مصطفى علوش: حزب الله وسياسة التسبب بقطع الأرزاق/مشاري الذايدي: هل يعود لبنان للدولة/عبد الرحمن الراشد: عندما يصبح لبنان مستعمرة إيرانية

278

حزب الله وسياسة التسبب بقطع الأرزاق
مصطفى علوش/المستقبل/22 شباط/16

«ألا أيها الظالم المستبد حبيب الظلام عدو الحياة» (أبو القاسم الشابي)

لا داعي لشرح تداعيات قطع أرزاق الناس، فقد شبّهه البعض بقطع الأعناق، لأنه بتداعياته يؤدي إلى كوارث اجتماعية وأمنية كبرى لدرجة شبهته بقتل الأنفس، وهو الشر المطلق بحد ذاته. ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟ فحزب ولاية الفقيه في لبنان يتخذ من قطع الأعناق عقيدة ومبدأ وقيمة وجودية له، فكيف يكون له قطع الأرزاق؟ فقد يعتبره حقا مطلقا له طالما أنه يمارسه على «الأغيار» الذين لا يتبعون عقيدته. الواقع هو أنني لم أسمع على مدى العقود الثلاثة الماضية كلمة واحدة من حزب ولاية الفقيه بخصوص مصالح الناس الإقتصادية، فقيادته تعترف على كل الأحوال بأنها لا تملك أصلاً تصوراً اقتصادياً للبنان حتى ضمن منظومة المقاومة! يعني أن أمور الناس ومعيشتهم لا تعني الحزب المقاوم، في حين أنه أمّن اقتصاداً ريعياً لجمهوره أساسه المال النظيف الآتي من الولي الفقيه مع المال الملوث بالجريمة المنظمة مؤيداً بفتوى من الولي الفقيه، والمال الحرام الآتي من ابتزاز الدولة بتهريب البضائع من الجمارك وبيعها بأسعار لا تنافس في السوق المحلية. في إحدى المناظرات مع أحد المتحدثين بإسم حزب الولي الفقيه في لبنان، وهو عسكري متقاعد، قلت له أن أهم ركن من أركان الإقتصاد اللبناني هو الإستثمارات الآتية من الخارج والسياحة والتحويلات المالية من المغتربين، وهذا كله تقوّضه سياسات «حزب الله«. فأجاب «لتذهب كلها إلى الجحيم لأن الكرامة أهم من الرزق«. وعندما أتاني أحد قياديي الحزب في يوم تعاظمت انتقاداتي لسياسته منذ عشر سنوات، سألته عن مسألة تخريب أرزاق الناس والدمار التي هي نتيجة مباشرة لنهج الحزب في ما يسمّيه مقاومة. فأجاب بكل ثقة بما يلي» إن حكوماتنا معتادة على التسول، فليذهب رئيس الوزراء ويأتي بالأموال من الدول العربية للتعويض على الناس!«.