الآب ميشال عبود الكرملي: لا للتسلّل الأرض وديعة ثمينة/ايلي الحاج: الكتائب إلى الآخر: الاستقالة إذا فرضت الضغوط ترقية روكز/عبد الوهاب بدرخان: نصرالله محلّلاً الأوضاع

239

لا للتسلّل … الأرض وديعة ثمينة
الآب ميشال عبود الكرملي/النهار/28 أيلول 2015
فيما يسهر شبابنا على التلال في الليالي الحالكة، في البرد وفي الحر، ويحرمون راحتهم، غير آبهين لأي خطر من هنا أو هناك وهم له بالمرصاد، كي تبقى أرضنا مصونة، فيما يواجه جيشنا اشد المعارك ويقدم نفسه لتبقى أرضنا لنا، ونعيش معاً. في وقت نستذكر شهداءنا، ونعرف انهم ماتوا لنبقى نحن ونبقى هنا، عارفين دوماً أن تراب أرضنا مجبول بدمائهم، فيما… فيما… مع هذا كله، ما زال هناك اشخاص يسمسرون في ظلمة الضمائر ليبيعوا ارضهم، بل أرضنا، ضاربين عرض الحائط، بما ذكرناه. المحافظة على الارض، واجب مقدس لا يفرط به أبداْ، وليس محدوداً في زمان أو مدة محددة، وليس هو ردة فعل آنية، تنتهي كانتهاء عاصفة رمل عابرة، بل هي التزام ووعي وتربية على البقاء، وتحضير للعيش في الوطن السماوي، لأننا من الارض نعبر الى السماء. المحافظة على ارض المسيحيين هي ضمانة لوجود المسلمين وللعيش معاً، بكل أخوة ومحبة، لأن هذا هو وجه لبنان الحقيقي، الذي هو رسالة لكل من اراد ان يعيش متقوقعاً، وكما قال غبطة البطريرك الراعي: “لا يهمني ان يسكن معي المسيحي الفرنسي، أريد ان اسكن بقرب جاري المسلم، الذي ابني معه وطني”.بالرغم من كل ما يشغلنا حالياً، من اصوات النار من هناك، وروائح كريهة هنا (يأتي اغلبها من نتانة الضمائر) يجب أن نبقى متيقظين، لا نسمح لاحد بأن يتسلل ليفرط بأرضنا مقابل حفنة من المال. نعم في ظلمة الضمائر، نرى البعض يحاول التسلل لقضم قطعة أرض من هنا، واستغلال أخرى من هناك. لذلك نرفع الصوت عالياً في وجه من يفرط، وفي وجه من يسمسر، وفي وجه اللامبالي، وفي وجه الصامت عن الجريمة في حق الوجود. الامر يعنينا جميعا.
الحرص على الأرض، وعدم التفريط بها، يأتي من عمق الالتزام الايماني الكنسي، فأمنا الكنيسة تعلمنا (في المجمع الماروني): “الارض في تقليدنا ليست ملكا نتصرف به على هوانا، بل هي ارث من الآباء والاجداد. هذا الارث أشبه بوديعة ثمينة أو “ذخيرة مقدسة”. التعامل مع هذا الارث يصلنا بالخالق، كما يصلنا بالاجيال السابقة التي تركت فيه بصمات لا تمحى من تعبها ودمها….

 

