خالد غزال: سنة سادسة على الجلجلة السورية/ماجد الشيخ: الإسلام السلطوي ليس سياسياً/راغدة درغام: فرص الوساطة في الأزمة السعودية – الإيرانية

312

سنة سادسة على الجلجلة السورية
خالد غزال/الحياة/08 كانون الثاني/16
عشية دخول الأزمة السورية سنتها السادسة، لا يسع المرء إلا العودة الى البدايات في أوائل 2011، ليرى المفارقة بين الانطلاقة والمآل الذي وصلت اليه سورية، الشعب والكيان والنظام. خلافاً للانتفاضات العربية الأخرى التي زاوجت بين الحراك الشعبي الواسع وبين انخراط قوى من النظام في الانقضاض على رأس السلطة (نموذج تونس وليبيا ومصر)، فإن بدايات الحراك السوري كانت بحق انتفاضة شعبية صافية توحدت فيها القوى المناهضة لنظام استبدادي جثا على الشعب السوري لمدة نصف قرن من الزمن. لم يكن من قبيل المبالغة وصف تلك الانتفاضة بأنها أقرب الى ثورة حقيقية. اقترنت الانتفاضة بانبعاث أحلام حقيقية حول خلاص الشعب السوري من الديكتاتورية، لكن الحلم سرعان ما بدأ يتلاشى عندما نجح النظام في عسكرة الانتفاضة وإطلاق القوى الإرهابية وتوظيفها ضد قوى المعارضة. بعد أشهر قليلة حوّل النظام الانتفاضة الى حرب أهلية لم تترك بقعة من الأرض السورية الا واقتحمتها، وأدخلت سورية في أتون نار جهنم التي لم تخرج منها حتى الآن. لم يكن غريباً ان تنجرف قوى سياسية وشعبية لتسقط على الانتفاضة السورية حلمها وشوقها الى التغيير، لأن مقدار اليأس المتراكم من سلطات الاستبداد كان مولّداً لأي تعلق بخيط من الأمل في الخلاص. لم تكن تلك حالة الشعب السوري، بمقدار ما كانت ولا تزال أحلام الشعوب العربية كلها. لكن المتبصر في واقع سورية، بمقدار ما كانت تفرحه التظاهرات الشعبية السلمية الصاخبة والمتحدية لنار أجهزة القمع، كان يهجس بمصير مقلق وصعب ستقف أمامه سورية مستقبلاً، يضع مصير البلد في مهب الريح، كما هو حاصل اليوم. لم تكن الهواجس على مصير الانتفاضة السورية مجرد تخمينات، بل كانت تنطلق من رؤية طبيعة النظام السوري من جهة، ومن حال المعارضة السياسية من جهة أخرى. استطاع آل الأسد بناء دولة قمعية بأشد أنواع الاستبداد التي عرفها التاريخ، وظفوا أجهزة الدولة ومواردها في بناء مؤسسات مهمتها إدامة النظام القائم وحمايته. بنوا جيشاً وادعوا انه لمحاربة اسرائيل ليتبين ان وظيفته موجهة ضد الشعب، وجعلوا أجهزة الاستخبارات وصية على القلوب والنفوس، وأقاموا سلطة مركزية ترتكز على عصبية العائلة المستندة الى عصبية الطائفة، بحيث يتسبب أي مس في قمة النظام باندلاع حرب أهلية طائفية ومذهبية. هذه التركيبة للنظام في قمته وأجهزته كانت تنبئ باستحالة إقدامه على إصلاحات سياسية تعيد تركيب السلطة وتستجيب لأبسط الحقوق في الحريات السياسية والفكرية. مما يعنى ان جواب النظام سيكون رفض الاستجابة لمطالب الجماهير، وان الرد سيكون باستخدام القوة والسلاح ضد المنتفضين، وهو ما كان يشي بفتح ابواب الجحيم على الشعب السوري. الهاجس الثاني الذي كان يؤشر الى مسار الانتفاضة سلباً، هو واقع المعارضة السورية نفسها التي بدأت قواها تتبلور في سياق الانتفاضة. لعل أهم النجاحات