وليد شقير: الصراع المفتوح مع القضم الإيراني/حسام عيتاني: حاصِر مضايا لا مفرُّ/ربيع حداد: تجويع حزب الله لمضايا أولوية لبنانية

337

الصراع المفتوح مع القضم الإيراني
وليد شقير/الحياة/08 كانون الثاني/16
لا تسمح المكابرة عند القيادة الإيرانية والشعور بالاستعلاء القومي لديها، بأن تستوعب أن هناك عناصر جديدة على المسرح الإقليمي أخذت تعاكس جموحها التوسعي في المنطقة وتواجه محاولتها تثمير ما حققته من تمدد في عدد من دولها، في تموضعها في النظام الإقليمي المفترض، الذي سيرى النور بفعل التسويات للحروب الدائرة والتغييرات التي طرأت على خريطة الدول والمجموعات والأنظمة في الشرق الأوسط. فهي تنطلق من أنها هي التي صنعت هذه التغييرات أو تسببت بها، وهذا صحيح جزئياً من زاوية نجاح أذرعها في اقتطاع نسبة عالية من النفوذ لمصلحتها في بعض الدول، ومن زاوية تمكنها عبر ميليشيات ومجموعات سياسية وأخرى مسلحة، من افتعال الاضطرابات في دول أخرى وإضعاف الدولة المركزية فيها لمصلحة هذه الميليشيات. إلا أن هذه المكابرة تعمي بصيرة قادة ايران عن حقيقة أن ما عزز قدرتها على أن تكون لاعباً رئيسياً وفي مد نفوذها ومساهمتها في هز استقرار جزء من هذه الدول ووحدتها، جاء نتيجة غض نظر أميركي تارة، أو توافق مع واشنطن تارة أخرى، أو فشل الإدارة الأميركية في وضع استراتيجية واضحة لمواجهة أزمات كبرى في هذه البقعة من العالم. وفي الحالات هذه جميعاً، غض النظر أو التوافق نتيجة تقاطع المصالح، أو الفشل عند الأميركيين، جعل من واشنطن «شريكاً» لإيران في فتح الطريق أمامها لتحقيق المكاسب التي صنعتها.لا تعترف طهران بأن الانكفاء الأميركي هو شريكها. إلا أن أكثر ما يؤرقها ويزعج مكابرتها هذه، هو أن السياسة السعودية الجديدة تغيرت كلياً بعدما كانت شبه سلبية وغير نشطة حيال التوسع الإيراني طوال عقدين ونيف، ما ساهم في استسهال «الحرس الثوري» وسائر الأذرع الإيرانية، بالاعتماد على التسليح والاستقطاب المذهبي وتصدير الثورة تحت شعار نصرة المظلومين، مد نفوذها وافتعال الحروب الداخلية. وإذا كان توسع النفوذ الإيراني اعتمد على سياسة مغامرة، فإن منطق الثورة في طهران أقنع قادتها بأن ما من جهة أخرى تخوض المغامرات غيرها. لم يحسب هؤلاء أن القيادة السعودية قد تعتمد خيار المواجهة على رغم ما يتطلبه من مغامرة، ومهما سبَّبه من خسائر وصبر ونفس طويل، تحتمها الحروب وانتزاع المبادرة السياسية والعسكرية والأمنية من خصم استمرأ عمليات الهجوم والقضم ثم التفاوض ثم تحريك الحروب الصغيرة بالواسطة بالاتكال على جيوش صغيرة تشحنها التعبئة المذهبية بغطاء شعارات محاربة أميركا وإسرائيل. لعل أكبر المفاجآت عند القيادة الإيرانية هي أن ما كانت تراهن عليه من تقاسم للنفوذ مع الإدارة الأميركية في المنطقة، بعد الاتفاق على النووي، هو أن واشنطن بمقدار ما بدت تعترف لطهران بالوقائع التي خلقتها على الأرض فاضطرت إلى التعاون معها، كما في العراق كأبرز مثل، فإن إدارة باراك أوباما، الموصوفة بالانكفاء، اضطرت أيضاً الى الاعتراف بالوقائع التي يفرضها القرار العربي بخوض المواجهة مع طهران، سواء مباشرة كما هي الحال في اليمن، أو بالواسطة كما هي الحال في سورية وفي غيرها.
