أسعد حيدر:التنافس الميداني تمهيد للمفاوضات على الحل/علي نون: الرفيق بوتين/خيرالله خيرالله: ما زالت روسيا تستخدم سوريا

404

التنافس الميداني تمهيد للمفاوضات على الحل
أسعد حيدر/المستقبل/15 أيلول/15
سؤال بريء. لو لم تحتل «ماما» ميركل، عناوين الصحف وتحتكر محبة النازحين السوريين، هل كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يتحمل أعباء السفر الى لبنان، ومن ثمَّ الى مخيم الزعتري في الأردن لسماع بعض «القصص المؤلمة مباشرة من النازحين السوريين»؟ بالتأكيد مستحيل، لأن عمر المخيمات أربع سنوات، ولم يكلف كاميرون نفسه أعباء مثل هذه الزيارة. طبعاً ليست الغيرة وحدها وراء هذا الاندفاع من المسؤول البريطاني البارد. أكثر ما أثار كاميرون وباقي المسؤولين الأوروبيين الخوف من «اجتياح» سوري من النازحين. رغم ذلك هذه الجولة مهمة، لأن كاميرون شاهد بعينيه معنى أن يتحمل لبنان نازحين يزيد عددهم على ربع سكانه، أي كما لو نزح الى بريطانيا العظمى حوالى 14 مليون نسمة دفعة واحدة. طبعاً لن يحدث مثل هذا «التسونامي» ولا في أبشع الكوابيس، لأن بريطانيا «الانسانية« وغيرها من الدول الأوروبية تعرف كيف تتعامل بالنار مع مثل هذه الحالة الانسانية.
بعيداً عن المكاسب الاعلامية الداخلية للزيارة البريطانية وما سيتبعها من زيارات أوروبية، فإن موجات النازحين الى ألمانيا وغيرها أيقظت الأوروبيين على الحالة السورية وضرورة العمل على حلّها حتى لا تدخل مفاعيلها كل بيت من بيوتهم عاجلاً أم عاجلاً. لا شك ان أوروبا وفي مقدمها فرنسا، تريد الحل اليوم قبل الغد. لكن مشكلتها أن «العين بصيرة واليد قصيرة». مهما رغبت وأرادت وشاركت الدول الأوروبية وفي مقدمها فرنسا في التصدي لـ»داعش» وللأسد، فإنها لن تنجح في الحالتين. المشكلة في غياب القرار الأميركي. أو في أفضل الحالات رغبة واشنطن في استمرار هذا النزف الذي يستنزف جميع من هو في «المغطس» السوري، في الوقت الذي تتابع المراقبة وحساب الخسائر لدى الجميع.  الرئيس باراك أوباما، وضع هذه الاستراتيجية التي تقوم على معادلة «حارب من كيس غيرك» أي صفر خسائر مالية وبشرية. يبدو أن لكل استراتيجية نهاية. العالم كله وليس واشنطن أمام ساعة الحقيقة. استمرار الحرب في سوريا، سيؤدي الى دخول الحرب الى كل الدول. «داعش» خطر مفتوح على العالم وليس خطراً سورياً أو عربياً فقط. منسوب هذا الخطر سيستمر في الصعود بالاهمال والتساؤل عن أيهما قبل الرئيس بشار الأسد و»داعش». الإثنان يغذيان بعضها البعض. بقاء أحدهما يدعم بقاء الآخر.
ربما تكون صورة الشهيد الطفل ايلان الكردي قد أثارت الرأي العام العالمي، علماً أن آلاف الشهداء من الأطفال وصورهم خصوصاً الذين قتلوا بالسلاح الكيماوي، لم تثر العالم. لذلك يمكن التقدير أن هذا «الشحن الانساني»، ليس عفويا. تماماً مثل استيقاظ الولايات المتحدة الأميركية على مشهد وجود ست دبابات روسية تحمي مطاراً كان سورياً وأصبح روسياً. المشاركة الروسية في الحرب في سوريا ليست طارئة. بدأت مع بداية الحرب عندما شارك الخبراء الروس في «الحرب الإلكترونية» وقضوا على شباب «التنسيقيات» وهم بالمئات.
حالياً نزل «القيصر» بوتين في «المغطس» السوري. لماذا؟. الأرجح لأنه لا يمكن حالياً وضع اجابات حقيقية وواقعية عن كل الأسئلة التي طرحها هذا الانزلاق «البوتيني»، ان موسكو تعرف بأن باب المفاوضات حول الحل في سوريا قد فتح. وان القوي على طاولة المفاوضات هو أولاً القوي على الأرض ميدانياً.
