علي الحسيني: تكتيك حزب الله في مضايا: الطعام مقابل الأرض/علي الأمين: مضايا: صورة المقاومة يا حزب الله صورة المقاومة/حـازم الأميـن: تحية شيعية إلى سايكس بيكو

369

تكتيك» حزب الله في مضايا: الطعام مقابل الأرض
علي الحسيني/المستقبل/08 كانون الثاني/16
منذ إنخراطه في الحرب السورية تحت حجج متعددة ومتنوّعة سعى من خلالها إلى تبرير عدوانه، وسكوته عن مجازر نظام الأسد المتكررة بحق الشعب السوري والمتنقلة بين منطقة وأخرى، ها هو «حزب الله» وبالتنسيق مع نظام القتل، يفرد لنفسه صفحات جديدة وموثقة في تاريخ الجرائم الإنسانية من خلال محاصرته بلدة مضايا في ريف دمشق وتجويع أهلها ومنعهم من الحصول على فُتات الخبز أو شربة ماء، في مشهد بدا وكأن التاريخ قد استعاد مجموعة صور من زمن الحروب العالمية لأطفال يتكئون على الأرض وهم يموتون جوعاً، بينما عيونهم مفتوحة باتجاه السماء وكأنها تنتظر عدالتها بعدما فقدتها على الأرض.
بالأمس وأمام صور ومشاهد أطفال «مضايا» وهم يموتون جوعاً وعطشاً، سقطت كل بيانات وإدعاءات النصر «الإلهي» وتبريرات القتل، تماماً كما سقط «الواجب الجهادي» وملحقاته بدءاً من «التكليف الشرعي» لخوض الحرب السوريّة وإنتظار «المنتظر» لتحل عدالته على أرض غاب العدل عنها بعد حصار دائم لما يُقارب 23 الف مواطن سوري منذ أكثر من سبعة أشهر بهدف اجبارهم على الرحيل في عملية تسفير عرقية كانت شهدتها من قبل مدينة «القصير» وبعدها عدد من قرى «القلمون»، لكن مع فارق وهو عروضات قدمها «حزب الله» لأهالي البلدة عبر سماسرة يطلب منهم التخلّي عن ممتلكاتهم لقاء مبالغ زهيدة، وذلك ضمن مناطق تعتبر هي الأغنى زراعياً في سوريا في وقت تؤكد المعلومات ان السعر الحقيقي يتجاوز السعر المعروض بعشرات المرات. منذ سبعة أشهر ولغاية اليوم لقي أكثر من ثلاثين شخصاً من بلدة مضايا حتفهم بسبب الجوع ونقص الدواء، وتشير روايات لعدد من المسلحين الذين غادورا البلدة مؤخراً عقب الاتفاق الذي تم بين المعارضة من جهة و«حزب الله» والنظام من جهة اخرى، إلى أن نقص الغذاء أجبر السكان على أكل القطط والحشائش والنفايات، وأن هناك حالات وفاة كثيرة، بينهم نساء وأطفال. وبعد تفاقم الأمور وارتفاع الأصوات وحالات الغضب الشعبي في معظم دول العالم والتي اتهمت الحزب بارتكاب مجازر جماعية، أصدر الاخير أمس بيان رفع عتب، حاول من خلاله رفع المسؤولية عنه عندما اتهم مجموعات مسلحة يفوق عددها 600 عنصر يأخذون البلدة رهينة ويمنعون وصول المواد الغذائية إلى أهلها».
