أحمد عدنان: لماذا الحريري أفضل من نصرالله/سلمان الدوسري: جراحة سعودية في لبنان/سمير عطا الله: يمثل حزبه

322

 لماذا الحريري أفضل من نصرالله
أحمد عدنان/العرب/21 شباط/16

للوهلة الأولى ظننت أن من ألقى خطاب البيال في ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري ليس سعدالدين الحريري، خصوصا على صعيد الشكل والإلقاء. راجع خطابات الحريري في ذكريات 14 آذار، تذكر تلاوته لبيان حكومته في البرلمان، ستجد أن من ألقى خطاب البيال – إلقاء وشكلا – هو شخص آخر.
في الخطابات السابقة، غير بعض الملل الذي استبدل في البيال بالتماسك، كان الملقي هو الوريث، صدفة الاغتيال الملعونة قادته إلى الزعامة، وصل إلى المقعد الأول قبل وقته بكثير، لكن من تحدث في البيال ليس الوريث، هو الزعيم فعلا وحقا وحتما، كاريزما طاغية قوامها التعاطف والأمل، ثقة بالنفس تمكّنت من الحاضرين والمشاهدين تأثيرا وإقناعا بفضل المنطق المتين، كل من كان ينتقد سعد الحريري نظير الغياب والأداء – وأنا منهم – نسي كل شيء أمام مشهد العودة. هذا هو أهم وأنجح وأنضج خطاب ألقاه سعد الحريري منذ خلف والده، تناسى كل ما كان قبل 14 فبراير 2016 وأبدأ من هذا التاريخ، تناغم المنطق والهيبة والحضور وضع المزايدين والخصوم في أقصى الزوايا، نقل النقاش من الزواريب الطائفية إلى قواعد الدستور والوطن، منح السنّة جرعة معنوية وسياسية كانوا في أمسّ الحاجة لها، ذكّرهم بأن الزعيم حاضر ويتحمل مسؤولياته، لذلك نحن أمام خطاب ممتاز.
يجب أن لا نصدق أن الحريري تعمد الإساءة إلى حزب القوات اللبنانية وزعيمها د. سمير جعجع، كما قال الحريري في اليوم التالي، والسبب أهم من الحكيم والحريري معا، لبنان و14 آذار، بعض محازبي الطرفين تفننوا في سكب الزيت على النار وهذا ليس من مصلحة أحد، برحيل جنبلاط عن قوى 14 آذار فقدت ثورة الأرز نصف قوتها، ومن يريد استبعاد جعجع أو تجاهله سيفقد ثورة الأرز روحها ولبنانيتها، ومن يريد استبعاد الحريري أو تجاهله سيضيع تأثير تيار السيادة والاستقلال نهائيا. توتر العلاقة بين المستقبل والقوات قبل 14 فبراير سببه سيادة اللغة الطائفية في المشهد اللبناني، وحين تحضر الطائفية تتلاشى ثورة الأرز التي قام بها اللبنانيون لا الطوائف، ومن حسن الحظ أن ذكرى استشهاد رفيق الحريري الوطنية خففت من التشنج الطائفي. إنني متفائل بأن الأمانة العامة لقوى 14 آذار قادرة على إنجاز المراجعة النقدية ولمّ الشمل، لكن هذا النقد الذاتي لن ينجح إلا إذا اعترف كل طرف في ثورة الأرز بالأخطاء التي ارتكبها وعلى رأسهم سعد الحريري نفسه. لقد تحدثنا عن الأخطاء سابقا: الغياب، ترهّل تيار المستقبل وحضور عديمي الكفاءة في بعض المواقع، غياب الدقة أحيانا في إدارة العلاقة مع الحلفاء والخصوم، ضعف إدارة المال السياسي والمؤسسات المحيطة به، عدم ملاحظة مكامن القوة في قوى 14 آذار، وأقصد هنا جمهور 14 آذار وشارعه. هذا الشارع نسيه قادة 14 آذار مع أنه هو السلاح الفاعل والرابح لثورة الأرز، لقد استطاع الحريري تبرير ترشيح سليمان فرنجية بحرفية حاسمة، لكنني أعتقد أننا وصلنا لهذه النتيجة بسبب هجران الشارع، لو أعادت قوى 14 آذار جمهورها إلى ساحة الشهداء تستطيع الضغط في معركة الرئاسة وربما الانتصار، وفي حال أصرّت على نسيان جمهورها لن تتقدم خطوة في معركة الفراغ. المطلوب من سعد الحريري باختصار هو إعادة توحيد السنّة تحت قيادته لصد الاستهداف الأقلّوي المتمثل في سياسات ولغة محور الممانعة ضدهم، إعادة الروح لثورة الأرز وتوحيدها على أسس واضحة وعادلة وسليمة، إعادة هيكلة تيار المستقبل وإنصاف حلفائه من غير السنّة، وليس آخرا العودة إلى ساحة الشهداء.بعد خطاب الحريري شاهدنا خطاب أمين عام ما يسمّى بحزب الله السيد حسن نصرالله، وبالمقارنة بين الخطابين نتوصل إلى النتيجة النهائية التي تحدثنا عنها سلفا، أخطاء الحريري وعيوبه أفضل من حسنات نصرالله وإيجابياته، جهنّم الحريري ومحور الاعتدال أرحم من جنة إيران والحزب الإلهي، كان الحريري وطنيا ودستوريا في خطابه بينما كان نصرالله طائفيا واتهم السنّة تقريبا بالعمالة لإسرائيل، لبنان هو محور خطاب الحريري وموضوعه في حين أن خطاب نصرالله ليس فيه لبنان الذي لا يعترف به، دافع الحريري عن العروبة ونافح نصرالله عن الإرهاب، وفي كل الأحوال حين يذكر اسم الحريري نتذكر الإعمار والتنمية والدولة والصدق والمواطنة، في حين أن ذكر اسم الحزب الإلهي أصبح مرتبطا بالإبادة العرقية واستهداف الدولة والعنصرية والكذب، اسم تيار المستقبل مرتبط بحب الحياة بينما اسم الحزب الإلهي مرتبط بالموت وبالخراب وبالمخدرات وبغسيل الأموال، تنتقد سعد الحريري وتنام آمنا، لكنك إذا انتقدت نصرالله أو حزبه أو إيرانه تنتظر الرصاصة. من ألقى خطاب البيال ليس سعد الحريري، بل هو نسخة أفضل، وليته لا يضيع أثره الممتاز بالخمول أو بالجمود أو بالرحيل، فالخوف عليه من نفسه ومن حاشيته قبل خصومه ما زال قائما مصداقا لقول الشاعر “وسوى الروم خلف ظهرك روم /فعلى أيّ جانبيك تميل”. قال الحريري إنه يتمنى لو كان رفيق الحريري مكانه، صدقني دولة الرئيس، لقد جاء رفيق الحريري الى قاعة البيال مشاهدا خطابك مع الحضور، وقد خرج فخورا بك، لا يهمّ أن تخذلنا، لكن إياك أن تخذل رفيق.

