إياد أبو شقرا: يوم إعادة تأهيل إيران/خيرالله خيرالله: بين يوسف زعين وحافظ الأسد ضاعت سوريا

228

يوم إعادة تأهيل إيران..
إياد أبو شقرا /الشرق الأوسط/17 كانون الثاني/16
ماذا سيترك باراك أوباما لخلفه في البيت الأبيض؟
على الأقل وضع الشرق الأوسط لا يبدو مطمئنًا، في هذه اللحظات، مع رفع المجتمع الدولي العقوبات المفروضة على إيران. عمليًا، المجتمع الدولي أعاد تأهيل إيران، وقرّر تصديق قادتها والوثوق بخطها السياسي، والتغاضي عن كل تجاوزاتها دوليًا وإقليميًا – بل ومحليًا أيضًا – حيث يمارس النظام «الديمقراطية» بطريقته الخاصة. إنه نظام يضم حكومة لا تحكم، ويرأسه «مرشد أعلى» يرشد ويوجّه ويأمر بالتنسيق مع ميليشيا اسمها «الحرس الثوري». مع هذا، لا يجوز الاستهانة بما فعلته هذه «الحكومة التي لا تحكم». فمنذ انتخاب حسن روحاني رئيسًا لإيران صارت هناك أولويات واقعية تختلف عن جموح مرحلة محمود أحمدي نجاد. وسياسيًا واقتصاديًا وإعلاميا وأمنيًا، صارت «العلاقات العامة» السمة الغالبة على مرحلة روحاني، بموافقة «المرشد» و«الحرس». وبين أبرز نجوم هذه المرحلة وزير الخارجية محمد جواد ظريف و«فريقه» من رجال الدبلوماسية والاستخبارات والتعامل مع «اللوبيات» الخارجية، وبالأخص، في الولايات المتحدة.
ولكن ثمة من يقول، إن هذه النقلة المهمة لم يحققها انتخاب روحاني بل كان انتخابه من «السيناريو» المرسوم لها. ذلك أن مجموعة الناشطين لمصلحة نظام طهران في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من الدول الغربية النافذة لم تُزرع وتغذّى بعد انتخاب الرئيس الجديد، بل نشط بعضها في دهاليز شراء النفوذ وبناء الصلات المصلحية الوثيقة قبل عقود. ومن ثم، فإن بذور عملية إعادة تأهيل إيران والترحيب بها شريكًا إقليميًا زُرعت منذ زمن غير قصير، حتى خلال فترة العداء اللفظي المرير بين طهران وواشنطن في عهد رونالد ريغان. ويكفي تذكّر صفقة «إيران – كونترا» التي نُسي معها «الشيطان الأكبر» تمامًا.
في هذا السياق يغدو عهد روحاني التطور المطلوب لإحداث تغيير استراتيجي في المشهد الجيو – سياسي في الشرق الأوسط. وفي هذه الحالة فهو لا يختلف كثيرًا عن ظهور تنظيم داعش الذي ولد في ظروف غير مألوفة، متسمًا بتركيبة غامضة وممارسات مشبوهة.
وحقًا ها هي إيران تطرح نفسها عبر روحاني، ووزير خارجيته، للعالم على أنها «شريكة».. ليس في مجال التنمية والاستثمارات المجزية فحسب، بل في مجالي مكافحة الإرهاب والدفاع عن حقوق الإنسان، بما فيها الأقليات، أيضًا. غير أن هذا الادعاء ما كان له أن يمرّ لولا حقيقتان:
– الأولى، الاستثمار الإيراني الدؤوب لأذرعها في الخارج.
– الثانية، فهمها أن عالم السياسة يقوم على المصلحة لا المبادئ وفروسية الخلق.
