علي الأمين: أنظروا: إنه ترشيح ميشال عون يحترق/بتول خليل: حكاية حسن: رسالة سياسية سعودية وعربية فمن يسمع/ نبيل بومنصف: يداعبون الانهيار

224

 أنظروا: إنه ترشيح ميشال عون يحترق
علي الأمين/جنوبية/ 21 فبراير، 2016

بوضوح وبساطة شديدين الحكومة اللبنانية أمام استحقاق مفصلي على صعيد علاقات لبنان العربية والخليجية على وجه التحديد.
وبعيداً عن المواقف والخيارات السياسية التي يتبناها كل طرف سياسي، ما كان منها متعلقاً بالنظام العالمي الجديد أو بمشروع إزالة النفايات من الشوارع والأزقة، من كان مع العثمانيين أو مع الصفويين أو كان مؤيداً للسياسة السعودية، إن كان مع البراميل القاتلة في سورية أو مع تنظيم داعش ونموذج الإرهاب… كل ذلك، مهما بلغ من توصيف إيجابي أو سلبي، يمكن إدراجه في سياق الحريات وحرية التعبير. لكن ثمّة ما هو فوق كل ذلك، وهو ما تبقى من نظام مصالح الدولة اللبنانية. ذلك النظام الذي تبني الدول على أساسه سياساتها، ويكون المحدد لسياساتها الخارجية.
عندما توترت العلاقة الروسية التركية قبل شهرين بسبب الموقف من سورية عمدت الحكومة الروسية فورا الى اتخاذ سلسلة اجراءات ضد تركيا. أوقفت استيراد البضائع التركية، فرضت نظام الفيزا على دخول الأتراك إليها، بعد أن كان دخولهم لا يحتاج إلى هذا النظام. ثم بدأت تركيا الاستعداد للإستغناء عن الغاز الروسي بعقد اتفاقيات مع دول أخرى وتحديداً قطر. هذا واحد من نماذج انعكاس توتر العلاقات بين دولتين على الجانب الإقتصادي وعلى التعاون بين الدولتين. في المثال اللبناني السعودي، والخليجي، ما يفترض أن يشكل عنصر اهتمام كبير لدى الحكومة اللبنانية واللبنانيين عموماً. فتجميد الهبة السعودية للجيش اللبناني هو رسالة أولية من الرياض على خلفية المواقف التي اتخذها لبنان عبر وزارة الخارجية في شأن العدوان على الممثليات السعودية في إيران، وعلى الموقف من التدخل الإيراني في الدول العربية، والذي كان موقفاً نافراً في اجتماع وزراء الخارجية العرب واجتماع منظمة الدول الإسلامية. نافر لأنّه لا يراعي نظام مصالح الدولة اللبنانية، قبل أن نتحدث عن نظام المصالح العربية والعلاقات التاريخية بين لبنان والسعودية. القضية لم تعد تتصل بعلاقة حزب الله، أو حتى الطائفة الشيعية في لبنان، بالعرب. الأمر يطال الدولة بكلّ من فيها، بل يمكن ملاحظة أنّ الإستياء الخليجي بدأ يبرز من خلال بعض الأقلام الصحافية اتجاه المسيحيين اللبنانيين وخياراتهم التي يراها البعض تعادي مصالحهم ليس في الخليج فحسب بل في لبنان أيضاً. موقف قوى 14 آذار، بعد اجتماع قياداتها وأركانها في بيت الوسط أمس، حمّل حزب الله مسؤولية ما أصاب العلاقة اللبنانية – السعودية. والحكومة اللبنانية معنية بان تتعامل مع المعطى الجديد. وحزب الله ايضا، الذي اعتاد على اللامبالاة تجاه نظام المصالح اللبنانية في الخليج وعلى المستوى الدولي، معني بالتعامل مع تداعيات هذا القرار على استمرار استقرار البلد. في الحد الأدنى لكونه منامة لمقاتليه أو استراحة المحارب الذي يقاتل في سورية، وحيث يقتضي الواجب الجهادي الذي تقرره إيران في المنطقة العربية. وانطلاقا من “نظام المصالح” هو معني بالمحافظة على “هداوة بال” المقاتل، حين يقاتل داخل سورية، بأنّ عائلته يمكن أن تكون غير آمنة في لبنان. كانت المعادلة قبل عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، أنّ على السعودية أن تدفع ثمن انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، سواء بفاتورة سورية أو في اليمن أو غيرهما. المعادلة اليوم تتجه نحو منقلب آخر. السعودية تقول، من خلال التصعيد الأخير، أنها لن تدفع ثمن انتخاب رئيس لبنان. والمطلوب أن يقرر اللبنانيون ماذا يريدون. هم لا يريدون دولة ولا رئيس فلماذا الهبة للجيش اللبناني؟ وأكثر من ذلك فإنّ التفهم السعودي للحسابات اللبنانية طيلة السنوات الماضية لا تريد اليوم أن تتحمل تبعاته وحدها من خلال مواقف رسمية ناكرة للجميل. لذا فكل الخيارات متاحة. القيادة السعودية التي ترفض أن تدفع ثمن انتخاب رئيس لبناني لإيران، تريد أن تدفع ثمن انتخاب الرئيس من رصيدها اللبناني.. من هباتها السياسية الكثيرة. لا يمكن فصل عودة الحريري عن التصعيد الأخير. مضى وقت على “خطأ” باسيل الثلاثي. الجديد هو أنّ هناك جلسة في 2 آذار ومرشحان: ميشال عون وسليمان فرنجية. إذا كان اللبنانيون حريصون على لبنان فليتتخبوا أحدهما. في هذه الأثناء فهذا الأسبوع كان عينة عمّا يمكن أن يعيشوه في “عهد” ميشال عون وصهره وزير الخارجية. أنظروا: إنه ترشيح ميشال عون يحترق. سمير جعجع صامت، وفرنجية كذلك، خلال أكبر عملية حرق ترشيح سياسي في تاريخ لبنان.

“حكاية حسن”: رسالة سياسية سعودية وعربية.. فمن يسمع؟
بتول خليل/المدن/الأحد 21/02/2016
“حكاية حسن”: رسالة سياسية سعودية وعربية.. فمن يسمع؟ الفيلم، على ركاكته كوثائقي، يجترح خطاباً بديلاً للمشاهد العربي العادي
لم ترقَ الدقائق العشرون من “حكاية حسن” إلى مستوى الأفلام الوثائقية بأساليب إنتاجها وقواعدها المعروفة. فالفيلم القصير الذي بثته قناة “العربية”، مساء السبت، بعد أسبوع من الترويج المكثّف له، لم يكن سوى مادة تجميعية من صور ولقطات وفيديوهات، أرادت القناة بفعل استعادتها سرد سيرة الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، من خلال سيرتيه الذاتية والسياسية، إنما ضمن مسار حرصت القناة على قولبته في السياق الذي يخدم رؤيتها ومراميها من اختيارعرضه في هذا التوقيت بالذات.
على أن غياب أي قيمة فنية أو إبداعية عن العمل المذكور، بما فيها عدم تفردّه بمقابلات أو معلومات حصرية، بموازة الشكل والإطار والتسلسل الذي وضعت فيه محاور الفيلم وفصوله، يأتي انعكاساً جلياً لمجموعة من المواقف والرسائل التي أرادت القناة والقائمين عليها إيصالها، ضمن مادة إعلامية استبق عرضها جدل كبير أثاره مناصرو حزب الله ووسائل إعلامية داعمة له، ممن وضعوا عرض الفيلم في سياق “حملة تشويه لصورة حزب الله وشيطنة السيد نصر الله” و”افتعال الفتنة”، فيما يبدو أنه قد غاب عنهم كل ما سبق من مواقف بدأها حزب الله بشن حملات ممنهجة ضد السعودية عقب إطلاق السعودية لـ”عاصفة الحزم”، وتبعها تصعيد غير مسبوق بالهتاف علانية بـ”الموت لآل سعود”، استتبعتها حملة إعلامية مبرمجة قامت بها وسائل إعلامية محسوبة على حزب الله، وتخللها إطلاق مواقف واستضافة شخصيات استهدفت شخصيات من العائلة الحاكمة في المملكة بدءاً بالشتم وصولاً إلى اتهامهم بالعمالة لإسرائيل.
فيلم “العربية” الذي تخللته استعادة لأبرز المحطات المفصلية في مسيرة الأمين العام ركّز على “انشقاقه عن حركة أمل والعمل على تأسيس حزب الله بدعم مباشر من إيران”، مروراً بتوليه منصب أمين عام حزب الله بعد اغتيال السيد عباس الموسوي”، والإضاءة على المراحل والحروب التي خاضها الحزب بقيادة نصر الله، “من الانسحاب الإسرائيلي من لبنان إلى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري”، وصولاً إلى الإشارة إلى مسؤولية نصرالله عن الخراب الذي لحق بلبنان جراء حرب تموز وتدخله (كميليشيا مذهبية) في الحرب السورية وسيطرته على مرافق السياسة العامة في لبنان.
