أحمد الجارالله: ماذا تريد دول مجلس التعاون من لبنان/نديم قطيش: ليكن 2 آذار هو الفيصل/صلاح سلام: الأزمة أكبر من المساعدات العسكرية

260

ماذا تريد دول”مجلس التعاون” من لبنان؟
أحمد الجارالله/السياسة/22 شباط/16

للاجابة عن هذا السؤال نقول: تدرك هذه المنظومة واقع البلد العربي الصغير، وتتعاطى معه استنادا إلى ذلك، ولأنها كانت ترى فيه بلد الانفتاح والرسالة الحضارية التي أرسى دعائمها الرؤساء: بشارة الخوري وكميل شمعون وفؤاد شهاب وشارل حلو، حرصت طوال العقود الأربعة الماضية من عمر الأزمة اللبنانية على ألا تتخلى عنه حتى في أصعب الظروف، لكنها اليوم وجدت نفسها مضطرة إلى اتخاذ إجراءات قاسية بسبب الاحتلال الإيراني المباشر له. دول”التعاون” تريد للبنان السلام والاستقرار وان يكون في ظل حكم زعماء كأولئك الذين ماتهاونوا في مقاومة الاستعمار الفرنسي ووقفوا ضده حتى نالوا الاستقلال، وما باعوا بلدهم إلى غريب غاز، لا طمعا بـ “المال النظيف” ولا نزولا عند “رغبة توسعية تستخدم العاطفة الطائفية” ستارا لها. أولئك القادة جعلوا من بلدهم رئة يتنفس من خلالها العالم العربي الحرية والانفتاح على الآخر وهم من جعلوه كبيرا بدوره، أما من يتحكمون بقراره اليوم فليسوا أكثر من مافيا سياسية لا تخجل حتى من توظيف أي أمر لمصلحتها الشخصية. هذا ما يجب أن يعرفه رئيس الحكومة اللبنانية تمام سلام الذي لا يملك زمام قراره، بسبب خضوعه لابتزاز تمارسه عصابات متربطة بمصنع الشر الإيراني في المنطقة، وقد استطاعت تحت التهديد إلغاء الأدوار التاريخية لكل المرجعيات، اكانت سياسية أم دينية، كالبطريركية المارونية وغيرها من مؤسسات وطنية مارست دورا مهما في حقب مختلفة من التاريخ. لا نكشف سرا اذا قلنا إن دولة على هذه الشاكلة ما عادت مهمة لـ”مجلس التعاون”، فاذا كنا في السابق نرى في لبنان العقول الاقتصادية وخبراء العلاقات العامة، فهذه لم تعد حاجة لنا في ظل وجود عقول خليجية تفوق اللبنانيين ذكاء وتصنع المعجزات في بلدانها، ولم يعد لبنان يهمنا الا بوصفه شقيقا عربيا يعاني من مرض عضال لكنه يرفض تناول الدواء الذي يساعده على الشفاء ليعود حرا مستقلا، كما يقول الشعار الذي يردده السياسيون اللبنانيون في ختام خطبهم. نعم، ما نريده من الشقيق المريض هو أن يعود الى سابق عهده، حين كان القضاء فيه مستقلا لا يخضع لابتزاز هذا وذاك، وربما هنا على وزير العدل الذي أطنب في الحديث عن ملف ميشال سماحة أن يتذكر أن هناك أحكاما صدرت على خليجيين بغير حق ونتيجة لتلاعب واضح بالقضاء، كما انها أحيلت إلى الانتربول بصفقات مشبوهة، وإذا كان الوزير أشرف ريفي يريد عينات وأدلة من تلك الأحكام فنحن على استعداد لتزويده بها، إذ ربما يستطيع ان يصلح ما أفسده الدهر الإيراني. بات على جميع اللبنانيين التيقن ان القرار السعودي حاسم ولا رجعة فيه، بل هو قرار خليجي، وعلى هذا الأساس نقول لسمير جعجع إلا يتعب نفسه في التوسط لزيارة رئيس حكومته الرياض أو غيرها من العواصم الخليجية، وعليه أن ينتظر الآتي الأعظم، لأن الباب الخليجي سيقفل بوجه لبنان نهائيا ما لم يسع شعبه إلى إقفال أبواب الشر المفتوحة على العرب من ضاحية بيروت الجنوبية. ندرك ان صراخ الصنيعة الايرانية حسن نصرالله سيكون على قدر ألم الفشل الذي مني به هو وحزبه وايران في البحرين واليمن والمنطقة الشرقية السعودية، ولا شك ان صراخه سيعلو أكثر، وأبواق الملالي ستزداد نعيقا في قادم الأيام… القافلة انطلقت ولا رجعة الى زمن العفو والصفح والمداراة، فالبعير الأجرب يجب أن يُفرد ويُعزل ويُكوى علَّ في ذلك شفاء له.