في مخيمات النزوح في لبنان والتي تتوزع من اقصى الشمال الى الجنوب، يتحدث الكثيرون عن صعوبة الأيام التي تمر بها مضايا اليوم في ظل الحصار القاتل. يسأل أحد الأطباء النازحين عن روايات «حزب الله» في ما خص واقعة «عاشوراء» والتي تتحدث عن حصار صاحب الواقعة ومنع وصول الماء والطعام اليه والى عائلته، فيقول «لقد بلغ سوء الأوضاع بمضايا في الأيام الأخيرة حدا لا تستسيغه الإنسانية، لقد تردت الأوضاع الصحية لأهالي المدينة، حيث وصلت للمستشفى مئات حالات التسمم نتيجة أكل أوراق شجر الزيتون، وهي المادة الخضراء المتبقية في البلدة بعد تساقط الثلوج. الا يوجد شبه بين الواقعتين؟ اليس المجرم هو نفسه اليوم؟». وفي وقت حذر فيه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية من كارثة إنسانية تهدد حياة المحاصرين جوعاً وبرداً في مدينتي مضايا وبقين بريف دمشق الغربي، ومن صمت المنظمات الدولية وجعلها شريكة في جريمة حصار المدنيين، أكد مدير مؤسسة «لايف» الحقوقية اللبناني نبيل الحلبي أن «هذه الممارسات تأتي ضمن سياسة ممنهجة من أجل تهجير أهالي ريف دمشق قسرياً، عبر تطبيق معادلة (مقايضة الأرض مقابل الغذاء)، وذلك كما حصل في حمص القديمة تماماً». وأشار إلى أن «الأجندة الإيرانية في سوريا تهدف إلى إيجاد مساحة كبيرة تمتد من الزبداني والقلمون والقصير وحمص والساحل، وتبتلع كامل الحدود مع بقاع لبنان الشمالي- الشرقي، بهدف ربطها بمنطقة بعلبك الهرمل، على أن تكون لاحقاً «دويلة شيعية» تابعة لنظام الولي الفقيه»، مضيفا: لكي تنجح هذه الاستراتيجية يقتضي تهجير السكان السنة من هذه المناطق إضافة إلى تهجير أهالي عرسال اللبنانية». هي إذاً، فصول معاناة إنسانية جديدة في سوريا، أطلت هذه المرّة من بلدة مضايا لتُسقط ورقة التوت عن ممارسات «حزب الله» والنظام اللذين لا يوفّران وقتاً إلا ويستغلانه لإبتكار أساليب قمعية جديدة لمعاقبة شعب يرفض مغادرة أرضه ويُصرّ على الدفاع عنها حتّى ولو كان الثمن قتل عائلة بأكملها، فمن الممارسات داخل السجون وعمليات القتل على الهوية، إلى البراميل المتفجرة واستخدام الأسلحة الكيميائية، يُدخل اليوم الحلف «الممانع» اسلوباً جديداً إلى أجندته الإنتقامية من خلال إستخدامه وسيلة التجويع، وسيلة سقطت أمس عند أوّل حاجز للحزب والنظام عند مدخل البلدة بعدما مُنعت أوّل قافلة محملة بالمواد الغذائية تابعة للأمم المتحدة من العبور إلى بلدة العز وتوأم الزبداني في المقاومة والصمود والموت بعز، إن كُتب عليها الموت.

 

مضايا: “صورة المقاومة” يا حزب الله؟ صورة المقاومة؟
علي الأمين/جنوبية/7 يناير، 2016
أشعر بالعار، ليس لأنني لبناني فقط، ولا لأنني شيعي، ولا لأنني ابن الجنوب، الذي بعض شبّانه يجوّعون أطفال مضايا، بل لأنّني تناولت طعام الغداء قبل أن أكتب هذه المقالة. أشعر بالعار لأنّني متخم. سامحونا يا أهل مضايا. سامحونا ولا تؤاخذونا بما فعل السفهاء منّا.
يعرف حزب الله أن من شوّه صورة المقاومة هو قيادة حزب الله. صور الأطفال الذين لم يعد في أجسادهم سوى العظام والجلد، الصور التي تذكرنا بالمجاعات الإفريقية نهاية القرن الفائت، هذه الصور لم تفبرك لتشويه صورة المقاومة.
يتصرف حزب الله على أنّ “صورة المقاومة” هي مركز الكون. يتصرّف بنرجسية الأطفال ووحشية الكبار. أصدر بياناً يردّ به على من عابوا عليه محاصرة مضايا وتجويع أطفالها، فاعتبر أنّ اعتراضات الجائعين والغاضبين من قتل العشرات بسلاح الجوع، ليس إلا “حملة مبرمجة بهدف تشويه صورة المقاومة”.
هناك اتفاقات تحمي المدنيين خلال الحروب. دعوا الاتفاقات جانبا، دعوا الدين وقيّم عاشوراء ودعوا الأخلاق جانباً… من كتب، أو كتبوا، هذا البيان، ألم يخطر في بالهم لحظة أنّ طفله، أو أطفالهم، قد يقعون في حصار مشابه؟
بيان حزب الله، المعيب، أضاف أنّ “الجماعات المسلحة التي تتخذ من مضايا رهينة لها، ولداعمي المسلحين من جهات خارجية هي من يتحمل مسؤولية ما يجري في البلدة”.
