خيرالله خيرالله: حصان بوتين في سوريا ليس حصاناً/إيلـي فــواز: مغامرات بوتين في المخيّلة اللبنانية/أنّـا ماريـا لوكـا: الفلسطينيون في لبنان يفكّرون بالهجرة

382

حصان بوتين في سوريا.. ليس حصاناً
خيرالله خيرالله/المستقبل/30 أيلول/15
ليس معروفاً بعد هل في الإمكان انقاذ ما بقي من سوريا. الثابت الوحيد، إلى جانب أن البلد صار تحت وصايات عدّة، أنّه لم يعد في الإمكان إنقاذ النظام العلوي الذي لجأ أخيراً إلى تسليم قسم من الساحل السوري إلى الجيش الروسي. هل تلك هي الورقة الأخيرة للنظام الذي يقف على رأسه بشّار الأسد؟ يذكّر الوجود العسكري لروسيا في اللاذقية وطرطوس ومحيطهما بالوجود السوفياتي في مصر الذي زاد بعد هزيمة حرب الأيام الستة في العام 1967. لم ينته ذلك الوجود وقتذاك، إلّا بالقرار الشجاع الذي اتخذه الرئيس الراحل أنور السادات في العام 1972، وذلك في اثناء الإعداد لحرب تشرين/اكتوبر 1973. مهّدت تلك الحرب، من وجهة نظر مصر، لتحريك الوضع السياسي في المنطقة وصولاً إلى اتفاقي كامب ديفيد في خريف 1978 ثم معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية في آذار/مارس 1979. تلك المعاهدة التي لم يفهم معناها ويستوعب أبعادها النظامان البعثيان في العراق وسوريا. الملفت أنّ النظام في العراق كان مرتبطاً بمعاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفياتي منذ العام 1972، في حين أن النظام السوري لم يجد حاجة إلى مثل هذه المعاهدة إلّا بعد توقيع مصر لمعاهدة السلام مع اسرائيل وبداية ظهور إشارات إلى توتّر داخلي، ذي طابع مذهبي وطائفي، في سوريا نفسها، بما يهدّد النظام الأقلّوي لحافظ الأسد.
أدرك أنور السادات باكراً معنى الوجود العسكري السوفياتي في مصر وخطورته. أدرك خصوصا أنّه لن يستطيع شنّ حرب من أي نوع كان على اسرائيل في ظل هذا الوجود، فكان قراره بطرد الخبراء العسكريين السوفيات الذين لم يكن لديهم من هدف سوى تكريس حال اللاحرب واللاسلم التي صبّت دائماً في مصلحة اسرائيل التي تسلّحت دائماً بمرور الوقت لفرض أمر واقع على الأرض، أكان ذلك في الضفّة الغربية المحتلة أو في الجولان. كانت هذه الحال، حال اللاحرب واللاسلم، في أساس وجود النظام السوري. كانت فلسفة الحكم لدى حافظ الأسد منذ حرب العام 1967 التي لعب دوراً أساسياً في جرّ مصر إليها، عندما كان وزيراً للدفاع. كانت تلك الفلسفة القاسم المشترك الدائم بينه وبين اسرائيل. متى استعرضنا السياسة التي اعتمدتها موسكو في المنطقة العربية، وحتّى في مناطق الجوار العربي، نجد أن الكرملين لم يستطع يوماً لعب دور إيجابي على أي صعد كان. كان السلاح السوفياتي والروسي الذي رافقه إرسال خبراء عسكريين في كلّ وقت في خدمة أمرين. الأوّل تشجيع الأنظمة على قمع شعوبها، والآخر ضمان عدم حصول أيّ تفوق على إسرائيل التي كانت إلى ما قبل فترة قصيرة رأس الحربة للسياسة الأميركية في المنطقة.