ليكن 2 آذار هو الفيصل
نديم قطيش/المدن/الإثنين 22/02/2016
واحدة من الفضائح الفاقعة أن أحداً في الفريق المحسوب على الرياض ما كان ليتصرف بنفس مستوى حالة الطوارىء القائمة الآن لولا الغضبة السعودية، والتراجع عن هبة دعم الجيش اللبناني والقوى الأمنية! الى حين قرار الرياض، إعتقد الجميع أن العاصفة مرت، وأن “الدلع” اللبناني، سيسمح بعبور لبنان هذا الاستحقاق، وأن الإكتفاء ببيان ادانة وإستنكار سيفي بالغرض.  وهذا ما فاقم إحساس الرياض بأن حصتها في البلد، ما عادت الحصة التي كانت لها تقليدياً في السياسة اللبنانية، وهو ما دفعها لإعادة تقييم علاقتها بلبنان واعلانها عن “إتخاذ قرارات” وليس قرار، ما يعني أننا سنشهد المزيد من التصعيد. الحقيقة الجارحة أن مسؤولية المملكة عن وصول الاوضاع الى ما وصلت اليه لا تقل عن مسؤولية الفريق السياسي المتحالف معها! لكن هذا بحث آخر سيحين آوانه في المكان المناسب وللجمهور المناسب. أما وأن المملكة قد إتخذت قرار المواجهة في لبنان، فهذا يضعها ويضع حلفاءها أمام مسؤوليات، حيال هذه المعركة وإدارتها وقواها ومتطلباتها، سياسةً واعلاماً ومالاً وفريق عمل. ولعل أولى الخطوات الجدية المطلوب المضي فيها قدماً هو تحديد الثاني من آذار يوماً أخيراً من عمر حكومة تمام سلام، الذي بالمناسبة، وبكل إحترام ومحبة، ينبغي أن يتوقف عن التصرف كخبير محلف في الأمم المتحدة. لا يا تمام بك، ليس مقبولاً من رئيس وزراء لبنان أن يخاطب اللبنانيين بأنه “يتيم”! من أين نأتي لك بأبوة، لم تستطع تحصيلها من رئاسة الحكومة وهي ما هي في النظام السياسي اللبناني! سامحني على مصارحة متأخرة! اليتيم ليس مكانه في السراي الحكومي، وسأكتفي بهذا على قاعدة “وأما اليتيم فلا تقهر”! ليكن الثاني من آذار موعداً نهائياً. إما أن تعقد جلسة مكتملة النصاب وينتخب رئيس للجمهورية ، تعتبر بعده الحكومة مستقيلة وإما أن تستقيل الحكومة نتيجة افتضاح مشروع التعطيل والفراغ الذي يقوده حزب الله. يلي ذلك توقيف الحوار مع حزب الله الذي ما عاد يقدم او يؤخر، وليس سوى حفلة تكاذب متبادلة بين فريقين، يعلم كل منهما الفارق الكبير بين المعلن والمضمر! وما السعديات إلا رسالة صغيرة بشأن إستعدادات حزب الله لتكرار جريمة استخدام السلاح في الداخل.
