نديم قطيش: ليذهب الشرق الاوسط الى الجحيم/علي وهبي: لبنان آخر ما تبقى لإيران/اميل خوري: هل بات قانون استعادة الجنسية أكثر ضرورة من استعادة لبنان ورئيسه

260

ليذهب الشرق الاوسط الى الجحيم
نديم قطيش/المدن/الخميس 29/10/2015
لا ينبغي أن يكون مفاجئاً الاستنتاج الذي وصل اليه إثنان من كبار قادة المخابرات في العالم، من أن «الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة». الرجلان هما مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي إيه» جون برينان. الأول أنتجت بلاده الشرق الاوسط الذي نعرف بالتحالف والتعاون والتنافس مع برطانيا والثاني ادارت بلاده الشرق الاوسط الآفل، منذ العام ١٩٥٦ وحتى بدايات إنسحابها منه في السنوات القليلة الماضية. يقول باجوليه أن “دولاً مثل العراق أو سورية لن تستعيد أبداً حدودها السابقة”. الحقيقة الكردية في شمال العراق تؤكد ذلك قبل عقود من تأكيد رجل الاستخبارات الفرنسي. ومثلها تؤكد أيضاً الحقيقة الكردية الناشئة في سوريا، حيث اعلنت قبل ايام قليلة الإدارة الكردية في سوريا عن إقليم جديد في شمال البلاد يضم تل ابيض بعد معارك ضارية لتحريرها من تنظيم داعش. ويُجري الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري مشاورات لفتح مكتب تمثيلي له في روسيا، في سياق جهود كردية حثيثة لتكريس جغرافيا سياسية تخصهم. بموازاة سوريا والعراق تستعيد ليبيا إنقساماتها الجهوية القديمة، وتمضي نحو لامركزية غامضة لحكم الاقاليم المتصارعة. ومثلها سيكون مصير اليمن الذي تدير كل القوى السياسية المتصارعة فيه عملية اعادة انتاج خرائط قديمة لا مكان فيها الا لسلطات مركزية ضعيفة واقاليم مستنفرة. أما في لبنان فتتدرج سلطات الامر الواقع في التعبير على طريقتها الخاصة عن الاشتراك في الازمة الكيانية التي تعصف بدول الشرق الاوسط الآفل. ولئن كانت الدولة ضعيفة تاريخياً في لبنان الا ان هذا الضعف اتخذ ابعاداً جديدة، تتجه هي الاخرى نحو تكريس اللامركزية الموسعة كإطار جديد للعقد الاجتماعي بين اللبنانيين. وقد اتخذ التفكك لنفسه عنوان النفايات وتوزيع المطامر وصراعات المناطق للقول إن فدرالية جغرافية باتت تتحفز لترث الفدراليات المذهبية احادية التمثيل والعابرة للمناطق. تمرد بعلبك على حزب الله وتمرد مناطق سنية على زعامة تيار المستقبل تصب في هذا الملمح الغامض لما يصيب لبنان. قبل كل هذا كان النموذج السوداني وانشطار الجنوب عن السودان يفتتح عصر الانهيارات الكيانية. قد يقول قائل، وهو محق، أن تجربة جنوب السودان الذي سرعان ما غرق في حروب المليشيات التي قاتلت يوماً لتحقيق حلم الانفصال، هو تجسيد لانهيار حلم الكانتونات وثقافة الانغلاق. لكن درس الحاجة الى الآخر وتطوير اشكال المشاركة والتمرن باللحم الحي على تقاطع المصائر والمصالح واستثمار الموارد لا يستقيم بنظريات الوحدة القصرية التي عرفها الشرق الاوسط بعد الحرب العالمية الثانية. قد يكون الانفصال والتشظي مقدمة ضرورية لاعادة انتاج اشكال متطورة من المشاركة. من المفارقات المرعبة ان الانهيارات تحصل بأعنف اشكالها في الكيانات الاكثر حدة في التعبير عن الوحدة وتقديسها، فيما علامات الامل المضيئة تصدر عن المجتمعات التي أحسنت تدبير شؤونها ضمن فدراليات طرية بلا أوهام. فكروا في دمشق وبغداد وصنعاء وتذكروا دبي. ما قاله رجلا المخابرات بلغة التحذير قد يكون من أفضل ما حصل ويحصل لنا. ليذهب الشرق الاوسط القديم الى الجحيم.