مع امتلاك إيران العديد من الأسلحة السياسية والدعائية والعسكرية التي أنجحت عبثها بالإقليم، ورفعت المواجهات فيه الى حدود الحرب المذهبية التي لا تأبه لانعكاساتها على مستقبل العلاقات الإقليمية، فإن سياستها المزدوجة القائمة على التدخل والتنصل، قابلتها سياسة مزدوجة أخرى من جانب شريكها الأميركي، قائمة على التفاوض والتشدد والضغط واستخدام مواطن الضعف. ليست دول الخليج العربي وبعض الدول الغربية الحليفة لواشنطن وحدها تشعر بالخذلان من السياسة الأميركية. يبدو أن إيران نفسها تعيش هذا الشعور أيضاً، بعد الذي أملته من تعاون القوى العظمى بعد الاتفاق على النووي. ولهذا السبب يقرن المسؤولون الإيرانيون وحلفاؤهم هجومهم على السعودية في الأزمة المفتوحة التي اندلعت معها قبل أسبوع، بهجوم على الأميركيين، ويتهمهم المرشد السيد علي خامنئي بالعمل على التأثير في الانتخابات التشريعية ويحذر من محاولة تغلغلهم.

حاصِر مضايا .. لا مفرُّ
حسام عيتاني/الحياة/08 كانون الثاني/16
لا مقامات مقدسة في مضايا. وليست البلدة السورية بقريبة من الحدود السورية- اللبنانية بحيث يُخشى تسلل انتحارييها إلى الداخل اللبناني. ولا أقليات طائفية فيها تتعين حمايتها من بطش التكفيريين. رغم ذلك، لا يجد مسلحون لبنانيون عيباً في إماتة أهل البلدة المحاصرة منذ أكثر من سبعة شهور، جوعاً ومرضا.
كذّبَ إعلام «حزب الله» الحربي في بيان له أمس الأول، الاتهامات بالتسبب في تجويع أهالي المدينة محمّلاً المسؤولية إلى قادة «الجماعات الإرهابية المسلحة» المنتشرين في مضايا باسترهان المدنيين وحبس المواد الغذائية عنهم. كما ذكر الإعلاميون الحربيون أن المسلحين في البلدة سبق أن ذبحوا عدداً من عناصر الجيش السوري وشاركوا في المعارك التي شهدتها بلدة الزبداني المجاورة. وطمأنوا إلى أن كمية من المساعدات ستصل مضايا في الأيام القليلة المقبلة في إطار اتفاق «الزبداني- كفريا- الفوعة». نسلم جدلاً بصحة ما جاء في البيان، بيد أن صحته (المفترضة) لا تجيب عن التساؤل عما يفعله المسلحون اللبنانيون على الأراضي السورية، ومن هي الجهة التي فوضتهم حل النزاعات بين سكان مضايا وبين «قادة الجماعات الإرهابية» من جهة وبين هؤلاء وبين عناصر الجيش السوري من جهة ثانية. تتعارض هذه الأسئلة مع الطبيعة الاضطرارية التي برر بها «حزب الله» زجّ الآلاف من عناصره في الحرب السورية، تارة بذريعة الدفاع عن المقامات المقدسة وطوراً بحجة حماية القرى الشيعية قرب القصيْر، وحيناً بهدف منع تسلل الإرهابيين إلى لبنان، وحيناً آخر من أجل الوصول إلى القدس مروراً بالزبداني والحسكة (!!) على ما قال الأمين العام للحزب. وهذه كلها أسباب اضطرارية دفعت الحزب وعلى كره منه، إلى الانزلاق إلى الحرب السورية وتنكُّب أعبائها وأكلافها الباهظة. والحال أن هذه الجولة السياحية المسلحة بين المدن والقرى السورية والمساهمة في تدميرها وتشريد أهلها –الذين يأتي قسم منهم إلى لبنان كلاجئين- لا تفعل غير تعميق التورط اللبناني بالدم السوري وحفر خندق عميق في مستقبل العلاقات بين الشعبين، على ما بات بديهياً ومكرراً.
