جمال بنون: لبنان ضيّع الطريق/ساطع نور الدين: لبنان لن يكون إيرانياً/سابين عويس: القرار السعودي ليس وليد ساعته والسلطة كانت تعرف ولم تتحرك

264

لبنان ضيّع الطريق
جمال بنون/الحياة/22 شباط/16

في 30 أيلول من عام 1989 دعت السعودية كل الفصائل اللبنانية على أرضها لوقف نزف الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، واستمرت أكثر من 15 عاماً، وحصدت أكثر من 200 ألف قتيل في نزاع شاركت فيه قوى وأطراف عدة، وكان المتضرر الوحيد من هذه الحرب الأهلية، المواطن اللبناني المغلوب على أمره لصراعات طائفية وسياسية. وقتها دعا الملك الراحل الملك فهد بن عبدالعزيز هذه الفصائل إلى تحكيم العقل والمنطق والبحث عن مصلحة لبنان أولاً، هذه الدعوة التي استجابت لها القوى المتنازعة شاركت في ما يسمى اجتماع الطائف، حيث وضعت خريطة طريق لإعادة إعمار لبنان.
لم ينته دور السعودية إلى حد اجتماع الطائف، بل دعمت هذه المصالحة الوطنية، وكانت فاعلاً في استقرار لبنان وإعادته كبلد بكامل صحته سياسياً واقتصادياً في صفوف الجامعة العربية والمنصات الدولية، وأسهمت بشكل مباشر في إعادة إعمار لبنان، وأرسلت العديد من المستثمرين ورجال الأعمال، وفتحت خزائنها لدعم الوحدة اللبنانية، وأسهمت في مشاريع تنموية، كل هذا من أجل أن يعود لبنان الوطن لكل اللبنانيين، وإيماناً من السعودية بمكانتها العربية والإسلامية أنفقت بسخاء من دون تحيز لأي طرف أو حزب، ولا تزال.
في المقابل تفرغ بعض من السياسيين مدفوعين من جهات خارجية، الذين لا يهمهم استقرار لبنان وعروبته وأصالته، إلى الكيل بمكيالين ضد السعودية، إما باتهامها أو التقليل من دورها، وفيما كانت لبنان تتعافى من حربها الأهلية وبدأ اللبنانيون يتنفسون الحياة والحرية والأمان، بعد اجتماع الطائف، وتحملت الحكومة السعودية الكثير من بعض السياسيين المراهقين الذين تفرقوا للطعن في نوايا السعودية ودورها السياسي والاقتصادي، البعض رأى أن السعودية تريد أن تهيمن وتسيطر على لبنان في مقابل الدعم الذي تقدمه، والبعض الآخر وجدها فرصة لإشعال لهيب الطائفية ما بين السنة والشيعة.
تعالوا نتحدث بصراحة، إذا كان اللبنانيون يرون أن السعودية تمثل غالبية السنة في العالم الإسلامي، فهل يرى اللبنانيون أن المذهب الشيعي بالطريقة الإيرانية هو الطريق الصحيح، وأن الاعتراف بولاية الفقيه والثورة الإيرانية هو الملاذ الآمن لهم، فماذا كانت النتيجة التي خرجت منها سوى تقسيم المجتمع اللبناني واتساع الخلاف المذهبي، وإذا نظرنا بمنظور سياسي واقتصادي ماذا كسبت لبنان حينما توسعت في اعترافها بإيران كمرجع ديني وسياسي ويجب أن يعمم لكل البلاد.
