منير الربيع: تطورات سوريا تغير أولويات حزب الله”//سهى جفّال: لماذا الكتائب خارج التسوية التشريعية/بول سالم: كيسنجر وشبح الفوضى في الشرق الأوسط

298

لماذا الكتائب خارج التسوية التشريعية؟
سهى جفّال/جنوبية/ 12 نوفمبر، 2015
على الطريقة اللبنانية، أبصرت التسوية التشريعية النور أمس، موزعة “عوائدها” بين أطراف الأزمة على قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”. فانعقدت الجلسة بمن شملتهم التسوية فغرّد اليوم الجميل وحده خارح السرب. فهل يصح القول أن الكتائب تعرّض إلى الخديعة السياسية؟ وهل أصبح الحزب المسيحي العريق الحلقة الأضعف في 14 أذر؟ بعد تعطيل دام حوالي العام، التأمت جلسة الضرورة قبل ظهر اليوم في البرلمان اللبناني، برئاسة الرئيس نبيه بري وقد حضرت كل الكتل النيابية الجلسة، لا سيما كتلة الكتائب اللبنانية برئاسة النائب سامي الجميل الذي عاد وانسحب بعدما القى كلمة طالب فيها بري بتحويل الجلسة الى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية، وهذا ما رفضه الرئيس بري. ليغادر الجميل واعضاء كتلته القاعة العامة وينضموا الى تظاهرة طلاب “الكتائب قبالة ساحة النجمة الذين تجمعوا تحت شعار “الدستور مش ممسحة”.
انتهت أزمة التشريع وحضر من حضر، والمسيرة التي كانت ستجمع بين الأقطاب المسيحية الثلاث إقتصرت على الكتائب فقط. لتعلّق التسوية “حفلة التنسيق المسيحي” أو “الحلف الثلاثي” الذي ضمّ القوات اللبنانية والتيار الحر وحزب الكتائب،التي شكلت مجتمعة ولأوّل مرة “فيتو” مسيحي” في وجه رئاسة مجلس النواب، وكذلك في وجه الافرقاء الآخرين من حلفاء وخصوم. انفرد اليوم النائب سامي الجميل وحده وغرّد خارح السرب، إذ ضرب كل من القوات والتيار “حلف الطائفة” عرض الحائط بموافقتهم دون استشارته على تسوية كان سعد الحريري هو من فتح بابها باعلانه ان نواب كتلته سوف يحضرون جلستي تشريع الضرورة فقط من اجل المصلحة العامة ولن يحضروا جلسات لاحقة لا يكون على جدول اعمالها القوانين التي يطالب المسيحيون بادراجها، كقانون استعادة الجنسية وغيرها. فهل يصح القول أن الكتائب تعرّض إلى الخديعة السياسية؟ وهل أصبح الحزب الحلقة الأضعف في 14 أذار؟
عن هذا السؤال، أجاب عضو كتلة الكتائب اللبنانية النائب فادي الهبر” جنوبية” بالقول أن ” القوات والتيار الوطني أساسًا هما في برنامج التسوية ونحن في برنامج الحفاظ على الدستور، ولن نتراجع لأن الدستور هو الضمانة الوحيدة وكل من يتجاوزه يعرض البلد إلى الموبقات، لذا نحن لسنا مع التسويات”.فادي الهبر
وأشار إلى أن أزمة التشريع “كانت فرصة للتوحيد ولكن المسيحيين ليسوا على سكة قطار واحدة، خاصة مع وجود انفصام بالتعاطي السياسي من قبل بعض الأفرقاء ليصبحوا داعمين بشكل غير مباشر للتفلّت من الدستور وعدم احترامه وبالتالي يكون حزب الله استدرجهم بما يصب بمصلحته من تعطيل البلاد وعدم انتخارب رئيس للجمهورية.” وعن تحوّل الكتائب إلى الحلقة الأضعف في 14 أذار قال الهبر ” نحن حزب تاريخي وجد قبل نشوء 14 أذار ونحن واكبنا انطلاق الدستور والإستقلال وهو الكتاب الوحيد الذي يحافظ على الوطن ودونه يذهب البلد نحو الخراب “. لافتًا إلى أن ” الكتائب أيّد الحوار بين كل الكتل ولكن هناك ضرورة لإحترام الدستور وهذا ما يوجب علينا انتخاب رئيس”. مضيفًا “هكذا جلسة حضرها 100 نائبا كان يفترض تحويلها إلى جلسة انتخاب رئيس جمهورية وليس فقط من اجل التشريع”.