اليوم لقد تمكن حزب الولي الفقيه من إقفال باب التسول على الحكومة اللبنانية بعد أن دفع النزق «الباسيلي» الامور إلى حافة الهاوية بالمواقف الطائشة الأخيرة بخصوص قضايا بديهية، لم تكن لتقدم أو تؤخر، في موضوع أجمع عليه الكل بخصوص الإعتداء على البعثات الديبلوماسية السعودية في إيران. لقد ظننا أن الدلع اللبناني في حضن الرعاية السعودية سيستمر اعتماداً على «صبر وحكمة وحنان» المملكة وقيادتها التي لم تتوقف على مدى ستة عقود عن رعاية لبنان واللبنانيين، إلى أن أتى القرار الأخير وأعاد الجميع إلى الواقع وهو أن لكل شيء ثمناً وبأنه على أقل تقدير لا يمكن أن نرمي حجرا في بئر نشرب منه الماء!. قد يظن البعض أن حزب ولاية الفقيه كان هو أيضاً يراهن على هذه الرعاية، ولكن الواقع هو غير ذلك بالكامل. فمن الواضح من تمادي هذا الحزب، وحتى المزايدة على أركان الحرس الثوري، في سباب وشتم العرب بالإجمال، والمملكة العربية السعودية بالذات، بأنه يسعى بشكل حثيث لدفع دول الخليج إلى اتخاذ إجراءات منطقية للرد على الإعتداء المتمادي عليها في لبنان، وذلك بمختلف الوسائل. ما يحققه الحزب بهذه السياسة متعدد الجوانب. فمن جهة يدفع، بالإقتصاد ، وهو آخر ركن من وجود دولة لبنان، بعد تعطيل المؤسسات الدستورية والأمنية، إلى حدود الإنهيار السريع وصولاً إلى الفوضى المطلقة التي ستسهل له مسألة قلب الطاولة والدفع نحو منظومة سياسية جديدة تتناسب مع رؤيا الولي الفقيه للبنان، أو جزء من لبنان، كولاية تابعة لحكمته ورعايته، وبهذا تستكمل فصول الإمبراطورية الفارسية الجديدة تحت قيادة شاه مقدس. من جهة ثانية، فإن هذا التدهور إن حصل فسيتم تحميله للمملكة العربية السعودية، وبما أن جمهور «حزب الله« مشمول بالرعاية الريعية للولي الفقيه بجزءيها النظيف وغير النظيف، فإن الجزء الأكثر تأثراً سيكون بالطبع الفئات اللبنانية من خارج جمهور الحزب وأتباعه. هذا بالطبع سيؤدي إلى زيادة ردود الفعل على السعودية ومحورها وعلى السياسة المتحالفين معها محلياً. وبالتالي فقد يؤدي ذلك إما إلى الإستسلام والرضوخ لخيارات الحزب، أو الجنوح نحو التطرف الاعمى الذي يخدم أيضاً سياسة شيطنة أعداء ولاية الفقيه. لذلك فمع تفهم قرار السعودية، ولربما الإستغراب لتأخر ردة الفعل هذه حتى اليوم، لكن بالمقابل فمن المنطقي والحكيم أن تستمر الرعاية المباشرة للبنانيين الذين يقفون في الصفوف الأمامية أمام تمدد مشروع «حزب الله« وأمثاله في لبنان وسوريا وغيرها، والا فستكون خسارة هذه المواقع أمراً محتوماً. ويكون الولي الفقيه حقق ما أراده.