 

لبنان آخر ما تبقى لإيران
علي وهبي/لبنان الجديد/30 تشرين الأول/15
(مكره أخاك لا بطر ) ، فبعد عجزها الواضح عن حماية حليفها الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه رغم الدعم العسكري الهائل وامداده بآلاف العناصر من ميليشيا حزب الله اللبناني وأمثالهم من المقاتلين من العراق وأفغانستان وغيرهما إضافة إلى مشاركة أفضل الخبراء العسكريين من الحرس الثوري الإيراني ، فإنّ إيران اضطرت لأن تغض النظر عن مسارعة الرئيس الأسد لطلب النجدة من القيصر الروسي فلاديمير بوتين لحمايته وحماية نظامه الذي شارف على الانهيار ، وحفظ ما تبقى تحت سيطرته من الأراضي السورية والتي لم تتجاوز العشرين بالمائة وضمان نهاية سعيدة لحياته الشخصية وعدم تعرضه لملاحقات قضائية دولية عن الجرائم التي ارتكبها بحق شعبه وبلده .
فمنذ انطلاق الشرارة الأولى للثورة السورية والتي مضى عليها أكثر من أربع سنوات من الحروب الطاحنة التي امتدت لتشمل كافة الأرجاء كانت إيران هي صاحبة القرار السياسي وهي التي تقود العمليات العسكرية على امتداد الأراضي السورية. لكنها اليوم وبعد التدخل العسكري الروسي فإن دورها تراجع إلى الصف الثاني على المستويين السياسي والعسكري سيما وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مقتنع بأهمية إشراك الدول العربية والإقليمية المعنية بالصراع السوري ومنها المملكة العربية السعودية وتركيا في صنع الحل السياسي للكارثة السورية .
وهذا يعني عملياً على الأرض أنّ على إيران ان تتحضر نفسياً وعملياً وسياسياً لإعادة النظر في خريطة طموحاتها وإلى التراجع القسري عن سعيها إلى فرض نفوذها على المنطقة كزعيمة إقليمية وحيدة مطلقة اليدين ومطلقة الصلاحيات .
فإيران لم تتمكن عسكرياً رغم كل ما بذلته من إنقاذ الحليف السوري القديم هو ونظامه والخيار الوحيد سيكون باتجاه الحلول السياسية التي يحرص بوتين على إشراك مصر والسعودية وتركيا والأردن ودول أخرى في البحث عنها وعن الطرق والوسائل المؤدية إليها .
وأي حل سياسي يمكن التوصل إليه لحل الأزمة السورية لن يكون لمصلحة المخططات الإيرانية ولن يرقى إلى مستوى طموحات الإمبراطورية الفارسية في منطقة الشرق الأوسط .
وبالتالي يمكن القول أنّ إيران افلست نسبيا لأنه أصبح لها شريك روسي منافس لمصالحها في سوريا يشاركها على كيفية اقتسام ثروات البلد مستقبلاً ، وفي العراق باتت عاجزة عن نهب ثرواته لأنه لم يعد لديه احتياطات مالية وفوق ذلك فإنها تلقت صدمة عاصفة الحزم في اليمن .
هذه التطورات الدراماتيكية في المنطقة يعني أنّه لم يعد لإيران سوى لبنان وهذا يفسر التصعيد الكلامي الذي جاء في خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في العاشر من المحرم حيث صوب في كل الاتجاهات ، فقد هاجم السياسة الأميركية في المنطقة وانتقد بشكل لاذع الحكام السعوديين ، وعلى المستوى الداخلي فإنه أبدى رفضه لانتخاب رئيس للجمهورية إلا بشروطه .
فالسيد نصرالله بعدما أغلقت في وجهه أبواب أي انتصار يعتد به في سوريا وبعد أن استحال الرئيس الأسد إلى ورقة خاسرة ، فها هو يرفع شعار الانتصار على لبنان كبديل للانتصار في سوريا.