ثمّة من سيقول إنّ الاتحاد السوفياتي دعم القضية الفلسطينية. هذا الكلام غير صحيح بأيّ شكل. الصحيح، إلى حدّ كبير أنّ الاتحاد السوفياتي قدّم كلّ ما يستطيع من أجل بقاء الفلسطينيين في أسر الشعارات التي رفعوها وكي يغرقوا في أسر بيروت وأزقتها ووحول الحروب الداخلية التي عادت على لبنان بالويلات. لم يقف الكرملين في أيّ يوم موقفاً يستشفّ منه أنّه يعمل من أجل كسر الحلقة المغلقة التي بقيت القضية الفلسطينية تدور فيها في ظلّ الحرب الباردة التي انتهت في تشرين الثاني من العام 1989، عندما سقط حائط برلين.
ما الذي يمكن توقّعه الآن من التدخل الروسي في سوريا، وهو تدخّل بدأ يأخذ في الأسابيع القليلة الماضية منحى جديداً؟ الجواب أنّ لا هدف آخر لموسكو سوى تمديد الحروب المختلفة الدائرة على الأرض السورية. ولكن، إذا كان من جديد، فهذا الجديد هو التنسيق مع ايران واسرائيل في هذا الشأن. الهدف أن لا تقوم لسوريا قيامة في يوم من الأيّام. في كلّ مكان تدخّلت فيه موسكو عسكرياً وسياسياً في المنطقة، نجد الخراب. ماذا كانت نتيجة الوجود العسكري السوفياتي في الصومال أيّام محمّد سياد بري؟ ماذا كانت نتيجة الدعم السوفياتي لمنغيستو هايلي مريام في أثيوبيا في مرحلة لاحقة؟هل هناك من يريد أن يتذكّر الدور السلبي للاتحاد السوفياتي في مجال دعم التحولات الكارثية التي شهدها اليمن الجنوبي منذ استقلاله في العام 1967 وحتّى انهيار النظام في مطلع العام 1986 إثر الأحداث المأسوية المعروفة بـ»أحداث الثالث عشر من يناير» التي انتهت بإبعاد علي ناصر محمّد عن السلطة؟
في تاريخ التعاطي مع سوريا، لم يأت الإتحاد السوفياتي، الذي ورثته روسيا الاتّحادية، بجديد في العام 2015. في العام 1958، ابان الوحدة المصرية – السورية، نكّل نظام عبد الناصر، عن طريق الضابط السوري عبدالحميد السرّاج بالشيوعيين السوريين. دفع الشيوعيون اللبنانيون أيضاً ثمن هذا التنكيل. جثة الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو، التي أذابها السرّاج بالأسيد، خير دليل على المدى الذي بلغه هذا التنكيل الذي انحازت موسكو إلى جانبه. التاريخ يكرّر نفسه في كلّ مكان من المنطقة. الجديد في عهد فلاديمير بوتين هو أن الكرملين يلعب الدور المعهود منه أن يلعبه مع آخرين في دعم نظام مرفوض من شعبه.
كلّ ما يستطيع عمله من خلال هذا التدخل الذي لا أفق سياسياً له والذي يبرّره بالحرب على «داعش»، هو اطالة عمر نظام ميّت لم يرد يوماً استعادة أرضه المحتلة منذ ثمانية وأربعين عاماً، بل اعتبر دائماً أن الانتصار على لبنان وشعبه بديل من الانتصار على اسرائيل. لن يوفّق بوتين حيث فشل أسلافه. حنينه إلى استعادة عظمة روسيا سيظلّ حنيناً، على الرغم من ان لروسيا مصالح في الساحل السوري مرتبطة بالغاز أوّلاً وأخيراً. لا يمكن للسياسة الروسية في سوريا ان تنجح، على الرغم من الدعمين الإيراني والإسرائيلي، والتواطؤ التركي. لا يمكن لهذه السياسة النجاح في ظلّ الضعف الذي يعاني منه الاقتصاد الروسي، خصوصا أنّ اسعار النفط والغاز مستمرة في الهبوط. تكمن نقطة الضعف الكبرى لدى بوتين في أنّه بنى آلة عسكرية كبيرة على قاعدة اقتصادية بالغة الهشاشة. لم يستطع تطوير اقتصاد بلاده وإخراجه، ولو جزئياً، من أسر عائدات النفط والغاز. الأهمّ من ذلك كلّه، أن حصانه في سوريا ليس حصاناً، حتّى لو كان هذا الحصان دمية ايرانية… في حين أنّ كلّ ما يهمّ اسرائيل، اضافة إلى تحييد صواريخ «حزب الله» الإيرانية طبعاً، هو التأكّد من أنّه لن يكون في سوريا من يرفع صوته ويطالب بالجولان يوماً.