الاختبار الكبير لموسكو حصل في أوكرانيا. لقد نجح بوتين في الامساك بقرار الحل، نتيجة لتطور وجوده العسكري في شرقي أوكرانيا. لذلك لا يمكن لموسكو ترك الأسد وخصوصاً إيران تقرير حصتها في الحل. موسكو تريد أن تكون الشريك الكبير في التفاوض وفي الحل وبالتالي في اقرار حصتها كاملة في سوريا حتى وان لم تعد سوريا التي يعرفها السوريون والعالم والعرب. هذه بداية. أما الختام فإنه كما اعتاد العالم ليس اليوم وغداً. لا يوجد أحد من القوى المشاركة في الحرب في سوريا مستعد للتوقيع مع رئيس أميركي يستعد للخروج من البيت الأبيض. مهمة أوباما حتى 2017، متابعة بناء أعمدة الحل. الرئيس الأميركي المنتخب هو الذي يوقع ويأخذ الصورة وفي خلفيتها عدة مئات الآلاف من الضحايا السوريين وعدة ملايين من النازحين الذين مهما عاد منهم الى سوريا فإن التكوين السكاني والاجتماعي والثقافي لسوريا لن يكون كما كان. سوريا ستقوم من تحت الرماد، لكن بالتأكيد ستكون سوريا مشوهة مهما برع المتفاوضون في إعادة تركيبها.

ما زالت روسيا تستخدم سوريا
خيرالله خيرالله/المستقبل/15 أيلول/15
هناك نيّة واضحة معلنة لدى موسكو في تأكيد أنّها ترسل اسلحة و»مساعدات انسانية» إلى النظام السوري، فضلا عن مقاتلين، رغبة منها في اظهار أنهّا تلعب دورا رئيسيا، إلى جانب ايران طبعا، في ضمان بقاء النظام السوري. هناك رغبة روسية قديمة في المحافظة على النظام الذي يجلس على رأسه حاليا بشّار الأسد الذي لا يختلف عاقلان على أنّه صار أقرب إلى رهينة لدى ايران من أيّ شيء آخر… أقلّه منذ التخلص في العام 2012 من ما كان يسمّى «خليّة الأزمة» في تفجير استهدف عمليا اللواء آصف شوكت، صهر بشّار الذي كان نائبا لوزير لدفاع وقتذاك. كان لا بدّ من ازاحة آصف شوكت، قبل ثلاث سنوات من الآن، لسبب في غاية البساطة. يتلخّص هذا السبب في أنّه كان بديلا لبشّار من داخل النظام نفسه. هذا البديل كان مقبولا عربيا ودوليا، خصوصا من الأميركيين والأوروبيين، على رأسهم فرنسا التي كانت تعتبر صهر رئيس النظام السوري «صديقا كبيرا لفرنسا». ولكن يظل السؤال الكبير الآن: ماذا تريد روسيا؟ هل يعني الإبقاء على النظام بقاء بشّار الأسد أم لا، أو على الأصحّ هل يمكن الإبقاء على بشّار الأسد؟ هل يمكن الإكتفاء بأن يبقى النظام تحت اشراف الضباط العلويين في الجيش، ومعظمهم من خريجي المعاهد العسكرية الروسية وذلك كي يصبح في الإمكان القول أن شيئا لم يتغيّر في سوريا، أقلّه من وجهة نظر الكرملين؟.
هناك موقف روسي محيّر إلى حدّ كبير. يدل هذا الموقف على عجز موسكو عن فهم سوريا… أو عن رغبة في قيام وضع معيّن فيها يجعل ارضها ساحة لحروب مستمرّة إلى ما لا نهاية. وهذا يعني في مثل هذه الحال أن روسيا تعرف تماما ماذا تريد من سوريا. وهذا يفسّر الجهود التي بذلتها شركات روسية في السنوات القليلة الماضية لشراء الحقوق عن التنقيب عن الغاز التي حصلت عليها غير شركة اوروبية في الأراضي السورية.
اضافة إلى ذلك، تسعى موسكو إلى بقاء اسلاميين شيشان وطاجيك واوزبيك وتركمان في سوريا يقاتلون فيها ولكن من دون تحقيق انتصار على النظام. يخدم غرق هؤلاء في المستنقع السوري المصالح الروسية في ظلّ مخاوف موسكو من التطرف والإرهاب في الجمهوريات الإسلامية القريبة منها.