المراقب للأحداث السياسية في لبنان، يتأكد أن السيطرة الإيرانية توسعت وشملت كل مفاصل الحكومة والسياسيين والمستفيدين من حال الاضطراب التي تعيشها من قلق سياسي واقتصادي. لم يجن اللبنانيون من الحضن الإيراني سوى العديد من الاضطرابات السياسية، كنا سنفتخر ونفرح بلبنان لو أنها بالفعل استثمرت العمق الإيراني لديها وبنت لبنان المنهار ومنحت المواطن اللبناني حياة كريمة وجعلت العيش معاً مع بقية الطوائف وبنت اقتصاداً قوياً كما فعلت دول عدة حينما تخرج من حرب أهلية، تتماسك ويشتد عودها، فماذا جنت لبنان وماذا ربحت خلال 3 عقود بعد الحرب الأهلية.
بحسب التقارير الاقتصادية، فإن الاقتصاد اللبناني يمر بمرحلة صعبة نتيجة أن الدولة تفقد موارد إيراداتها من المرافق العامة، على سبيل المثال الكهرباء بلغ العجز في موازنة الكهرباء 50 في المئة، وتعاني المرافق العامة صعوبات مالية، فضلاً عن الظروف السياسية في البلاد التي أسهمت في عدم الاستقرار النقدي، وبالتالي انعكس سلباً على المواطنين في ارتفاع نسبة البطالة وانخفض دخل الفرد نتيجة التقلبات السياسية، وبلغ العجز في موازنتها أكثر من بليون دولار، فيما تواصل فاتورة الدين العام ارتفاعها بشكل لافت 5 في المئة سنوياً لتصل إلى 69 بليون دولار، الأوضاع الاقتصادية ضربت بقوة قطاع الخدمات في لبنان وأزمة العمل تراكمية ولم يتحقق شيء على أرض الواقع، منذ أن تدخلت إيران لتحرك مفاصل البلاد من اقتصاد وسياسة، فأصبح من ينتمي أو يدافع عن طائفة محددة له الأفضلية في التعامل والمميزات، الانقسام السياسي ظلم الشعب اللبناني وعمق الخلاف.
حينما مدت السعودية يدها ومعها دول الخليج كان من منطلق العروبة والجوار والإخوة وإن شاء البعض فهي من منطلق أن السعودية هي بوابة الحرمين وحامية الوحدة الإسلامية بجميع أطيافها، وليس لها خلاف مع مذهب أو طائفة، بل مدت يدها لتنقذها من براثن التمدد الإيراني، فالسياسة الإيرانية وكل من يتابع سياستها، أبداً لم يكن هدفها استقرار المنطقة أو بناء شعوب ومجتمعات، إذ سعت دائماً إلى زرع قنابل موقوتة ودفن ألغام تنفجر في أية لحظة.
خلال ربع قرن قدمت السعودية للبنان مساعدات وهبات تصل إلى 70 بليون دولار. قرار الحكومة السعودية بوقف مساعداتها لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي نظراً للمواقف اللبنانية قرار مبرراً، لأن السعودية كانت تثق بالقيادات السياسية اللبنانية أنها ستتمكن من إعادة السيطرة على البلاد ومن الانزلاق نحو الهاوية وبراثن التمدد الإيراني، وأن الطائفية تمكنت منهم وكان لا بد لها أن تراجع حساباتها، فمن غير المعقول أن تنزلق حكومة إلى هذا المنحنى الذي يمثل خطورة كبيرة للشعب ولعلاقاته مع جيرانه، وتلقى الدعم المالي من جارة وقفت معها في كل الأزمات التي مرت بها لبنان.
لن نقول إن لبنان مقبلة على مرحلة مفصلية في تاريخها، بل هي الآن تسبح في هذا الوحل الذي صنعته إيران من خلال «حزب الله»، فمثلما مزقت إيران العراق وسورية ومحاولتها في اليمن، فالأرض خصبة في لبنان ولن تجد صعوبة. نأمل بأن تعود لبنان كما كانت في عهد الستينات بلداً لكل اللبنانيين والعرب.

