أسعد حيدر: سوريا بين الدب والعمامة والحمار الديموقراطي/خيرالله خيرالله: غزل أوباما لداعش من الجو/عبد الرحمن الراشد: من جلب الأجانب إلى سوريا

262

سوريا بين «الدب» و«العمامة» و«الحمار الديموقراطي»
أسعد حيدر/المستقبل/24 تشرين الثاني/15
لو كان المرشد آية الله علي خامنئي يسافر الى خارج إيران، لكان في موسكو قبل اليوم بكثير، لملاقاة «القيصر» فلاديمير بوتين، ولم ينتظر انعقاد «منتدى الدول المصدرة للغاز» في طهران. أسئلة كثيرة لدى المرشد إجاباتها عند «القيصر». التحالف الإيراني الروسي، متين وقوي حالياً. سوريا وأوكرانيا، جعلا التحالف المعمد بالدماء والمصالح الاقتصادية والسياسية، قوياً ومتيناً. لكن الشك والحذر، طبيعة عند المرشد، نتيجة لنشأته ومساراته، فكيف إذا كانت تستند في حالة العلاقات الروسية – الإيرانية إلى تجارب تاريخية سلبية؟لا شك أن ما يجمع بين موسكو وطهران حالياً، أكبر وأعمق وأغنى مما يفرقهما. لكن في قلب ما يجمع بينهما الكثير من الأسئلة الألغام المستقبلية، خصوصاً في هذه المرحلة بالذات حيث يمتزج التصعيد العسكري بتحرك «قطار» الطروحات العديدة والمتناقضة حول الحل في سوريا، وما يتعلق بأوكرانيا يفعل حركة التيارات السياسية الخارجية التي أنتجت حوارات وحتى التعاون بين موسكو وأوروبا بعد صدامات بالوكالة أو في أروقة الهيئات الدولية. قبل أيام من لقاء «القيصر» مع المرشد، مررت وكالة «ايرنا»، تعليقاً سياسياً عنوانه طريف جداً هو: «الأسد بين الدب والحمار». المقصود الدب الروسي، و«الحمار« رمز الحزب الديمقراطي الأميركي. حيّد العنوان «العمامة» الايرانية التي جعلها المرشد تتسع للمتناقضات من أجل سوريا واليمن. عملياً شدّدت طهران على أن زيارة بوتين: «زيارة تاريخية طابعها اقتصادي ومضمونها استراتيجي من حيث الزمان والمكان وهدفها بلورة موقف مشترك عبر إيجاد حل للأزمة السورية». وفي نهاية لقاء «القيصر» بالمرشد جرى التأكيد أن «وجهة نظرهما موحدة بينهما تجاه سوريا».
من الطبيعي والضروري، أن يؤكد الزعيمان وحدة موقفهما. لكن في الواقع لدى المرشد أسئلة كثيرة حول سوريا، لأن موقع كل طرف منهما يفرض الخلاف.
*المرشد الايراني، طموح جداً ويريد أن يجعل إيران لو استطاع دولة عظمى. لكن بين الطموح والواقع مسافة طويلة. إيران يمكنها أن تكون دولة إقليمية كبرى لها كلمة مسموعة في مواقع كثيرة بينها النفط والغاز. المرشد يعتبر سوريا «معركته» والأسد «الخط الأحمر» الذي قدّم ويقدّم من أجل بقائه، حياة خيرة جنرالاته وأفضل ما أنتجته الثورة وهو «حزب الله». حجة المرشد ان سوريا «الحديقة الخلفية» للثورة وللدولة الإيرانية، وانها ممر ضروري وإجباري لبقاء واستمرار حزب الله وبالتالي حضوره على الحدود الايديولوجية والسياسية مع إسرائيل. ليس لدى المرشد الكثير ليقايضه في سوريا. طبعاً الأسد في قلب هذه المعادلة، لكن لا شيء مستحيلاً أمام مصالح الدول. العامل الأساسي هو الثمن. المرشد يريد أن يتجاوز الثمن الحاضر وأن تمتد أسهمه من دمشق الى صنعاء. من ضمن المصالح والأثمان يريد «المرشد» رفع «ثمنه» روسياً، أي الحصول