روزانا بومنصف: جنبلاط لا يرى انتخابات ولا مرشحاً وسطياً/محمد قواص: لبنان: انتعاش المارونية السياسية/وائل إبراهيم الدسوقي:الحرب الأهلية اللبنانية تلقي بظلالها على بوكر 2016

315

جنبلاط لا يرى انتخابات ولا مرشحاً وسطياً
روزانا بومنصف/النهار/29 كانون الثاني 2016

على طريقة رسامي الكاريكاتور، بات النائب وليد جنبلاط يختصر في عبارة او صورة رأيا سياسيا بكامله من دون الحاجة الى تفاصيل او اضافات ما لم يرغب في الاسترسال في تغريدات متقطعة تضيف الى الصورة الكاريكاتورية قيمة مضافة من حيث السخرية. فهو اختصر بصورة معبرة تجسد الحرباء بالوانه المتعددة المبعوث الأممي الى سوريا ستافان دو ميستورا. لا تساور جنبلاط آمال فعلية بان يسفر انطلاق المفاوضات في جنيف عن اي نتيجة ايجابية. يقول:”كان هناك بعض الامل في 2012 حين كان يتقدم الجيش الحر وكان هناك تشكيل وطني سوري. اصطدمتُ برفض اميركي – تركي – بريطاني وقتذاك حين التقيت السفير جيفري فيلتمان مع الموفد الاميركي الى سوريا فريد هوف آنذاك وقبل مغادرة فيلتمان الادارة الاميركية، والتقيت وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ من اجل مساعدة المعارضة. ثم بدأت الامور تتراجع وتولت دول عدة ادارة هذا الملف من دون تنسيق الى ان دخل عناصر تنظيم الدولة الاسلامية. وكأنه كان يراد ان تعبر الى سوريا والعراق اكبر نسبة ممكنة من هؤلاء فتم تسهيل امورهم للانتقال الى هناك. هل تفسيري يندرج تحت نظرية المؤامرة؟ هو كذلك وقد تكون لعبة مزدوجة اتاحت عبور المتشددين من تونس والمغرب وفرنسا وبريطانيا والمانيا، وقد التقت المصالح الغربية مع مصالح النظام تحت عنوان واحد هو محاربة تنظيم الدولة الاسلامية والتسوية لمصلحة النظام التي كانت تريدها الولايات المتحدة”. يعتبر جنبلاط ان ادارة الرئيس باراك اوباما لا تريد ان تسمع بسوريا، في حين ان روسيا وكذلك ايران كانتا مع النظام. ولا ننسى، يقول رئيس الحزب الاشتراكي، “ان هذا النظام يبقى ضرورة لاسرائيل منذ تسلم حافظ الاسد السلطة رسميا. حصلت خلافات غير متوقعة في حرب 1982 لكن منذ دخلت سوريا الى لبنان وحتى خروجها منه كان هناك تنسيق وتناغم بينها وبين اسرائيل. ففي الصورة الاكبر لم يتغير شيء فيها منذ 40 عاما اي النظرية التي نادى بها رفعت الاسد في سوريا وميشال سماحة وكريم بقرادوني في لبنان عن تحالف الاقليات. آنذاك كان يستهدف العلوي والماروني واصبح يستهدف العلوي والماروني والشيعي، وان لم يكن جميعهم، وهو نجح بضم دروز سوريا الى هذا التحالف، في حين يجب الا ننسى التحالف اليهودي ايضا. كمال جنبلاط اغتيل لانه رفض هذه النظرية وكان من ضمن التحالف القومي العربي الفلسطيني ولا تزال الثوابت هي نفسها”. ويضيف جنبلاط الى هذه الصورة “ان سوريا دمرت من النظام والتحالف والتنظيمات المختلفة في حين ان الخاسر الاكبر في سوريا والعراق هو العربي السني حيث ملايين المهجرين السنّة”.
