أحمد عدنان: نصرالله بين إيران وإسرائيل/ربى كبّارة: مرشد الجمهورية والهروب من الداخلي إلى الإقليمي/شادي علاء الدين: نووي نصرالله وعروبة سعد الحريري

262

نصرالله بين إيران وإسرائيل
أحمد عدنان /العرب/19 شباط/16

الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، ربما يكون الخطاب الأكثر إثارة للشفقة في تاريخه. هو خطاب يدين خطاب صاحبه وخطه السياسي، من دون أن يخدش بخصوم محور الممانعة لبنانيا وعربيا. دعونا نتأمل المناسبة جيدا، ذكرى استشهاد أو اغتيال القيادي في الحزب عماد مغنية، أشارت بعض المصادر إلى أنه مهندس العلاقة بين تنظيم القاعدة وبين إيران وحزب الله، عاد اسمه إلى التداول هذه الأيام بعد اعتقال محمد نور الدين الموقوف خارج لبنان بتهمة تبييض الأموال والاتجار بالمخدرات، يعمل نور الدين في مكتب باك “قسم العمليات التجارية لجهاز الأمن الخارجي في حزب الله” المخصص لتمويل نشاط الحزب الإلهي، وقد أسس هذا المكتب عماد مغنية المطلوب في العشرات من الدول بسبب خطف الطائرات وتفجير سفارات واستهداف مدنيين، ولا أعلم كيف يجتمع الله والمخدرات في حزب واحد إلا إذا كانت هناك صلة لإيران.
فلنتأمل مضمون الخطاب، لقد خلا من أي إشارة إلى لبنان، وهذا غير مستغرب من حزب إيراني، لبنان بالنسبة إليه حيز جغرافي لا أكثر. وإذا انتقلنا إلى التفاصيل تتضاعف المأساة، لقد ذكرنا نصرالله بجرائم إسرائيل في فلسطين “السنية” وفق نص نصرالله، ثم أكمل مترجيا العرب والسنة ألا يفضلوا إسرائيل على إيران.
دعونا نتأمل هذه الزاوية التي أثارها نصرالله نفسه، المقارنة بين إيران وإسرائيل، والحقيقة نحن أمام دولتين متشابهتين إلى درجة كبيرة، فكلاهما يصح تصنيفه في إطار الدولة الدينية، إيران هي الجمهورية الإسلامية، وإسرائيل مع تصاعد تأثير القوى الإسلاموية في العالم اختارت أن تكون “الدولة اليهودية” بدلا من “دولة لليهود”، وهذه ملاحظة لا تربط فقط بين إسرائيل وإيران، بل تشير أيضا إلى التحالف الموضوعي بين إسرائيل وبين قوى الإسلام السياسي، فمن جانب من الجوانب، كلا الطرفين، الدولة الصهيونية والإسلام السياسي وعلى رأسه إيران وحزب الله، يمنحان شرعية الوجود والتطرف لبعضهما البعض.
وإذا أكملنا منظار التشابه بين إيران وإسرائيل، سنلاحظ أنهما تنظران بدونية إلى جنس العرب، كما أنهما تحملان نفس الهم التوسعي، مع ضرورة الإشارة إلى نقطة مثيرة، أن إسرائيل تراجعت عن التعريف الكلاسيكي للتوسع “السيطرة على الأرض”، إلى تعريف أكثر حداثة “السيطرة على الزمن”، وليس أدل على ذلك مشروع الجدار الفاصل في الأراضي المحتلة، هذا الجدار أعلن