 

 

هل يعود لبنان للدولة؟
مشاري الذايدي/الشرق الأوسط/22 شباط/16
إيقاف السعودية معونتها المالية، 4 مليارات دولار، للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي فيه، يأتي ضمن سياق ممتد من العلاقة العليلة مع الدولة اللبنانية منذ هيمن حزب الله، التابع لإيران، وتابعه تيار عون المسيحي على الدولة اللبنانية. ليس صحيحًا أن السعودية ضاق صدرها من صخب الإعلام اللبناني، والنقد الموجّه للسعودية، فهذا كان يحصل باستمرار منذ تحول لبنان إلى منصة من لا منصة له، وحتى بعد هبوط لغة بعض الساسة التابعين للمحور السوري – الإيراني، مثل وئام وهاب الذي أساء للراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز ببذاءة. كل هذا لم يجعل السعودية تتوقف عن دعم لبنان «الدولة»، لأن السعودية تعلم أن لبنان بلد متنوع طائفيًا وسياسيًا، مهما شطح بعض أتباع الأسد أو الخامنئي بسقط القول. لكن الأمور أخذت منحى خطيرًا حين «شذ» لبنان «الدولة» عن السياق العربي والإسلامي بعدما رفض وزير خارجيته العوني جبران باسيل الانضواء في القرار العربي في القاهرة، بعد إحراق السفارة السعودية بطهران والقنصلية بمشهد. جبران علل الأمر حينها بأن ذلك يأتي حرصًا على الوحدة الوطنية اللبنانية (أينها!) وحرصًا على الاستمرار بسياسة النأي بالنفس (أيضًا أينها!) بعد جرائم حزب الله في الربوع السورية؟ لذلك كان موقف وزير العدل اللبناني أشرف ريفي بعد القرار السعودي معبرًا عن الشلل الذي تعانيه الدولة اللبنانية بسبب أن حزب الله «يربض» على الدولة اللبنانية، ووصل الأمر مداه بعدما نجح الحزب وأتباعه من العونيين في إطلاق سراح «المجرم» ميشال سماحة، الذي كان مكلفًا إدارة عمليات إرهابية لتفجير الوضع الطائفي اللبناني، بالصوت والصورة. ريفي ذكر أنه استقال بسبب «نفوذ حزب الله في الحكومة»، وتجميد حزب الله للسياسة بلبنان. هذا الجمود الذي منع لبنان من انتخاب رئيسه منذ 21 شهرًا، بسبب بركة الحزب الأصفر، الذي لا يعد استكمال مقومات الدولة اللبنانية أولوية له أصلاً، فهو مشغول بمعارك إقليمية وليس كخصومه «الفاضين»، كما قال حسن نصر الله في خطابه الأخير. حزب الله اللبناني التابع لإيران أصدر بيانًا يرد فيه على الموقف السعودي، محاولاً التملص من مسؤولية تدهور العلاقات مع السعودية، وهو على كل حال يتمنى هذا الأمر، لكن دون أن يغضب اللبنانيون من انقطاع المال السعودي! وكرر في بيانه الشتائم المعتادة للسعودية، وفي نفس الوقت يقول إنه غير مسؤول عن غضب السعودية!
هذا هو الحزب الذي يسيّر الخارجية اللبنانية، من خلال الكادر العوني جبران باسيل. لبنان حتى هذه اللحظة لا دولة.