التي حققها نظام البعث طيلة حكمه هو إبادته لقوى المعارضة السياسية والشعبية والعسكرية. أعمل سيف القتل في من استطاع الوصول اليه، وأودع السجن آلاف المعارضين الذين رحل قسم أساسي منهم الى القبور من جراء التعذيب، ومن لم تستطع أجهزته الوصول اليه في سورية، أجبره على إيواء المنافي وقطع كل صلة له بقوى داخلية يمكن ان تجرؤ على الاعتراض. هكذا استقبلت سورية انتفاضتها في غياب القوى المعارضة التي كان يمكن لها ان تشكل بديلاً. لذا جرى استحضار هذه القوى على عجل، وجرى تجميعها على رغم تنافر قواها والتشكيك في اعتراف بعضها بالآخر. على امتداد السنوات الخمس الماضية، نجح النظام السوري في تحويل الانتفاضة الى حرب أهلية دموية، واستجلب قوى خارجية من إرهابيين، واستعان بقوى إقليمية رأت في الحرب السورية منفذاً لنفوذها السياسي. وانفلتت المصالح الدولية والإقليمية من عقالها، فأميركا وإسرائيل وجدتا فرصة مناسبة للخلاص من دولة سورية تشكل خطراً على الكيان الإسرائيلي اذا ما تغير نظام آل الأسد الذي ضمن لإسرائيل أمنها على امتداد أربعين عاماً، لذا أدارت الولايات المتحدة حرباً لتدمير سورية كياناً ومجتمعاً. كما تحولت سورية الى ساحة حروب بديلة، فدخلت روسيا على خط الأزمة واستوطنت الساحل السوري ونصبت نفسها حامية للنظام، فيما هي تريد موقعاً ونفوذاً في الشرق الأوسط تراه اليوم عبر الحرب السورية. هكذا تواطأ الجميع من النظام الى دول إقليمة ودولية على استحضار كل مكونات الإرهاب واستثمارها في هذه الحرب. كانت كرة الثلج تكبر سنة بعد سنة، والشعب السوري يتسول ملجأ في المنافي، ومن بقي منه في سورية يعاني وطأة الحديد والنار من جميع قواه. وكل عام كان الأمل في حل سياسي يبدو سراباً. وها هي السنة السادسة على الحرب الأهلية تطل وما زال الأمل بالنزول عن الجلجلة بعيداً. الى متى؟ الجواب في علم الغيب.

 

الإسلام السلطوي ليس سياسياً
ماجد الشيخ/الحياة/08 كانون الثاني/16
يذهب «التأسلم السلطوي» مذاهب شتى، ما عدا السياسي أو الاجتماعي أو الفكري أو الفلسفي، وهو لا يقرب سوى أيديولوجياه الخاصة التي لا تعرف أن تمتاز بغير العداء للآخر، كل آخر حتى الذي من طينته نفسها، وكذلك بامتيازه بالعنف والتطرف والإرهاب، وذلك على قاعدة من ادعاء وتوسم الـ «خلاصية» التي يتشارك فيها الفرد كما «الجماعة»، لا سيما وهي ترى في ذاتها كونها النمط الفريد والوحيد لـ «المخلص» أو «المهدي»، في تعاليها واستيهاماتها، الأمر الذي قادها ويقودها لأن تكون «سيدة السلطة» المُطاعة، وبالتالي لا ضير إن ارتكبت من الخطايا ما لا طاقة لبشر على تحمّله، بمزاعمها وتضليلها وادعاءاتها، من قبيل تلك الارتكابات «الداعشية» في تبريراتها التي تجعل من جرائمها «تطبيقاً للشرع» و/ أو معيناً لإقامة «حكم الله على الأرض». ما يمارس من ارتكابات لا يقرب «الداعشي» من «الشرع»، وبالطبع لا ولن يعينه لـ «الاقتراب من الله»، إلا في صورة وإطار الأيديولوجيا التي لا تفرق بين «أمر الله» و «أمر الخليفة الداعشي» وأضرابه من الأفراد، وحتى أولئك الذين يقدمون فروض الولاء والطاعة خفية وتقية ومن