ثالثاً بإعلان الخروج من التزام التسوية بترشيح سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية، على قاعدة أننا رضينا “بالهم والهم ما رضي فينا”! ليس هذا إنتقاصاً من سليمان فرنجية الذي تعمق الحوار الجدي معه في كل العناوين وأحسب أنه أسس لعلاقة لن تقف عن حدود المعركة الرئاسية، أياً تكن نتائجها. لسعد الحريري شرف محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكن هذا مسار يتطلب حداً أدنى من رغبة خصومه في إلتقاط لحظة التسوية. والا فإن فائض محاولات التسوية والإنقاذ باتت تأتي بنتائج معاكسة للأهداف المرجوة.
تغير الزمن. نحن أمام سعودية جديدة، وأمام لبنان جديد بل أمام عالم عربي جديد. الرياض التي تدفع دماً في اليمن وسلاحاً في سوريا وثروات في مصر ما عادت تكتفي من لبنان ببيان إدانة.

الأزمة أكبر من المساعدات العسكرية
صلاح سلام/جريدة اللواء/الإثنين 22/02/2016

الأزمة المتفاقمة مع المملكة العربية السعودية، ليست مشكلة عابرة، وهي أكبر وأهم من مسألة تجميد المساعدات المليارية للجيش اللبناني، وهي أزمة تطال جوهر وأسس العلاقات الأخوية والتاريخية التي تربط البلدين، وتعزز روابط الشعبين الشقيقين. القضية تتجاوز ظاهرة الفعل وردّة الفعل، إلى التأكيد على جملة من القيم الأخلاقية، وفي مقدمتها الصدق والوفاء، وإلى مجموعة من المبادئ الوطنية، وفي طليعتها الحرص على حماية المصالح الوطنية، ووضع مصلحة الوطن فوق كل الاعتبارات والمنافع الشخصية والحزبية، فضلاً عن الالتزامات العربية القومية، والتي تكرّس هوية لبنان العربية، وانتماءه القومي، والحفاظ على مكانته ودوره في المجموعة العربية، وهو عضو مؤسس لجامعة الدول العربية. عندما أطلقنا الصرخة: جبران باسيل… ماذا فعلت؟ في افتتاحية نُشرَت قبل شهر بالتمام والكمال، غداة التصويت السيئ في مؤتمر الجامعة العربية، اعتقد البعض أننا نصطاد مواقف وزير الخارجية بشباك محلية بحتة، وفي إطار الحرتقات السياسية المعهودة! ولكن تدهور العلاقات الأخوية مع المملكة السعودية، خلال الأسابيع القليلة الماضية، كشف فداحة الخطأ الذي ارتكبه باسيل بخروجه عن الإجماع العربي، وعدم التضامن مع الشقيقة الكبرى، والتصويت مع قرار إدانة الاعتداءات الإيرانية على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد.
وبدا واضحاً يومذاك، أن «الصهر المعجزة» التزم بموجبات تحالف تياره مع «حزب الله»، على حساب المصالح الوطنية العليا، معرضاً مصالح أكثر من نصف مليون لبناني عاملين في المملكة ودول الخليج مع عائلاتهم للخطر، من دون أن يرفّ له جفن، رغم إدراكه المسبق، لأهمية العلاقات المميزة التي تربط لبنان بالمملكة، وحجم التحويلات اللبنانية من دول مجلس التعاون، فضلاً عما تشكله الدول الخليجية الشقيقة من أسواق رئيسية لتصريف المنتجات اللبنانية.
وإذا كان «الوزير الذكي» قد ارتكب خطأ فادحاً بحق المملكة السعودية، فهو لم يتردد بارتكاب خطيئة قاتلة بحق لبنان، ومئات الألوف من اللبنانيين، بتعريض العلاقات اللبنانية – السعودية إلى انتكاسة غير مسبوقة، والمخاطرة بكل المصالح والروابط التي تربط الشعبين الشقيقين.