لا يعتبر جنبلاط ان تدخل روسيا انقذ النظام السوري فحسب، “بل ان هذا الاخير امّن نفسه منذ الاتفاق على نزع السلاح الكيميائي منه. وبما انه غير مطلوب حتى التفكير في تغيير النظام سيأتي وقت يطلبون فيه من المعارضة اليتيمة في الرياض التي ستلصق بها المعارضة الموالية لدمشق وموسكو الانضمام الى حكومة وحدة وطنية وسيبقى لبشار الاسد 6 سنوات اضافية يترشح بعدها، او ربما ابنه، للرئاسة مجددا”. بالتقدم على الارض في مناطق عدة اخيرا زاد الطوق الامني على لبنان، وفق جنبلاط، ما ترجم في الطوق السياسي الذي كان من تجلياته اطلاق سماحة وعدم الاستعجال في بت موضوع الرئاسة. “فعلى طاولة الحوار او مصلحة تشخيص النظام كما سميتها شخصنا رئيسين من 8 آذار”. تمييزه نسبيا سليمان فرنجيه يعود “الى تجربتي مع سليمان الجد وخبرتي وتجربتي مع سليمان الحفيد الشاب الصريح بحيث نعرف اين نذهب ويقول بان هذا لا قدرة عليه مثلا، في حين ان العماد ميشال عون يظن انه قادر على حل بضعة امور. تعاطيّ الشخصي مع عون مختلف عن تعاطيّ مع فرنجيه، فلا خبرة سياسية لدي مع الجنرال علما اننا اصطدمنا بالعسكر لكنها صفحة سوداء مرت”.
لا يعتقد جنبلاط بامكان حصول انتخابات قريبا على رغم ان نائب وزير الخارجية الايراني حسين عبد الامير اللهيان كان ربط امام وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس المسألة بحصول اتفاق لبناني، كما لا يعتقد بان خيار الذهاب الى مرشح وسطي ممكن على رغم تمسكه بمرشحه النائب هنري حلو. “لا تزال نقطة اساسية عالقة وهي قانون الانتخاب لان الفريق السوري الايراني لن يستطيع ان يقبل بعدم امتلاكه الغالبية في المجلس النيابي وهو غير مستعجل لرهانه على تحسن في الظرف السياسي والعسكري”، مستبعدا “ان تكون رئاسة الحكومة هي الاشكالية اذ ان الحكومة اضحت تفصيلا باعتبار ان طريقة الحكم اصبحت جماعية وفق تجربة الحريري الاب ثم الابن وفي ظل نظرية تفعيل الحكومة على قاعدة اذا رفض مكونان قرارا ما يوضع جانبا”. يرى جنبلاط انه “كلما طال الانتظار زادت الخسارة. فالاهتراء هائل لمؤسسات الدولة كلها وصولا الى مؤسسة الجيش ولا احد يرى الارقام المتصاعدة للدين العام”.
هل يمكن وساطة ما للسيد حسن نصرالله مع الرئيس نبيه بري من اجل انتخاب العماد عون ان تؤثر على جنبلاط، وهل غيّر “اعلان معراب” المشهد السياسي؟ “ليسمح لنا. لا تزال هناك حرية حركة محدودة وليس 11 صوتا ما يقدم او يؤخر بل تلاقي افرقاء عدة من كتلة “المستقبل” الى كتلة “التنمية والتحرير” وسواهما. فليتوجه الجميع الى مجلس النواب وتأخذ اللعبة السياسية مداها حيث نقرر في المجلس وليس خارجه”. اما “اعلان معراب” فيعتقد جنبلاط انها حسابات قريبة المدى وخسارة لـ 14 آذار، نافيا علمه اذا كان جعجع سينضم الى تحالف الاقليات في المنطقة ام لا.

