سلام حرب:علي مملوك مجهول مكان الاقامة/ماجد كيالي: أبو عدس وأبو ترابه/حسان حيد: دولتان جديدتان في الخليج

464

 أبو عدس وأبو ترابه
ماجد كيالي/النهار/10 أيلول 2015

يذكّر شريط الفيدو الذي تبنّى فيه “ابو ترابه” جريمة اغتيال الشيخ وحيد البلعوس وعدد من “مشايخ الكرامة” الدروز، في السويداء، اخيرا، بشريط “ابو عدس” الذي تبنى فيه جريمة اغتيال رفيق الحريري، قبل عشرة أعوام، إذ كان حظ الشريط الأخير من التصديق مثل حظ الأول؛ على ما فيه من سذاجة واستخفاف بالعقول. الفكرة هنا أن هذا النوع من العمليات الاجرامية يذكرنا باغتيالات اخرى، ضمنها اغتيال كمال جنبلاط، وحسين مروة ومهدي عامل وسهيل طويلة، وبعدهم جورج حاوي وسمير قصير وجبران تويني، مثلا. بل ان ذلك يذكّر، أيضاً، بالحوادث الغريبة التي اودت بحياة محمود الزعبي رئيس وزراء سوريا الأسبق، وغازي كنعان وزير الداخلية السوري الأسبق، ورستم غزالي أحد اهم المسؤولين الأمنيين في سوريا، مرورا بالتفجير الذي اطاح ما يسمى خلية الازمة (قبل ثلاثة أعوام)، والذي اودى بحياة، مجموعة مهممة من اعمدة النظام، منهم حسن تركماني، وداود راجحة وآصف شوكت، وهشام الاختيار. الفكرة الثانية، ان هذه العملية تأتي في الاطار ذاته لهندسة الصراع السوري، على اعتباره حربا ضد الارهاب، أو حربا بين الطوائف، وحتى اختزال القضية السورية باعتبارها مجرد قضية انسانية او قضية لاجئين. وكي ندرك حقيقة ما جرى، وفقا لسياقه السياسي، مفيد ان نعرف بأن الشيخ البلعوس بات مصدر تعب بالنسبة للنظام، إذ انه خرج عن الإطار المسموح به، وفقاً للهندسة المطلوبة، بعد أن بدأ يأخذ طائفة الموحدين الدروز في سوريا في اتجاهات اخرى مغايرة. فهو مثلا، لم يستجب لمحاولات النظام إدخال أهالي السويداء في صراع ضد اهالي درعا، وطالب الشباب الدروز بعدم الانضمام إلى الجيش، بل انه منع جيش النظام، قبل اسابيع، من اخراج الاسلحة الثقيلة من السويداء. ومفهوم ان هذه التوجهات لا تصل الى حد القطيعة مع النظام، او اعلان الثورة او التمرد، إلا انها ليست مريحة له، كونها تحرمه من الوصاية على احدى الطوائف، وتقوض صدقية الصورة التي يروجها عن ذاته باعتباره حامي الطوائف او حامي الاقليات. على اية حال فإن هذا الحدث لابد ان يكون له ما بعده، إذ أن هذه الجريمة اشعلت مدينة السويداء، حيث هاجم شبابها المقرات الامنية للنظام، وقاموا بتحطيم تمثال حافظ الأسد، في حين قام النظام، من جهته، بقطع الطرق الى المدينة، وقطع الاتصالات معها، وضمن ذلك قطع شبكة الانترنت. حتى الآن، ما زالت محافظة السويداء تخضع لنوع من التعتيم الشامل، ولا احد يعرف ما الذي يجري، ولا التكهن إلى أين ستذهب الامور. ومثلا، هل سينجح النظام باخضاع اهالي السويداء؟ ام هل سينجم عن ذلك تسوية ما؟ أم أن الأمور ستخرج عن السيطرة؟

علي مملوك” مجهول مكان الاقامة…عنجد اللي استحوا ماتوا!
سلام حرب/موقع 14 آذار/09 أيلول/15

