علي نون: في البؤس الممانع/علي رباح: تدافعُ إيران وأدواتها لاستغلال تدافع منى/وسام سعادة: لا حلّ في سوريا إلا برحيل أوباما والأسد

315

لا حلّ في سوريا إلا برحيل أوباما والأسد
وسام سعادة/المستقبل/30 أيلول/15
هي مضيعة لوقت الجميع في العالم اليوم أن تتواصل المناقشة العبثية إن كان ثمة حلّ للمسألة السورية، ومخرج من الحرب السورية مع أو من دون بشار الأسد. فالمسألة ليست أخلاقية فقط. ليست مسألة تبييض صفحة مجرم حرب، ومجرم ضد الإنسانية. المسألة أبسط من ذلك. طالما أن بشار الأسد موجود في سوريا فليس هناك أمل ولو بهدنة يوم واحد أو وقف إطلاق نار في سوريا. يمكن للحرب السورية أن تستمر حتى ولو حذف الأسد نعم. لكن حرباً سوريّة من دون بشار الأسد يمكن أن تصير حرباً متقطعة، حرباً بجولات، حرباً يمكن إطفاؤها في المناطق السورية تباعاً، والوصول الى رزمة تفاهمات تؤدي للعبور تدريجياً نحو السلم الأهلي، وعودة اللاجئين، والعدالة الانتقالية، والمصالحة الوطنية، والمكافحة الجدية والناجعة للإرهاب. استمرار وجود بشار الأسد يعني استمرار الطابع التناحري المطلق للحرب الأهلية السورية. الاستغناء عن هذا الوجود كفيل وحده بتطبيع هذه الحرب مع السيطرة السياسية، الداخلية والخارجية، على مسببات الاشتعال، والتبريد التصاعدي للجبهات، وصياغة الشروط الأولية، الصعبة جداً، لإعادة توحيد البلاد إنما على أسس جديدة، تجمع بين إنهاء الحكم الفئوي الشمولي الدموي، وبين إقرار التعددية بكافة أبعادها، الاثنية والدينية والجغرافية كما السياسية. لقد سخفت إدارة الرئيس باراك أوباما تلك الفكرة الصائبة، فكرة أن لا حل إلا برحيل الأسد، وجعلتها تبدو كفكرة متقادمة، فكرة تفتقد الى الواقعية السياسية، الى حد أن معيار الجرأة الواقعية صار عند بعض القادة في أوروبا محاباة الموقف الروسي من حلّ «يتضمّن» استمرار الأسد. فالجانب الأميركي سارع الى إعلان دعمه الثورة لتصير محسوبة عليه في سجالات الممانعين من دون أن يكون دعمه لها حقيقياً ومنهجياً، وهو ما يعود أيضاً لمشاكل المعارضة السورية نفسها. لكن الجانب الأميركي لم يكن على المستوى المطلوب من رد الفعل بعد انطلاقة خيار القمع الدموي للسوريين، ولم يتحسس كثيراً أمام استخدام النظام الأسدي سلاح الجو ضد مواطنيه، وفي هذا سلّم الأميركيون ورقة كانوا احتفظوا بها منذ نهاية الحرب الباردة، بأنهم يعاقبون «الدولة المارقة» تحديداً حين تزج بسلاح الجو ضد مواطنيها. بعد ذلك حوّل أوباما التحشيد ضد النظام على خلفية القصف الكيماوي في الغوطة الى مناسبة لإنقاذ النظام في مقابل تدمير الترسانة الكيماوية، ثم دخل في سياسة غير موفقة أخرى، بتوهمه أنه يمكن أن يشنّ حرباً جوية وصاروخية على تنظيم «الدولة» من دون أن يستهدف النظام الأسدي، ومن دون أن يتحمّل التنسيق اللوجستي معه أيضاً. كذلك لم تتحرك الإدارة بالشكل الكافي على خلفية تدفق الخبراء والفرق الروسية على سوريا. في شرق أوكرانيا تظهر الإدارة موقفاً ضد الروس أكثر شجاعة مما تظهره في سوريا. لا حل من دون الأسد، يقول فلاديمير بوتين. لا حل من دون رحيل الأسد، يجيبه أوباما. وتدور الكأس بين هذا وذاك، يتواصل تدمير المجتمع السوري، والنزيف السكاني الحاد. هذا النزيف يصوب السؤال: لا حل من دون رحيل المتسبب في سياسة أميركية خاطئة جداً في المسألة السورية. لا حل في سوريا إلا برحيل باراك أوباما وبشار الأسد.