 

لبنان لن يكون إيرانياً
ساطع نور الدين/المدن/الأحد 21/02/2016
القرار السعودي-الخليجي بحق لبنان، قاسٍ، خاطىء، وخطير. هو لا يعبر عن موقف من فريق لبناني او من جناح للسلطة. إنه يعادل حكماً قاطعاً على لبنان كله، يخرجه من بيئته العربية ويلحقه بالمدار الايراني الذي يمكنه الزعم انه كسب جولة مهمة في معركة سياسية ودينية كبرى تخاض اليوم على الكثير من الجبهات العربية. هو إعلان هزيمة سعودية-خليجية أمام ايران، من دون ان تكون هناك دلائل على ان الايرانيين يحققون بالفعل منجزات جديدة في لبنان او في بقية الانحاء العربية. لعل العكس هو الصحيح، وهو بالتحديد ما يمكن تلمسه في ايران نفسها حيث تجري هذه الايام معركة انتخابية متواضعة، داخلية جداً، تخلو من طموحات او شعارات التوسع الخارجي وتدور حول الخلافة والوراثة بين افراد المعسكر الواحد. إيران في حالة إنكفاء لم تفرضها فقط ظروف المعركة السياسية الداخلية. بدأ التراجع الايراني في العراق حيث يتداعى الحكم الشيعي وتتقلص مساحته بفعل المذهبية التي انتجت توحشاً سنياً لم يسبق له مثيل، ونتيجة فضائح الفساد التي تهدد بتقويض التجربة الشيعية وتفقدها ما تبقى لها من شرعية حتى في البيئة الشيعية. كما ان الحرب السورية زادت الكلفة البشرية والمالية والسياسية الايرانية الى حد يصعب معه توقع حضور إيراني فاعل في سوريا بعد تغيير نظام بشار الاسد، لا في دمشق ولا حتى في الكانتون العلوي المفترض الذي يحيطه الروس اليوم بسور ناري واقٍ.. وكذا الامر في اليمن حيث ضاقت مساحة النفوذ الايراني وبات الحلف غير المقدس بين صالح والحوثي مهدداً بالتفكك في اي لحظة، ما يحد التطلعات الايرانية داخل محافظة صعدة اليمنية.
اما في لبنان، فإنه يبدو ان الاشقاء السعوديين والخليجيين وقعوا في كمين الاعتقاد بقوة حزب الله الأسطورية التي لم تكتسب الا بفعل ضحالة خصومه الكثر من اللبنانيين الذين تهالكوا أمامه، وتساقطوا الواحد تلو الاخر، من دون قتال سياسي جدي، حتى بات يزعم انه يتحكم بالقرار والارادة اللبنانية.. وهو إدعاء لا يحتمله الحزب نفسه الذي يكتفي مع حلفائه بممارسة حق النقض والتعطيل الذي يمكن إسقاطه بالقليل من المهارة والحنكة من جانب معارضيه.  ما زال حزب الله هو أقوى الاحزاب اللبنانية، سلاحاً ومالاً وتنظيماً وعصبية. لكن مساحة حضوره انكمشت الى داخل بيئته الشيعية وبعض البيئة الانتهازية المسيحية، بعدما كان في مرحلة ما بعد تحرير الجنوب في العام 2000 ، حزباً وطنياً بكل ما للكلمة من معنى، تخرج لتحيته مدن سنية كبرى مثل صيدا وطرابلس، وتتسابق قواها السياسية على التحالف معه. الخسائر البشرية والسياسية والاخلاقية الناجمة عن معركته السورية ما زالت في بدايتها، وهي حتما ستكون مدمرة له وللشيعة اللبنانيين على المدى البعيد.. برغم ان القرار السعودي – الخليجي يمكن ان يساهم الان في تعبئة تلك العصبية الشيعية، وتأخير موعد تفككها. حزب الله هو أقوى الاحزاب اللبنانية، لكنه ليس أقوى المؤسسات اللبنانية، وتحديداً المؤسستين اللتين يقوم عليهما البنيان اللبناني اليوم: المصارف، التي تبعد الحزب الان من فردوسها السري، والجيش الذي تحرمه السعودية من فرصة ذهبية لترسيخ وتحديث نفسه ودوره في المحافظة على الجمهورية وحماية حدودها وضمان شرعيتها السياسية، قبل الحفاظ على أمنها واستقرارها.  حجب الهبة السعودية عن الجيش ليس فقط إعلان هزيمة، غير مثبتة، أمام إيران وحلفائها اللبنانيين الذين يحتفلون الان بنصر مجاني جديد، بل هو أيضاً إعلان يأس مدوٍ من شركاء المملكة واصدقائها اللبنانيين، المتخاذلين والمتساقطين والمشتتين. وفي الحالتين هو حكمٌ خطرٌ بان لبنان كله فقد المزيد من مكانته ومن وظيفته العربية..التي لا يمكن أن تصادرها او أن تعوضها إيران بأي شكل من الاشكال.

 