على ما يحتاجه من السلاح وخصوصاً التقنيات الروسية التي تجعله متقدماً عبر النسخ والتطوير تماماً كما الصين وصناعتها. أيضاً الاتفاق نهائياً حول بحر قزوين وحوضه الغني بالنفط والغاز. كل هذه الاتفاقات ستقفز بالعلاقات الروسية الايرانية من مليار ونصف المليار دولار الى 37 مليار دولار في السنة. *«القيصر»، يريد تحقيق تقدم حقيقي في سوريا، تأكيداً منه لموقعه الجديد في العالم المتعدد الأقطاب بعد انتهاء الأحادية الأميركية مما يجعله «شريكاً« في المشاكل والحلول الدولية. بذلك تتقزّم قضية أوكرانيا «حديقته الخلفية»، ويتم حلها نهائياً لمصلحة روسيا الجديدة. أما بالنسبة لسوريا، فإن الحل السياسي بكل شروطه وتعقيداته مطاط جداً ويتسع للمواقف أكثر مما تتسع «عمامة» المرشد بكثير. حتى الآن نجح «القيصر» في فرض وجوده في سوريا، كل يوم جديد يثبته ويؤكد قدراته على فرض ما يريده. الأسد بالنسبة له ليس أكثر من «حصان» على رقعة الشطرنج. حالياً يحرك أحجاره ببراعة الى درجة «الشراكة» مع المرشد، والتحالف مع إسرائيل قائم على اتفاقات مستقبلية وضمانات تفرض الكثير من الأسئلة والارتياب، وأخيراً على التعاون مع الاختلاف حول الشروط النهائية لكن القابلة للنقاش والتفاهم مع الرئيس باراك أوباما أو «الحمار الديموقراطي« كما مررت صورته طهران.
*الرئيس باراك أوباما تحوّل الى «إيراني« في تعامله مع طهران وموسكو، أي أنه أصبح «يذبح بالقطنة»، بعد أن تخلى عن سياسة صواريخ الكروز العابرة للمحيطات. حسم أوباما موقفه من بقاء الأسد قبل 24 ساعة من وصول «القيصر» الى طهران إذ قال: «أخلاقياً وعملياً لا يمكن بقاء الأسد». كلام أوباما عن «أخلاقية عدم بقاء الأسد» خطاب للداخل الأميركي الذي لا يوجد أميركي يرفضه لأنه من طبيعة تكوينه وحياته. حتى ولو تحدّث المرشد أو غيره عن عدم «أخلاقية» الولايات المتحدة الأميركية. بعد هذا الرفض النهائي لبقاء الأسد وضع أوباما أسس الحل التي لا يمكن «للقيصر« إلا القبول بها وهي: «الانتقال السياسي السلس والمحافظة على مؤسسات الدولة ومع حكومة انتقالية مقبولة«. لن تظهر نتائج قمة «القيصر» والمرشد فوراً. كل الكلام والتصريحات لن تكشف الكثير، لكن المؤكد أن «القيصر» أمامه الكثير ليقنع حليفه المرشد، بالواقع بعيداً عن الأوهام بأن «الحرب اليوم هي حرب إرادات»، فالحرب اليوم هي مواجهات بين الإمكانات والقدرات.

غزل أوباما لـ«داعش».. من الجو
خيرالله خيرالله/المستقبل/24 تشرين الثاني/15
هل يمكن خوض الحرب العالمية الثالثة من الجو؟ هذا ما يحاول الرئيس باراك اوباما اقناع العالم به. هذا ما اكّده في قمة العشرين التي انعقدت في انطاليا ـ تركيا أخيرا. اكّد مجددا ان الولايات المتحدة لا يمكن ان ترسل قوات لمقاتلة «داعش». هذا يعني بكل بساطة انّ هناك رغبة في عدم محاربة «داعش» لا اكثر ولا اقلّ. قبل ايّام قليلة من «غزوة باريس»، يوم الثالث عشر من تشرين الثاني ـ نوفمبر الجاري، تحدّث الملك عبدالله الثاني الى احدى المحطات الأوروبية (يورو نيوز). كرّر العاهل الأردني ما سبق ان قاله عن الحرب التي يشنّها المجتمع الدولي