ايلي الحاج: كلّما تحالف عون وجعجع تدفع الكتائب الثمن/نبيل بومنصف: حزب الله متى المكاشفة/نديم قطيش: لبنان المحتل يقاتل وحيدًا

273

أكلّما تحالف عون وجعجع تدفع الكتائب الثمن؟
ايلي الحاج/النهار/29 كانون الثاني 2016
لم يتفق “التيار العوني” و”القوات اللبنانية “على رئاسة الجمهورية وحدها ولمن تكون، بل ايضاً وضمناً وتلقائياً على أنهما يمثّلان المسيحيين في الجمهورية اللبنانية بالاستناد إلى ناتج الجمع بين محازبيهما وأنصارهما، وأيضاً من يصوتون لمرشحيهما في أي انتخابات، أنيابية كانت أم طالبية وبلدية.
بدت عائدات المصالحة المكرّسة في يوم معراب التاريخي “حرزانة” لكل من طرفيها اللذين شعرا بقوتهما تتضاعف فوراً بابتهاج غالبية المسيحيين، لكن ما تبع هذا الابتهاج خصوصاً بين “القوات” والكتائب أظهر رغبة في تحويل هذه الغالبية في اتجاه آخر، لتكون “ساحقة” فعلاً لكل من يعترض على “الثنائي المسيحي” المستجدّ والمساوي في الجوهر للثنائي الشيعي. الدليل هو أسلوب الرد “القواتي” على موقف حزب الكتائب الذي أعلنه رئيسه النائب سامي الجميّل، سواء من ترشيح الجنرال عون أو النائب سليمان فرنجية. “لن ننتخب مرشحاً من قوى 8 آذار، لا أصلياً ولا تايوانياً”، قال الجميّل. وما إن أنهى مؤتمره الصحافي حتى اشتعلت مواقع التواصل الإجتماعي بحملة تعليقات من “قواتيين” ومؤيدين لـ”القوات” و”عونيين أيضاً. تعليقات صاخبة غاضبة ومنسّقة ربما، توحي أن بعضهم نافد الصبر ضاق ذرعاً بكل من يجرؤ على مخالفتهم الرأي. نسي مطلقوها في لحظات أنهم كانوا يتغنون قبل وقت قصير بأبعاد وجماليات نرفانية في “المصالحة المسيحية” (المسيحية، حقاً؟).اشتغل “الخط الأحمر” بين معراب وبكفيا، بعدما بلغت السجالات العدائية مداها، فتوقفت. لكن الحديث المتلفز للرئيس أمين الجميّل إلى قناة “الجزيرة” أول من أمس أعاد تظهير مشهد الاختلاف بين “القوات” والكتائب في المرحلة الدقيقة. قلة ربما تذكر ما حصل في ربع الساعة الأخير من عهد الرئيس الجميّل. كان الوقت داهماً عندما لجأ إلى تعيين قائد الجيش الجنرال عون رئيساً لحكومة عسكريين موقتة. كانت مفاجأة غير سارة للدكتور جعجع الذي طمأنه الجميّل طوال أشهر إلى أنه في أسوأ الأحوال سيشكل حكومة سياسيين بينهم جعجع نفسه تتولى إدارة البلاد إذا لم يُنتخَب رئيس لخلافته. غير سارة لأن الرئيس المغادر قصر بعبدا كان قبل ساعات رافضاً توزير العماد عون في الحكومة وجعجع يصرّ على توزير قائد الجيش على رغم حذره الشديد من طموحاته، عالماً بأنه استنفر وحدات الجيش تلك الليلة 23 – 24 أيلول 1988 للقيام بتحرك ما، قد يكون انقلاباً عسكرياً إذا لم يتسلم هو السلطة.
