني لترسيخ موقع لبنان في الهلال الإيراني. قرار السعودية مراجعة علاقاتها مع لبنان هو ترجمة لسياسة جديدة تقوم على مواجهة محاولات تكريس الأمر الواقع الإيراني في أكثر من عاصمة عربية. على اللبنانيين أن يختاروا ولكل خيار ثمن». أعرف «أن القصة أكبر من باسيل وأكبر من لبنان لأنها تتعلق بمستقبل التوازنات في الإقليم». لكن موقفه كان الشرارة التي استدعت الموقفين السعودي والخليجي وأدّت إلى تظهير المعركة الدائرة حول موقع لبنان. واضح أن لبنان يقف على أبواب معركة داخلية صعبة. يضاعف من التعقيد أن الحل في سورية لن يكون بالضربة القاضية. وأنه سيكون روسياً لا إيرانياً. ومطالبة موسكو الأسد بالاستماع إلى نصائحها كثيرة الدلالات. لا عودة إلى سورية السابقة. فهل تصرّ إيران على الحصول على التعويض في لبنان؟ معركة موقع لبنان لن تكون سهلة أبداً وقد تعزّز الافتراق بين «الأقاليم» اللبنانية.

السعودية تقرع الجرس للبنان
د. شمسان بن عبد الله المناعي/الشرق الأوسط/22 شباط/16
مواقف السعودية المساندة للبنان لا تخفى على أحد، فالسعودية هي التي أوقفت الحرب الأهلية في لبنان والتي كانت قد بدأت في عام 1975، واستمرت خمسة عشر عامًا حصدت الأخضر واليابس. وبعد نهاية هذه الحرب ساهمت السعودية في بناء البنية التحتية في لبنان بعد خرابها ولا تزال، إذ قدمت منذ عام 2001 دعمًا للبنان يزيد على 28.25 مليار ريال سعودي توزعت على منح ومساعدات وقروض وودائع، ولكن أن تقابل الحكومة اللبنانية كل ذلك وعلى المنابر العربية والإقليمية والدولية في ظل مصادرة ما يسمى حزب الله اللبناني لإرادة الدولة، كما حصل في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي، من عدم إدانة الاعتداءات السافرة على سفارة المملكة في طهران والقنصلية العامة في مشهد، فتلك ردود فعل كان على الحكومة اللبنانية أن تتداركها قبل فوات الأوان، ولذلك لا يلوم أحد السعودية عندما أوقفت المساعدات المقررة للجيش اللبناني لشراء أسلحة فرنسية وقيمتها ثلاثة مليارات دولار أميركي، بسبب «المواقف اللبنانية المناهضة» للمملكة في أزمتها مع إيران. وإذا بقي شيء تفعله حكومة لبنان فهو تحييد دور «حزب الله» الذي صادر الدولة في لبنان وشرعيتها وجاء الوقت الذي تواجه فيه «حزب الله» الذي كان ولا يزال مصدرًا للمشكلات التي تحل بلبنان بدءًا من حرب فرضها على لبنان تمثلت في العدوان الذي قامت به إسرائيل على لبنان عام 2006 دمرت فيها إسرائيل البنية التحتية للدولة اللبنانية، وانتهاءً بمشكلة القمامة التي أخفت الوجه الحضاري للبنان. عبارة «إن لبنان ينأى بنفسه» التي يرددها رئيس وزراء لبنان كلما حدث شيء في المنطقة العربية ما عاد يشفع لها أن يكون للبنان موقف إيجابي عربي ليس فقط تجاه السعودية ولكن تجاه كل قضايا العرب ليعي قادة لبنان الموقف الذي هم فيه ويتصرفوا على أساسه، حيث إن لبنان دولة مستقلة ذات سيادة وهو الآن على مفترق طريقين: إما أن يظل رهينة لـ«حزب الله» وإيران، وعندما يسلك لبنان هذا الطريق عليه أن يتحمل تبعية هذا الموقف وردود فعله من قبل الدول العربية.. وما الموقف الذي اتخذته السعودية إلا بداية لسلسلة مواقف سوف تتخذ ضد لبنان ليس من السعودية فقط وإنما من الكثير من الدول العربية وخاصة دول الخليج العربي التي تعد أكبر الدول العربية استضافة للجالية اللبنانية، إذ يقدر عددهم بـ500 ألف لبناني يحولون نحو 6 مليارات دولار سنويًا إلى لبنان، فيما حجم الأعمال التجارية المملوكة لرجال أعمال لبنانيين في دول الخليج يقدر بـ50 مليار دولار سنويًا والأيام القادمة سوف تكشف ماذا سوف تكون عليه ردود فعل دول الخليج تجاه لبنان. والطريق الآخر أن يسلك لبنان الطريق الأسلم، وهو أن يكون لبنان عربيًا ويقوم بتحييد نفوذ «حزب الله» على الدولة وينتخب رئيسًا للجمهورية يساوي بين كل الأحزاب والطوائف اللبنانية ويملك القوة ويكون لديه رئيس وزراء كالراحل رفيق الحريري «الذي نهض بلبنان». هل تستوعب حكومة لبنان الدرس السعودي وتقف مع الصف العربي قولاً وفعلاً؟ أم تكون كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال خوفًا من «حزب الله» الذي أصبح يثير الفتن ليس في لبنان فحسب إنما في الكثير من الدول العربية وبذلك يخسر لبنان وجوده كدولة ويخسر العرب.. هذا ما سوف تكشف عنه الأيام القليلة القادمة!