هل هناك وقاحة أبعد من هذه: “الجماعات المسلّحة الإرهابية تستخدم السكان، الذين لا يتجاوز عددهم 23 ألف نسمة، كدروع بشرية، وورقة سياسية يستغلونها الآن في حملة إعلامية كاذبة مثيلة بسابقاتها في مناطق أخرى… ولا صحة للأخبار التي تدعي وجود حالات وفاة”.
هل هكذا يمدّ حزب الله جمهوره بالحجّة للردّ على “حملة إعلامية كاذبة”؟ أليست هذه لغة الإسرائيليين حين يفتكون بالعرب؟ يتّهموننا بالكذب والتضخيم، حين نموت حرقا وقصفاً وجوعاً وحصارا، من غزّة إلى جنوب لبنان، منذ 1948 إلى اليوم.
لا يخشى حزب الله إلا على صورة المقاومة، على صورة تلك الفكرة الجميلة الشابة، التي كانها، وقد صار اليوم عجوزاً يشرب دماء من يعارضونه ويجوّع أطفال من يرفضون ترك أرضهم له: “عدد كبير من السكان يحاولون الخروج من مضايا غير أنّ قادة الجماعات المسلحة ترفض ذلك… وهناك مفاوضات لتسليم 300 مسلحٍ أنفسهم إلى السلطات والخروج من مضايا مقابل رفض مسلحين آخرين للموضوع بسبب قرار سياسي خارجي”.
بصراحة قلّ مثيلها، يعترف حزب الله أنّه يشترط على الجائعين تسليم أنفسهم والاستسلام “غير أنّ قادة الجماعات المسلّحة ترفض ذلك”. يعيب على المسلّحين بطولة قامت عليها أسس التشيّع، وهي الشهادة وعدم الاستسلام. فهو قرّر، بدل القتال، أن يجوّع 40 ألف مدني ليقضي على 600 مسلّح.
يقول البيان: ” تتحكم في بلدة مضايا مجموعات مسلحة حيث يبلغ عدد المسلحين أكثر من 600 مسلح يتوزعون 60 في المئة من حركة احرار الشام، و 30 في المئة من جبهة النصرة وعشرة في المئة من الجيش الحرّ”، لافتاً الإنتباه إلى أن البلدة باتت تعتبر “رهينة للجماعات المسلحة منذ اشهر عندما اشتدت المعركة في الزبداني، وبعدما قاموا بعمليات ذبح عدة ضدّ حواجز الجيش السوري عند مدخل مضايا”.
600 مسلّح، لا بأس أن يموت 10 أو 20 ألف من الأطفال والنساء والرجال للقضاء عليهم. هو المنطق الإسرائيلي نفسه الذي دمّر لبنان ذات صيف من العام 2006 لتحرير جنديين اختطفهما حزب الله.
من يشوّه صورة المقاومة؟ الجائعون وقد صرخوا ونشروا صور أطفالهم وقتلاهم؟ أو حزب الله الذي أسكرته الدماء وما عاد يميّز الحقّ من الباطل؟
أشعر بالعار، ليس لأنني لبناني فقط، ولا لأنني شيعي، ولا لأنني ابن الجنوب، الذي بعض شبّانه يجوّعون أطفال مضايا، بل لأنّني تناولت طعام الغداء قبل أن أكتب هذه المقالة. أشعر بالعار لأنّني متخم. سامحونا يا أهل مضايا. سامحونا ولا تؤاخذونا بما فعل السفهاء منّا.