بعيد، لتبرير جرائم بحق الإنسانية، لا يحضّ عليها الدين، وإنما التدين، والنزوع المرضي إلى السلطة الشمولية والاستبداد وشهوة القتل، وبفتاوى لا تفقه من الفقه سوى فقه «التوحش»، ومن الفتاوى سوى فتاوى «الحلول» و «الإحلال»، وما هذا من الدين في شيء، بل هذا هو بالفعل ما يضاد الدين والإيمان به، في ما هو أقرب إلى الكفر والزندقة، تلك التي يستعملها «دواعش» عصرنا كمبرر لإبادة كل من لا يتماثل معهم، أو يعاندهم ولا يطاوعهم من البشر. هذه هي حال «التأسلم السلطوي» في بلادنا، كما هي حال أضرابه من الذين يجري تصديرهم إلى بلدان العالم المختلفة، أو إعادة توريدهم إلينا أكثر توحشاً، وأكثر «تديناً سلطوياً». فأين السياسة من هذا كله، بل وقبل ذلك أين الإسلام؟. بالطبع، لا يمكن أن تُبنى الدول والمجتمعات بنزوع سلطوي استبدادي وتسلّطي إجرامي كهذا، على ما هي حال التطرف والإرهاب والعنف الأيديولوجي لقوى «التدين الجديد»، وهو يأخذنا وبتقنيات الحداثة الراهنة، إلى أمكنة جديدة على قاعدة من التفنن في استنباط آليات جديدة من «فقه التوحش»، وما كل هذا العداء للطبيعة البشرية والمجتمعات الإنسانية، إلا لكونها لا تتماثل ولا يمكنها بالطبع أو التطبّع، أن تتماثل مع أي نموذج معياري لأي دين، فكيف يمكنها أن تتماثل مع تأويلات أو تقويلات «تدين سلطوي» لا يسعى بلطجيوه وشبيحته، إلا الى تثبيت سلطة لهم، في واقع يرفضهم، ويرفض تماثلهم معه كأبناء «نجباء»، لوحشية أيديولوجيا التطرف الديني، وتشريع الإرهاب وتسويغه، كجريمة منظمة تعادي الإنسانية؟.

 

 فرص الوساطة في الأزمة السعودية – الإيرانية
راغدة درغام/الحياة/08 كانون الثاني/16
بديهي استنكار الأسرة الدولية برمتها للاعتداء على البعثتين الديبلوماسيتين السعوديتين في طهران ومشهد الذي أعاد إلى الأذهان الاعتداءات السابقة مطلع الثورة الإيرانية على السفارة الأميركية واحتجاز رهائن أميركيين لفترة 444 يوماً. إدانة مجلس الأمن للاعتداء الأخير أتت حاسمة من دون ربطها بأية مقدمات وذلك لأن مبدأ عدم التطاول على البعثات الديبلوماسية مرفوض التلاعب به قطعاً. الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أخطأ عندما ركّز استياءه في بيانه الأول على تنفيذ السعودية أحكام الإعدام بحق 47 شخصاً، حُكِمَ عليهم بتهم التحريض على الإرهاب وارتكاب أعمال إرهابية، إذ مرّ بان مرور الكرام على الهجوم على البعثتين الديبلوماسيتين السعوديتين بدلاً من الإدانة التلقائية القاطعة لانتهاك البعثات الديبلوماسية وبدا كأنه يبرر – وإن لم يقصد ذلك عمداً – حرق البعثات في طهران انتقاماً من تنفيذ الأحكام في السعودية. أكثرية المجتمع الدولي ترفض بالمطلق مبدأ عقوبة الإعدام مع استثناءات بارزة مثل الولايات المتحدة. من حق السعودية أن تعتبر مواقف بان كي مون تدخلاً في شأنها الداخلي إنما من حق الأمين العام أن يتمسك بمبدأ معارضة إنزال حكومة الإعدام أينما كان. الرياض على حق عندما تشير إلى ازدواجية في المواقف الدولية التي لا تحتج على أكثر من ألف حالة إعدام نفذتها إيران حين أسرعت إلى انتقاد الإعدامات السعودية.