ورغم أن الشريط لم يأتِ بأي جديد باستعادته أحداثاً ووقائع مكشوفة ومعروفة، خصوصاً لدى الجمهور اللبناني، فقد بدا أن انتقاء مشاهد وصور ومقتطفات محددة من خطابات سابقة  لنصرالله، لم يكن عشوائياً أو تلقائياً، بحيث عمد معدّو الفيلم التصويب وبشكل ممنهج على تفاصيل مرتبطة بمحطات سوداء في الذاكرة السياسية والأمنية، كان لحزب الله دور فيها، أبرزها “انشقاق” نصر الله عن حركة أمل واشتباكه اللاحق معها، ورفعه شعار “شكراً سوريا” عقب اغتيال الشهيد رفيق الحريري وقبيل انسحاب القوات العسكرية السورية من لبنان. وصولاً إلى أحداث 7 أيار الذي كرّس إطلاق سلاح حزب الله في الداخل اللبناني بدلاً من حصره في المقاومة كما يدعي، بل وأطلق عليه نصرالله تسمية “يوم مجيد”. وأخيراً، تدخل الحزب في الحرب السورية وما آل إليه ذلك من تداعيات خطيرة على لبنان على أكثر من صعيد. فيما يعكس ذلك كله سعي القناة للقول إن سياسة الرجل وحزبه لم تكن يوماً حكيمة، سواء تجاه طائفته أو تجاه لبنان ولم تجرّ معها سوى الخراب والحروب، وصولاً إلى تدخله في دول المنطقة إن كان في مصر أو دول الخليج وسوريا.
وفي حين أثار ذلك استهزاء مناصري الحزب، ممن سخروا مما قدمه الفيلم باعتبار أن “القناة فشلت في كشف أي جديد عن السيد نصر الله”، فإن الاستهزاء قد يبدو منطقياً في ما لو عرضت الفيلم قناة لبنانية تخاطب جمهوراً محلياً. لكن عرض “حكاية حسن” جاء على شاشة فضائية عربية تعبّر عن السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية، وهذا ما يجعله حدثاً مفصلياً في التعاطي السعودي تجاه حزب الله، بل ويجترح، على ركاكته كوثائقي، خطاباً بديلاً للمشاهد العربي العادي الذي ربما لا يكون متابعاً أو مستوعباً لتفاصيل الحياة السياسية والامنية اللبنانية عن كثب، وخصوصاً موقع حزب الله فيها.
وهذا ما يحيل الفيلم، بفكرته ومضمونه وأسلوب تقديمه، نحو سلسلة مؤشرات يستشف منها قرار بمقاربة إعلامية وسياسية عربية/سعودية مختلفة تجاه لبنان، لاعتباره واقعاً تحت سيطرة حزب الله (وإيران) بهيمنته على القرار السياسي الداخلي والخارجي، وذلك تزامناً مع قيام السعودية بإجراء مراجعة شاملة لعلاقتها بلبنان الذي أجمع مجلس التعاون الخليجي على أن قرارته الخارجية، التي “تخالف الإجماع العربي بإدانة الاعتداء على السفارة السعودية في إيران، أضحت رهينة مصالح قوى إقليمية خارجية، وأنه لم يقدّر الدعم السعودي والخليجي”، ما استتبع إجراءات “تأديبية” تجاهه تمثلت في إقفال فرعي البنك الأهلي السعودي في لبنان وإيقاف المساعدات المالية السعودية للجيش اللبناني، ما يعتبر رداً جلياً على مواقف جبران باسيل الأخيرة بعدم شجبه الاعتداء على السفارة السعودية في إيران، كما يستشف أيضاً عدم رضا المملكة عن ملابسات الملف الرئاسي اللبناني.
لكن وبصرف النظر عن القرار السعودي بمحاسبة لبنان وتداعياته على العلاقة السعودية اللبنانية، فإنّ قراءة معمّقة في معاني ومدلولات ما جاء في شريط “العربية” يكشف بوضوح رسائل سياسية مبطّنة للبنان، مترافقة مع إعلان مباشر عن نية سعودية بالرد على مواقف حزب الله واستفزازاته، حيث تتعالى النبرة الحاسمة في الفيلم تجاه الحزب وأمينه العام من خلال ما عمدت القناة تسليط الضوء عليه، بما فيه “الشعارات المذهبية” التي يتلطّى خلفها حزب الله لتبرير تصويبه السلاح على الداخل اللبناني ومن ثم السوري، وذلك بموازة سعي القناة الواضح لفضح صورة نصرالله وتعريته والتصدي للمحور الذي ينتمي إليه، في ظل الحديث الجدّي عن مشاركة السعودية بإرسال قوات برية لسوريا، وما تشير إليه التقارير من إمكانية حدوث مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران والسعودية في الأرض السورية.