مع ذلك، لا يرى الإعلام الحربي في الحديث عن حصار أتباعه المدنيين وتجويعهم وإذلالهم عند حواجزه وقنص من يحاول منهم الفرار من الموت البطيء، غير حملة رامية إلى «تشويه صورة المقاومة»… ألا تستحق مقاومة كهذه تحاصر المدنيين وتتشارك -على الأقل- مع قادة «الجماعات الإرهابية المسلحة» في ترهيب السوريين، وقفة مطولة عن معناها ودورها اليوم؟ في جميع الأحوال، تبقى الحقيقة الباهرة في سوادها، هي أن الحزب يكرس محو الحدود الوطنية اللبنانية كلما صعّد مشاركته في القتال متنقلاً بين مهمات كلها اضطراري وكلها عبثي. وربما لم ينتبه الحزب، أو فاته في زحمة «انتصاراته» من مزارع شبعا إلى ريف حلب، الانتباه إلى أن هناك من احتفل قبل أقل من عامين بتدمير الحدود التي اصطنعها الاستعمار في شرق سورية عندما عبرت آليات «داعش» من العراق. يضمر «حزب الله» و «داعش» عداء، كل من موقعه، للحدود الوطنية ولما تمثله من علامات قيام الدول واستقرارها. بيد أن العداء هذا الذي يجعل الحزب يحاصر مضايا ويهجّر أهالي القصير، ينتهي عند الحدود الفلسطينية- اللبنانية، فلا ينتقم لقادته القتلى إلا في مكان ملتبس السيادة مثل مزارع شبعا. عجباً!

 

تجويع “حزب الله” لمضايا.. أولوية لبنانية!
ربيع حداد/المدن/الخميس 07/01/2016
في التاريخ، لم يشهد العالم معركة يجري فيها استخدام سلاح التجويع كسلاح رئيسي، برغم أن الجوع وفقدان المواد الغذائية غالباً ما يكون نتيجة طبيعية لمسار الحروب والحصارات التي تنجم عنها. حادثتان أساسيتان استعمل فيها الجوع والعطش من ضمن أسلحة تغيير موازين القوى وسير المعارك، في كربلاء، حيث حوصر “أهل البيت” والإمام الحسين ومنعوا من الحصول على مأكل ومشرب، وما يجري اليوم في مدينة مضايا في ريف دمشق.  منذ ستة أشهر ومضايا تعيش في حصار مطبق، لا مواد غذائية تدخل إليها، فيما القوى المحاصرة للمدينة وعلى رأسها “حزب الله” والجيش السوري يمنعون الناس من الحصول على قوتهم اليومي، أي شخص يتوجه إلى أي مكان بغية الحصول على ما تيسّر، تطلق عليه النيران من قبل القناصة فيردى. ووصل سوء الأحوال بأهالي المدينة واللاجئين إليها من الزبداني المجاورة بالإضافة إلى أهالي بلدة بقين إلى أكل ما تيسّر من حشائش برية، فيما يلجأ البعض إلى أكل لحم القطط والكلاب.
هي أبشع مجزرة يشهدها الصراع السوري، الصور الواردة من هناك، تظهر الإنسان هيكلاً عظمياً، والمفارقة في ذلك، أن من يحاصر المدينة، هو “حزب الله”، الحزب المقتدي بتعاليم الحسين ومناقبيته، يحارب أخصامه بما حورب به الحسين في كربلاء، ولم تحرك الصور الواردة من مضايا بعد أي ضمير.