هاتان الحقيقتان، الموجودتان في صلب تفكير نظام طهران منذ 1979، مكّنتا القيادة البراغماتية الحالية في طهران من الاستفادة من دعم شخصيات مؤثّرة وقريبة من مراكز القرار في الكثير من العواصم العالمية، ومن ثم، إقناع المواطن العادي في أميركا وأوروبا بأنها طرف «مفيد» على عدة أصعدة بعكس خصومه الإقليميين، وأنها «لاعب يعرف أصول اللعبة» حتى وإن كان يتبع أسلوب المزايدة في الإسلام والثورية والعداء للغرب وإسرائيل. لقد جاء «الربيع العربي» ليكشف حقيقة مهمة لا بد من الاعتراف بها، هي أن عالمنا العربي لم يكن متحسّبًا للتغيير ولا مدركًا أبعاده وثمنه. وحتى هذا اللحظة، على الرغم من كل ما شهدته الأقطار العربية التي مرّ بها ذلك «الربيع»، نجد أن الرأي العام العربي ما زال منقسمًا حول المصير، ومرتبكًا إزاء ما عليه فعله. هذا الوضع أتاح للقوى الثلاث غير العربية في الشرق الأوسط، أي إسرائيل وإيران وتركيا، أن تظهر كدول فاعلة إقليميًا، ترى «من حقها» الدفاع عمّا تعتبره «مصالحها الحيوية» في ظل التشرذم العربي. وبالنسبة لإسرائيل أطلق يد الليكود وقوى اليمين المتطرّف في إسقاط أي فرصة لتسوية سلمية تحفظ للفلسطينيين حق تقرير المصير. ولكن على مستوى آخر، وصل الاستقطاب المذهبي «السنّي – الشيعي» إلى مرحلة التطهير الديموغرافي وتقسيم الكيانات كما يحصل في مناطق عدة في سوريا ومحافظة ديالى في العراق. كان «الخطاب المذهبي» الإيراني المنقول عبر شعارات «تصدير الثورة» وممارستها قد أطلق صافرة البداية بناء ولاءات مذهبية متطرفة ومسلحة، فإن رد الفعل كان مسألة وقت ليس إلا. وفعلاً، جاء رد الفعل بعدة وجوه، أبرزها: نجاح الأحزاب والقوى الإسلامية المتشدّدة في تعزيز مواقعها حتى في دول عربية وإسلامية علمانية كتونس وتركيا. وبروز جماعات سنّية متشدّدة ردًا على الهيمنة الطائفية السياسية والميليشياوية الشيعية (أو اللاسنّية) في العراق وسوريا ولبنان. لقد كان تأسيس نظام طهران ميليشيات مذهبية مسلحة خطوة عملية مهمة على صعيد «تصدير الثورة» بعد اصطدامه بـ«حرب الخليج الأولى» (الحرب العراقية – الإيرانية). وأثبتت الأيام أن نموذج حزب الله اللبناني، واختراق الساحة الفلسطينية بدعم منظمات سنّية، واستثمار «مقاومة» إسرائيل كان خير وسيلة لتصدير الثورة؛ ذلك أن إيران لم تنجح بتجييش الشيعة في مناطق كثافتهم فحسب، بل حيّدت أيضًا قطاعًا واسعًا من السنّة، وعزّزت أيضًا حضورها مع استحواذها على قواعد يسارية وقومية «تيتّمت» بعد انهيار الاتحاد السوفياتي و«كامب ديفيد». ما يحدث اليوم في المنطقة، ما كان ليحدث من دون مناخ دولي مساعد، وبالأخص في الولايات المتحدة. وسياسة واشنطن على الأرض باتت واضحة من دون الحاجة للتوقف طويلاً أمام التصريحات. والبديهي أن المصالح الاقتصادية والسياسية للولايات المتحدة وكبريات الدول الغربية أسهمت في اتخاذ قرار إعادة تأهيل إيران، لكنها تأتي على حساب كوارث إنسانية وتغييرات ديموغرافية وكيانات فاشلة وأحقاد عرقية ومذهبية باهظة التكلفة. العواصم الغربية لن تكترث بكل هذا، لأنها قرّرت أن ترى في «داعش» اختصارًا كافيًا لعموم السنّة في المنطقة، وأن تراهن على إيران حليفًا لها في الحرب الكونية على الإرهاب السنّي.. حصرًا. قد تنجح هذه السياسة على المدى القصير، لكنها محكومة في النهاية بالفشل لأنها أضمن وسيلة لتغذية التطرف والتعصب. هذا هو الشرق الأوسط الذي سيقذف لاجئيه إلى أوروبا، والذي يعد به باراك أوباما خلفه في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل!