موت الحلم الأسطوري “دولة من النيل إلى الفرات”، لكنه بلا شك لم يقتل بعد مشروع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية. يلاحظ نصرالله أن النبرة العدائية العربية إزاء إسرائيل تقلصت وتحولت إلى نصيب إيران، وكلامه دقيق، لكن هذا التحول لا يدين العرب، بل يدين إيران حصرا. عدد نصرالله جرائم إسرائيل من تجويع وتهجير وتطهير عرقي، وما ذكره حقيقة ناقصة، فما فعلته إسرائيل ضد “السنة” الفلسطينيين في الماضي، تفعله إيران اليوم عبر حزب الله والحرس الثوري وميليشيات الحشد الشعبي في لبنان والعراق وسوريا، نذكر السيد بد يالي في العراق، ومضايا والقصير والزبداني في سوريا، والطفيل وعرسال في لبنان، إضافة إلى اغتيال شهداء ثورة الأرز واستهداف بيروت والجبل في أحداث 7 مايو، هذه نماذج من جرائم إيران ونصرالله وحزبه، لن نتحدث عن تفجيرات الخبر ومحاولة اغتيال أمير الكويت ومشروع نمر النمر الميليشيوي وخلايا التجسس في دول الخليج واستهداف الدولة اليمنية وتعطيل الدولة اللبنانية، إننا نتحدث عن إجرام حاضر مطابق لإجرام إسرائيل في الماضي، بل إن بعض الجرائم الإيرانية لم تجرؤ عليها إسرائيل، بالتأكيد لم تتوقف إسرائيل عن إجرامها وإرهابها إلى يومنا هذا، لكنها اليوم من حيث الكم تتضاءل أمام جرائم إيران وإرهاب أذنابها. يؤسفني أن أبلغ أمين عام الحزب الإلهي، أن جرائم حزبه ودولته الراعية في لبنان وفي العالم العربي، لم تسحب منه فقط الصفة اللبنانية التي تحتقرها أدبيات الحزب وشعاراته، بل سحبت منه العروبة وألغت حقه في الحديث عن قضية شريفة كالقضية الفلسطينية. ليس مسموحا أن يتحدث نصرالله عن السنة، وهو يتخذ الحرب على الإرهاب شماعة لإبادتهم وتهجيرهم وتجويعهم، لقد ذكرني بالمثل المصري “يقتل القتيل ويمشي في جنازته”. يزعم أمين الحزب الإلهي أن الموقف السعودي والإسرائيلي واحد في سوريا، ولو كان كلامه صحيحا لما ظل بشار الأسد ولما كان بوتين ونتنياهو على أتم تنسيق، يكفي أن نتذكر تصريح رمز أسدي هو رامي مخلوف “بقاء الأسد من أمن إسرائيل”. إيران تسير اليوم على منهج إسرائيل، تستنسخ التجربة الإسرائيلية في العراق وسوريا ولبنان، ومن حسن الحظ أنها فشلت في اليمن، ولا أتوقع أن تنجح في سوريا، والمؤسف حقا أن أفعالها شرعت وجود إسرائيل وجملت صورتها. إيران هي إسرائيل الثانية وما يسمى بحزب الله أو بالحرس الثوري أو بالحشد الشعبي، استنساخ متأخر لعصابات الهاجانا وإرجون التي قامت على إرهابها الدولة الصهيونية، إيران وأذنابها أسوأ من إسرائيل، وهذا ليس ثناء على الصهاينة ودولتهم، إنما مذمة لإيران وحزب الله إلى يوم يبعثون.