الكتائب إلى الآخر: الاستقالة إذا فرضت الضغوط ترقية روكز
ايلي الحاج/النهار/30 أيلول 2015
وقائع تبعث على التأمل: لماذا يتطوّع ديبلوماسيون عرب وغربيون للتوسط لدى عدد من السياسيين من أجل تسهيل ترقية قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز إلى رتبة لواء، وتعيينه تالياً في عضوية المجلس العسكري؟ الخبر يؤكده أكثر من مصدر. والتحليل أن الرغبات الخارجية لا تخفى في إبقاء الوضع اللبناني هادئاً تحت السيطرة، وفي عودة الحكومة إلى العمل لمعالجة الأزمات الحياتية على أنواعها إلى أن يحين أوان الحل الأكبر، والذي يمر حتماً بانتخاب رئيس للجمهورية. يخشى الخارج رد فعل متوتراً من “التيار الوطني الحر” ينجرّ إليه “حزب الله” أيضاً ثم بقية الأطراف، مما يعني أن لبنان بات مرة أخرى أمام معادلة جديدة: “ترقية شامل روكز أو الفوضى”. إلا أنها معادلة غير نهائية، فثمة عناصر أخرى تتداخل وتؤثر فيها، منها معلومات تلقتها “النهار” عن تردد العميد روكز في قبول ترقيته إلى رتبة لواء، لأنه يرفض إنهاء مسيرته العسكرية بتسوية على حساب المؤسسة. يحيل هذا الموقف على ما سبق من محاولات للتوصل إلى تسوية صعبة، عمل عليها بجهد الوزير وائل أبو فاعور وأكثر من سفير لدول ذات نفوذ في لبنان. تسوية تقضي بملء الفراغات الناتجة من انتهاء مدة خدمة ثلاثة من أعضاء المجلس العسكري منذ أيار 2013 وإضافة ثلاثة أعضاء آخرين إلى هذا المجلس الذي يرأسه قائد الجيش العماد، ويضم إلى جانبه خمسة ضباط برتبة لواء، ليصبح عدد أعضائه 9 بدل 6 من الطوائف الست الكبرى. قضى مشروع التسوية بإضافة ضباط ألوية من الطوائف المارونية والسنية والشيعية، فيصير المجلس من خمسة ألوية مسلمين وأربعة مسيحيين علماً أن ثمة قرارات يتخذها بالتصويت. يلاحظ المتحفظون عن التسوية إفقاد المجلس توازنه الطائفي من أجل ترقية روكز فحسب إلى رتبة أعلى. لكن الأخطر هو ضرب التراتبية والمعايير في الترقية والتعيين. تتولى لجنة من ثلاثة ضباط كبار درس ملفات الضباط من رتبة عميد ركن المستحقين للترقية، وهم في هذه الحال من خريجي دورات 1981 و1983 و1984، والعميد روكز خريج 1983 يسبقه في التراتبية 21 ضابطاً عميد ركن من طائفته. هؤلاء وعشرات الضباط غيرهم أمضى 35 عاماً من حياته العسكرية يؤدي لهم التحية وسوف ينقلب الوضع فيصير عليهم أداء التحية له في حال ترقيته إلى رتبة لواء. لن يمرّ هذا الخرق للتراتبية والقانون وتجاوز الحقوق بسهولة. على الأقل سوف تتجه مجموعة كبيرة من الضباط إلى مجلس شورى الدولة بطعن في تعيين يغمطهم حقهم ويضرب الأنظمة والقوانين والأعراف في المؤسسة لمصلحة ضابط ملأت أشرعته رياح سياسية شديدة الخطورة على المؤسسة، لأن كل تلميذ ضابط بعد هذه الواقعة سيضع في حساباته ضرورة اللجوء إلى حزب، أو زعيم، أو تيار ليرقيه ويوصله إلى رتب أعلى.
يتذرع من يبررون لترقية روكز بأن قائد الجيش يمكن اختياره من بين العمداء وتجاوز التراتبية تالياً. جواب المتحفظين أن الاستثناء محصور في منصب قيادة الجيش وتعميمه يضرب الجيش في صميمه. ويتابع السياسيون المعنيون باهتمام شديد تطور هذه القضية، متحسبين – رغم كل المعطيات التي توحي أن الترقية مستحيلة – لاحتمال أن يفعل الضغط الخارجي والداخلي فعله، سواء في قيادة المؤسسة العسكرية أم في قوى سياسية تقف خلفها من أجل المحافظة على الجيش. عند هذا السؤال يطرح المتحفظون على أنفسهم السؤال: ما العمل إذا وصل القرار إلى مجلس الوزراء وارتضى “تكتل التغيير والإصلاح” وحلفاؤه التصويت لاتخاذ القرارات ووافقت على الترقية غالبية الثلثين؟ حزب الكتائب يبدو حاسماً في قراره الرافض وأيضاً في رد فعله: استقالة وزرائه الثلاثة. وإذا رفض الرئيس تمام سلام هذه الاستقالة؟ “نصرّ عليها ويتولى وزراء بدلاء الوزارات الثلاث. وفي كل الأحوال لماذا نبقى في هذه الحكومة إذا كانت عاجزة، ولن تستطيع رفع النفايات من الشوارع والأحياء والقرى؟ ألنتحمل مسؤولية عمّن لا يتحملون مسؤولية ويدمرون البلاد بلا تردد من أجل مصالحهم؟”. ينصرف المسؤول الكتائبي بعد هذا الجواب إلى التفكير بصوت عالٍ بما يتوجب فعله في اليوم التالي للاستقالة، كأنها حاصلة غداً.