 

بين يوسف زعين وحافظ الأسد.. ضاعت سوريا
خيرالله خيرالله/العرب/17 كانون الثاني/16
بين البعثي السنّي الساذج الآتي من الريف والعلوي الماكر الآتي من القرداحة والباحث عن غطاء لنظام أقلّوي.. ضاعت سوريا. الساذج هو الدكتور يوسف زعيّن الذي كان رئيسا للوزراء حتّى العام 1970. والماكر هو حافظ الأسد الذي عرف كيف يضع كلّ الرفـاق البسطاء من نوع زعيّن ونورالدين الأتـاسي وصلاح جديد في السجن بعدما تبيّن أن الفارق بين عقله المركّب وعقولهم البدائية ذات الرؤية الأحادية فارق كبير، بل كـبير جدّا. لا يشبه هذا الفارق سوى المسافة التي تفصل بين الحلم والحقيقة وبين الخيال والواقع. لم يكن من مجال لأيّ مقارنة من أيّ نوع بين حافظ الأسد وخصومه. كان متفوّقا عليهم في كلّ المجالات والميادين، إن من ناحية الذكاء الحاد والشيطاني الذي يُستغل في مجال الهدم أو من ناحية المعرفة بالتعقيدات الإقليمية والدولية وكيفية التعاطي معها. كان خصوم حافظ الأسد أقرب إلى نكتة من أيّ شيء آخر مقارنة مع شخص عرف كيف يبني على كلّ خطأ ارتكبه هؤلاء وصولا إلى تحوّله إلى لاعب إقليمي مستفيدا حتّى، وإلى أبعد حدود، من خصمه العراقي صدّام حسين الذي كان يعرف في كلّ شيء ما عدا في السياسة وفي ما يدور في الإقليم والعالم.
أذاب حافظ الأسد خصومه في كوب، وشربهم مع الماء الذي في الكوب وراح يتفرّج عليهم في السجن أو في المنفى، كما حال العلوي الدكتور إبراهيم ماخوس الذي فرّ إلى الجزائر بعد انقلاب السادس عشر من تشرين الثاني ـ نوفمبر 1970، وهو الانقلاب الذي قاده حافظ الأسد واحتكر بعده السلطة وأقام نظاما خاصا به.
قبل أيّام، انطفأ يوسف زعيّن الذي خرج من السجن الأسدي في العام 1981 بعدما أصيب بمرض عضال وأظهرت التقارير أن موته مسألة أيّام. لكنّ الأطباء في بريطانيا والسويد استطاعوا معالجة السرطان. انتقل زعيّن بعد ذلك للإقامة في بودابست حيث أمضى السنوات الأخيرة من حياته في غرفة متواضعة.
عاش أكثر من نورالدين الأتاسي وصلاح جديد اللذين قضيا في السجن وأكثر من إبراهيم ماخوس الذي توفّي في منفاه الجزائر في العام 2013. أي بعد ثلاثة وأربعين عاما من خروجه من وزارة الخارجية السورية. كان التخريب الذي تسبب به يوسف زعين ورفاقه تخريبا موضعيا، في معظمه. استهدف هذا التخريب خصوصا نسيج المجتمع السوري، فضلا عن الحياة السياسية والاقتصاد على الرغم من أنه لا يمكن الاستهانة بما خلفته حرب 1967 على الصعيد الإقليمي
حكمت المجموعة التي ضمّت الدكتور نورالدين الأتاسي والدكتور يوسف زعيّن والدكتور إبراهيم ماخوس واللواء صلاح جديد واللواء حافظ الأسد سوريا بين 1966 و1970. تجمع بين الخمسة المسؤولية عن حرب 1967، حين كان الأسد وزيرا للدفاع.
دمّر الخمسة سوريا، كلّ على طريقته، علما أن الأتاسي وجديد وماخوس وزعيّن كانوا أقرب إلى السياسيين الهواة من أي شيء آخر مقاربة بحافظ الأسد الذي عرف كيف يتلاعب بهم الواحد تلو الآخر.