هل بات قانون استعادة الجنسية أكثر ضرورة من استعادة لبنان ورئيسه؟!
اميل خوري/النهار/30 تشرين الأول 2015
إذا كان الأقطاب الموارنة لم يتوصلوا الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية، أفلا يتفقون حتى على عمل الحكومة وعمل مجلس النواب في انتظار أن تحلّ الأزمة الرئاسية وقد بات حلها في الخارج؟ لقد نصّت المادة 75 من الدستور على “أن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة بدون مناقشة أو أي عمل آخر”. ولهذا النص تفسيران يثيران الخلاف: تفسير يقول إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية في الجلسة المخصّصة للانتخاب ولا يجوز مناقشة أو أي عمل آخر فيها غير الانتخاب. وتفسير آخر يقول إن المشترع قصد باعتبار المجلس هيئة انتخابية خلال الجلسة المخصّصة لانتخاب رئيس الجمهورية فقط ولا يحق لها أن تكون هيئة اشتراعية. أما في الجلسات العادية والتي هي غير مخصّصة للانتخاب فإن المجلس يعود هيئة اشتراعية. وحيال هذا الخلاف، ولا سيما بين الأقطاب الموارنة والأحزاب المسيحية مثل حزب الكتائب، ثمة من يرفض اعتبار المجلس هيئة اشتراعية بل هيئة انتخابية لا مهمة لها سوى انتخاب رئيس الجمهورية وبعد ذلك يصبح هيئة اشتراعية، في حين يرى آخرون خلاف ذلك ويتساءلون: هل يبقى مجلس النواب معطلاً الى أن ينتخب رئيس للجمهورية حتى لو انسحب ذلك ضرراً على مصالح الوطن والمواطن، خصوصاً عندما يكون مطلوباً من المجلس المصادقة على مشاريع حيوية ومهمة وتتصل بالأوضاع الاقتصادية والمالية؟ ولأن الأحزاب المسيحية والأقطاب الموارنة لم يتفقوا حتى على اعطاء تفسير واحد للمادة 75، فإن منهم من يشترط لحضور جلسة تشريع الضرورة إدراج مشروع قانون الانتخابات النيابية ومشروع قانون استرداد الجنسية على جدول أعمالها، ومنهم من يرفض حضور اي جلسة، مثل الكتائب، لمناقشة أي مشروع قبل أن ينتخب رئيس الجمهورية. أضف الى ذلك خلاف آخر حول عمل الحكومة، هل هي حكومة مطلوب منها اتخاذ القرارات المهمة كونها تمارس بالوكالة صلاحيات رئيس الجمهورية، أم أنها حكومة مهمتها التحضير لانتخاب رئيس للجمهورية خلال فترة قصيرة ثم تخلفها حكومة جديدة بعد انتخاب الرئيس؟ الواقع أن المشترع لم يفكر في أنه سيأتي يوم يخالف فيه نواب أحكام الدستور ويعطلون جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بتغيبهم عنها من دون عذر مشروع، وإلا كان أوضح عمل المجلس في حال عدم انتخاب رئيس من دون لبس، كما أنه لم يفكر في أن الحكومة التي تنتقل اليها موقتاً وبالوكالة صلاحيات رئيس الجمهورية سوف تستمر الى ان يتمّ انتخاب الرئيس، بل كان حدّد عمل الحكومة في حال طالت مدّة الشغور الرئاسي، ووضع آلية لاتخاذ القرارات، وهل تحتاج كلها الى توقيع كل الوزراء، أم ينبغي تطبيق أحكام المادة 65 من الدستور التي تحدّد المواضيع التي تحتاج الموافقة عليها الى الأكثرية العادية وتلك التي تحتاج الى موافقة الثلثين لأن شرط توقيع كل الوزراء أي مرسوم يجعل كل وزير ولأسباب شتى يعطل صدوره بمجرد الامتناع عن توقيعه. وها إن النواب يختلفون أيضاً على تحديد جدول أعمال جلسة تشريع الضرورة، فمنهم من يريد إدراج المشاريع التي لا خلاف عليها وعدم تقدم المشاريع المثيرة للخلاف مثل قانون الانتخاب وسلسلة الرتب والرواتب وقانون استعادة الجنسية، لأنها مشاريع يحتاج إقرارها الى مناقشات والى أكثر من جلسة، في حين أن المشاريع التي لها طابع إنمائي واقتصادي ومالي والتي لا خلاف عليها يجب أن تكون لها الأولوية في المناقشة والاقرار، ومنهم من لا يعترف بشرعية أي قانون يقرّه مجلس النواب لأنهم يعتبرونه هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، وقد يطعنون بها كما تهدّد الكتائب. وإذا كانت “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” اتفقا على التقدم باقتراح مشروع قانون معجل باستعادة الجنسية اللبنانية للمغتربين المستحقين تنفيذاً لبند من بنود ورقة “اعلان النيات”، فهل يعترف حزب الكتائب بشرعية إقرار هذا المشروع إذا ظلّ مصراً على اعتبار المجلس هيئة انتخابية فقط، في حين أن الناس كانوا يفضلون لو أن حزبي “القوات” و”التيار” اتفقا على تنفيذ بند آخر في الورقة، وهو الأكثر ضرورة، والذي ينصّ على “انتخاب رئيس للجمهورية قوي ومقبول في بيئته وقادر على طمأنة المكونات الأخرى والإيفاء بقسمه وبالتزامات الرئاسة بما يؤمن الشراكة الوطنية الفعلية الميثاقية والمصلح الوطنية العليا”. فإذا كانت هذه هي المواصفات التي حدّدها الحزبان للرئيس، فماذا ينتظران للاتفاق عليه، وباتفاقهما يتأمن نصاب جلسة الانتخاب ويخرجان ورقة الرئاسة من أيدي أي خارج ومن سوق المزايدات والصفقات على حساب سيادة لبنان وحريّة قراره.