 

«تدافعُ» إيران وأدواتها لاستغلال تدافع منى
علي رباح/المستقبل/30 أيلول/15
ليس تفصيلاً أن يطلق ناشطون في «حزب الله« تغريداتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تطالب بـ»إدارة إسلامية» لمناسك الحج بعد ساعات قليلة على حادثة التدافع في «منى»، وقبل إطلالة الأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله، أو حتى قبل صدور أي بيان إيراني رسمي حول الحادثة. إذاً، «التعليمة» وصلت باكراً لينطلق سيناريو التسويق للمطلب الإيراني: جيش «حزب الله« الإلكتروني يروّج لفكرة «الإدارة الإسلامية» للحج، فحديث صريح للسيّد، فتصريح مماثل لنوري المالكي، فبيانات بالجملة لأذرع إيران! خرج نصرالله الأسبوع الماضي، ليفتتح مقابلته التلفزيونية على شاشة «المنار»، بحادثة التدافع في «منى». وبينما كان السيّد يتحدّث عن أعداد ضحايا وجرحى الحادثة، قاطعه الإعلامي عماد مرمل ليسأله: «ما هو المطلوب لعدم تكرار هذه المآسي». هنا، لم يصدّق السيّد تلقيه السؤال ليستفيض في شرح وجهة نظره للحلول. طالب بضرورة فتح تحقيق بمشاركة مندوبي الدول صاحبة النصيب الأكبر من الضحايا والمصابين للتأكّد من موضوعيته. كما قدّم طرحين لتفادي تكرار الحوادث: «إدارة إسلامية لموسم الحج، أو تشكيل هيئة فيها ممثلون عن الدول التي لديها أعداد ضخمة من الحجيج». وتحدّث نصرالله عن الحادثة قائلاً: «إن إلقاء التبعات على الحجاج هو تبسيط للأمور، فوقوع الأحداث المتكررة في موسم الحج يدلّل على وجود خللٍ في الإدارة». هنا، وقع السيّد بالخطأ، فمنذ أعمال التوسعة التي شهدتها مكة والأماكن المقدسة في المملكة عام 2006، لم تقع أي حادثة تدافع. فلماذا وقعت هذه السنة؟ ولماذا كان العدد الأكبر للضحايا من الإيرانيين؟ ولماذا أطلق «حزب الله« وجمهوره والأذرع الإيرانية في المنطقة مواقف سريعة، حتى قبل التأكد من أعداد الضحايا وجنسياتهم؟ نصرالله وجمهوره لم يكونا الوحيدين اللذين حاولا استغلال الحادثة للتصويب على السعودية. حتى أن نوري المالكي، رجل إيران «النزيه» في العراق، والذي رُفعت صوره سابقاً على طريق المطار، هاجم ما وصفها بـ»غطرسة المسؤولين السعوديين» بسبب حادثة «منى»، وطالب أيضاً، ضمن «التعليمة» الواحدة، بوضع إدارة الحج تحت تخطيط وإدارة منظمة التعاون الإسلامي كي لا تتكرر الكوارث! من يصدّق أن رجل إيران، الذي «فرّ» في عهده الآلاف من عناصر تنظيم «القاعدة« الإرهابي من سجن أبو غريب، وانضمامهم الى الجماعات الإرهابية لضرب الثورة السورية، يمكن أن يتحدّث عن حلول لتفادي الكوارث؟ من يصدّق أن مَن سحب الجيش العراقي في عهده من الرمادي والموصل والمناطق السنيّة في العراق، ليتسلّمها تنظيم داعش الإرهابي «في ليلة ما فيها ضو قمر»، يمكن أن يجترح الحلول لتفادي الكوارث؟ الهجمة السريعة لأذرع إيران على المملكة العربية السعودية، واستباقها للتحقيقات الرسمية، يشرّع كلام السفير السعودي في لبنان علي عواض عسيري، الذي تساءل قائلاً: «لماذا سارعت بعض الجهات الى كيل الاتهامات واستبقت التحقيقات التي تجريها السلطات المختصة في السعودية؟ أليس ذلك دليلاً على وجود نيّات مبيّتة مسبقة لمهاجمة المملكة»؟ فعلاً، لماذا استبقت أذرع إيران التحقيقات؟ فبعد اتّهامه بقضايا فساد في العراق، خرج المالكي ليطالب المعنيين بعدم استباق التحقيقات. حتى أن نصرالله لطالما طالب بعدم استباق التحقيقات في قضايا لبنانية كثيرة. لماذا تحلّل أذرع إيران لنفسها ما تحرّمه على غيرها؟ قدّم نصرالله والمالكي وعموم الأذرع الإيرانية في المنطقة مرافعات دفاعية عن إيران ومطالبها. لا بأس إن قال السيّد إنه لا يأتمر بأوامر طهران، ليظهر بمظهر الحليف وليس التابع، حتى أنه أعلن سابقاً فخره بأن يكون جندياً من جنود «الولي الفقيه»! لكن ما يعني أن يأخذ السيّد على عاتقه ملف حادثة التدافع في منى، على الرغم من عدم إصابة أي حاج لبناني في الحادثة؟ يشرّع ذلك كله كلام السفير عسيري عن «الإفلاس السياسي وحالة الضياع التي تعيشها هذه الجهات، والتي وصلت الى حد استغلال الدين والحادث المؤسف، لتشويه صورة السعودية التي فضحت المخططات الهادمة التي تُحاك لدول المنطقة». فها هو المشروع الإيراني يتهاوى في اليمن، وها هي روسيا قَدِمت الى سوريا لتزاحم الإيرانيين في مناطق نفوذ النظام، ولم يعد لطهران إلا استغلال حادثة الحج للضغط على السعودية لوقف قرارها بالمواجهة. أذرع إيران تطالب بإدارة إسلامية للحج، وروحاني يعرب عن استعداده لنشر الديموقراطية في اليمن وسوريا. ربما تشبه هذه الإدارة وتلك الديموقراطية، ادارة وديموقراطية الحوثيين في اليمن و«حزب الله« في لبنان والأسد في سوريا والحشد الشعبي في العراق! «تنبّأ» ناشطو «حزب الله« بالمطالب الإيرانية لحل «كوارث الحج» قبل ساعات من إعلانها رسمياً على لسان السيّد. إلا أن الرد أتى على لسان ناشطين لبنانيين وعرب: فلتطالبوا أولاً بإدارة إسلامية للمسجد الأقصى الذي يتعرّض لأبشع اعتداء منذ تاريخ الاحتلال.. «الموت لأمريكا وإسرائيل«؟

 

في البؤس الممانع
علي نون/المستقبل/30 أيلول/15
لم تعمّر طويلاً همروجة الممانعة عن الاستعراض العسكري الروسي في الشمال السوري، وخصوصاً في شأن اعتباره خلطاً خطيراً للأوراق، وكسراً لموازين القوى في الميدان، وتكريساً لـ»انتصار» بشار الأسد بعد أن «غيّر» الغربيون موقفهم وقبلوا ببقائه في المرحلة الانتقالية! الإبهام الموازي للارتباك في مواقف الأطراف الإقليمية والدولية إزاء التحرك الروسي وملحقاته السياسية المتعلّقة بـ»دور» الأسد هذا، انتهى في نيويورك، أقلّه في الشأنين السياسي والإعلامي من خلال المواقف الواضحة التي أطلقها الرئيس الأميركي وغيره من القادة الغربيين والتي أكّدت استحالة الجمع بين أمرين في شأنين: شأن الحرب على «داعش» و»السكوت» عن مصير الأسد، أو القبول بأي دور له في مستقبل سوريا. وشأن الحل السياسي «بمشاركة» الأسد! بحيث ان «الحل» و»الاسد» نقيضان لا يجتمعان! يجادل أهل الضمير في سوريا وخارجها، بأن ذلك في جملته، أي كل المواقف التوضيحية المضادة للتحرّك الروسي والهوى الإيراني الممانع، لا يعني في المحصّلة تحركاً حاسماً لإيقاف النكبة عند حدودها الراهنة.. بل لا يعني عملياً وميدانياً الشيء الكثير للقوى المعارضة لجهة التسليح النوعي، أو لجهة فرض منطقة حظر جوي في الشمال (الشرقي)، لكن الآتي من الأيام، قد يغيّر الكثير في هذه المسلّمات الكئيبة!