واعتبر أن “هذه التجاوزات انقلاب على الوطن وتواطؤ مع الأطراف المعطلة والتي لا تحضر جلسات الانتخاب”. وأكّد الهبر ” نحن إلى جانب الدستور ونحن نشكل حالة الصمود ولسنا “تسوويين” على حساب الدستور وعدم احترامه ولا نريد تجاوزه أمام تسويات تكون تارة رخيصة”. مشدداً أن ” تمسكنا بالدستور يمثل قوّة الكتائب وليس ضعفها وبالتالي يؤكد مصداقيتنا”. والجدير بالذكر، أنه بالتزامن مع إنعقاد الجلسة التشريعية نظمت مصلحة الطلاب في حزب الكتائب مسيرة من امام البيت المركزي في الصيفي وصولاً الى ساحة النجمة حيث حمل المشاركون نعشا لف بالعلم اللبناني ووضعوا عليه لافتة “الدستور اللبناني 1926 – 2015”. وحملوا الاعلام اللبنانية واعلام الكتائب ولافتات كتب عليها “من عجائب الدنيا بلد بلا رئيس..اكتمل النصاب انتخبوا رئيسا..” “هيك هيك جيتو انتخوا رئيس”. وقال الجميل امام انصاره “كتلة الكتائب خرجت من الجلسة لأنها تعتبرها غير دستورية وعلينا الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة”. واضاف :”هذا المجلس يمثل انقلاباً على الجمهورية والتصعيد مستمر للحفاظ على الدستور وندعو كل نائب لرفض الأمر الواقع والاقتراع الفوري”.

 

تطورات سوريا تغير أولويات “حزب الله”
منير الربيع/المدن/الخميس 12/11/2015
كان لافتاً دعوة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله إلى إنجاز تسوية جديدة تشمل رئيس الجمهورية وقانون الانتخاب والحكومة المقبلة ومن هو رئيسها، خصوصاً أن الطريقة التي تحدث بها نصرالله كانت تنطوي على جدية لا لبس فيها. اذ كان واضحاً بأن باب التسويات قد حان فتحه، لا سيما مع إصراره على فصل الوضع الداخلي عن الخارجي، ولم تكن الأولوية في الخطاب إلى الوضع السوري، بل إلى الوضع المحلي بشكل خاص، هي إشارات لا بد من التقاطها. لا شك أنه لا يمكن للبنان أن يستمر على ما هو عليه، وصحيح أن إتجاه الأمور فيه ستقرأ من خلال التطورات السورية. وأيضاً قد تصح مسألة إنتظار الميدان السوري لمعرفة إلى أي جهة تميل دفة الميزان لبنانياً، لكن الجديد ان الأمين العام كان مهتماً بالشق اللبناني، داعياً إلى فصله عن كل التطورات الخارجية.  يمكن أن يكون حديث السيد عن فتح باب التسوية، له علاقة بما يجري دولياً حول الازمة السورية، لا سيما مع تعاظم الترجيحات حول البحث عن تسوية سياسية، وربطاً باللقاءات التي تعقد في فيينا، وما يسرّب عن بنود تسوية تقترحها روسيا تقوم على مبدأ إستفتاء الشعب السوري على دستور جديد، والتحضير لإنتخابات رئاسية مبكرة خلال فترة 18 شهراً، وهو ما يعتبر تراجعاً من قبل الحلف الداعم لرئيس النظام السوري بشار الأسد.