تريد روسيا القول ان سوريا التي عرفناها انتهت. ربّما تريد تأكيد أنّ اراضي سوريا لن تستخدم لتمرير الغاز الخليجي إلى اوروبا من جهة وأنّها ستكون مقبرة للإسلاميين المتطرفين من جهة أخرى. الثابت أنّها تريد، عبر وجودها في سوريا، تأكيد أنّها ما زالت لاعبا في الشرق الأوسط بغض النظر عن المصير المحسوم لبشّار. في كلّ الأحوال، يتبيّن من تاريخ العلاقة بين سوريا وروسيا أنّ موسكو تستطيع استخدام النظام السوري والأراضي السورية لتخريب المنطقة وليس لأيّ غرض آخر. لم يقدم الكرملين يوما، منذ خمسينات القرن الماضي، على لعب أي دور ذي طبيعة ايجابية في الشرق انطلاقا من سوريا. على العكس من ذلك، عملت روسيا، وقبلها الإتحاد السوفياتي، كلّ ما يمكن عمله كي تحلّ كلّ انواع المصائب بالشرق الأوسط. بدا اضعاف العرب، عموما، جزءا لا يتجزّأ من استراتيجية الكرملين في المنطقة، إن في ظل الإتحاد السوفياتي أو ظلّ روسيا الإتحادية.
تكفي العودة إلى الدور السوفياتي في مجال توريط جمال عبد الناصر في حرب 1967، انطلاقا من سوريا، للتأكد من مدى السلبية التي طغت على كلّ ما قامت به موسكو في المنطقة. وقتذاك، زايد النظام السوري على عبد الناصر من أجل جرّه إلى التصعيد مع اسرائيل فوقع في الفخّ، أي في حرب ما زال الشرق الأوسط يعاني إلى اليوم من نتائجها إلى اليوم. جلست موسكو تتفرّج، علما أنّها كانت تعرف تماما ما الذي ستفعله اسرائيل. كان همّها محصورا في ارتماء العرب أكثر في احضانها بعد احتلال اسرائيل لأرضهم وحاجتهم إلى السلاح.
لم يتغيّر شيء في موسكو. ما زال المطلوب استخدام سوريا. في الماضي، كان اضعاف العرب عبر سوريا، يعني تعزيز الوجود السوفياتي ثمّ الروسي في المنطقة. هناك الآن مخطط روسي واضح يصبّ في اعادة تأهيل النظام السوري بحجة أنّه شريك في الحرب على الإرهاب التي يرمز اليها تنظيم «داعش». كيف يمكن اعادة تأهيل نظام كان منذ البداية شريكا في خلق «داعش»؟. ما نشهده اليوم شراكة ايرانية ـ روسية في احتلال جزء من سوريا. هل استمرار الإحتلال امر طبيعي؟. الجواب لا والف لا. سيدفع السوريون غاليا ثمن ما يتعرّض له بلدهم، خصوصا في ظلّ ادارة اميركية لا تبالي بالتورط الروسي والإيراني في سوريا. على العكس من ذلك، يبدو أنّها تشجّع عليه. ما الفارق اذا ذهب ضحية الحرب المستمرّة منذ آذار 2011 والتي يشنها النظام على شعبه مليون سوري واكثر. ليس ما يشير إلى اهتمام اميركي من أيّ نوع ببقاء سوريا موحّدة . يبدو الهمّ الأميركي الوحيد في بقاء سوريا مستنقعا للروسي والإيراني اللذين لا يستطيعان استيعاب أنّ لا مجال لإقامة أي دويلة في سوريا خارج سيطرة الأكثرية السنّية التي ستبقى اكثرية، مهما بلغ حجم الهجرة إلى اوروبا ودول الجوار.

الرفيق بوتين!