والفضل الأول في ذلك، ليس سوى للرفيق بوتين دون سواه! صحيح أن مأساة اللجوء الذي انفجر في أوروبا، حفّزت الغربيين على تصعيد وتيرة «النقاش» مع الطرف الأميركي في شأن الوضع السوري. وصحيح أن قصة «محاربة الإرهاب» تقرأ بجدية أكبر مما سلف، لكن الأصح هو أن الروس كبّروا حجر المناورة (العسكرية) الى حدّ عدم قدرة الآخرين على تجاهله ودفن الرؤوس في الرمال إزاءه، وذلك، استدعى ويستدعي، العودة إلى التشدّد سياسياً وإعلامياً (في شأن الدور المزعوم للأسد) وفتح الباب جديّاً أمام توسيع الفرضيات القائلة بضرورة القيام بـ»شيء ميداني» مؤثّر، قد يكون الجنوب المتصل بدرعا مسرحاً له!
والواقع، أن لا شيء دل ويدلّ في هذه المرحلة، على مدى تأصل البؤس عند أهل الممانعة، أكثر من أيام نيويورك الأخيرة: لم يقتصر الأمر على تصحيح المواقف الغربية وعودتها إلى مربع الموقف المبدئي الأول من الأسد واستمراره، بل راح إلى ما هو أكثر مرارة، من خلال «التوضيحات» التي أطلقها «الرفيق بوتين» شخصياً، والتي منها على سبيل المثال وليس الحصر، أن بلاده «لم تنزل في سوريا كي تقاتل فيها»! بل تبيّن أكثر من ذلك، أن الحجّة المتعلّقة بقتال «الإرهاب الداعشي» ليست بدورها سوى جزء من تلك الهمروجة الإعلامية التي لا تعني شيئاً ميدانياً.. بحيث إن وزير الخارجية الفرنسي رولان فابيوس لم يتردد أمس تحديداً، في انتقاد موقف موسكو في هذا الشأن، ودعوته إيّاها الى «إقران القول بالفعل»! وللتذكير فقط، فإن البؤس الممانع، بكل مراتبه وأصنافه، السياسية والإعلامية، وصل إلى حد إعلان قيام «تحالف» محارب، يضم إيران وروسيا والعراق والأسد و»حزب الله» دفعة واحدة؟ ولم يخجل أهل البؤس هؤلاء، في سياق اعتمادهم التحريف والتخريف إلى حدود الهستيريا، في تغييب الموقف البوتيني من إسرائيل! بل وتحريفه بطريقة لا تليق سوى بالمهرّجين! .. كان محقاً، من افترض منذ البداية، أن الاستعراض العسكري الروسي، يؤكد العجز عن وقف الانحدار السلطوي الأسدي، ويعطي إشارات واضحة الى تحسّب من انهيار سريع ومفاجئ لبقايا تلك السلطة في دمشق، ويحضّر بالتالي، البنية الدفاعية للمعقل الأخير في الشمال (الغربي) السوري… صحّ النوم!