لبنان: انتعاش المارونية السياسية
محمد قواص/العرب/29 كانون الثاني/16
تصدّعَ رمزيا اتفاق الطائف، وعاد المسيحيون يقودون اللعبة السياسية في لبنان. يعيد تكاتُفُ التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية في شأن هوية رئيس الجمهورية العتيد، سواء كان الجنرال ميشال عون أم لا، عقارب الساعة إلى أزمنة سابقة على الحرب الأهلية، حين كان السجال الرئاسي مسيحيا – مسيحيا ترفده أو تتأمله أو تناكفه الطوائف الأخرى. يبدو سمير جعجع في تحرّيه لدور مسيحي مستقل فاعل أكثر مصداقية من “حليفه” الجديد ميشال عون. أفصح الأخير، منذ “ورقة التفاهم” الشهيرة مع حزب الله، عن تبعية كاملة لقرارات الحزب في الضاحية، كما خيارات الحاكم في طهران. لم يتردد الجنرال في تغطية كافة انحرافات حزب الله، سواء في حرب “لو كنت أعلم”، أو في “اليوم المجيد” في “7 أيار” الشهير، أو في اعتصام “المقاومة” في وسط بيروت، أو في الانقلاب على حكومة سعد الحريري ونفي الرجل بعد ذلك خارج البلاد. في المقابل حافظ سمير جعجع على وضعية الحليف غير التابع لتيار المستقبل، مع تقديم الدليل تلو الدليل على استقلالية القوات اللبنانية وخصوصية خياراتها، حتى لو لم ترقْ للتيار الأزرق. رفض جعجع المشاركة في وزارات “تواطأ” تيار المستقبل في تشكيلها، وذهب باتجاه تبني قانون الانتخابات المسمى “الأرثوذكسي” حين رفضه الحريري وتياره، ولم يوافق، إلا بشروط، على “تشريع الضرورة” الذي دعا إليه نبيه بري بمباركة المستقبل، ولم يشارك في الحوار الوطني الذي سارع إليه المستقبليون، ولم يرقه حوار المستقبل وحزب الله الذي أزاح القوات والآخرين وحوّل الخلاف السياسي الشامل إلى خلاف بين السنّة والشيعة. حتى أن أوساط “المستقبل” لطالما عبّرت عن اندهاش بالجودة العالية لتحالف عون مع حزب الله والتزامه التام بتغطية خيارات الحزب، مقابل الطبيعة النسبية للتحالف مع جعجع وعلل ابتعاده المتكرر عن خيارات الحريري وتياره.
حقوق المسيحيين، التي لطالما كانت بيرق العونية، تبدو الآن مشروعا حقيقيا، لا شعاراتيا، يُقاد من معراب، لا من الرابية. بدا سمير جعجع، في حفل “تنصيب” عون، أميرا يمنح البركة، فيما ظهر ميشال عون مزهوا بالرضى الذي أنزله عليه صاحب السمو وبتلك البركة التي محضه إياها. ولئن كان وصول المرشح ميشال عون يحتاج إلى مباركة السنّة أو/ والشيعة، فإن إعلان معراب بات يؤكد أن وجهة بعبدا يقررها المسيحيون، وأن على الحلفاء المسلمين مراعاة حلفائهم المسيحيين والأخذ بخياراتهم التي اتُهم “الطائف” بمصادرتها بالطبعة التي أشرفت عليها الوصاية السورية، والتي ما زالت بالأسواق رغم انسحاب قوات دمشق من لبنان. يعيدُ المسيحيون، والأرجح من حيث لا يدرون، قرار انتخاب رئيس للجمهورية إلى الزواريب اللبنانية المحلية. وفي التحفظات التي أفصحت عنها أحزاب وتيارات مسيحية خارج دائرتي معراب والرابية، لا سيما تلك التي أدلى بها سامي الجميّل رئيس حزب الكتائب، ما يحمل مزيدا من الماء إلى الدينامية المارونية المستجدة في الملف الرئاسي.