 

نصرالله محلّلاً الأوضاع…
عبد الوهاب بدرخان/النهار/30 أيلول 2015
كيفما قلّبتها، تبقى مقزّزة ومقرفة تلك الرواية التي قدّمها حسن نصرالله عن الزبداني – الفوعة وكفريا، مع كل جهده لإضفاء بعد “انساني” عليها. وليكن في بالكم أنها رواية بشعة على جانبيها، لأنها تتعلق بسوريين على أرضهم وفي بيوتهم، ولأن الراوي لا يزال مصرّاً على أننا أخطأنا حين اعتقدناه بطل مقاومة. تلك كانت رواية “أمراء حرب” بالغي القسوة ولا رحمة في قلوبهم. فيها احتقار للناس ولحرمتهم، وفيها استرخاص للأرواح حتى حين يتحدّث عن خسائر “حزب الله”، وفيها أيضاً – نعم فيها اقتلاع للسكان وتغيير ديموغرافي ينكره مع أن الايرانيين ماضون في هندسته. أي أن فيها ما لا يُنسى تاريخياً ولا يُغتفر. لكن نصرالله مثل بشار الاسد مثل قاسم سليماني عاقدون العزم على أن لا حياة ولا تعايش مستقبلاً مع من يقتلعونهم من مدنهم وقراهم، ولا فرق بين أن يكونوا سنّة أو شيعة. فلكثرة ما يثرثرون عن فلسطين وقضيتها لم يجدوا أفضل من استنساخ مأساتها في سوريا وأهلها، وبوسائل فاقت الإجرام الاسرائيلي.
أضعف الايمان القول كفى مزايدات هابطة لبضاعة شعاراتية مبتذلة، وكفى عروضاً متخمة بأشباه الحقائق، وكفى رقصاً على الجثث وفوق أنقاض بيوت روّع قاطنوها وهُجّروا كأنما الذين حرّروا أرضهم في جنوب لبنان لم يتعلّموا سوى تقليد العدو في سفك الدماء، كما في بغيه وإذلاله للبنانيين. ويكرر نصرالله أن اسرائيل هي “المستفيد الأول” و”لا تزال”، وفي عرضه للتوقعات الاسرائيلية يقدّم سيناريوين: الأول يبقى فيه الاسد والجيش السوري (أي الجيش الاسدي) “وهذا انتصار لمحور المقاومة” و”تهديد استراتيجي لإسرائيل”. والثاني تنتصر فيه “الجماعات المسلحة” وعندئذ “لن تقوم قائمة لسوريا لتشكّل تهديداً لإسرائيل”… هذا نموذج واضح للتلفيق والتوليف المؤدلجين، فضلاً عما فيه من تذاكٍ مكشوف، خصوصاً لدى استخلاص النتائج، اذ يقول إن سقوط النظام السوري هو “خيار اسرائيل ضمناً”، لكنه يتجاهل أن هذا النظام لم يعد يشكّل خطراً على اسرائيل منذ الاسد الأب، وأنها حصلت على “تمزّق سوريا وتفتتها” بفضل النظام وحلفائه، خصوصاً ايران و”حزب الله”، فهؤلاء حققوا لها ما تريده مجاناً، وبتبعات إجرامية لاأخلاقية لن تتحمّلها. هنا يضيف نصرالله روسيا الى معادلة “انتصار محور المقاومة”، باعتبار أن ايران هي التي جرّت رجل فلاديمير بوتين الى لعبتها “الممانعتية”. ثمة قصر نظر في القول إن “مجيء الروس يعني بقاء النظام وهذا لن يُسعد الاسرائيلي”، علماً أن الأمر الوحيد الذي أكّده بوتين لنتنياهو هو التقليل من أهمية التهديد الذي يمكن أن تشكّله القوات السورية لإسرائيل، وهذا معلن. لكن الأهم عند ايران و”حزب الله” اليوم ليس ما يتعلق باسرائيل، بل بأن يعتمد الروسي نهائياً خطة “دولة الساحل” ويقرر أن وجوده هو لحمايتها، وهي تحتاج طبعاً الى قبول اسرائيلي ستحصل عليه، لكن مقابل ماذا؟