جمع بين الأطباء الثلاثة نورالدين الأتاسي ويوسف زعيّن وإبراهيم ماخوس انضمامهم إلى الثورة الجزائرية في خمسينات القرن الماضي والعمل إلى جانب الثوّار في معالجة الجرحى، وذلك قبل عودتهم مجددا إلى سوريا وشغل مناصب عليا في الدولة بعد انضمامهم إلى حزب البعث.
ما يجمع بين الدكاترة الثلاثة وصلاح جديد نظافة الكفّ والتقشّف والجهل بالعالم وبكيفية بناء الدول الحديثة وبالمعادلات الإقليمية. لعلّ أهمّ ما ميّز هؤلاء تجاهل موازين القوى ورفضهم أخذ العلم بها. وهذا ما سهّل إلى حد كبير خسارة الجولان في حرب 1967.
لا شكّ أنّ زعيّن، الآتي من الريف، من البوكمال (محافظة دير الزور) على الحدود العراقية تحديدا، كان يمتلك كلّ النيات الطيبة بدليل أنّه لعب دورا أساسيا في إنشاء سدّ الفرات، ابتداء من العام 1968، بمساعدة سوفياتية. لكنّ المأساة كانت، في جانب منها فقط، في مشروع الإصلاح الزراعي الذي عمل على تطبيقه عندما كان وزيرا للزراعة.
حافظ الأسد (وسط) عرف كيف يضع كل الرفاق البسطاء من نوع صلاح جديد (على يمينه) ونورالدين الأتاسي (على يساره) في السجن، حيث انتهت بهما رحلة الحياة.
أدّى الإصلاح الزراعي، الذي قام على مصادرة أراضي كبار الإقطاعيين والمالكين وتوزيعها على صغار الفلاحين، إلى القضاء على الزراعة في سوريا ومنعها من التطوّر. نشر الإصلاح الزراعي الفقر والبؤس في سوريا. هرب أصحاب الثروات، فيما لم يمتلك الأصحاب الجدد للأرض أيّ خبرة في مجال الزراعة.
لم يكن كافيا أن تكون عملت في الزراعة عند صاحب الأرض كي تصبح خبيرا زراعيا وكي تمتلك الإمكانات التي تسمح لك باستغلال الأرض. كانت تلك بديهيات لم يفهمها زعيّن ورفاقه الذين بدا أن الحقد على أصحاب الثروات والأملاك يعمي قلوبهم. كانوا مجموعة هواة تتعاطى في الاقتصاد والسياسة..
هناك معادلات بسيطة لم يستوعبها الدكتور زعيّن ورفاقه من المنتمين إلى اليسار الطفولي الذي استكمل التأمينات في مجال الصناعة بموازاة السير في سياسة خارجية من النوع المضحك ـ المبكي وصلت برئيس الوزراء السوري وقتذاك إلى مهاجمة لبنان حيث الديمقراطية المزدهرة التي كانت تسمح بانتخاب رئيس للجمهورية في مجلس النوّاب بفارق صوت واحد.
استأهل زعيّن في العام 1968 أو 1969، لست أذكر التاريخ تماما، رسما كاريكاتوريا من بيار صادق، رحمه الله صدر في جريدة “النهار”. كان صاحب فكرة الرسم الكاريكاتوري الصحافي الراحل ميشال أبو جوده، وظهر فيه مغنّ بثياب القروي اللبناني يعزف على العود مردّدا “ميّل يا زعيّن.. يا زعيّن ميّل.. ميلّك ميولة، أيّلك أيلولة، تشرب فنجان قهوة، نعملك تبّولة”، وذلك على وزن الأغنية المشهورة “ميّل يا غزيّل”. خدم يوسف زعين حافظ الأسد من حيث لا يدري. سهل مع رفاقه انتقال سوريا من مرحلة السقوط تحت حكم المخربين الهواة إلى حكم المخرب المحترف والماكر الذي يصعب في السنة 2016 التكهن بكمية الضرر الذي سيلحقه ابنه بالبلد نفسه وبالمنطقة كلها
كان كاريكاتور “النهار” بمثابة تذكير لزعيّن وأمثاله بأن معظم الذين حكموا سوريا في الماضي، انتهوا لاجئين سياسيين في لبنان. وهذا ما يفسّر ذلك الحقد لدى ما يُسمّى بـ”بعثيي سوريا” على البلد الجار، وهو حقد تجلّى بأقبح مظاهره في عهد حافظ الأسد، ثمّ في عهد الأسد الابن.