وفي ذلك كله ما يحيل إلى ترجيح أن يكون اختيار توقيت عرض الفيلم، تمهيداً لإعلاء وتيرة الخطاب ضد حزب الله وداعميه في السعودية والخليج العربي، فيما قد تكون المواجهة الكبرى في سوريا مع الأطراف الإقليمية الداعمة لبشار الأسد والدائرين في الفلك الإيراني… فالسياسات تبدأ أحياناً من الإعلام.

“يداعبون” الانهيار!
نبيل بومنصف/النهار/22 شباط 2016
تحلى الوزير اشرف ريفي بذروة الصدقية والانسجام مع الذات باستقالته المعللة ولو ان خطوته تفاقم الخشية على واقع يقترب اكثر من اي وقت سابق من انفلات دومينو الانهيارات التي تذكر بمطالع الازمات المصيرية الكبرى. والحال ان المخاوف الواسعة التي أثارها القرار السعودي من امكان عزل لبنان خليجيا في هذا التوقيت يعيد استحضار تجارب في الاستحقاقات الرئاسية كانت تعتمل فيها المعارك الانتخابية على وقع تطورات خارجية ضاغطة. وهو من هذه الناحية لا يشكل سابقة الا من حيث تبدل اللاعبين الاقليميين وارتباط قوى داخلية بهم ولكن مبعث الخطورة الراهنة تتمثل في ان “صديقا” عريقا للبنان انبرى الى مفاجأة الجميع بسياسات لم تعد متسامحة مع التفلت الخطر الذي يجسده اندفاع “حزب الله” في الصراع مع السعودية في الساحات الاقليمية المفتوحة وفي لبنان. لن يكون غريبا ابدا بعد القرار السعودي ان ترتسم امام القوى اللبنانية حقيقة غابت عن بالها جميعا وهي ان تداعيات الصراع الاقليمي تجاوزت المعركة الرئاسية الى الأبعد المتصل بأي لبنان “سينشأ” على نار هذا الصراع. ولذا بدا من السذاجة ان يزج بعضهم القرار السعودي في متاهات التنافس الرئاسي ولو صح ان تأثيراته الجانبية ستكون حتمية على الجهات المناوئة للسعودية. ولكن بيت القصيد ليس هنا، ولا حتما في التقليل الخيالي الذي تعامل عبره “حزب الله” مع القرار وهو اول العارفين معنى خروج الخارجية اللبنانية عن الاجماعات العربية بفعل هيمنته الآسرة على القرار الديبلوماسي الرسمي. فليس غائبا عن احد ان الصراع الاقليمي ذاهب نحو احتدام اشد اتساعا وخطورة من كل مراحل الحرب السورية المدمرة بما يستحيل معه الركون الى توقعات ثابتة في شأن انهاء الفراغ الرئاسي. واذا كان لعبرة حقيقية ان تبرز مجددا في حمأة هذا المعترك فهي من النوع الذي يثير عصبية مفرطة لدى بعضهم لدى تذكيرهم بـ”اعلان بعبدا” الذي احبطوا تنفيذه فيما لا تزال أدبياته تندرج في خطاب المجتمع الدولي والعربي حتى الآن. هي حقيقة يصعب دحضها ان اسقاط الحد الادنى من عدم التورط في الحرب السورية قاد الى اسقاط لبنان برمته في حفرة الأثمان القاتلة المهددة بعزله ومحاصرته وافقاره. لا نعيش سابقة في هذا النوع من الاهوال ولكن الفارق الان ان لبنان فقد كل ما يمكن ان يعينه على تجنب الانهيارات. ومع ان رئيس الجمهورية لا يتمتع بقوة خارقة تخوله تماما ان يحمي البلد من الانزلاقات القاتلة فلا يمكننا ان نسلم لسذاجة الاعتقاد ان استدراج الازمات بهذا الشكل مع المضي في التحجير على الانتخابات الرئاسية هي مجرد دعابة كتلك التي أسقطت اعلان بعبدا وشرعة التزام لبنان الاجماع العربي.