تبدو المحافل الإقليمية والدولية متفاجئة مندهشة من تفاصيل معراب، لكنها غير ممتعضة من ولادتها. يقدم الحدث فرصة لتحرير تلك المحافل من تموضعٍ فوري إزاء ذلك الاستحقاق العاجل، كما يوفّر مناخات جديدة تسمح بمداولات تخفف التشنجات بين العواصم المعنية مباشرة بالشأن اللبناني (لا سيما في موسم تداعيات الاتفاق النووي مع إيران). ولا يهم الآن ما إذا كانت تحوّلات القوات ستنجبُ رئيسا للجمهورية، أو أنها ستفضي إلى إخراج الموارنة الأقوياء الأربعة من السباق الرئاسي، فالأهم أن الضجيج مسيحيُّ الهوى تمرُّ ضوضاؤه في أروقة البطريركية في بكركي، ويترددُ صداه في كواليس الباباوية في الفاتيكان.
في قرار الرئاسيات واستشراف شخص المستأجر الجديد لقصر بعبدا، يدورُ الصخب في ورش البطريك بشارة بطرس الراعي. تحت سقف البطريركية تداول الزعماء المسيحيون “المسترئسون” الأمر، وعن منبر البطريرك توالت إطلالات السياسيين المسيحيين، مرشحين وغير مرشحين، لأخذ “البركة” تارة، ولشدّ عصب البطريركية لصالح هذا المرشح أو ذاك. ولأن الطبخ يعد بنضج ما، جرى استدعاء الفاتيكان للإدلاء بدلو كاثوليكي يحسمُ خيارات الموارنة. تردد أن البابا فرنسيس سيستقبلُ المرشح سليمان فرنجية، وقيل أن “لوبيا” مسيحيا قريب من جعجع وعون حال دون ذلك في الفاتيكان.
واللافت أن عودة العملية الرئاسية إلى المربع المسيحي تجري تحت أعين الرعاة الإقليميين الكبار وفق تأمل ملتبس. وفي المفارقة أن حليف طهران، ميشال عون، يتحرّك إلى معراب باتجاه خصمه التاريخي حليف الرياض سمير جعجع، مع ما قد يوحيه ذلك من تحرّك إيراني باتجاه السعودية في عزّ التوتر بين البلدين. وإذا ما كانت طهران مرتاحة لانتقال أمر السجال الانتخابي حصريا بين حليفيْها فرنجية وعون، فإن غموضا سرياليا يواكب موقف الرياض حول ما إذا كان “انقلاب” جعجع جرى بالتواصل معها، أو بالابتعاد عنها لصالح الدوحة كما روّجت بعض الصحافة المحلية.
بيد أن تحوّلات معراب التي قادها “الحكيم” تنمُّ عن حكمة ترتقي عن أي نزق انفعالي، ذلك أن زعيم القوات يمتلك هامش مناورة رحبا يجنّبه القفز بين متناقضين في تحالفاته الإقليمية. يتذكّرُ العارفون أن سمير جعجع حظي برعاية في الرياض، أثارت ربما غيرة تيار المستقبل، على النحو الذي يعكس مستوى العلاقات بين رجل معراب والحكم في الرياض (وهو ما تحرص القوات على التذكير به هذه الأيام). بالمقابل تبدو حركة سمير جعجع العونية الشكل مناورة معقّدة تحرج طهران وأذرعها في لبنان، وتمنح الرياض رحابة في مقاربتها لكافة القوى السياسية اللبنانية. ثم إن بيان “البركة” ذا النقاط العشر الذي ألقاه جعجع لم يقطع مع حزب الله وفتح إمكانات النقاش، على نحو لم يلاق تبرما من أوساط الحزب، وفتح الطريق لإمكانات التواصل. قد يعبّر موقف كتلة النائب وليد جنبلاط التي أعربت عن ترحيب بالتوافق المسيحي – المسيحي عن قبول على مضض بأمر واقع حقيقي جديد. ويبدو موقف الرجل، غير البعيد عن مزاج السعودية، مباركا لخطوة لا تبدّل كثيرا في المشهد السياسي اللبناني وتوازناته. في ذلك أن عودة المارونية السياسية للعب دور محوري في لبنان، من خلال الملف الرئاسي، لا تربك رؤى زعيم الجبل وصحبه، ولا تتناقض مع المناصفة التي ما فتئت تبشّر بها السنّية السياسية (رغم استياء المستقبليين)، فيما يبدو التلعثم واضحا لدى الشيعية السياسية في ثنائيتها التقليدية بين “حزب” و”حركة” على نحو يفسّر هذا الصمت الكبير.