على الإرهاب. أكد مجددا «انها الحرب العالمية الثالثة». زعماء كثيرون، بينهم الفرنسي فرنسوا هولاند بدأوا يرددون ما قاله عبدالله الثاني قبل فترة طويلة. كان العاهل الأردني على حقّ. بقي عند موقفه مما يدور في العالم وفي المنطقة على الرغم من انّه يعاني حاليا من مشاكل كبيرة. ابرز هذه المشاكل تلك المرتبطة باللاجئين السوريين، وهو امر لم يعد الأردن قادرا على تحمّله. هناك مليون واربعمئة الف لاجئ سوري في المملكة الهاشمية باتوا يشكلون نسبة عشرين في المئة من السكّان. ماذا يعني كلام عبدالله الثاني الذي يعمل حاليا على تفادي كارثة تحلّ بالبلد بسبب الوضع الإقتصادي؟ يعني ان هناك واقعا لم يعد في الإمكان تجاهله. يتمثّل هذا الواقع في «ان نسبة عشرة في المئة فقط من اللاجئين السوريين يعيشون في مخيّمات، فيما الباقون موجودون في مختلف القرى والمدن الأردنية». هؤلاء ينافسون الأردني في سوق العمل في وقت، ثمّة حاجة للأردن الى ثلاثة مليارات دولار سنويا مساعدات. حصل منها في العام الماضي على نسبة 28 في المئة وهذه السنة على نسبة 35 في المئة» فقط. هل من ظلم اكبر من هذا الظلم في وقت تقف بلدان اوروبية غنية عاجزة امام استقبال بضعة آلاف من السوريين؟
تحذيرات عبدالله الثاني تتجاوز الأردن، البلد الذي يواجه تحدّيات مختلفة والذي لا يمكن القول انّه تجاوز تداعيات «الربيع العربي» كلّيا. لا يزال الأردن يسعى الي وضع «الربيع العربي» خلفه. ما يمكن ان يساعده في ذلك الإصرار على الإهتمام بتحسين الإقتصاد ومتابعة الإصلاحات بدءا باعتماد مزيد من اللامركزية وقانون انتخابي جديد يرضي معظم المواطنين ومتابعة الحملة على الفساد بكلّ انواعه. فوق ذلك كلّه، يواجه الأردن تحدي الإصرار الإسرائيلي، الذي يعبّر عنه رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، على تشجيع التطرّف. من يتحدّى مشاعر المسلمين تجاه القدس وما يمثّله المسجد الأقصى، انما يشجع التطرّف لا اكثر. فعندما تقدم اسرائيل، سلطة الإحتلال، على ما اقدمت عليه في المسجد الأقصى، فهي تكون تعمل كلّ شيء من اجل زيادة شعور الفلسطيني باليأس والإحباط ودفعه الى العنف. ان من خلال حديثه الى «يورو نيوز»، قبل غزوة باريس، ثم خطاب العرش الذي القاه في افتتاح دورة مجلس الأمّة بعد يومين من الجريمة التي تعرّضت لها العاصمة الفرنسية، اعتمد العاهل الأردني لهجة تحذيرية. لا يمكن الإستخفاف بما يصدر عن عبدالله الثاني، خصوصا في الظروف الراهنة. من يعود قليلا الى خلف يكتشف انّه كان اوّل الذين حذروا من الإنفجار الكبير في المنطقة ومن حال اللاتوازن والإضطرابات التي تبدو مقبلة عليها. كان ذلك في تشرين الأوّل ـ اكتوبر من العام 2004. اثار وقتذاك مسألة «الهلال الشيعي» في حديث الى «واشنطن بوست». كثيرون لم يفهموا ما الذي يقوله ومغزى كلامه. اعتقدوا انّه يتحدث من منطلق مذهبي او طائفي، في حين انّه كان يقول كلاما سياسيا بسيطا ومنطقيا مرتبطا بالمشروع التوسّعي الإيراني الذي بدأ يتخّذ بعدا جديدا اثر تقديم الولايات المتحدة العراق، في عهد بوش الإبن، على صحن من فضّة الى ايران.