جراحة سعودية في لبنان
سلمان الدوسري
الشرق الأوسط/21 شباط/16
تغير الخط خط النسخ العربي تاهوما الكوفي العربي الأميري ثابت شهرزاد لطيف
لا يوجد توصيف للحالة اللبنانية المأساوية الراهنة – التي أفرزت قرارًا سعوديًا متوقعًا بمراجعة العلاقة مع لبنان – أبلغ من يأس وزير العدل اللبناني أشرف ريفي من العدل في بلاده، واضطراره للجوء للقضاء الدولي لملاحقة الوزير السابق ميشال سماحة، الذي يتسلح بمواقف حزب الله باعتبار الحزب فوق الدولة اللبنانية. تخيلوا وزير العدل ذاته ضحية لمؤامرات الحزب ولا يستطيع مواجهتها، فما الحال والساحة اللبنانية أضحت محتلة من قبل قوى محلية تعمل لصالح الأجندة الإيرانية، فهل نستغرب بعد هذا كله قيام السعودية بعملية جراحية في الجسم الرسمي للدولة اللبنانية، أملاً في إنقاذها من تفشي العدوى الإيرانية؟!
كل العرب يعرفون جيدًا أن السعودية دعمت لبنان دائمًا دون تخصيص فريق بعينه؛ دعمت الشيعة كما السنة، المسيحيين كما المسلمين، والحال ينطبق على باقي الطوائف والديانات، حتى المناطق الشيعية التي دمرتها إسرائيل إبان حرب 2006. أعيد بناؤها بالأموال السعودية رغم الموقف السياسي العدائي لحزب الله، فالسعودية وكما أكدت في بيانها «تقف إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق بكافة طوائفه، وأنها لن تتخلى عنه وستستمر في مؤازرته، وهي على يقين بأن هذه المواقف لا تمثل الشعب اللبناني»، لكن ما الحيلة ما دام حسن نصر الله وحزبه يريدان تحويل لبنان الدولة ليكون منصة لمهاجمة المملكة والعرب لصالح إيران؟ ما العمل ووزارة الخارجية التي يسيطر عليها الحزب عبر حليفه ميشال عون، اتخذت مواقف أبعدت لبنان عن الإجماع العربي وأضحى في الأحضان الإيرانية؟!
بقرارها هذا رمت الرياض بالكرة في ملعب اللبنانيين أنفسهم، فإذا رأى اللبنانيون مصالحهم في الانتقال للضفة العربية والتخلص من الهيمنة الإيرانية، فالأمر ليس بصعب على اللبنانيين. أما، وبكل صراحة، إن رأوا أن مستقبل بلادهم ومصلحتها مع البقاء في الضفة الفارسية بكل تعقيداتها وكوارثها، فهذا أيضًا حقهم ولا ينازعهم فيه أحد. كذلك فإن الحكومة اللبنانية الحالية عليها أن تحدد موقفها جيدًا، أما سياسة مسك العصا من الوسط التي يمارسها بعض الوزراء، ومن خلفهم عدد من السياسيين اللبنانيين الذين انكشفت حقيقة مواقفهم وقدرتهم على الزعامة، فلم تعد تجدي بعد أن بلغت الأمور حدًا لا يطاق وإيران تحتل مقعدًا في الجامعة العربية عبر البوابة اللبنانية.
لا يمكن لأي دولة في العالم أن تقبل مد يدها بينما من يفترض أنه صديقها يطعنها باليد الأخرى، لا تقبل أي دولة في العالم أن تستغل المساعدات التي تقدمها في مؤامرات تستهدف أمنها واستقرارها. الرياض صبرت طويلاً ولم يعد أمامها إلا القيام بفعل يعيد لبنان إلى حضنه العربي.
لم ينجح نظام الأسد في اغتيال رفيق الحريري فقط، بل نجح في اغتيال الزعامة الفعلية التي وضعت حدًا للارتهان للقرار السوري والإيراني. الحقيقة أنه لم يستطع أحد ملء ربع الفراغ الذي تركه الحريري (الأب)، فكان لا بد من العملية الجراحية السعودية لإنقاذ لبنان وردم الهوة القائمة بينه وبين محيطه العربي. ومهما كانت العملية قاسية وصادمة بل ونتائجها موجعة، فإنها أفضل ألف مرة من استمرار الحال بأن تكون عاصمة الدولة اللبنانية طهران وليس بيروت!