الآن، بعد قرار الرياض قطع العلاقات الديبلوماسية مع طهران احتجاجاً على ما بدا وأنه مباركة رسمية للاعتداءات على البعثتين الديبلوماسيتين، وكلام المرشد علي خامنئي عن «الانتقام الإلهي» من السعودية لإعدامها نمر النمر، السعودي الجنسية الذي له تاريخ حافل بالتحريض على العنف والإرهاب، السؤال هو: ماذا بعد، وإلى أين، وما هو حجم الرسالة السعودية، وهل هناك استراتيجية للاستفادة من الحماقة التي ارتكبتها إيران؟ المواجهة السعودية – الإيرانية خضت عواصم العالم وأطلقت الخوف من تفجّر المواجهة دموياً في بقع الحروب بالوكالة المعهودة، سورية واليمن والعراق ولبنان، إلى جانب إجهاض كل العمليات الديبلوماسية الهادفة إلى إيجاد حلول للأزمات مثل «عملية فيينا» لسورية، وجهود المبعوث الدولي إسماعيل ولد الشيخ أحمد لليمن. إنما، هذه المرة، تعدّت المخاوف مناطق الحروب بالوكالة وانصبت على التدقيق في أبعاد وإفرازات التدخل الإيراني في الشأن السعودي الداخلي وفي البحرين حيث التدخل الإيراني يتخذ أشكال التخريب والتحريض والتدريب وإنشاء الخلايا عبر «حزب الله» اللبناني وغيره. تكاثرت عروض الوساطة وشملت عرض روسيا، وآخر من تركيا، ثم عرض العراق وعمان. الولايات المتحدة لم تعرض الوساطة بالرغم من الخطوط المفتوحة الآن بين واشنطن وطهران والتي أدت بوزير الخارجية جون كيري إلى الاتصال بطهران قبل الاتصال بالرياض في خطوة ديبلوماسية أثارت الاستغراب نظراً لأن العلاقة الأميركية – السعودية تحالفية منذ عقود فيما العلاقة الأميركية – الإيرانية ما زالت في مهد التهادنية والشراكة الاستراتيجية.
التقاط فرصة الوساطة مفيد جداً. فليست هناك فائدة من قطيعة مفتوحة الأفق بلا غايات محددة وأهداف عملية. الرسالة السعودية إلى طهران كانت واضحة في سعيها لوقف الزخم الدولي الذي صوّر إيران داعية سلام فيما كانت طرفاً مباشراً في الحرب السورية لمصلحة النظام والبراميل المتفجرة، تجنّد الميليشيات وتبعث المستشارين في انتهاك فاضح لقرارات مجلس الأمن وبشرعنة دولية لتلك الانتهاكات. الحماقة الإيرانية التي فضحت تلقائية الاعتداء على البعثات الديبلوماسية فضحت طهران لكن ذاكرة الأسرة الدولية ستثبت أنها ضعيفة جداً في زمن الغرام الأميركي بإيران وانبطاح أوباما أمام طهران باسم إنجاز الاتفاق النووي.
لذلك، إن البراغماتية جداً ضرورية حتى إذا كانت العاطفة الوطنية في أوجها. إن التفكير بهدوء هو المطلوب أكثر في خضم الانفعال مهما كانت مبرراته. ولذلك، إن الرسالة التي بعثتها الديبلوماسية السعودية باستقبالها المبعوث الدولي لسورية ستيفان دي ميستورا بالرغم من استيائها من مواقف بان كي مون كانت رسالة حكيمة. ما قاله السفير السعودي لدى الأمم المتحدة عبدالله المعلمي بأن الرياض لا تقاطع الأمم المتحدة لأنها مستاءة من الأمين العام، وأنها ستستمر في الجلوس إلى طاولة فيينا حول سورية بالرغم من قطع العلاقة الديبلوماسية مع طهران، يعكس فعلاً هدوء وحكمة الديبلوماسية السعودية.
إيران منذ ثورة عام 1979 اعتمدت استراتيجية تصدير الثورة، وما زالت عازمة على تنفيذها. هي ذي معركة اختارتها بوضوح. اليوم، ها هي طهران تتأبط على يسارها حليفها الروسي سنداً موثوقاً به تحت أي ظرف. حليف أثبت في الحرب السورية الولاء والعناد والجرأة والصبر وقرأ الفرص المتاحة في الضعف الأميركي فصنع المحور الروسي – الإيراني مع «حزب الله» وبمباركة من الصين لضمان بقاء نظام بشار الأسد في السلطة ولضمان نفوذ روسيا وإيران في سورية والشرق الأوسط لزمن آتٍ. إنه الحليف الذي ضمن الربح لإيران في سورية.
على يمينها، تتكئ إيران بإغراء وثقة على خاطب ودها الأميركي وتلعب به كالخاتم في اصبعها. الرئيس السابق جورج دبليو بوش قدّم لها نصره في العراق، والرئيس الحالي باراك أوباما قدم لها عجزه في سورية. كلاهما نصب إيران زعيماً إقليمياً وغض النظر عمداً عن كل تجاوزاتها إن تمثلت في عمليات إرهابية تعرف واشنطن كل تفاصيلها، أو في تدخل مدروس في الدول العربية لتصدير الثورة الإيرانية.