الحرب الأهلية اللبنانية تلقي بظلالها على بوكر 2016
وائل إبراهيم الدسوقي/العرب/29 كانون الثاني/16
تعددت الرؤى التي يتناول بها الأدباء العرب قصص الحرب في أعمالهم، وتدرجت كثيرا عبر عشرات السنين من الكتابة، فبعد أن كانت الأحداث تدور في الرواية الحربية حول البطل الملتزم صاحب الأخلاق المثالية الذي يدعو إلى حب الوطن والتضحية في سبيل الدفاع عنه، ذلك البطل الإيجابي الثوري أو البطل المحبط سياسيا واجتماعيا فتدعوه الظروف إلى الهروب والانغماس في بوتقة الحرب، وبيان التغيرات النفسية التي تعكسها أحداث المعارك على شخصيته للوصول إلى رؤية جديدة للحياة. أصبحت الكتابة عنها تلتقط معاناة الشعوب وترصد تجاربها من إحباطات وأفراح وانكسار ونهوض، وكل المشاعر الإنسانية المتضاربة. وساعد على اختلاف طريقة تناول صورة البطل في الحرب أن حروبا استحدثت في العالم العربي جاءت بعد مرحلة طويلة من المدّ القومي والشعور بالذات وتضخيمها، وهي الحروب الأهلية، ومن أبرزها الحرب اللبنانية في ثمانينات القرن العشرين، والتي ألقت بظلالها من جديد على الكتابة الروائية الحديثة، ولكن تناولتها بأكثر جرأة من تلك التي تناولتها بالرؤى الروائية المعروفة عن الحرب، فأبطالها غير الأبطال الذين تعودنا القراءة عنهم، مما يجعلها من الأعمال التي يجب قراءتها بعناية وهدوء، وربما نجد بعد سنوات قليلة أعمالا مشابهة تتناول مأساة الحرب في سوريا عبر إبراز معانيها الإنسانية دون التركيز على بطولة فرد أو جماعة. وقد وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2016 روايتان من أدب الحرب، اشتركتا في الحديث عن الحرب الأهلية اللبنانية، الأولى “حارس الموتى” للكاتب اللبناني جورج يرق، وفيها يترك شريدها حياة الشارع ليحمل السلاح وينصهر في بوتقة المعارك، فيعرف القتل والدم، ويعرف معنى فقدان أقرب الأصدقاء، فيقرر ترك السلاح والعودة إلى حياة التشرد، ثم العمل في إحدى ثلاجات الموتى، يتأمل الجثث ويعيش معها يأنس بها، ويراقب تحولاتها، إلى أن يتم ّخطفه من مجهول، فيبدأ في التساؤل عمّا فعله ليستحق الخطف، فتتفجر في سطور الرواية كل المعاني الإنسانية التي أفرزتها حياة الحرب في لبنان. أما رواية “وارسو قبل قليل” للكاتب اللبناني الواعد أحمد محسن فتقفز بنا من عمق التاريخ إلى الحاضر برشاقة، وهي أيضا ضمن القائمة الطويلة لجائزة البوكر، ويهجر فيها يهودي تائه مدينة وارسو هاربا من حقد النازية في بولندا رافضا أن يلبي دعوات الهجرة إلى فلسطين فيختار السكن في بيروت، حيث ينشئ عائلة لم يبق منها إلا حفيده الوحيد “جوزيف”، الذي ستعزف أنامله مجددا، على أرض أخرى وفي زمن آخر، لحن الموت. وكما يصفها صاحبها هي رواية عن بطل في زمن تشوهت فيه معاني البطولة، وعن حفيد ورث روح العازف ورقة الضحية، فتمزق بين وطنين وهويتين وأكثر من امرأتين. جوزيف ورث كل أسئلة الهوية عن جدّه؛ ورث عنه التيه، كما ورثته بيروت عن وارسو.