اكتفى يوسف زعيّن ورفاقه في تخريب سوريا من داخل. لم يستطع هؤلاء حتّى تخريب الأردن عندما سعوا إلى إرسال دبابات مموّهة في العام 1970 لنجدة المسلحين الفلسطينيين، غير آبهين أنّ تلك كانت مساهمة في إطالة الحرب الداخلية في المملكة الهاشمية وإرهاق مزيد من الدماء من جهة واستخفافا بقدرة “الجيش العربي” على تلقينهم درسا لا ينسى من جهة أخرى.
استفاد حافظ الأسد من أداء خصومه. بلور نظاما استمر بين 1970 و2011، تاريخ اندلاع الثورة الشعبية التي تعاني من حصار عالمي ومن رغبة واضحة لدى أطراف عدّة، إقليمية ودولية، في الانتهاء من الكيان السوري.
كان التخريب الذي تسبّب به يوسف زعيّن ورفاقه تخريبا موضعيا، في معظمه. استهدف هذا التخريب خصوصا نسيج المجتمع السوري، فضلا عن الحياة السياسية والاقتصاد على الرغم من أنّه لا يمكن الاستهانة بما خلفته حرب 1967 على الصعيد الإقليمي.
في عهد البعث اليساري، الذي تعبّر عن عقمه وعن الفراغين السياسي والاقتصادي اللذين يعاني منهما خسارة الجولان في مقابل المحافظة على النظام وحمايته، لم تكن المذهبية والطائفية أطلّت بتلك الوقاحة التي أطلّت بها في عهد حافظ الأسد.
المجموعة التي ضمت الدكتور نورالدين الأتاسي (الأول على اليسار) والدكتور يوسف زعين (الثالث على اليسار) والدكتور إبراهيم ماخوس (الأول على اليمين) واللواء صلاح جديد واللواء حافظ الأسد حكمت سوريا بين 1966 و1970.
في عهد الأسد الأب، الذي ساعدته رعونة خصومه في الوصول إلى السلطة وحكم سوريا التي صار اسمها “سوريا الأسد”، بدأت المنطقة تتغيّر، خصوصا بعد قيام الحلف الجديد بين طهران ودمشق مباشرة بعد الثورة الخمينية في 1979.
خاض هذا الحلف حربا مع العراق من منطلق مذهبي في العمق. كان الرابط المذهبي في أساس هذا الحلف الذي ما زال يعمل على تدمير لبنان بعدما قضى على كلّ أمل لدى الفلسطينيين في تحقيق بعض ما يصبون إليه على صعيد قيام دولة مستقلة لهم. حـارب حافظ الأسـد القـضية الفـلسطينية عـبر إغـراق ياسر عرفـات، أسير عقـدة الجغرافيا، في حروب لبنان رافعا في الوقت ذاته شعار “القرار الفلسطيني المستقلّ (مجرّد) بدعة”. قتل من الفلسطينيين، هو وأدواته اللبنانية والفلسطينية أكثر بكثير مما قتلت إسرائيل.
خدم يوسف زعيّن حافظ الأسد من حيث لا يدري. سهّل مع رفاقه انتقال سوريا من مرحلة السقوط تحت حكم المخرّبين الهواة إلى حكم المخرّب المحترف والماكر الذي يصعب في السنة 2016 التكهّن بكمية الضرر الذي سيلحقه ابنه بالبلد نفسه وبالمنطقة كلّها.
مسكينة سوريا التي كانت، ولا تزال، تمتلك بعض أفضل العقول في المنطقة كلّها، بدليل المشاركة في نهضة لبنان في الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن الماضي في حقول التجارة والصناعة والمصارف والمقاولات والبناء.
شارك في حكم سوريا هواة من نوع يوسف زعيّن تمهيدا للوصول إلى محترف من طينة حافظ الأسد عرف كيف يتاجر بالجولان وفلسطين وبعدائه لصدّام حسين، في حين كان يؤمن في قرارة نفسه بأن الانتصار على لبنان، وهو الانتصار شبه الوحيد الذي كان يعني له شيئا، بديل من الانتصار على إسرائيل!