البراغماتية تقتضي التفكير العميق في معنى وأبعاد انحسار العلاقة التحالفية بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية، بل استعداد واشنطن لاستبدال الحليف العربي بالشريك الإيراني. واقعياً، لا بد من الإقرار أن واشنطن باركت انتصار إيران وروسيا و «حزب الله» في سورية. واقعياً، لا مناص من الأخذ في الحساب أن إسرائيل عادت إلى دعمها لبشار الأسد في السلطة وأن علاقاتها مع إيران ازدادت تهادنية بل باتت تعاونية بالذات في سورية تحت عنوان مكافحة خطر الإرهاب السني المتمثل بـ «داعش» وأمثاله. واقعياً، يجب استذكار إرهاب 11/9 وكلفته على العرب ويجب الأخذ في الاعتبار أن النفط العربي لم يعد حاجة أميركية.
أمام هذه الوقائع، من الضروري إجراء جردة حسابات لكلفة أي من الإجراءات في مواقع الأزمات والصراعات في المنطقة العربية مع هامش يبين الربح والخسارة. واضح أن الأولوية القاطعة هي الأمن القومي الداخلي لكل دولة خليجية. إيضاح الخطوط الحمر يتطلب دعمها باستراتيجية إقدام واستراتيجية خروج وكذلك التنبه إلى ماذا في حوزة الطرف الآخر. الأمن القومي السعودي يلقى إجماعاً خليجياً بأنه يمثل الأمن القومي الخليجي. فإذا شاءت روسيا أو عُمان، مثلاً، أن تتقدم بمساعٍ حميدة وتقوم بدور الوساطة بين السعودية وإيران، يجب مطالبتهما بالسعي الجدي وراء تعهدات إيرانية بضمانات أميركية، بأن طهران ستكف عن التحريض والتدخل في شؤون السعودية والبحرين. هذه أولوية قاطعة يجب على مجلس التعاون الخليجي إيضاحها بأكثر من بيان وإعلان. هي ذي المعركة التي يجب اختيارها. المعركة الثانية هي اليمن التي تصب أيضاً في خانة الأمن القومي السعودي. إيران اختارت اليمن ساحة حرب بالوكالة بهدف تحويلها إلى مستنقع للسعودية. نجت طهران من تحويل سورية إلى «فيتنام» لها نتيجة دخول روسيا ساحة المعركة بمباركة أميركية. فإذا لم يكن هناك شريك دولي يمارس في اليمن ما مارسته روسيا في سورية، لا مناص من استراتيجية خروج عملية. وبحسب ما يبدو، إنها متاحة الآن فقط في العربة الديبلوماسية التي تقودها الأمم المتحدة عبر مبعوثها ولد الشيخ أحمد. سورية، للأسف، ليست معركة قابلة للربح لأن الأسرة الدولية قررت أنها ليست الآن في صدد محاربة نظام فتك بشعبه توعدته بالمحاسبة وإنما هي في صدد حرب مع «داعش» تتطلب التحالف مع الشيطان. سورية ستبقى وصمة عار في الضمير العالمي وستبقى نزيفاً يعيق احتفاء أي كان بأي ربح أو انتصار سيبقى وهمياً مهما تخيّل أصحابه العكس. تقول البراغماتية أنه يجب عد الخسارات واختيار المعارك. تقول، إن لا شيء يدوم للأبد وأن خسارة اليوم قد تكون استثمارات في الغد، إذا كان التفكير هادئاً بعيداً عن الانفعالية. ثورة إيران المستمرة وصلت اليوم محطة جميلة لملالي طهران. لكن تلك الثورة كلفت الإيرانيين غالياً على مدى حوالى أربعة عقود وأقعدت إيران في عزلة وجمود ومنعتها من التقدم والازدهار. هذا ليس ربحاً ولا هو انتصار. إنها ثورة قننت الحريات والتقدم. بالمقابل، وخلال العقود الأربعة الماضية، نهضت منطقة الخليج وبنت المدن المدهشة وانطلقت إلى الاندماج مع العالم وذاقت طعم النهضة بالرغم من القيود على الحريات. التاريخ لا يتوقف عند إدارة أميركية. سمعة الولاء نادرة في تاريخ السياسات الأميركية بل إن التركة الأميركية هي الاستغناء والخيانة لحلفاء الأمس. فحذار الانسياق أو الاعتباطية في العلاقة السعودية – الإيرانية.