وإسقاطاً على الوضع في لبنان، فقد تظهر بعض المتغيرات في المواقف أيضاً، إذ أنه في السابق كان نصرالله يحاول فرض تسوية لا الدعوة إلى الإتفاق عليها، وإنتقل من مبدأ “اذهبوا وانتخبوا مرشحنا” إلى مبدأ “لدينا مرشح ولديكم مرشح، فإما أن نقنعكم بمرشحنا وتنتخبوه، أو تقنعونا بمرشحكم وننتخبه”. ويقود المنطق بعد قراءة هذا الكلام، إلى أنه في حال لم يقنع أحد الآخر بمرشحه فيعني ضرورة البحث عن مرشح توافقي، وهذا يعني ضمناً التخلي عن ترشيح النائب ميشال عون، لكن بالنسبة إلى الحزب، فهو يعتبر أن بالإمكان إعتماد التسوية الشاملة، وأن تقوم على إنتخاب مرشحه رئيساً، مقابل تكليف شخصية يختارها الفريق الخصم لأن يتولى رئاسة الحكومة، في إشارة الى الرئيس سعد الحريري. ووفق ما تشير مصادر “المدن” فإن الحزب لا يمانع إن حصلت هذه التسوية.  في المقابل تعتبر مصادر أخرى، أن كلام نصرالله “حمال الأوجه” إن لجهة تعظيم مسألة قانون الإنتخاب واعتباره يقرر مصير الشعوب، وهذا ما قد يعتبره البعض دعوة مبطنة لفكرة المؤتمر التأسيسي. لكن كل ما يمكن لـ”حزب الله” المطالبة به، لا يخرج عن مراده الاستراتيجي، وما يصب في خانة الحفاظ على وضعه وقوته ومنظومته، بغض النظر عن كيفية حصول ذلك، بمعنى أنه إذا كان ذلك يحصل عبر مؤتمر تأسيسي “فليكن”، اما إن كان يتأمن من خلال تسوية سياسية مرحلية تحت سقف الطائف أيضاً “فليكن”، وذلك بمعزل عن الدخول في التفاصيل.  بين هذه المواقف، يسجل تراجع “حزب الله” وخصومه في لبنان، أي تراجع “الشيعية السياسية” و”السنية السياسية”، إذ أن الوضع في هذه المرحلة يظهر وكأنهم في مرحلة هبوط لا الصعود. ولذلك فإن الحزب يستشرف ذلك، ويريد إعادة تعزيز موقعه الداخلي استباقاً لأي تطور، في مقابل غياب أي استراتيجية لدى الفريق الخصم.  وفي نظرة أبعد، لا بد أن الحزب ينظر إلى مرحلة مقبلة، قد تكون ما بعد العودة من سوريا، لا سيما أن خروج الحزب من الميدان السوري، يعني أنه سيكون بالتأكيد منهكاً ومتعباً، وفق ما ترى المصادر، ولذلك فلا بد بالنسبة إليه من الحفاظ على وضعه، عبر تحصين نفسه بالداخل، وعليه ترى المصادر أن الحزب يتلمس أن الوضع الداخلي أصبح يشكل عبئاً عليه، كما على الجميع، ولذلك هو لا يريد للمنظومة المؤسساتية للدولة اللبنانية أن تتصدع، ولا يريدها أن تنهار.  وتعتبر مصادر “المدن” أن في خطاب نصرالله بعضاً من التراجع، وتمهيداً للعودة من سوريا، فيما لا ترى مصادر قريبة من الحزب هذا الأمر واقعياً، لأن الحزب يدعو صراحة إلى فصل الوضع اللبناني عن الوضع السوري، والخطاب فقط في سياق تقديم مبادرة لحل الأزمة اللبنانية، في لحظة البحث عن التسويات الدولية. وتؤكد المصادر أن الحزب لن ينسحب من سوريا قبل نضوج التسوية هناك، وتوزيع الأدوار، لأنه سيكون آخر المنسحبين

كيسنجر وشبح الفوضى في الشرق الأوسط
بول سالم/الحياة/13 تشرين الثاني/15
في مقالة رئيسية نشرتها صحيفة «وول ستريت جورنال» في 16 تشرين الأول (اكتوبر) الماضي، قال وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر أن الصفقة النووية 5+1 مع إيران تسببت في انهيار التوازن الجيوسياسي في المنطقة وأنهت «الدور الأميركي في الشرق الأوسط في تحقيق الاستقرار الذي انبثق عن الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1973». إلا أن ما لم يذكره كيسنجر في مقالته تلك – ربما لحماية أصدقائه في الحزب الجمهوري – هو الأثر الكارثي لغزو إدارة جورج دبليو بوش العراق في عام 2003 والذي كان الحدث الأكبر المسبب لزعزعة الاستقرار والنظام الإقليمي، والذي أسفر مباشرة عن الآثار المدمرة التي لا تزال المنطقة تعاني منها اليوم. فالغزو الأميركي للعراق وما تبعه من تفكيك للدولة العراقية أديا إلى تغييب دولة عربية رئيسية. كما كانت هذه الدولة تلعب تاريخياً دور الحاجز الذي يقف في وجه إيران ويوازنها. وأدى الغزو بالطبع إلى تمكين إيران وتوسع نفوذها. وفي الوقت نفسه، تم إعلان إيران عضواً في «محور الشر». وكانت رسالة إدارة بوش «اليوم بغداد، وغداً دمشق وطهران». وأدت سياسة تمكين إيران، وتهديدها بقلب نظامها في الوقت نفسه، إلى أسوأ النتائج، ودفعت إيران إلى مضاعفة تدخلاتها في العراق وسورية ولبنان وتكثيف برنامجها النووي. ونرى نتائج كل هذا اليوم في الهيمنة الإيرانية على أربع عواصم عربية، وحروب بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة، وغياب كامل للاستقرار. هذه الفوضى المدمرة هي نتيجة غزو العراق وليس الاتفاق النووي مع إيران.