بقية القصة معروفة. انتحى جعجع بعون جانباً وقال له: “أنا معك”. وسيدفع الجميّل الثمن بعد ساعات عملية عسكرية لميليشيا “القوات” سيطرت فيها على معاقله ومراكز أنصاره الحزبية في المتن، ثم تهجيراً من لبنان بناءً على رسالة نقلها إليه نائب قائد “القوات” آنذاك كريم بقرادوني. وبعد سجن الدكتور جعجع لم يستطع الجميّل العودة بفعل قرار سوري هذه المرة . كل هذه المراحل عاشتها عائلة الجميّل معه، ولا سيما نجله الرئيس الحالي للحزب النائب سامي، لكن النضالات المشتركة لشباب “القوات” والكتائب و”التيار العوني” ومن بعدها “انتفاضة الإستقلال- 2005” محت حقبة الخلافات السابقة وفتحت صفحة جديدة. هذه الصفحة تحديداً تتعرض اليوم للتمزيق . لعلّ الرئيس الجميّل لم يقدم الصورة كاملة عندما اعتبر في حديثه التلفزيوني أن مبادرة الدكتور جعجع “نسفت حركة 14 آذار” . كانت تلزم إشارة إلى أن ترشيح “المستقبل” لرئيس “المردة” النائب سليمان فرنجية سبق أن نسفها أيضاً. لا بل أن افرقاء عدة نسفوها على مراحل ومن ضمنهم الكتائب في بعض المواقف. لكنّ الرئيس السابق لم يجافِ الحقيقة عندما تحدث عن دوافع الدكتور جعجع إلى ترشيح الجنرال عون، فرئيس “القوات” بنفسه قال في مقابلته التلفزيونية الأخيرة عبر “إم تي في” أنه ما كان ليقدم على هذه الخطوة – ليس بهذه العجلة – لولا ترشيح فرنجية.
وفي كل الأحوال كان الأفضل عدم ترك انطباع أنه كلما اجتمع عون وجعجع يدفع آل الجميّل ومعهم الكتائب الثمن. فما هذه الجمهورية التي لا يمكن رئيس سابق للجمهورية أن يعلن رأيه صراحة من غير أن يتعرض للتعنيف والتوبيخ في بيان مؤسف منسوب إلى نائب حزبي (الدكتور فادي كرم)؟
وإذا لم يكن لأمين الجميّل مكان في دولة عون وجعجع العتيدة، فمن له مكان؟ وأي مصالحة “مسيحية” هذه بهذا المقدار من العدائية ورفض حق النقد؟

“حزب الله”.. متى “المكاشفة”؟
نبيل بومنصف/النهار/29 كانون الثاني 2016
لا ندري ماذا ستحمله اليوم اطلالة السيد حسن نصرالله من جديد في الملف الرئاسي الذي دارت كل الدوائر لتحمل “حزب الله” تبعة الاستمرار في تعطيله في ظل معادلة ولا اغرب يصعب على اللبنانيين فهمها. هي معادلة تمتع الحزب باللحظة القصوى التي يقدم له فيها زعيمان من مكونات ١٤ آذار حليفيه الكبيرين العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجيه مرشحين حصريين للرئاسة فيما هو لا يزال يتريث وينأى بنفسه عن اي جهد لإتمام الاستحقاق بأي وجهة. اقله ينتظر اللبنانيون تفسيرا واضحا مقنعا لهذا الاستنكاف عن شق طريق الانتخابات سواء بمحاولة توسيع التوافق الى اوسع مدى ممكن على اي من المرشحين او بترك المنازلة الديموقراطية تأخذ مداها عبر توافق عام على توفير النصاب السياسي والقانوني لجلسات انتخابية مفتوحة لا تقفل الا ومجلس النواب وضع حدا حاسما للفراغ الرئاسي. ولعلنا لا نبالغ ان انتظرنا مع المنتظرين خروج السيد نصرالله من الغموض الهائل الذي يغلف موقف الحزب حيال كل ما يثار ابعد من مسألة الترشيحات والعوامل الشخصية المتصلة بواقع كل من حليفيه اللذين صارا في اقل من اشهر ثلاثة حليفين لابرز خصومه. ونعني بذلك الاجتهادات والتفسيرات المبررة حيال طموحات بعيدة للحزب في إحداث تبديلات جوهرية في النظام الدستوري بحيث يأتي ” الانتصار ” كاملا ناجزا مرة واحدة حاسمة، ولا نظن بان هذه المخاوف خافية على الحزب وقيادته خصوصا بعدما اكتملت لديه لوحة