عندما يصبح لبنان مستعمرة إيرانية
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/22 شباط/16
لا أظن أن السعودية قررت التراجع عن دعمها للجيش وقوى الأمن، ومؤسسات لبنانية أخرى، فقط غضبًا مما يقال في بعض الإعلام اللبناني ضدها. فانخراط بعض الصحف ومحطات التلفزة في حملات تروج للخطاب الإيراني المعادي للسعودية، والمحرض عليها وعلى بقية دول الاعتدال العربية، ليس أمرا طارئًا. في تصوري السبب أكبر وأخطر. عندما قررت السعودية تخصيص مبلغ ضخم، ثلاثة مليارات دولار للجيش، ومليار دولار لقوى الأمن، لتطوير إمكانياتها وتدريبها، لم تشترط مقابلها دخول لبنان في حروب خارجية، ولا الانضمام إلى أحلاف إقليمية، بل كان الهدف تقوية السلطة المركزية، بدعم مؤسسات الدولة اللبنانية في وجه تنمر الميليشيات، ومحاربة التنظيمات المتطرفة، وسد الفراغ الذي حدث بعد انسحاب القوات السورية بقرار من مجلس الأمن، إثر تورط نظام الأسد في عمليات اغتيال رفيق الحريري. في الوقت الذي مدّت السعودية يد الدعم لتقوية الدولة، مدّ حزب الله يديه للاستيلاء على السلطة غير مكتف بحصته الكبيرة فيها. قام بتوظيف المؤسسات العسكرية اللبنانية لخدمة أغراضه في الحرب في سوريا، وكذلك استغلها في داخل لبنان. وعمل على استخدام وزارة الخارجية لدعم المواقف الإيرانية في المحافل الدولية، وتجرأ على استغلال النظام المصرفي الذي عرف بأنه من الأفضل في المنطقة للمتاجرة بنشاطات محرمة في أنحاء العالم، من مخدرات وسلاح. ولم تتمكن الحكومتان اللبنانيتان المتعاقبتان من لجمه ولا رئاسة الجمهورية أيضا. والأخطر أن الجيش نفسه لم يفلح في النأي بقواته كذلك، وصار مستهدفا من قبل الحزب لتوظيفه في الحرب الإيرانية في سوريا. جرّ الجيش إلى نشر قواته في مناطق مثل عرسال، وامتطاه الحزب لملاحقة من سماهم الإرهابيين من المعارضة السورية، وسخره لسد ممرات يستخدمها اللبنانيون والسوريون للعبور والتمويل. وأبعد حزب الله الجيش عن المناطق الشمالية التي يستخدمها مقاتلو الحزب في طريقهم من وإلى سوريا. هذا على الحدود والطرق المؤدية إليها، أما في الداخل، فقد حظر حزب الله على الجيش أن يدخل الضاحية الجنوبية، التي يعتبرها منطقة خارج سلطة الدولة اللبنانية. كما تردد أن الحزب يبني مهبطا عسكريا في بلدة إيعات في البقاع، للقيام بالمزيد من عملياته المشبوهة، إضافة أن حزب الله يسيطر على أمن مطار بيروت، يخطف من يشاء، ويفتش ما يشاء. كما أن ميليشياته خطفت معارضين إيرانيين مسالمين، وهددت وسائل إعلام لأنها انتقدت المرشد الأعلى في طهران ووكيله في الضاحية. كل هذا التنمر يزداد في وقت أصدرت الخزانة الأميركية، وجهاز مكافحة المخدرات الأميركي، بيانات تفصيلية عن تورط حزب الله في المتاجرة بالمخدرات، وجرى اعتقال عدد من عملائه خلال الأسابيع القليلة الماضية في لوثوانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وكولومبيا، وكذلك داخل الولايات المتحدة. وقالت الحكومة الأميركية إن التحقيقات في شبكة حزب الله بدأت منذ فبراير (شباط) 2015. واتضح أنها تصب في لبنان الذي يستخدمه الحزب مركزا لإدارة عملياته ضد الكثير من الدول في أوروبا والأميركتين، لتبييض الأموال وتمويل شراء الأسلحة. ووصفت لبنان بأنه أصبح من أخطر مراكز إدارة عمليات تهريب المخدرات في العالم، مما تسبب في وضع عدد من المصارف اللبنانية تحت الرقابة الدولية ومراجعة سجلاتها. وقد تعمد حزب الله إضعاف وإذلال مؤسستي الجيش والأمن، إلى درجة أن أحدًا لم يتجرأ على مواجهة شبيحة حزب الله ومنظمة أمل، عندما هاجموا المحتجين على تراكم «الزبالة». لم يعد هناك منطق في أن تقوم السعودية بدعم مؤسسة لبنان العسكرية والمدنية، التي أصبح بعضها يخدم حزب الله ومن ثم إيران. كانت ترجو أن تعزز مؤسسات الدولة والسلطة المركزية حتى تدعم استقلال قراره السياسي الخارجي والداخلي.
لقد لعب حزب الله متعمدًا دور المخرب والمعطل للدولة. قد أجبر على إبعاد رؤساء حكومات، ومنع ترشيح رؤساء للجمهورية، وأوقف العمل النيابي، ليحقق هدفه بشلّ مؤسسات الرئاسة والحكومة والجيش، ويضع البنك المركزي في دائرة الشبهات الدولية، ووزارة الخارجية ملحقة بوزارة الخارجية الإيرانية. حزب الله يريد تحويل لبنان إلى مستعمرة إيرانية، وما ممارساته المتتالية إلا مسبحة مشروع نظام ولاية الفقيه، بالهيمنة على العراق وسوريا ولبنان. بعد هذا كله، لم يبق هناك منطق في سياسة تقوية الجيش والأمن وتدريبه وتسليحه. وحتى مع إلغاء دعمها، تظل السعودية أمل الاعتدال اللبناني في معركته ضد ميليشيات إيران وحلفائها، وألا تترك البلد لقمة سائغة لهم في حرب إقليمية مستعرة.