في شباط 2013، أصدر قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا مذكرة توقيف غيابية في حق المسؤول الأمني السوري علي أحمد نزهت مملوك على خلفية محاكمة ميشال سماحة المتهم بالتحضير لسلسلة تفجيرات تطال المواطنيين اللبنانيين وشخصيات سياسية ودينية. وكان على الدوائر القضائية في البلدين القيام بتبليغ المذكرة أعلاه والدعوى إلى الشخص المعني أي مملوك ولكن أسباباً قضائية وسياسية وأمنية حالت دون ذلك التبليغ ما أدى إلى فصل الخصومة في هذه القضية إلى الى خصومتين الاولى بين الحق العام وعلي مملوك والثانية بين الحق العام وميشال سماحة، لتسهيل محاكمة هذا الأخير أمام محكمة العسكرية ريثما يتمّ إبلاغ المتهمين الآخرين أي مملوك ومساعده العقيد عدنان.
وبالعودة إلى الاتفاقية المعقودة بين لبنان وسوريا حول تسليم المجرمين والاحكام القضائية، فإنّ الاتفاقية تشير إلى أنّ تبليغ المذكرة القضائية الواردة في الفصل الثالث من المادة 24 الى المادة 30 يجب أن يتمّ وفق إجراءات معينة وهي لا تنطبق على حالة مملوك بل في الواقع تؤمن له عملياً الحماية. فعلى سبيل المثال، المادة 25 أن التبليغ يجري من خلال الطرق القضائية مع البيانات اللازمة المتعلقة بهوية الشخص مثل اسمه ولقبه ومهنته ومحل اقامته على مرتين اثنتين في حال عدم وصل البلاغ في المرة الأولى. كما تتيح المادة 27 امكان التبليغ بواسطة البريد. كما تذكر المادة 28 أنه لا يجوز للدولة المطلوب اليها التبليغ (أي سوريا في هذه الحال) أنم ترفض إجراءه إلا في الأحوال التي يخشى معها أن ينشأ من إجرائه إخلال بالأمن.
وتشير مصادر قضائية في وزارة العدل أنه من سخريات القدر أن يكون بند “محل الاقامة” الخاصة باللواء علي مملوك هو مجهول. وقد حال ذلك دون تبليغه المذكرة القضائية خصوصاً أنّ عنوان مملوك ليس معروفاً (أو بالحري ليس مجاهراً به للملأ) وكذلك فإن البريد في لبنان لا يمكن أن يرسله إلى سوريا من دون عنوان. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هناك امكانية قائمة هي التذرع السوري بالمادة 27 من اتفاقية تسليم المجرمين والاحكام القضائية المذكورة أعلاه.
وتضيف هذه المصادر أنّه إلى جانب هذه الذرائع الشكلية وعلى أهميتها هناك أسباب سياسية وأمنية جوهرية تحول دون تبليغ السلطات اللبنانية لمملوك بالمذكرة القضائية ولو لصقاً. فو سلمنا جدلاً أنّه يتعذر تحديد مكان اقامة مملوك، فإنّه من المتعارف عليه أنّ الأجهزة الأمنية في البلدين بامكانها تحديد مكان إقامة أي شخص مطلوب لأي جرم ضمن أراضيها أو ضمن أراضي الدولة المطلوب اليها هذا الشخص خصوصاً أنّه شخص معروف أو على الأقل ضمان تسليمه التبليغ، ولكنها في الواقع تتمنع عن ذلك وبالتالي تسقط هنا حجة عدم معرفة مكان الإقامة. كما توضح هذه المصادر أن من أبرز ما يعرقل التبليغ هو أنّ العديد من الشخصيات والمسؤولين اللبنانيين يجتمعون بشكل دوري مع اللواء مملوك، وينسقون معه في أمور استخباراتية وملفات أمنية ما يدفعهم الى افشال أي محاولة في هذا الإتجاه. وكذلك، هناك عدم التعاون البديهي من قبل الأمن في سوريا في وقت يرأس فيه مملوك مكتب الأمن القومي بعد ترؤسه لإدارة المخابرات العامة السورية لسنوات طوال.
الجدير بالذكر أنّ ظهور علي مملوك بالتلفزيون السوري بعد تضارب عن اختفائه التلفزيون السوري قد سبق له وبث فيديو بتاريخ أيار 2015 يظهر فيه علي مملوك إلى جانب بشار الأسد خلال لقائهم في دمشق مع علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي بمجلس الشورى الإيراني. وقد وضع هذا الظهور بمثابة تكذيب لما نشر في الإعلام أنّ علي مملوك قد تمت تصفيته أو أنّه قيد الاعتقال وتأكيداً على أنّه لا يزال في موقع المسؤولية مع الإشارة أنّها كانت المرة الأولى التي يظهر فيها على الشاشات منذ بداية الثورة في سوريا في آذار من العام 2011. وقد اعتبرت هذه المصادر القضائية أن هذا الظهور الإعلامي في حينها جاء بمثابة إستهزاء من جهة تجاه الشعب اللبناني التي تصدر الأحكام القضائية بإسمه والذي كان المستهدف من العبوات الناسفة التي ارسلها مملوك الى سماحة، ومن جهة أخرى هو تخاذل من جانب السلطات اللبنانية المعنية لعدم القيام باللازم في هذا الاتجاه ولو شكلياً…المثل الشعبي يقول ” عنجد اللي استحوا ماتوا!”.