القرار ليس وليد ساعته والسلطة كانت تعرف ولم تتحرك مخاوف من ترك السعودية لبنان للنفوذ الإيراني؟
سابين عويس/النهار/22 شباط 2016
لم يكن تصريح وزير الدفاع الوطني سمير مقبل لـ”النهار” بأنه تبلغ من الفرنسيين قرار المملكة العربية السعودية تجميد اتفاق الهبة المالية العسكرية للبنان يوم الاثنين الماضي، معطوفا على عدم إطلاع رئيس الحكومة على مضمون هذا الكلام، وعلى ما قاله سلام أمام زواره أمس إنه لم يكن على علم بموقف وزير الخارجية لجهة الخروج عن الاجماع العربي في مؤتمر جدة، إلا الدليل الصارخ على التخبط الذي تعيشه السياسة الخارجية للبنان والذي يعكس في شكل واضح عمق الصراع الإقليمي بين الرياض وطهران، وآخر تجلياته قرار المملكة تجميد هباتها العسكرية للبنان ردا على المواقف اللبنانية الرسمية الاخيرة.
ليس القرار السعودي وليد ساعته، كما بات واضحا من سياق التطورات، وقد استغرق وقتا لدى القيادة السعودية قبل إصداره على لسان مصدر مسؤول سعودي، وليس عبر تبليغه بشكل رسمي الى الدولة اللبنانية.
ولم يكن القرار مفاجئا كذلك للسلطات اللبنانية التي كانت تدرك وتتلمس عتبا سعوديا في الدرجة الاولى وخليجيا في الدرجة الثانية من الموقف اللبناني الرسمي في مؤتمر جدة.
مضى وقت طويل على المؤتمر، لم تواكبه أي حركة اتصالات لبنانية ترمي الى استباق أي رد فعل عربي متوقع سلفا، ويتم التحذير منه من أكثر من جهة، ولا سيما الوسط الاقتصادي الذي شعر بالخطر على أبناء الجاليات اللبنانية العاملين في دول الخليج. كذلك فعل رئيس كتلة “المستقبل” الرئيس فؤاد السنيورة في جلسة الحوار ما قبل الاخيرة، أي قبل شهر تقريبا عندما حذر من مخاطر عدم مقاربة هذه المسألة بالجدية المطلوبة، فيما طالب وزراء في الجلسة الحكومية التي تلت صدور البيان (نهاية العام الماضي) ببحث الموضوع وإصدار قرار يوضح ملابساته. حتى وزير الخارجية طالب بذلك، لكن طلب الوزير محمد فنيش تأجيل البحث الى الجلسة التي كانت ستعقد استثنائيا يوم الثلثاء، دفع رئيس الحكومة الى قبول التأجيل طمعا منه بتفعيل عمل الحكومة.
وهكذا وقعت الحكومة في خطأين: أولهما ابتعادها عن تحديد سياستها الخارجية بشكل واضح، مما أدى الى فقدان التنسيق بين رئيس الحكومة ووزير خارجيته في ملف حساس كالملف المطروح. وثانيهما ان لبنان لم يلجأ الى التعامل بجدية ومسؤولية مع العتب العربي والسعودي تحديدا، معولا على التفهم لموقفه، ومغفلا أن الصراع الاقليمي بلغ ذروته، وكما هو يمنع لبنان من انتخاب رئيس، يدفعه الى حسم خياراته في هذا الصراع. وهو ما حصل أخيراً عبر الموقف السعودي. وهذا ما دفع رئيس الحكومة الى التريث حتى اليوم لعقد جلسة مخافة تفجرها من الداخل.
فالمملكة لم تصل الى هذا القرار بسبب رغبتها في معاقبة لبنان على سوء ادارته لسياسته العربية، ولم تفعل ذلك بذريعة تقليص نفقاتها بعد التمويل الضخم الذي تخصصه لحرب اليمن وغيرها، كما حلا لبعض ٨ آذار التحليل. ويكفي الإشارة الى حجم الاحتياطات النقدية للمملكة والتي تفوق الـ٧٠٠ مليار دولار لتبين ضعف هذه الذريعة، أمام بضعة مليارات خصصتها المملكة للبنان. لكن الواقع ان المملكة بلغت مرحلة في صراعها مع ايران لم يعد في إمكانها التسامح أو القبول بأنصاف المواقف.
بدا واضحا من القرار الذي كانت السلطات الفرنسية تبلغته قبل فترة قصيرة وأبلغته الى وزير الدفاع اللبناني، أن المملكة جدية في موقفها من لبنان.
فالهبة التي مضى عليها ٣ أعوام شهدت الكثير من العثرات والعراقيل التي كانت محط استياء سعودي، خصوصا في ظل ما رافقها من كلام عن صفقات ورشى.
وكان رئيس الحكومة تبلغ قبل وقت قصير من الفرنسيين ان هناك عرقلة، رغم التأكيد أن الدفعة الجديدة من الأسلحة ستصل في موعدها، أي في أيار المقبل.
لم ينفذ من هبة المليارات الثلاثة إلا ٢٠ في المئة، أما هبة المليار الموضوعة في حساب في السعودية باسمي الرئيس سعد الحريري والسفير السعودي في لبنان، فقد تم صرف نحو ٧٠ في المئة منها.
حتى الآن تقف العقوبة -إذا جاز التعبير- عند هذا الحد، بعدما تم اقفال فرعي البنك الأهلي السعودي في لبنان.
لم تقارب القيادة السعودية بعد الهبات المالية المودعة في المصرف المركزي لدعم العملة الوطنية، ولكن لا شيء يشي بأن احتمال سحبها ليس واردا، وهذا ما يجعل المخاوف تكبر من الخطوات السعودية المقبلة، وهو ما قصده وزير الداخلية نهاد المشنوق عندما حذر من أن ما حصل ليس إلا أول الغيث.
الأسئلة حيال الموقف السعودي مشروعة، خصوصا حيال مدى جديتها، كما حيال مدى انعكاساتها على الداخل، ولكن السؤال الأهم الذي يخشاه اكثر من وسط سياسي محلي، هل القرار الذي يأتي في إطار المواجهة مع إيران يمكن ان يؤدي الى انسحاب السعودية من لبنان، مع ما يرتبه مثل هذا الانسحاب من رمي للبلاد في أحضان النفوذ الايراني والسيطرة الكاملة لـ”حزب الله” عليه؟