 

مغامرات بوتين في المخيّلة اللبنانية
إيلـي فــواز/لبنان الآن/30 أيلول/15
فالمؤيدون للرئيس السوري بشار الأسد فرحوا لهذا التدخل متناسين الدروس التي ما انفكّوا يعطونها للعرب عن مبادئ السيادة والاستقلال، وعمدوا إلى رسم طلائع النصر القادم على وقع إعلان سلاح الجو الروسي نيّته القيام بعمليات قصف لمواقع داعش والنصرة بعد حصوله على معلومات دقيقة وسرية عن أماكن تواجد قيادات تلك التنظيمات. أما المناهضون للرئيس السوري فصوّروا هذا التدخل على أنه انتصار على ايران كونه مقدمة لخلاف روسي ايراني، وبدايةً لأفول نفوذ إيران في المنطقة، كما غرّد أحد قيادي ثورة الأرز.
كل تلك التحليلات – وما أكثرها – تبقى في إطار التمنّي.
كيف يمكن لروسيا ان تكون على خلاف مع ايران في ما خص سوريا وتستعمل في نفس الوقت مجالها الجوي لنقل العتاد والسلاح والخبراء؟ وكيف يمكن للتدخل الروسي المحدود والذي يدعم بقاء الاسد، ويضمن بالتالي منطقة نفوذ ايرانية ان يتعارض مع ما تريده طهران؟
ثم إن كان التدخل الروسي يحدّ من النفوذ الإيراني، فلماذا يطالب رئيس وزراء اسرائيل الروس بعدم اعتراض عمله في استهداف حزب الله والحرس الثوري الايراني، والذي كان قصف مواقع لها في الجولان قبل ايام؟ وهل الاعلان عن إنشاء غرفة عمليات مشتركة بين روسيا وإيران في بغداد دليل مأزق في العلاقات الثنائية؟
واستطراداً ماذا سيغيّر بوتين في الحرب الدائرة في سوريا وهو الداعم الاساسي للأسد منذ ان اندلعت الثورة اي قبل خمسة سنوات، سلاحاً ومالًا وخبرات؟ هل سينزل جيشاً على الارض؟ أشك بإمكانية وقدرات روسيا بالقيام بتلك المغامرة. اذاً ماذا سيغير وجود ألف عسكري روسي فعلياً على الارض؟ هل سيوقف دعم بعض الدول للمعارضة السورية؟ طبعاً لا. هل سيقضي على داعش؟ قطعاً لا.
فلا المعركة في سوريا حُسمت للرئيس بشار، ولا التدخل الروسي يعدّ هزيمة إيرانية.
بكل بساطة لاحت للرئيس الروسي فرصة قد لا تتكرر في انسحاب الأميركيين من المنطقة، فاقتنصها محاولاً فرض سيطرة او نفوذ له في حوض المتوسط من دون ثمن يدفعه، بالشراكة مع ايران طبعاً. فسارع الى تحويل اللاذقية من مجرد محطة تزويد وقود الى شبه مرفأ عسكري، ونشر ما يقارب الألف عسكري في المناطق التي بالكاد يحافظ عليها الرئيس الأسد، وأعلن عن نيته محاربة “الإرهابيين” جواً، وفرض حلّ سياسي يكون الرئيس الأسد جزءاً منه.