كان لغزو العراق أيضاً تأثير الصدمة على المكون السنّي في العراق، بفعل التجريد التاريخي لأهل السنّة في العراق من النفوذ، وحل الجيش، وتركهم تحت رحمة الحكومة الجديدة في بغداد ذات الغالبية الشيعية والواقعة تحت النفوذ الإيراني. كما عزز الغزو نفوذ إيران، فزرع أيضاً بذور التطرف عند المكون السنّي في العراق. وعن طريق تمكين إيران من مزيد من التسلط في العالم العربي، أدى ذلك بسنّة المنطقة عامة إلى ازدياد الشعور بالتهديد والحصار، مما ساعد على توسيع دائرة التطرف إلى سورية المجاورة، بل وعلى نطاق أوسع في العالم العربي. فلم يكن لتنظيم «القاعدة» ولا لـ «داعش» بالتأكيد وجود في العراق وبلاد الشام قبل عام 2003. واليوم فقد حلّ «داعش» محل دولتي العراق وسورية في أجزاء كبيرة من المشرق العربي. يرى كيسنجر أن الاستقرار يتحقق من خلال التوازن التقليدي بين الدول. فالاجتماع الذي عقد مؤخراً في فيينا والذي جمع على طاولة المفاوضات وزراء خارجية السعودية وإيران، وكذلك مصر وتركيا ودولاً أخرى، يشير إلى أن شكلاً من أشكال الاستقرار الإقليمي الجديد قد يكون ممكناً من خلال المفاوضات والديبلوماسية. ولكن وكما يشير كيسنجر نفسه، يجب على إيران أن تقرر إذا كانت تريد أن تكون دولة أو ثورة. وما إذا كانت ترغب في حماية وتعزيز مصالحها كدولة من خلال الالتزام بقوانين العلاقات الدولية، أو إذا كانت تريد حماية تلك المصالح من خلال دعم مجموعات مسلحة تحارب عنها بالوكالة. يبدو أن هذا الجدال يجري داخل إيران اليوم بين الرئيس روحاني الذي يرى لإيران مستقبلاً مشرقاً إذا تحولت إلى لاعب دولي مسؤول موثوق، وبين المرشد الأعلى و «الحرس الثوري» اللذين يريان أن حماية مصالح إيران لا تتحقق إلا في إطار أجندات طائفية وسياسات المواجهة .
إن الاتفاق النووي نفسه لم يحدث تغييراً جوهرياً في النظام الإقليمي. فإيران كانت قد توسعت في نفوذها لسنوات قبل ذلك، وكانت الحروب بالوكالة قد دمرت بالفعل عدة دول عربية. ولكن الاتفاق النووي مع ذلك وفر فرصة استغلها الرئيس الروسي بوتين بذكاء. فبينما كان الاتفاق يجري، كان هناك خوف إقليمي من أن هذه الصفقة سوف يليها تعاون إيراني أميركي وتواطؤ بينهما على مسائل أخرى في الشرق الأوسط. في واقع الأمر، كانت روسيا هي التي اغتنمت فرصة الاتفاق النووي وأقدمت على إعلان شراكتها مع طهران.
كان هذا إلى حد ما راجعاً إلى خوف موسكو بالفعل من حدوث تعاون بين إيران والولايات المتحدة بعد الاتفاق، واستبعاد موسكو. ولكن هذا أيضاً عكس انتباه روسيا إلى خطورة الوضع المتدهور لنظام الأسد في سورية، بالإضافة إلى الطموح في إعادة بناء وجود روسيا السابق في الشرق الأوسط. واليوم، فإن لدى روسيا علاقات قوية مع إيران ووجوداً عسكرياً كبيراً في سورية، فضلاً عن العلاقات المتنامية مع بغداد والعلاقات الوثيقة مع الرئيس السيسي في مصر. في خلال فترة قصيرة من الزمن، أعاد بوتين بناء وجود موسكو على نطاق مواز أو أوسع مما كان عليه في زمن الاتحاد السوفياتي. لكن روسيا، مع أنها لاعب دولي كبير، إلا أنها لم تعد قوة عظمى عالمية. هذه المكانة لا تزال محفوظة للولايات المتحدة، والصين مستقبلاً.