التعادل السلبي بين ترشيح حليفيه على يد الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع من جهة وتحميله واقعيا تبعة اتخاذ القرار الحاسم بالافراج عن الانتخابات وعدم رهنها لأجندات اقليمية من جهة مقابلة. في هذا السياق المحموم الذي توغل اليه لبنان ما يجب ان يعاد تثبيته من حقائق هو ان طمأنة اللبنانيين الى استقرارهم لم تعد موقوفة على تداخل المصالح السياسية في اشكال غرائبية كالتي بلغتها معركة التنافس المنهك على الرئاسة بل باتت تتطلب مكاشفات “تاريخية ” تجيب على اسئلة الناس ومخاوف الكثير من اللبنانيين حول ماذا تراه يريد “حزب الله” حقيقة وفعلا وبمنتهى الشفافية من الاستحقاق الرئاسي رئيسا ومضمونا ومصيرا بلوغا الى المكاشفة الاكبر عما اذا كانت وجهته نحو تغيير النظام صارت ملازمة لموقفه من الاستحقاق. ثمة كثر يعتقدون انه لن يكون هناك واقع اشد سوءا واثارة للتداعيات الخطيرة مما يمكن ان يبلغه لبنان اذا تمادى الفراغ فيه بعد اشهر اخرى بعد. تبعا لذلك حان الوقت للتسوية الجذرية والآن بين الحزب وسائر القوى المتخوفة من مشروعه بما يملي زمن المكاشفة الصريحة حول الاتجاهات المتصلة بالنظام والطائف في المقام الاول والا فان اشد السوء سيبقى ماثلا مع كل هذا الغموض غير البناء اطلاقا.

 

لبنان «المحتل» يقاتل وحيدًا
نديم قطيش/الشرق الأوسط/29 كانون الثاني/16
قرأت مرارًا ما نُشر أخيرًا في الصحافة السعودية حول الموقف من اللبنانيين في الخليج، والدعوة «لطردهم». بعض المقالات غاضب بلا شك، وهي غضبة ليست جديدة على أصوات سعودية، يسوؤها أن ترى لبنان في معسكر أعداء الخليج، تحت عنوان النأي بالنفس. فكيف إذا كان النأي بالنفس عن قضية واضحة في كونها اعتداء سافرًا على مصالح المملكة العربية السعودية كما أقرت إيران نفسها، صدقًا أو دجلاً! أتفهّم الغضب، وإشارات العتب الشديد على لبنان الواردة إما بصيغة رأي، أو نقلاً عن مسؤولين خليجيين. وكنت أنا نفسي أشرت لمثلها هنا نقلاً عن وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان!
ولعلي أكتب من موقع الفهم والتفهم هذين، لإثارة بعض النقاط الواجب إثارتها. اختلط في بعض المقالات، الهدف على القارئ؛ فتارة المستهدف هو لبنان، لا تعرف إن كان هو الدولة أو الوطن أو الشعب، وتارة هو اللبناني الإيراني، أي اللبناني الموالي لحزب الله، ومرة هو اللبناني المعارض الصامت عن جريمة بعض أهله، وأخرى هو اللبناني عامة، كجنسية، لا كدولة ونظام سياسي! وأحسب أن هذا الخلط ناتج في العمق عن ازدواجية في التعاطي مع لبنان تارة كدولة وتارة كساحة! إذا كان الاشتباك مع الدولة اللبنانية، فلهذه الدولة سفراء ينبغي استدعاؤهم أولاً، لإشعار الدولة اللبنانية بسخونة الموقف، قبل أن نطالب بتدفيع الثمن للبنانيين في الخليج، علمًا بأنهم في غالبيتهم كتلة معادية لحزب الله وسياساته! لا بد لي أن أشهد هنا للجالية اللبنانية في الإمارات التي تجرأت على التضامن مع دولة الإمارات وشعبها في «يوم الشهيد»، رغم الخلاف اللبناني – اللبناني الكبير حول «عاصفة الحزم»، وبرعاية السفارة اللبنانية وبحضور وزير داخلية لبنان نهاد المشنوق الذي قال كلامًا غير مسبوق في شجاعته، داعيًا لمشروع عربي يسقط «الولاية والخلافة معًا»!! كما أشهد للوبي الاقتصادي اللبناني في السعودية الذي نظم حملة «شكرًا.. عذرًا.. كفى» دفاعًا عن المصالح اللبنانية السعودية المشتركة.