دولتان جديدتان في الخليج
حسان حيدر/الحياة/10 أيلول/15

من تابع زيارة الملك سلمان الناجحة بكل المقاييس إلى واشنطن، ونموذج المفاوض الواثق الذي قدمه، والنتائج الهائلة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً التي توجت محادثاته، ومن شهد كيف نجحت الإمارات في استيعاب صدمة سقوط شهدائها على الأرض اليمنية، ومواصلة التزامها الدفاع عن الأمن الخليجي، استنتج بلا شك أن هناك دولتين «جديدتين» في الرياض وأبو ظبي، كسرتا بطريقة تعاملهما مع الوقائع من حولهما ومع العالم الأوسع، الصورة النمطية عنهما في الإعلام والأذهان. ففي المحادثات التي جمعته بالرئيس الأميركي باراك أوباما، خاطب ملك السعودية واشنطن باللغة التي تفهمها، أي لغة المصالح، منطلقاً من وجود قواسم مشتركة كبيرة في السياسات العامة بين البلدين، على رغم بعض التباين في وجهات النظر من بعض قضايا المنطقة. وإذ عرض الملك سلمان على رجال الأعمال وممثلي الشركات الأميركيين استثمارات تقارب قيمتها تريليوني دولار، إنما قال لهم ما معناه: إذا كنتم تريدون العقود المجزية للطرفين فهي عندنا، وإذا كنتم تبحثون عن الاستقرار الذي يخدم استثماراتكم فهو لدينا، وإذا رغبتم في التعامل مع دولة راسخة وجدية فهي قائمة على أرضنا.
لكن ما لم يقله الملك وفهمه الأميركيون أنه إذا أردتم الذهاب إلى إيران والتعامل مع دولة صلاحياتها موزعة على مراكز القوى، وفيها رؤوس ثلاثة تتنازع السيادة والقرار، أي الولي الفقيه والحرس الثوري والرئيس وحكومته، فالخيار لكم، ونحن لدينا أكثر من بديل، وعلاقاتنا جيدة مع أوروبا وروسيا والصين. أما في السياسة، فأظهر المفاوض السعودي نضجاً في تكريس حق الاختلاف. وهذا النضج السياسي اعتمدته الرياض «الجديدة» بنجاح في علاقاتها الإقليمية في الفترة الأخيرة، وخصوصاً مع مصر التي قد تختلف معها في تفاصيل الموقف من نظام بشار الأسد على سبيل المثال، لكنها تغلب المصالح الاستراتيجية مع القاهرة. والأمر نفسه طبقته المملكة مع الشقيقة الصغرى قطر، فعاودت احتضانها بعد فتور. فبعدما أفهم السعوديون العالم أجمع بأن البحرين خط أحمر، عبر إرسال قوة رمزية للمساعدة في ضمان الأمن، وان المنامة ليست متروكة لحالها في مواجهة ازدياد العنف والتحريض عليه، اضطروا إلى التحرك بخطوات أكبر بكثير في اليمن بعدما تخطى التسليح الإيراني لجماعة «الحوثي» كل الحدود، وباتت صواريخهم المنصوبة عند تخوم المملكة والتي يقال إن مداها يبلغ ألفي كيلومتر، تهدد ليس فقط الرياض وجدة ومكة، بل أيضا أبو ظبي ودبي والدوحة. التضامن الخليجي المكرس في حرب اليمن أثبت أن مجلس التعاون ليس هيكلاً مشلولاً بالبيروقراطية والخلافات الصغيرة، بل جسماً فاعلاً قادراً على الرد عندما يتهدده خطر ما في شكل جماعي، أو يحيق بإحدى دوله.
والإمارات التي دعت وعملت دوماً، وما زالت، من أجل حل سياسي في اليمن، وجدت نفسها مضطرة الى خوض حرب قاسية هناك، لأنها شعرت بالتهديد المباشر لأمنها، ولأنها تؤكد بذلك حقها في مواصلة المطالبة بجزرها الثلاث التي تحتلها إيران. وقناعة أبو ظبي بصحة موقفها مكنتها من التعامل بشفافية تامة مع قضية شهدائها هناك، متخطية بسرعة صدمة العدد الكبير نسبياً، ومؤكدة بأن الدماء الغالية ثمن عادل للحفاظ على المستقبل.