فظاعة المشاهد الواردة من هناك، كان لها وقعها على الساحة اللبنانية، فهاجم بعض السياسيين “حزب الله” على ما يقترفه بحق المدنيين، اذ غرّد النائب جورج عدوان عبر “تويتر”: “لا لحصار اي منطقة ولا لتجويع اي إنسان وما جرى ويجري في مضايا مرفوض انسانيا واخلاقيا”.
من جهته، نشر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع صورة عبر “تويتر”، موجّهاً عبرها دعوة إلى كل الدول التي لديها قوى جويّة عاملة في الأجواء السورية، قائلاً: “أعتقد أن هذا المشهد بحدِّ ذاته كافٍ لتحريك ضمائركم ودفعكم الى رمي الإمدادات الغذائية من الجو الى عشرات آلاف المحاصرين في مضايا… بانتظار من سيتحرك عنده الشعور بالتضامن الإنساني أولاً”.
كذلك الأمر بالنسبة إلى الرئيس فؤاد السنيورة الذي اعتبر أن ما يجري في مضايا، وكل عمل مماثل هو أمر مرفوض بتاتاً قائلاً إن “الأمر الامر يعتبر جريمة بحق الانسانية ترتكب على مرأى من العرب والمسلمين والعالم”. وتساءل “لماذا السكوت عن جريمة تقتل الناس جوعاً مشيراً الى ان هذه الجريمة تعتبر جريمة العصر والعام. وابدى خشيته ان يكون “حزب الله مشاركاً في هذه الجريمة ونأمل الا يكون شريكاً في جريمة ستؤدي الى الكثير من الاضرار”.  هذه التصريحات دفعت الإعلام الحربي في “حزب الله” إلى إصدار بيان، يعتبر أن الإتهامات الموجهة إليه حول ما يجري في مضايا هي إفتراءات لتشويه صورة المقاومة، وحمل البيان مسؤولية ما يجري في البلدة للجماعات المسلحة التي تتخذ من مضايا رهينة لها ولداعمي المسلحين من جهات خارجية. وتؤكد مصادر من المنطقة لـ”المدن” أن “حزب الله هو الجهة الوحيدة الموجودة في مضايا، وهو من يتحكم بمسار الأمور، ويمنع أي شخص من التجول للحصول على طعام، وقد قتل نساء حوامل كانوا يبحثون عن شيء يقتاتونه، وتلفت المصادر إلى أنه بموجب اتفاق تبادل الجرحى ما بين الزبداني وكفريا والفوعة، كان يجب أن يستكمل بإدخال المواد الغذائية إلى مضايا وسرغايا وبقين، إلا أن حزب الله رفض تنفيذ ما التزم به، وهو يريد استمرار الضغط بهذا الشكل، بغية دفع أهالي المدينة إلى هجرتها، وبالتالي تنفيذ المندرج الثالث من هذا الإتفاق وهو ذهاب كل المدنيين من هذه المناطق الثلاث إلى إدلب”.  من جهته، يقول المحامي نبيل الحلبي لـ”المدن” إن “هناك مساع عديدة يتم بذلها مع جميع الجهات المعنية على الصعيد الدولي ومع الصليب الأحمر، والأمم المتحدة لأجل توفير المواد الغذائية للمدنيين المحاصرين والذين يموتون من الجوع، ويلفت إلى أن حزب الله والنظام السوري يرفضان هذا الامر. أصبحت الأمور واضحة في ريف دمشق المقابل للسلسلة الشرقية لجبال لبنان، “حزب الله” يريد هذه المنطقة بأي ثمن، وبعد فشله في الزبداني عسكرياً لجأ إلى المفاوضات التي بدأ تنفيذها وهو يضغط عبر سياسية التجويع إلى دفع المدنيين لإخلاء مدنهم وقراهم لتصبح المنطقة بكاملها تحت سيطرته.