يمثل حزبه
سمير عطا الله
الشرق الأوسط/21 شباط/16
لعلني أستطيع الادعاء أنني ممن رافقوا العلاقة السعودية اللبنانية بصفة شخصية منذ ما يزيد على نصف قرن. في مراحل كثيرة كانت الرياض تتوقع من بيروت على الأقل، أن تقف منها على الحياد في خلافاتها العربية، ولكن بيروت كانت أسيرة ما يسمى بالشارع المعادي.
لكن الدبلوماسية اللبنانية الموكلة تلك الأيام إلى رجال من خيرة القوم وخبراء السياسة، كانوا يعالجون المآزق بالدراية والأدب. ولم تخضع السياسة الخارجية للموجات الإعلامية، بل ظلت في منأى عنها.
ودائمًا كان الخيار بين أن يخسر لبنان واللبنانيون ما تعود به العلاقة السعودية من فوائد، وما تعود به العلاقة «الثورية» من صخب وضجيج وإذاعات. لذلك، كان لا بد من رجال كبار يديرون هذا الخلل الهائج، بما يحفظ مصلحة لبنان كدولة وشعب، مع أهم شريك اقتصادي له عبر العقود، ناهيك بالسند السياسي. ففيما كانت الأموال تتساقط على لبنان لإشعال الحرائق خلال الحرب، كانت السعودية تناشد السياسيين من أجل أن يوقفوا القتل ويحبوا بلدهم ويشفقوا على شبابهم المشتت بين المتاريس والهجرة.
الجنرال ميشال عون كان الفريق الوحيد الذي رفض «اتفاق الطائف». طارد النواب لكي يمنعهم من المشاركة، وقصف بيوتهم بمدفعه الشهير، وظل يعادي الاتفاق إلى ما قبل أسابيع عندما اقتضت أدبيات الترشيح للرئاسة، أن يوقع مع «القوات اللبنانية» اتفاقا مليئًا بالألفاظ المطبطبة والفضفاضة، منها صرف بضع كلمات على «اتفاق الطائف» بعد ثلث عقد، من إقراره.
وزير خارجية لبنان في بلد بلا رئيس هو مستشار عون الأول وصهره ووريثه في حزب «التيار الوطني الحر». منذ أن دخل الوزارة اتضح أن خللاً أصاب السياسة الخارجية. ليس فقط حيال السعودية والخليج، بل حيال مجموعة الدول التقليدية أيضًا. وكان جبران باسيل يدخل إلى جلسات مجلس الوزراء ليؤنب ويندد ويرخي غطرسته الدلعة على الرئيس تمام سلام وأدبه وعراقته إلى أن انفجر سلام به ذات يوم. مؤسف للسعودية ولبنان أن بلدين في هذا القرب التاريخي، يدفعان ثمن قحة لا حدود لها. كنا نتمنى إذا لا بد من أزمة تاريخية في هذا الحجم والتأثير والخسارة، ألا تكون بسبب رجل يتعاطى مع السياسة الخارجية كأنها لعبة أخرى في بيته. لم يعد ممكنًا أن نطلب من السعودية «تفهم ظروف لبنان» بعد خروج باسيل، وحيدًا، عن الإجماع العربي والإسلامي. لكن أيضًا باسيل ليس لبنان، ولا هو 500 ألف لبناني في الخليج، يرتعدون كلما قرَّر أن يحكي.