علي نون/المستقبل/15 أيلول/15
قد يكون التصعيد في وتيرة التدخل الروسي في سوريا هو «أفضل» خبر يمكن أن ينتظره معارضو وأعداء سلطة بشار الأسد وليس العكس! في «الصدمة» الأولى لذلك الخبر أن النكبة ستزداد تعقيداً، وأن بقايا السلطة الأسدية ستلتقط أنفاسها المتهدّجة، وأن إيران تخففت من حمل كل أعباء إبقاء تلك البقايا واقفة على قدميها، مالياً وتسليحياً وبشرياً! وان ذلك في جملته سيعني المزيد من الأنباء السيئة لجماعات الثورة السورية كما لكل من يدعمها ويردفها بشيء من المدَد والتسليح والتمويل والشعار والشعر والبيان والتعاطف والموقف السياسي. لكن في الارتدادات المنظورة المتوقعة والمفترضة لتلك الصدمة، هناك شيء آخر مناقض تماماً! بحيث ان الخطوة الروسية المستجدة والتصعيدية قد تكون أكبر من قدرة «المتفرجين» في الغرب عموماً وفي واشنطن خصوصاً على البقاء في مقاعد التفرج، والاستمرار في معاينة تدحرج هذه النكبة من مصيبة الى مصيبة تحت سقف امتلاك القدرة على التحكم الأخير بمسارها ومآلها. كبّر الروس حَجَرهم الى حد لم يعد أحد في الجانب الآخر قادراً على تجاهله أو ادعاء عدم رؤيته! وذلك في الحسابات الكبرى يعني ضربة تحت الحزام، أو خرقاً وإن كان لا يزال محدوداً، لأحد الخطوط الحمر الفعلية المحيطة بالوضع السوري عموماً. والذي كان يُحدّد سياسة يلتزم بها كل المعنيين الخارجيين وتنصّ على عدم التدخل مباشرة في الحرب الدائرة، خارج سياق ومسار مواجهة الارهاب الداعشي.. هكذا مثلاً أصرّت إيران ولا تزال تصرّ على نفي أي وجود عسكري مباشر لها في سوريا! بل ادعت ان الأمر في جملته لا يتعدى الوجود «الاستشاري» المحدود.. والذي قال عنه مرة الأمين العام لـِ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، انه لا يتعدى الخمسين خبيراً! وهكذا أيضاً الحال بالنسبة الى تركيا، التي لم تعدم طريقة أو وسيلة لإبلاغ كل من يسأل ومن لا يسأل، أن موقفها المصرّ على الانتهاء من الحكم الأسدي أكبر من أفعالها، لأن واشنطن، بكل وضوح وبساطة، لا تزال معارضة لأي تحرك ميداني مباشر، من قبل أي قوة أطلسية، وتحت أي شعار كان!
وهذا أيضاً لسان حال الاسرائيليين الذين يكررون على الدوام، لازمة «عدم التدخل» إلا لمواجهة أي «مستجدات« قريبة من خطوط الجولان.. مثلما حصل أكثر من مرّة. أو للتصدّي لما يعتبرونه كسراً لعاديات التسليح الخاصة بـ»حزب الله».. وأيضاً مثلما حصل أكثر من مرة!
ما تفعله موسكو الآن، يبدو من بدايته، ومن الموقف السياسي المرتبط به، خارج تلك السردية المألوفة منذ بدايات النكبة. بحيث ان موسكو تدّعي انها لا تفعل سوى تنفيذ «اتفاقات تسليحية» قديمة، وترسل «خبراء» و»استشاريين» و»تقنيين» لمواكبة التسليح الذي يتم استناداً الى تلك الاتفاقات، لكنها في المقابل تقول بوضوح ان الأسد يجب أن يبقى في مكانه، وان جيشه هو الوحيد المؤهل لمقاتلة «الارهاب الداعشي»، أي انها تناقض الاستراتيجية الغربية، وتجهر بالاستفزاز المباشر لكل دعاة «الحل» وفق آلية «جنيف واحد»، مثلما تشهر العداء لغالبية السوريين والعرب والمسلمين، عندما لا ترى في ما يجري، إلاّ «محاربة للارهاب» وتتماهى في ذلك مع الموقف الأصلي للطغمة الأسدية ولحلفائها الايرانيين الذين لا يجدون في ثورة السوريين سوى «عصابات تكفيرية وارهابية». لكن لأن ما فعلته وتفعله موسكو أكبر من المعطى السوري، فإن جرس الانذار بدأ يدقّ بصخب في غرف القرار الأطلسية، وعند مستر أوباما وادارته! وذلك أمرٌ يجب أن «يُشكر» عليه الروس أولاً وأساساً! إذ ليس قليلاً على الاطلاق، أن تعود واشنطن لمواكبة تفاصيل النكبة السورية الى حدّ، إصدار بيان عن ست دبابات نشرتها موسكو في أحد المطارات الأسدية! وهي التي لم ترَ على مدى أربعة أعوام ونصف العام ستمئة ألف قتيل وجريح سوري، وملايين المنكوبين من ممارسات الطغمة الأسدية وداعميها! رُبّ ضارّة نافعة.. شكراً رفيق بوتين!