الرئيس الروسي يسعى إلى محاولة تعويم حليفه، كما يريد تأكيد دور روسيا كقوة عظمى في المنطقة، في غياب العملاق الاميركي، لتقرير مصير سوريا. بالاضافة الى رغبته بيع السلاح الروسي لدول المنطقة.
ولكن في المقابل وضع الرئيس بوتين نفسه في موقع حرج. فسوريا بالطبع ليست اوكرانيا. هي محاطة من قوتين تركيا واسرائيل، اللتين لا تنظران بعين الرضى لهذا الطموح  السلافي المستجد. هذا ناهيك عن مخاطر التدخل العسكري وارتداداته على الداخل الروسي نفسه. ماذا مثلا لو تسبب قصف الطائرات الروسية بقتل المدنيين؟ ماذا ستكون عندها ردة فعل المسلمين ؟ او حتى المجتمع الدولي المتواطئ مع بوتين؟
ان يترك الاميركيون المنطقة في حال فوضى، فذلك من الامور التي عودتنا عليها سياسات الولايات المتحدة الخارجية، لكن تبقى المشكلة ان ليس هناك اليوم من قوة اقليمية او عالمية تستطيع الحلول مكانها وأخذ دورها في حل المعضلات والمشاكل وتأمين الاستقرار للشرق الاوسط.
لذا ان يأتي بوتين الى منطقتنا هو تفصيل اضافي يزيد من الفوضى التي يغرق فيها الشرق الاوسط.

 

الفلسطينيون في لبنان يفكّرون بالهجرة
أنّـا ماريـا لوكـا/لبنان الآن/30 أيلول/15
في مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين في طرابلس، شمال لبنان، لا يفكّر في الهجرة من البلد سوى المحظوظين أو الذين بلغوا درجة اليأس. المحظوظون هم من يملكون المال اللازم للوصول الى تركيا عبر وسيطٍ ما، فيما لا يملك اليائسون القادمون بمعظمهم من مخيم اليرموك المحاصر في سوريا، سوى أن يجرّبوا حظهم في اجتياز البحر المتوسط. وفي هذا السياق قال نائب رئيس اللجنة الشعبية في مخيم البداوي أبو رياض شكلة لموقع NOW، إنّ العديد من الفلسطينيين غادروا لبنان في قوارب صيد من سواحل طرابلس، مشيراُ إلى أنّ مخيم البداوي استقبل قرابة الـ1100 عائلة قادمة من سوريا “نحو 200 عائلة منها سافرت. بعضهم تمكنوا من الوصول الى تركيا قبل أن يذهبوا الى ألمانيا أو الى أي مكان آخر في أوروبا. وبعضهم لا يزالون في اليونان. وبعضهم ماتوا على الطريق. غرقوا”، ويضيف: “غادروا مستخدمين قارباً قابلاً للنفخ من طرابلس، كان القارب محمّلاً أكثر مما يستوعب. وعندما وصل الى الحدود التركية، انقلب، كان ثقيلاً جداً”.
غرق تسعة فلسطينيين من اليرموك في المياه التركية في منتصف شهر آب بعد أن غادروا شاطئ طرابلس بواسطة قارب صيد يحمل 40 شخصاً. وفي بداية أيلول، اعتقل الجيش اللبناني فلسطينيين في طرابلس لمحاولتهما تهريب 21 لاجئاً إلى تركيا بواسطة قارب صيد.
ويبقى الوقوع في الاعتقال أسوأ من العيش في مخيم مكتظّ للاّجئين في لبنان: إذ يعني ذلك ترحيلهم. “النظام اللبناني واضح. يتم ترحيل كل من لا يحمل تصريحاَ بالإقامة. نتدخّل فقط لإعلامهم بأنّ القادمين من اليرموك غير قادرين على العودة إليه، بأنّ اليرموك محاصر وبأنّ الناس لا يستطيعون دخوله. هذا عندما يعطونهم فترة أسبوع أو 10 أيام قبل ترحيلهم”، شرح أبو رياض قائلاً.