ولعل ضعف الموقف الحكومي في التصدّي لتداعيات التصويت اللبناني السلبي في الجامعة العربية وفي مؤتمر التضامن الإسلامي، شجّع باسيل وحزب الله وحلفاءهما، على المضي بعيداً في الحملات المتشنجة ضد السعودية، والتي كان آخر حلقاتها الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله حسن نصرالله، والذي وصل إلى حد اتهام الدول العربية بالتعاون مع العدو الإسرائيلي – كذا – في الحرب الدائرة في سوريا، متجاهلاً التنسيق الروسي – الإسرائيلي في سوريا على مدار الساعة!
كما أن حالة الإرباك التي تعاني منها حركة 14 آذار، إثر تحالف «القوات» و«التيار العوني» في الانتخابات الرئاسية، أدّت الى ضياع الأصوات الوطنية المعترضة على إخراج لبنان من دائرة الإجماع العربي، ومحاولة إظهاره على الضفة الفارسية للخليج العربي.
غير أن هذا الواقع المرير، لم يشفع للبنان بأي مبرر لدى الرأي العام السعودي، حيث شن كبار الصحافيين والكتّاب السعوديين، حملة شعواء على الموقف اللبناني المتخاذل، وما تضمنه من نكران للجميل، وعدم الوفاء لمواقف المملكة والمبادرات الملكية الداعمة بالوقوف إلى جانب لبنان في الحروب والأزمات والاعتداءات الإسرائيلية، فضلاً عن الدعم والمساعدات السخية لمشاريع إعادة إعمار ما دمرته الحرب الأهلية والاعتداءات الإسرائيلية، والتي كان آخرها حرب تموز 2006، حيث قدّمت السعودية ما يزيد عن الملياري دولار، منها مليار كوديعة في البنك المركزي، والباقي لإعمار القرى والمناطق والمرافق التي طالها العدوان الإسرائيلي.
حتى هذه الحملة الإعلامية والشعبية، والتي حذرنا من مضاعفاتها أكثر من مرّة طوال الشهر الماضي، لم تلق الاهتمام اللازم من الجانب اللبناني الرسمي، الذي لم يُبادر إلى تنظيم زيارات ولقاءات مع صحافيين وكتّاب سعوديين، ولا إلى إرسال وفود رسمية للتواصل مع المنابر الإعلامية وأصحاب الرأي في المملكة، بهدف تطويق الغضب الشعبي، واستيعاب تداعيات النفور السعودي من الموقف اللبناني، فكان أن بقيت الأمور تتفاعل في الأوساط السعودية، إلى أن بدأت تظهر آثارها في إجراءات مؤلمة، مثل وقف الهبَة العسكرية، والتي قد تكون خطوة أولى في سلسلة خطوات أخرى بعد إقفال البنك الأهلي السعودي في بيروت!
غير أن هذا الواقع المأساوي لا يعفينا من التأكيد على الثوابت التالية:
1 – الأكثرية الساحقة من اللبنانيين مع أي قراره تتخذه القيادة السعودية للحفاظ على أمن واستقرار وازدهار المملكة، وفي التصدّي لمخاطر التمدّد الإيراني في المنطقة العربية.
2 – الأكثرية الساحقة من اللبنانيين مع التمسّك بالعلاقات الأخوية والتاريخية مع المملكة العربية السعودية، ومع تعزيز الروابط مع الشعب السعودي الشقيق، والتأكيد على الانتماء العربي للبنان، وعلى الإيمان بالمصير المشترك مع الأشقاء العرب… ولو كره الكارهون.
3 – لبنان، كان وما زال، خط الدفاع الأوّل عن قضايا العرب، رغم كل ما يتعرّض له من تدخلات وضغوط ، ورغم كل هذا الخلل الحاصل في ميزان القوى بين الطرف العروبي ومناصري المحور الإيراني!