الـيـاس الزغـبـي: الإلتزام الأخلاقي/أحمد الأسعد: جاء دور المصارف

281

الإلتزام الأخلاقي
الـيـاس الزغـبـي/لبنان الآن/02 كانون الثاني/16
انتهت السنة 2015 على نموذج جديد من الخداع السياسي، بل من الديماغوجيا في أجلى صورها، حين تحدّث وفد “حزب الله” على باب البطريرك الماروني عن دعم مرشّح أوحد لرئاسة الجمهوريّة تحت ستار الالتزام “الأخلاقي”. ففي هذا الموقف المعلن، في زمانه ومكانه، تحدٍّ ظاهر مزدوج: لمقام بكركي أوّلاً، ولمفهوم الأخلاقيّة السياسيّة ثانياً. وفد “الحزب” لم يراعِ الصرح الذي استخدمه منبراً لإطلاق موقف خارج على الأصول، بل انتهك “الأخلاق السياسيّة” نفسها التي حمل رايتها. ولا يجوز لأيّ حزب أو فريق أو شخصيّة سياسيّة خرق حرمة الحياد الإيجابي الذي يطبع موقف الكنيسة المارونيّة، واستغلال اللقاء معها لإعلان موقف من شأنه تعقيد انتخاب الرئيس وتكريس الفراغ في سدّة الرئاسة إلى أمد غير منظور. كما لا يجوز الاستقواء برهبة السلاح ولغة التهديد المبطّن، للحسم السياسي في “هذا أو لا أحد”، ودائماً تحت عنوان “الأخلاق السياسيّة” والتزام “العهود والوعود”. وكأنّ “حزب الله” فريد من نوعه في الموقف الأخلاقي ومدرسة في الصدق والوفاء، حتّى أنّ بعض خصومه السياسيّين انطلت عليهم الخدعة فأشادوا بالتزامه حلفاءه خلافاً لـ”آخرين”! في الواقع، يجب استكشاف حقيقة موقفه في هذه “الأحاديّة الرئاسيّة” التي ينتهجها، من خلال واقعتين: – الأولى أنّه تخلّى عن وفائه لمرشّحه “إلى يوم الدِين” في منعطفات سياسيّة كثيرة، وتركه وحيداً على قارعة الخذلان السياسي، بدءاً من المديريّة العامّة للأمن العام وصولاً إلى التمديد والتعيينات العسكريّة وقوانين الانتخاب والتشريع وتمرير المراسيم. فكان كلامه العالي عن دعمه المطلق للرئاسة بمثابة التغطية والتمويه على كلّ التخلّيات السابقة، ومجرّد استغلال سياسي للمرشّح، وليس التزامه “أخلاقيّاً”.
– الثانية هي أنّ “حزب الله” ينفّذ بدقّة إرادة مرجعيّته الإيرانيّة التي تتريّث في الدفع والقبض على امتداد رقعة الأزمات في المنطقة، وإلاّ لكانت سارعت إلى اقتناص فرصة ترشيح سليمان فرنجيّه بدل عرقلتها.
وهكذا يكون إقدامه على رفع شعار “هذا أو لا أحد” على طريقة المثل المعروف ” ليس حبّاً لعلي بل كرهاً لمعاوية”! والثابت أنّ استشراس “الحزب” على عتبة بكركي لم يكن “حبّاً لعون” بل كرهاً لملء كرسي الرئاسة في هذه المرحلة الرماديّة. و”تجريبه” من القوى السياسيّة، كما طالب، ليس سوى إمعان في التحدّي. ولو “جرّبوه” فعلاً لابتدع ألف سبب وسبب لتعقيد الانتخاب، ولطرَحَ “السلّة السياسيّة” قي مقدّم هذه الأسباب. ولا يخفى أنّ السلّة التي دعا إليها حسن نصرالله تكراراً لم تكن سوى سلّة سلاطعين سياسيّة تتناهش الاستحقاق الرئاسي، وتؤجّله عمليّاً فترة أُخرى. وما يثير العجب أنّ أهل الحظوة عند “حزب الله” يصدّقونه، خصوصاً في مسألة “الالتزام الأخلاقي”، ولا يقيمون وزناً لحساباته ضمن المشروع الكبير الذي تجنّد له. وتبقى مسألة “الأخلاق” هذه، خدعة كبرى، خصوصاً بعد تسريب كلام سمعه وفد “الحزب” في بكركي عن أنّ الأخلاق السياسيّة الصحيحة تكون في التزام مصلحة الوطن وليس في الوفاء لشخص. نعم، إنّ ما يتباهى به “حزب الله” من “التزام أخلاقي” بمرشّح معيّن، لا يرقى إلى مستوى الالتزام الوطني والمصلحة العامّة، فالوطن هو الباقي أمّا الأشخاص فزائلون. وليس من باب المبالغة القول إنّه سقط “أخلاقيّاً” على باب بكركي، في اللحظة التي رفع شعار “الأخلاق” إلى أقصاه. لأنّ الأخلاقيّة السياسيّة والوطنيّة تبدأ باحترام المقامات أوّلاً، وتتجاوز الأسماء والأشخاص والديون الشخصيّة ثانياً، إلى ما يفيد لبنان ومستقبله. وكلّ القصّة ليست أكثر من بثّ دخان “الأخلاق” لحجب الحقائق. وكرسي الرئاسة الآن ليست سوى جرم صغير في العالم الإيراني الكبير، والكون الأكبر. فلنبدأ السنة الجديدة بالترحّم على شعار “الأخلاق” الذي ختموا به سابقتها.