النضال من أجل الهجرة
يقول الرجال المتجمعون في غرفة جلوس صغيرة بالكاد تتسّع لكنبتين ولطاولة صغيرة للقهوة إنّك بالكاد قد تعثر على رجل في مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين بأسره لا يفكّر في الرحيل. البعض يقترضون المال للدفع لوسطاء جشعين ولموظفي السفارات الفاسدين للحصول على تأشيرات دخول الى بلدان أكثر ترحيباً بهم. ليس فقط الفلسطينيون الذين هربوا من الحرب في سوريا هم الذين يفكرون في الهجرة، بل كذلك اللاجئون الفلسطينيون المولودون في لبنان والذين يرون إنّ لديهم حظا في عيش حياة أفضل في مكان آخر.
“يدفع الناس مبالغ مالية ضخمة للحصول على تأشيرة دخول”، يقول هشام لـNOW، وهو شاب رفيع وطويل يرتدي قميصاً أزرق عليه شعار “يونيسيف”، فالطريقة الوحيدة للحصول على فيزا هي عبر وسيط. القوائم طويلة والانتظار أطول. هؤلاء الوسطاء يبتزون الناس الذين يريدون السفر الى تركيا، إنهم يستغلون يأس العالم. يرفعون الأسعار. السعر كان في البداية 200$، ومن ثم 500$، و700$، وصولاً الى 1000$. ومؤخراً يطلبون 2000$. الفيزا الى تركيا تكلّف 60$ فقط. كل ما في الأمر إنهم لا يمنحون الفلسطينيين تأشيرات دخول بسهولة، يشرح هشام.
النضال من اجل العيش
رئيس اللجنة الشعبية في مخيم البداوي، أبو خالد، هو في الثمانينات من عمره وعاش العديد من المآسي في لبنان: التفجير الإسرائيلي لمخيم اللاجئين في النبطية عام 1974، معركة تل الزعتر عام 1976 بين الجبهة اللبنانية ومنظمة التحرير الفلسطينية، شهد على الحرب بين الجيش اللبناني والجهاديين من فتح الاسلام التي دمّرت نهر البارد في طرابلس عام 2007. لكنه يقول إنّه لم يسبق له أن شاهد الفلسطينيين يعانون بدون أي أمل كما يعانون في مخيم اليرموك المحاصر في سوريا: مجاعة، تفجيرات، متطرفون، وحرب.
“على الرغم من حقيقة أنّ الفلسطينيين ليس لديهم أي يد فيما يحدث في سوريا، فهم اكثر من عانوا مما يحدث. لدينا هنا الكثير من العائلات القادمة من اليرموك، ومعظمهم يفكرون في المغادرة”، يقول أبو خالد على مهل، محاولاً التقاط أنفاسه، “ليس لديهم أي شيء هنا: ليس لدينا الحق في العمل، وظروف العيش كارثية. ما من احد يرغب في المخاطرة بحياته في عرض البحر، ولكن أحياناً تجبرنا الظروف على المخاطرة. إنهم يريدون العيش في مكان يتمتعون فيه بحقوق ويستطيعون عيش حياة طبيعية”، يشرح. ومن ثم يأخذ نفساً عميقاً ويرتاح لبضعة ثوان.
يقول لنا هشام، الذي يعمل مع وكالة الأونروا التابعة للأمم المتحدة التي تُعنى باللاجئين الفلسطينيين كأجير، إنّ الوكالة وبعض المنظمات غير الحكومية التي توفّر المساعدات للمخيم هي المصادر الوحيدة لبقاء الفلسطينيين.
ويشير إلى أنّ الفلسطينيين كانوا يشعرون بالنقص الكبير في التمويل الذي تعاني منه الأونروا منذ سنوات، ولكن مع الحرب السورية الدائرة على مقربة منا باتت الأمور غير محمولة.