تحية شيعية إلى “سايكس بيكو”
حـازم الأميـن/لبنان الآن/07 كانون الثاني/16
مضى قرن على توقيع اتفاق “سايكس بيكو”، الاتفاق الذي رسم حدود الدولة الحديثة في المشرق العربي. ويبدو أن القرن كوحدة زمنية هو عمر الخريطة التي انبثقت عن الاتفاق، ذاك أن علامات ترنح فعلية بدأت تظهر على الكيانات الناجمة عن الاتفاق! العراق لن يبقى عراق “سايكس بيكو”، وسوريا تترنح حدودها وجماعاتها، وفلسطين لم يتبلور كيانها ولم يُتح لها أن تكون، فيما لبنان، المهدد دائماً وأبداً، التحقت جماعتاه المسلمتان بعمقيهما الشيعي والسنّي، ومسيحيوه عاجزون عن وقف نزفهم الديموغرافي. ووحده الأردن من بين الوحدات المشرقية غير مهدد في المدى المنظور على الأقل. نُشِئت على هجاء “سايكس بيكو”. الاتفاق الذي حدد فيه المستعمر للجماعات المحلية الدولة التي ستكون جزءاً منها. أنا الشيعي اللبناني أبن القرية المحاذية للحدود مع اسرائيل، والتي تبعد عشرات كيلومترات من الحدود مع سوريا، لطالما غنيت مع مارسيل خليفة “قسْمونا بيكو وشريكو وخلقو الدولة الصهيونية”. ها أنا الآن أنظر من مسافة قرن إلى هذا الاتفاق! لماذا كل هذه الحماسة لهجائه، وقد كنت أقل الناس تضرراً منه؟ فهو اختارني أن أكون لبنانياً، لا فلسطينياً حيث كنت سأتحول لاجئاً لا أفق ولا أمل في عودتي، ولا سورياً حيث سأكون مواطناً في دولة البعث الأبدي. أي أن البديل كان إما احتلال اسرائيلي أو احتلال بعثي، وفي الحالين كنت سأنتهي لاجئاً.
في هجائي “سايكس بيكو” قدر من الجحود لم أتمكن من تحديد أسبابه. في هذه اللحظة تحديداً، أن تكون لبنانياً فإن خسارتك أقل من خسارتك إذا ما كنت سورياً أو فلسطينياً. ففي الأولى جاء بعثٌ أنهى عقده الخامس في الحكم بقتل ثلاثمئة ألف سوري وتهجير نحو ثمانية ملايين آخرين، وفي الثانية وقع ترانسفير اقتُلع على أثره الفلسطينيون وما زالوا مقتلعين حتى يومنا هذا. ثم أن إلحاقي أنا الشيعي إبن قضاء بنت جبيل بولاية بيروت وبعدها “لبنان الكبير” بدل ولاية عكا أو ولاية دمشق أعاد صياغة هويتي النفسية والإجتماعية والاقتصادية المعيشية، على نحو لم يكن ليتوافر لي إذا ما أُلحقت بخياري عكا أو دمشق.
ففي لبنان الكبير أنا أبن أقلية كبرى، بينما سأكون في عكا أو دمشق ابن أقلية صغرى، ثم أن لبنان قام على فكرة ائتلاف أقليات، فيما نماذج الحكم الأكثري التي سادت في المنطقة لم تتسع لإشراك الجماعات الصغرى. قد يقول قائل إن الشيعة اللبنانيين لم يكونوا شركاء فعليين في الجمهورية الأولى، وفي هذا قدر لا بأس به من الحقيقة، لكن حجم الإقصاء الذي مورس بحقهم في حينها لم يبلغ يوماً المبلغ الذي بلغه إقصاء البعث للأكثرية السورية، ولا طرد الدولة الصهيونية جيراننا أبناء الجليل. ناهيك عن أن التجربة اللبنانية أتاحت لأبناء أطرافها تقدماً في التعليم والدخل والنشاط السياسي والاجتماعي لم تتحه تجارب دول المنطقة مع أطرافها. إذاً ما الذي دهاني طوال هذا العمر الذي أمضيته في هجاء “سايكس بيكو” وهجاء الكيان؟ مصلحتي المباشرة تقضي التمسك بالكيان، مع سعي الى تحسين شروط الشراكة. عليّ أن أتذكر أن ما أقدمت عليه طوال هذا العمر، هو تماماً ما يُقدم عليه “حزب الله” اليوم، أي تبديد الكيان على مذبح شراكة أكبر لن يكون الشيعة فيها أكثر من جماعة صغيرة. فحين يُقدم الحزب على إلغاء الحدود (الاستعمارية) إنما هو يتولى مهمة إذابة خطوط الانفصال عن الجماعات الكبرى عبر توجهه كقوة أهلية لبنانية للقتال في سوريا. فلنتخيل موقع الشيعة اللبنانيين من خريطة ديموغرافية أُذيبت فيها حدود “سايكس بيكو”… فإلى روح الرجلين تحية شيعية