 

جاء دور المصارف
أحمد الأسعد/02 كانون الثاني/16
لم يعد حزب الله يكتفي بتعريض اللبنانيين لمخاطر الحرب والإرهاب جرّاء تورّطه في مغامرات عسكرية وأمنية هنا وهناك. ولم يعد حزب الله يكتفي بإرسال الشبّان اللبنانيين للموت في سوريا دفاعاً عن نظام بائد. ولم يعد حزب الله يكتفي بتعريضه للخطر مورد رزق اللبنانيين في عدد من دول العالم، وتحديداً دول الخليج، واليوم في نيجيريا، وبينهم عدد كبير من الشيعة، بفعل المواقف السياسية التي يتخذها، ويتدخل من خلالها في شؤون هذه الدول. ولم يعد حزب الله يكتفي بتعطيل البلد وشلّ اقتصاده بسبب حال عدم الإستقرار السائدة فيه جرّاء حروبه وسياساته. كل هذا المشهد القاتم، على المستويات كافة، لم يعد يرضي حزب الله، إذ يبدو أنه يصرّ على الإمعان أكثر فأكثر في تخريب البلد وتهديم مقومّات صموده اقتصادياً. نعم. ها هو حزب الله يوجه سهامه نحو القطاع المصرفي الذي لا يزال من القطاعات القليلة التي تبقي الإقتصاد اللبناني واقفاً على قدميه. لقد وجّه حزب الله كلاماً تخوينياً إلى المصارف اللبنانية، وطالبها بعدم الإنصياع للعقوبات التي أقرتها الولايات المتحدة، مع أنه يعلم أن عدم التزام المصارف اللبنانية القوانين والطلبات الأميركية يؤثر بشكل سلبي جداً عليها، وبالتالي لا يمكنها المخاطرة باتخاذ موقف مماثل. وبالتالي، فإن حزب الله، من خلال هذا الكلام، يورّط القطاع المصرفي والإقتصاد اللبناني برمّته في مغامرة عدم التزام العقوبات الأميركية، وهو ما يجعلها خارجة على النظام المالي العالمي. ويبقى أن نلاحظ أن ثمة تناقضاً واضحاً بين ادعاء حزب الله أنه لا يملك ودائع في المصارف اللبنانية لا سابقاً ولا حالياً، وليست لديه أعمال استثمارية، وليس شريكاً مع شركات او تجار، وبين مطالبته بعدم الإنصياع  للعقوبات الأميركية، مما يبيّن انزعاجه الكبير منها.