 

«مرشد الجمهورية» والهروب من الداخلي إلى الإقليمي
ربى كبّارة/المستقبل/19 شباط/16
غيّب الامين العام لـ»حزب الله» حسن نصر الله الشأن الداخلي عن خطابه الاخير، وكأنه يوحي بأنه سبق له ان قال كلمته ومشى في الشأن الرئاسي، وتتلخص حصرا بضمانة وصول حليفه النائب ميشال عون، وإلا فالفراغ مستمر حتى حسم الاوضاع الضبابية في الاقليم، الذي صال وجال في فضائه باعتبار محوره الممتد من ايران الى روسيا يحقق انتصارات حاسمة في سوريا. وفيما يحتل ملء الفراغ الرئاسي الذي مضى عليه عشرون شهرا اولوية سائر القوى السياسية، خصوصا مع عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت وجهوده «كزعيم فعلي» لتحقيق نصاب جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، وفق سياسي لبناني سيادي، لان الاهم حاليا «حماية لبنان» من اللهيب المستعر في المنطقة خصوصا مع انخراط «حزب الله» المستمر في الحرب السورية الى جانب الاسد. فقد تجاهل نصر الله، باعتبار نفسه «مرشد الجمهورية» وزعيما اقليميا عابرا للحدود، خشبة الخلاص التي مدّها له الحريري عندما رفض ان يقال ان الحزب لا يريد الانتخابات الرئاسية انما «يستمهل»، وتأكيده ان تيار «المستقبل» لن يقاطع اية جلسة انتخاب وهي الذريعة التي سبق لنصر الله ان تلطى خلفها حتى لا يؤمن نصاب انتخاب عون بعد ان تبنت ترشيحه «القوات اللبنانية«. فنصر الله المتحكم عمليًا بالساحة المحلية، عبر سلاحه والتعطيل، لم يجد مرجعية لتوصيف الملفات الاقليمية غير تقارير اسرائيلية مفادها «ان نكون اصدقاء مع السنة العرب»، والتي القى بثقلها على حكام عرب وشخصيات لم يجد اسما واحدا منها ليعرضه، وهو ما يرى فيه المصدر نفسه دليل ارباك وهروب الى الامام ومحاولة لشد عصب الطائفة التي ترزح تحت وطأة الخسائر البشرية في سوريا. ومن ابرز حججه على التواطؤ «تطابق بين الادبيات الاسرائيلية وبعض الإعلام العربي خصوصا السعودي والخليجي» متناسيا مثلا ان وزير الاستخبارات الايراني السابق حيدر مصلحي سبق له ان استشهد بقول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن سيطرة ايران على اربع عواصم عربية.
فقد جال وصال نصر الله في فضاء الانتصارات الوهمية فيما الجهود تنصبّ على خفض سعير الفتنة الشيعية-السنية المستشرية في المنطقة جراء عنجهية ايران. واتى كلام نصر الله بتركيزه على «اهل السنة» وتواطؤ حكامهم مع اسرائيل كمن يصب الزيت على النار، وخصوصا أن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان محطة تأسيسية لفرض هذه الفتنة كما تبين لاحقاً. وخشية تطورات المنطقة بعد التمهيد لتدخل محتمل بري تركي- سعودي لمحاربة «داعش»، تحت مظلة التحالف الدولي، حاول نصر الله التقليل من اهمية هذه المستجدات التي لوحت روسيا بأنها قد تؤدي الى حرب عالمية. وقد تناسى كل حملة التشكيك التي شنها محوره قبل عام بشأن إمكان التدخل السعودي العسكري في اليمن.فحملته المتجددة على السعودية شملت هذه المرة تركيا ايضاً، ووضعتهما الى جانب اسرائيل في السعي للتخلص من بشار الاسد. وقد شدد على ان اسرائيل تسعى لازاحة الرئيس السوري باعتباره «عمود خيمة المقاومة» متناسيا انها لطالما سعت مداورة للحفاظ على من أمّن مصالحها على مدى عقود عبر هدوء جبهة الجولان، باستثناء العنتريات اللفظية ومنها مؤخرا اطلاق المقاومة من هذه المنطقة من دون ان تنفذ حتى الآن عملية واحدة. لقد اعطى نصر الله في خطابه اولوية لموقع اسرائيل، ملوحا بامتلاك ما يشبه القنبلة النووية بسبب صواريخه التي بإمكانها ان تطال مخازن غاز الامونيا في حيفا، في محاولة لاحياء مقاومة لم تنفذ اية عملية ضد الدولة العبرية منذ العام 2006 وحتى لم تثأر لكبار منها اغتالتهم تلك الدولة مؤخرا من سمير القنطار الى نجل عماد مغنية.

 