ومن المهم أن نلاحظ أيضاً أن الاتفاق النووي قد أوقف إيران عن بناء سلاح نووي، وهذا إنجاز مهم لمصلحة أمن واستقرار المنطقة. فالعقوبات الدولية التي فرضت على إيران جعلت الاقتصاد يسقط إلى الحضيض بالفعل وأجبرت إيران على الاختيار بين إنقاذ الاقتصاد من الانهيار أو البرنامج النووي. وأرغمت عملياً على اختيار الأول. ولا ينطبق هذا الاختيار على الـ 10-15 سنة القادمة فحسب كما يجادل البعض. إن القادة الإيرانيين يدركون تماماً أن الموقف الروسي والصيني الممانع لحيازة إيران أي سلاح نووي هو في شراسة الموقف الأميركي والاوروبي – سواء اليوم أو في أي وقت في المستقبل. إنهم يعرفون أيضاً أن السياسة الروسية تجاه إيران تاريخياً تستند إلى دعامتين هما: إبقاء إيران ضعيفة، وإبقاؤها بعيدة عن أي تحالف غربي. ويدركون أن أي محاولة من جانب إيران لاستئناف العمل نحو امتلاك سلاح نووي في المستقبل، سيواجه بنفس التحالف في المصالح والمواقف بين الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين.
أظهر الاتفاق النووي أيضاً أن السياسة والديبلوماسية يمكن أن تكونا أداتين قويتين، بل أكثر قوة في كثير من الأحيان وأكثر فاعلية من الاستخدام الأعمى للقوة العسكرية. ويبدو أيضاً أن الديبلوماسية الجادة والتفاوض بين الخصوم الألداء – الذين يصفون بعضهم البعض بـ «عضو في محور الشر» أو «الشيطان الأكبر» – هما أمر ممكن.
وفي هذا السياق، فإن اجتماع فيينا يشير إلى سبل ممكنة لإحراز تقدم باتجاه بناء الاستقرار. إن إطلاق عمليات السلام قد يكون في كثير من الأحيان أكثر صعوبة من شن الحروب بين الدول أو الحروب بالوكالة، ولكن النتائج يمكن أن تكون أكثر إيجابية. ليس هناك شك في أنه ما لم تبدأ كل من المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران على الأقل في تحويل بعض سياسات المواجهة إلى التفاوض، فإن المنطقة لن تشهد استقراراً.
ليس المطلوب إبرام اتفاق سايكس – بيكو جديد حيث تتفق القوى الإقليمية على مناطق النفوذ والسيطرة، ولكن على العكس من ذلك يلزم إيجاد عملية يتوافق من خلالها اللاعبون الإقليميون الأساسيون على تقليص التدخلات بالوكالة والالتزام معاً بحصر قواتهم داخل حدودهم، والعمل نحو بناء نظام إقليمي يكفل مصالحهم في الأمن والازدهار، ليس من خلال الصراع ومناطق النفوذ ولكن من خلال إنشاء نظام اقليمي تتمتع فيه كل دول المنطقة بالسيادة الفعلية كما تحترم سيادة وأمن الآخرين.
إن الطريق للوصول إلى هذا الهدف سيكون طويلاً وشاقاً. إلا أن أوروبا على سبيل المثال كانت قبل خمسة وسبعين عاماً أكثر دماراً وانقساماً من منطقة الشرق الأوسط اليوم. ولكنها استطاعت أن تختار مستقبلاً بديلاً مستقراً ومزدهراً. ولكن التحول لا يتحقق بمجرد التجمع حول طاولة المفاوضات. إنه يتطلب قيادة ورؤية وشجاعة ومثابرة. في الأنقاض المظلمة في أوروبا، استشرف ملهمون أمثال كونراد آديناور وروبرت شومان وجان مونيه رؤية مضيئة بديلة.
فمن هم الذين سيضيئون طريقنا اليوم؟