أما إذا كانت الشكوى من لبنان كساحة، فيصبح السؤال الأهم عن الاستثمار السعودي والخليجي في «الساحة» اللبنانية بالمقارنة مع الاستثمار المقابل سياسيًا وإعلاميًا!
وهنا الخلط الخطير! إذ لا يجوز التعامل مع لبنان كدولة، ثم معاقبته كساحة، أي استهوال موقف وزير في «تجمع حكومات لبنان» والرد عليه بالتحريض على إنزال عقاب جماعي بمواطنين عزل، وإن كنت أدرك أن هذه الدعوة ليست أكثر من صرخة غضب مشروع، ولا يمكن أن تكون سياسة عامة في مملكة الخير!
ثم دعونا من المكابرة. لو لم يكن لبنان مهمًا، والكلمة فيه ذات صدى لما كانت تصريحات الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بحق المملكة والخليج تستفز إلى هذا الحد، ولا كان الحاضنة الإعلامية والسياسية لكل العصابات والميليشيات والأبواق التي تديرها طهران، مما جعل من المنطقة الممتدة من بئر حسن وحتى حارة حريك، جنوب بيروت، أكبر مدينة إعلامية ومكتب سياسي لجماعة طهران!! ولو لم يكن لبنان مهمًا لما كان هو المحطة الثانية لمسلسل السطو الإيراني على مدن العرب بعد بغداد، ومنطلق المشروع الإيراني الذي تواجهه الرياض اليوم بشجاعة في اليمن وسوريا! ينبغي أن لا ننسى أنه منذ قررت واشنطن إسقاط نظام صدام حسين في العراق، تصرفت إيران على أن الفرصة سانحة للتغول والتوغل في أنسجة المجتمع والدولة في العالم العربي واللعب على التوازنات الداخلية فيهما. ثم كان الاغتيال الكبير للرئيس رفيق الحريري تتمة للدخول الإيراني على مغامرة اللعب بالتركيبة الاجتماعية والسياسية في العراق. كان اغتيال الحريري في العمق اغتيالاً لعروبة لبنان، وبداية وضع اليد عليه وتحويله إلى مستعمرة إيرانية كما هو حاله الآن. نعم، لبنان محتل، ولكنه لم يوقف مقاومته، ولذلك هو في قلب المعركة الدائرة اليوم وليس في هامشها، ومنه بدأ مسلسل الأثمان العربية الهائلة، يوم 14 فبراير (شباط) 2005.
لبنان غير المهم هذا انطلقت منه ولأربع سنوات أعنف ميليشيا مقاتلة في المنطقة، ونجحت في إعاقة الثورة السورية عن الوصول إلى مبتغاها. وحين عجزت عن حماية النظام وتطلب الأمر تدخل موسكو لإنجاز المهمة كان حزب الله قد استنزف الكثير من قوة دفع الثورة، وأسهمت جرائمه في استثارة أحقر ما في مكونات الثورة أو على ضفافها من راديكاليين ومتطرفين يلاقون إجرام الحزب بجريمة موازية وأكثر! لبنان محتل، لكنه يقاتل. يقاتل من داخل الدولة حين يستطيع وبكلمة الحق في وجه السلطان الجائر دائمًا. يقاتل وحيدًا وعاريًا، ومستنزفًا، ليس بآلة القتل وحسب، بل مستنزف من حلفائه الذين دفعوه دفعًا إلى تسويات قاتلة، ومن خصومه الذين أجهضوا هذه التسويات وأهدروا رصيده فيها. ومستنزف اليوم بالإهمال. لبنان يقاوم وحيدًا. وإن خَفَتَ صوت مقاومته فلأن أفضل من فينا بات تحت التراب ومن بقي ينتظر نحبه. الغضب مشروع، لكنه ليس بديلاً عن المشروع. عودوا إلى لبنان.