ليس لدى الفلسطينيين الحق في العمل في لبنان إلاّ في حال وجود وكيل ما. “أطباء، محامون، مهندسون… هذه مهن لا يُسمح لنا بالعمل فيها نحن كفلسطينيين. المهندسون الفلسطينيون يفتحون محالات بقّالة لكي يتمكنوا من العيش، والأطباء يعملون مقابل 500$ في الشهر. لقد حدث مرة في مكتب الأونروا أن جاء شاب درس الهندسة وتقدّم للعمل كعامل نظافة! هل بإمكانك تخيّل ذلك؟”، كما يقول هشام، “بالتأكيد الجميع يفكرون بالمغادرة! لماذا نبقى هنا؟”.
النضال من اجل البقاء
وفقاً للمتحدّث باسم الأونروا كريستوفر غونيس، لم يستطع نداء المنظمة الدولية لعام 2015 سوى جمع 35% من الأموال، في حين إنّ 95% من اللاجئين الفلسطينيين يعتمدون على الأونروا لتلبية حاجاتهم اليومية من الطعام، والمياه، والعناية الصحية”، ويقول: “في الوقت الذي يتوجه فيه اللاجئون الى أوروبا في أعداد متزايدة يوماً بعد يوم، ليس هناك أوضح من فكرة أنّ عمل الأونروا بشكل كامل، وتقديمها خدمات إنسانية وتنموية متنوعة لبعض أكثر الناس تهميشاً في الشرق الأوسط هو أحد الخيارات الأقل تكلفة بالنسبة الى الحكومات الأوروبية. بالنسبة الى الدول المتبرعة التي تتصدى اليوم لارتفاع التطرف وتدفق اللاجئين، يُعتبر العمل الانساني الذي تقوم به الأونروا جزءا مهماً من الاستجابة العالمية لأزمة اللاجئين”.
وفي غضون ذلك، لا تزال محاولات المغادرة من لبنان بواسطة قارب خجولة. “من مخيمنا لم يغادر الكثيرون. فقط 10-15 شخصاً غامروا بركوب البحر. ومقارنةً بالأعداد الأكبر من الناس من أماكن أخرى في لبنان. شخصان فقط من مخيمنا غرقوا”، يقول أبو رياض.
بعض القوارب تغادر من طرطوس في سوريا وتتوقف لتحميل أشخاص من طرابلس وهي في طريقها إلى قبرص، كما تقول مصادر في مخيمات اللاجئين في لبنان. العديد من اللاجئين نجحوا في القيام بالرحلة وهم اليوم في أوروبا، يحاولون الوصول إلى ألمانيا أو الى البلدان الاسكندنافية حيث يعتقدون بأنّ حقوق الانسان تُحترم ويمكن أن يحظوا بفرصة أفضل من أي بلد آخر في الشرق الأوسط.
ولكن بالعودة الى البداوي، هناك العديد من الأشخاص الذين يشعرون بأنّ أخبار القوارب التي تنقلب والأطفال الذين يغرقون تقلّل من عزيمتهم على الرحيل. “ليس الأمر بأننا لا نريد المغادرة. ولكن الشيء الوحيد الذي يجعلنا نبقى هنا هو البحر. إنه خطير”، تقول فاطمة، من سكان المخيم بينما تقدّم لنا الشاي. “لقد شاهدتُ اليوم صباحاً على الفايسبوك بأنّ قارباً صغيراً يحمل 40 شخصاً انقلب في وسط البحر. قرأتُ على الفايسبوك إنّ من بين الموتى كان يوجد أطفال صغار؛ لقد استخدموا القوارب للمغادرة من المينا طرابلس. هذا هو الشيء الوحيد الذي يبقينا هنا: خطر البحر”.
آنا ماريا لوكا تغرّد على تويتر @aml1609
أمين نصر ساهم في جمع المعلومات لاعداد هذا المقال
هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية
(ترجمة زينة أبو فاعور)