لم تكتف ايران بالسيطرة على العراق. وسّعت نفوذها في سوريا بعدما سيطرت بشكل شبه كلّي على بشّار الأسد. اكثر من ذلك، وضعت ايران يدها على لبنان، وباتت تعتبر بيروت بمثابة مدينة ايرانية على البحر المتوسّط. وصل الأمر بالمسؤولين الإيرانيين الى حدّ تأكيد ان بلدهم يسيطر على اربع عواصم عربية هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وان عاصمة العراق تحوّلت الى عاصمة الإمبراطورية الفارسية. هذا الكلام موثّق وصدر عن غير مسؤول ايراني، حتّى لا يقال انه كلام ذي طابع مزاجي لا يمثّل حقيقة ما يفكّر فيه الإيرانيون وما يعتقدون انّه صحيح. يقول عبدالله الثاني الآن ان العالم في حرب عالمية ثالثة وان على المسلمين ان يبادروا فـ»الأردن سيواصل التصدي لمحاولات تشويه ديننا الحنيف. الحرب على قوى الشرّ والظلم والإرهاب حربنا، لأننا مستهدفون من اعداء الإسلام قبل غيرنا». لا ينفي العاهل الأردني مسؤولية المسلمين في مواجهة الإرهاب، ولكن هل يخوض العالم الحرب العالمية الثالثة بشكل جدّى وبكلّ قواه بعد الذي حصل في باريس والذي يشكّل دليلا آخر على ان هذه الحرب، التي تشمل «داعش» تحديدا، لا يمكن ان تخاض من الجو فقط؟ يقاتل الأردن على جبهات عدّة. وضعه الإقتصادي جبهة. ما تقوم به اسرائيل جبهة. اللاجئون السوريون جبهة. الوضع الداخلي السوري حيث نظام يذبح شعبه يوميا بالتحالف مع «داعش» والتواطؤ معها جبهة. كلّ ما لدى الأردن يتمثّل في توجيه الإنذار تلو الآخر. في الماضي، قبل اجتياح العراق لقلب نظام كان يجب قلبه، حذّر عبدالله الثاني بوش الإبن من النتائج التي يمكن ان تترتب على عملية عسكرية غير مدروسة بعناية في بلد بالغ الأهمّية على الصعيد الإقليمي، مثل العراق.
كان جواب الرئيس الأميركي وقتذاك، انّ «الله كلّفه مهمّة» التخلّص من صدّام حسين. من كلّف باراك اوباما مهمّة الإستعجال في الإنسحاب من العراق ثمّ التفرّج على بشّار الأسد يستخدم السلاح الكيميائي والبراميل المتفجّرة ضد شعبه… ثم مغازلة «داعش» من الجوّ، خصوصا بعد «غزوة باريس»؟
الحرب العالمية على الإرهاب لا تخاض من الجوّ ولا بعبارات التنديد بـ»غزوة باريس». هناك «داعش» وهناك حواضن «داعش» في مقدّمها ممارسات النظام السوري، بل النظام بحدّ ذاته، وهناك القوى المذهبية التي ترسل، بطلب ايراني، ميليشيات الى سوريا بغية المشاركة في الحرب التي يتعرّض لها شعبها.
اخيرا، هناك الدبّ الروسي الذي يدّعي مقاتلة «داعش» لكنّه لم يفعل حتّى الآن سوى قصف القوى التي تسعى بالفعل الى التصدّي لهذا التنظيم الإرهابي ومنع تمدّده… ما الذي سيفعله العالم؟ هل يقتنع بأنّ الحرب العالمية الثالثة بدأت بالفعل وأنها لا تُخاض لا بالطائرات ولا بالتمنيات؟ قال عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي مرّت قبل ايّام الذكري الثمانين لميلاده، كلمته ومشى. قال ما عليه قوله في عالم بات ينطبق عليه حاليا المثل الفرنسي القائل: «لم يعد من شغل للشيطان على هذه الأرض، اذ حل مكانه الانسان بشكل جيّد»!!