نووي نصرالله وعروبة سعد الحريري
شادي علاء الدين/العرب/19 شباط/16
بذل السيد نصرالله في خطابه الأخير جهودا جبارة لإقناع الكون كله بقدراته العسكرية الهائلة، والتي تشكل في مجموعها ما يعادل قنبلة نووية يمكن الحصول عليها عبر إطلاق بضعة صواريخ على حاويات مادة الأمونيا في حيفا. هذا المعطى يعني بالنسبة إلى السيد أن لبنان يملك قنبلة نووية نظريا، وإن كان لا يملكها فعليا. لا نفهم لماذا لم يجد السيد نفسه معنيا بعد أن كشف عن هذا التفصيل شديد الأهمية بالركون إلى النهج الإيراني في التصرف، أي محاولة إجراء اتفاق مع الغرب والعالم يعيد إنتاج صورته، ويخرجه من دائرة التوصيفات الإرهابية، ويسمح بضخ الاستثمارات إلى لبنان مقابل التخلّي عن مثل هذا الطموح النووي. لماذا لا يعتمد السيد مثل هذا الخيار خصوصا أن النووي الخاص به زهيد الثمن والكلفة قياسا إلى الكلفة الضخمة للمشروع النووي الإيراني، الذي كلف مليارات الدولارات وتخلت عنه إيران صاغرة مقابل صيغة تسمح للنظام بالبقاء والاستمرار. لا يبدو السيد مهتما بمثل هذه المقايضة. عملية الغوص في قلب خطابه تظهر بوضوح شديد أن النووي الفعلي الذي يسعى إلى تخصيبه ما هو إلا الحرص الشديد والواضح على صناعة حرب سنية شيعية. تستجيب هذه الفتنة المشتهاة لحالة إيران بعد الاتفاق النووي، حيث أن ما يفرضه من انفتاح على العالم يهدد بإسقاط جدران التجهيل والخوف وحجب المعلومات، ويمنع تاليا نشوء إمبراطورية الرعب والترهيب. هكذا ومن باب الحاجة الملحّة إلى العدو الذي يستبدل شيطنة أميركا التي لم تعد ممكنة، بات من الضروري خلق عدو يمكن استعماله لخلق حالة رعب ضخمة، من شأنها إسكات كل الأصوات المطالبة بالخبز والحرية في إيران خاصة، وفي الوسط الشيعي عامة.
المهمة كانت شديدة الصعوبة. السيد وجد نفسه إزاءها مضطرا إلى الاعتراف بضرورة استعمال أدبيات غير مناسبة للتحدث عن الموضوع السني، وربطه بإسرائيل التي تعلن على الدوام أن الأخطار الوجودية والأساسية التي تهدّد كيانها، إنما تعود بشكل حصري إلى إيران وحزب الله. لذا فإنها تسعى لرد هذه الأخطار عبر الحلف مع السنة الذي بات ممكنا أكثر وأكثر، بعد الانخراط السني الفاشل في الحرب السورية. يأتي السيد على ذكر السنة مرارا وتكرارا وينسب إليهم مجموعة من العناوين التي تضعهم في حالة تكامل وجودي مع إسرائيل. يتجنب بشكل لا يمكن أن لا يكون مقصودا ذكر كلمة العرب، أو الإشارة بأيّ شكل من الأشكال إلى مفردة العروبة، وذلك على عكس التحديد الواضح والصريح للهوية في خطاب سعد الحريري في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي ربطها بالعروبة بشكل حصري ونهائي.مفارقات حادة تبرز أمام النظر حيث أن الزعيم السني الأبرز في لبنان سعد الحريري ألقى خطابا يكاد يكون خاليا من ذكر السنة وحافلا بالتأكيد على أولوية العروبة في تحديد الهوية، في حين أن نصرالله الزعيم الشيعي الأبرز في لبنان أسرف في ذكر السنة وشيطنتهم إلى حد كبير، وعمد إلى تغييب مفردة العروبة من خطابه. كل هذا يعني أن إيران وصلت عبر مراكز الدراسات التي تعطي المعلومات للسيد نصرالله إلى قناعة راسخة، مفادها أن العروبة تشكل الخطر الوجودي والأساسي على إيران ومشاريعها، لأنها تشكل فعليا بنية قومية متخيلة عابرة للحدود والدول. مفهوم القومية كما يراه بندكت أندرسن يتحدد في “أنها جماعة سياسية متخيلة حيث يشمل التخيل أنها محددة وسيدة أصلا”. مفردة “متخيلة” لا تعني أنها لا توجد سوى بالخيال، بل إنها ليست جماعة يعرف أفرادها بعضهم بعضا كما في العائلة، لكنها متصورة، حيث يمكن أن ينتمي المرء عبر القومية إلى مجموعة من ملايين الأشخاص الذين يتشارك معهم الانتماء القومي، من دون أن يرتبط بهم بروابط مباشرة. الجماعة المتخيلة ليست خيالية، بل هي جماعة واقعية في فعلها، وتأثيرها، ومن خلال واقعية الأدوات التي تستعملها في التعبير عن نفسها. إصرار حزب الله على نفي العروبة من التداول في خطاب السيد، يجد تفسيره في المعطى الذي يقول إن الجماعة المتخيلة تزداد صلابة وقوة كلما تفككت الجماعات المباشرة التي تقع الطائفة على رأسها، حيث أن الإطار الواسع والعام، والذي يشكل الجسد المؤسس للجماعة المتخيلة، يقوم بمهمة تعويضية وجامعة، تكمن مهماتها في إقامة جماعة سياسية تسعى نحو الوحدة والسيادة. هنا نصل إلى لبّ المعادلة التي تشكل المفصل الأساسي للمشروع الذي عبر عنه السيد نصرالله في خطابه، حيث أن العروبة بوصفها جماعة متخيلة تتلاشى وتندثر مع نمو وصعود الطائفة. نصرالله يستدعي إذن السنة كطائفة في محاولة للقضاء على العروبة التي تذوي وتتفكك بالطائفية. الخطير في مفهوم العروبة أنه قادر على سلب إيران امتدادها في المنطقة، وحرمانها من التحول إلى الناطق الرسمي باسم الشيعة في كل العالم كما تحاول أن توحي حاليا، لأنها تنطوي على ذلك البعد الذي يجمع بين السنة والشيعة في إطار ثقافي وسياسي وتاريخي وواقعي موحد. هذا الفرق بين نووي إيران ونصرالله القائم على الطائفية ونووي الحريري القائم على العروبة.