 

من جلب الأجانب إلى سوريا؟
عبد الرحمن الراشد/الشرق الأوسط/24 تشرين الثاني/15
«تدخلنا في سوريا بعد أن صار المقاتلون على بعد مائتي متر من دمشق»، هذا اعتراف من رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني. وموضوعي ليس عن التدخل الإيراني لأن ظروفه وأهدافه معروفة، بل التذكير بأن الثوار السوريين وصلوا إلى دمشق، قبل أن يدخل المتطرفون سوريا. قبل نحو عامين، لم يكن في سوريا سوى بضع مئات من المقاتلين المتطرفين، ومعظمهم كان في مناطق جنوبية محاذية للعراق. كلنا نعرف أن الجيش الحر المعارض ولد في عام 2011، بعد انتفاضة درعا ودمشق السلمية، وتأسس لاحقًا في مواجهة عنف النظام. وكبر سريعًا في حلب وحماة وغيرهما، ولم يرفع حينها شعارات دينية متطرفة أو طائفية، بل كانت المطالب وطنية بحتة، ومعظم من التحق بالجيش الحر مواطنون من فئات مختلفة. كان دافعهم التخلص من دولة المؤسسات الأمنية المرعبة، وضد ممارسات الحلقة المرتبطة بالرئيس، التي ضيقت على الناس بالجباية والبلطجة. بعد نحو عامين كان الجيش الحر قد قطع مسافات بعيدة، واستولى على مناطق متعددة. خلالها شنت حرب إعلامية ضده، وضد من يدعمه تسوق طروحات مختلفة حول نيات المشروع الوطني، وتبعيته للغرب، والأموال والقيادات. في الحقيقة كان ما يحدث هناك من تسليح ودعم تم بعلم الجميع، وتحت رقابة من أطراف متعددة، فيما يعرف بـ«الغرف العسكرية» والتي كان يوجد فيها أيضًا ممثلون عن دول غربية. لكن مع تقدم الجيش الحر، بكل أسف، حدث تطوران مهمان غيرا خريطة الصراع في سوريا. لأسباب تنافسية ضيقة المصالح، ومن مفهوم أن سقوط دمشق وشيك، ارتفع التنافس من أجل السيطرة على القوى المعارضة المنتصرة. ولهذا لجأت بعض الدول إلى محاولة خلق معارضة موالية لها، فدعمت تأسيس منظمات متطرفة محلية، وشجعت دخول المتطرفين الأجانب للذهاب للقتال في سوريا، ودعم تنظيماتها. إيران، من جانبها فعلت الشيء نفسه عندما رأت الجيش الحر يقاتل في محيط العاصمة دمشق. أرسلت ميليشيات «حزب الله» على عجل، وكلفت جنرالات الحرس الثوري بتشكيل جماعات متطرفة مماثلة من تنظيمات عراقية وأفغانية وغيرها، وأرسلتهم إلى سوريا. وهكذا صار على تراب سوريا أكبر حرب إرهابيين من نوعها في المنطقة، عشرات الآلاف من الجانبين يقاتلون بعضهم بعضًا. كان خطأ شنيعًا، التعاون مع الجماعات المتطرفة في مواجهة شبيحة نظام الأسد وميليشيات إيران، لأن «داعش» كانت تعتبر الجميع عدوها، وقاتلت «الجيش الحر» بشراسة أشد مما قاتلت قوات الأسد. والذين دعموا الجماعات المتطرفة كانوا يظنون «داعش» و«النصرة» سلاحًا تدميريًا مفيدًا ومطايا موائمة للحاق بالجيش الحر إلى دمشق. وبكل أسف هذه الاستراتيجية تكرر حدوثها في ليبيا، حيث تمت الاستعانة بالمتطرفين للسبب ذاته. وكانت النتيجة واحدة، اعتلاء ظهر الغول لا يجعله مطية طيعة. وقد تنبهت إلى الخطر مبكرًا القوى السياسية الأخرى المتعاطفة مع الشعب السوري، وعبرت عن قلقها من مزاحمة الجيش الحر، وكذلك من الصراع على قيادة الائتلاف الوطني، الذي يمثل المظلة الواسعة للثورة السورية، وفيها من كل الطوائف والإثنيات. الخوف من إعادة إحياء تنظيمات مماثلة لـ«القاعدة» إقليميًا يهدد أيضًا دولاً مثل مصر والسعودية والأردن، وليس سوريا فقط. يقول لي أحد المعنيين السعوديين، إن الرياض أصدرت قرارات تتوعد من يسافر من مواطنيها إلى سوريا، وتمت الاستعانة بكبار علماء المسلمين لإلغاء دعاوى إلزامية «الجهاد» على المسلمين، وأعلن القبض على من حاول التسلل إلى هناك. ويقول إن القلق وصل مرحلة إبلاغ المسؤولين الأتراك بأنهم مخولون بالقبض على أي سعودي يحاول عبور خط العرض 36، لأنه لا توجد بعد ذلك في تركيا مناطق سياحية ولا تجارية، والأرجح أن من يسافر إلى هناك يريد التسلل إلى شمال سوريا. ومع أننا نعرف أن إنقاذ نظام الأسد وتأهيله للحكم صارت مسألة مستحيلة، وقد تجاوزها الزمن، إلا أنه نجح في شيء واحد هو تخريب الوضع من بعده. ولا يلام وحده على ما حدث، بل يلام أيضًا الذين انقادوا خلف مفاهيم مغلوطة، ووراء منظرين وأصحاب رؤى لا علاقة لها بالواقع أو المنطق.