إياد أبو شقر: أيها السوريون أين المفرا لبحر من ورائكم والعدو أمامكم/محمّد علي مقلّد: خريطة طريق للربيع اللبناني/الياس حرفوش: قاتل آلان قتل حمزة أيضاً

484

 أيها السوريون.. أين المفر؟البحر من ورائكم والعدو أمامكم
إياد أبو شقرا/الشّرق الأوسط/06 أيلول/15
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يكلّ ولا يملّ.
ما زال بوتين يروّج لسوريا يبقى فيها بشار الأسد ومن هم وراء بشار الأسد «جزءًا من الحل»، مع أن الحل الوحيد الذي سعى إليه رأس نظام دمشق لمحنة سوريا المتفاقمة منذ مارس (آذار) هو الهروب إلى الأمام، نحو مزيد من القتل والتدمير والتفتيت. المصير الذي اختاره النظام منذ اليوم الأول للانتفاضة الشعبية تجلى، خلال الأيام الأخيرة فقط، بأوضح صورتين، فإما القتل تفجيرًا كما حدث للشيخ وحيد البلعوس قائد انتفاضة السويداء، أو موت الهاربين واللاجئين غرقًا كحال الطفل إيلان وشقيقه وأمه. وفي هذه الأثناء، تمعن إيران في التغيير الديموغرافي، ويحصد زارعو «داعش» ثمار ما زرعوه سحقًا ومحقًا للماضي والحاضر والمستقبل. محنة عائلة إيلان هزّت الرأي في الغرب، وكان لا بد لها أن تفعل. ففي بريطانيا تحاشت الصحف الوطنية الكبرى، باستثناء «الإندبندنت» نشر صورة إيلان، ابن الثلاث سنوات، على صفحتها الأولى بعدما لفظته أمواج البحر على الشاطئ التركي في أعقاب موته غرقًا. وفضّلت معظم الصحف استخدام صورة للطفل الغريق أقل دراماتيكية وصدمًا يبدو فيها محمولاً على ذراعي أحد المنقذين. ولكن مع هذا، بلغ تأثر الشارع البريطاني حد ذوبان تشدّد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون إزاء موضوع اللاجئين السوريين! في أوروبا، عمومًا، كان للمشهد المأساوي مدعومًا بالطوفان البشري عبر الأسلاك الحدودية الشائكة في المجر ودول البلقان تداعيات مماثلة، على الرغم من التصريحات الطائفية المخجلة لرئيس وزراء المجر اليميني فيكتور أوروبان، وعلى الرغم من الخلط بين كلمتي «اللاجئون» و«المهاجرون».. وهو خلط كان في بعض الأحيان متعمدًا عند الأوساط المتشددة تقليديًا في مسألة «الهجرة الاقتصادية».
في مطلق الأحوال، جرى استيعاب الصدمة بتسهيل الكثير من الدول الأوروبية دخول اللاجئين السوريين إليها، مع أن العدد بات يقدّر اليوم بمئات الألوف. ومؤقتًا على الأقل، صمتت الأصوات العنصرية والمعادية للأجانب، تاركة «عاصفة إيلان» تمرّ، بأمل أن يحمل الغد معطيات مغايرة. ثمة قوى طالبت بما هو أكثر من مجرد تسهيل دخول اللاجئين واحتضانهم، وبالأخص، إثر مقارنة ما يحصل اليوم للسوريين مع محنة اليهود إبان «المحرقة» النازية. غير أن قوة الدفع ما زالت دون المطلوب على صعيد العلاج الشافي والحاسم. فمحنة اليهود إبان الحقبة النازية لم تُحَل إلا بعد إسقاط النازية، ومحنة السوريين مع النظام المتسلط عليهم والذي تسبب في تلك المحنة، لا يمكن أن تحلّ جذريًا ولن يتوقف مدّ اللجوء، كما لن تتوقف الويلات والمعاناة في الداخل السوري، إلا بإسقاط ذلك النظام.
هذه هي الحقيقة بكل بساطة. إن قبول اللاجئين السوريين في الدول التي نجحوا في بلوغها أحياءً أمر ضروري وواجب إنساني، بيد أن للأزمة بعدًا سياسيًا. وهذا يعني وجوب معالجتها سياسيًا بدلاً من تحويلها إلى أزمة إنسانية بحتة يكتفي العالم بالتعامل معها كما لو كانت مجاعة أو زلزلاً أو فيضانًا أو غيرها من النكبات الطبيعية. ما يعاني منه الشعب السوري أزمة سياسية في المقام الأول، وعليه فالحل يجب أن يكون سياسيًا. وهذا يستوجب إبعاد السبب.. أو المتسبّب، كمقدمة ضرورية للانخراط في مسار سياسي متكامل، يهدف أولاً إلى إعادة بناء سوريا وما تبقى من لحمتها الوطنية، وثانيًا، لتسهيل مكافحة ظاهرة الإرهاب والتطرّف التي نشأت أصلاً كردة فعل على الظلم والقهر قبل أن تجد جهات مشبوهة رعتها وتعهدتها واستغلتها لغايات خبيثة.
إن الاكتفاء بقبول اللاجئين بينما يمارس «الحرس الثوري الإيراني»، بمقاتليه من مختلف الجنسيات، التطهير المذهبي، ثم يفاوض على إجراء تبادل سكاني، كما يحصل في الزبداني ومحيطها بمنطقة وادي بردى وفي الجيوب الشيعية بشمال سوريا (الفوعة وكفريا ونبّل والزهراء)، يعني عمليًا مساعدة نظام الأسد و«حاضنته» سلطات طهران على تنفيذ مؤامرة تقسيم سوريا. ثم إن الإصرار الغربي – وبالذات الأميركي – على رفض إنشاء «ملاذات آمنة» في شمال سوريا وجنوبها يصب في هذا الاتجاه تمامًا لأنه يطيل أمد المواجهات الفئوية، ويغذّي التطرّف، ويسقط يومًا بعد يوم القواسم المشتركة المطلوبة للتعايش بين المكوّنات السورية. في الشمال، بعدما دعمت واشنطن الميليشيات الكردية وأعانتها على السيطرة على معظم المنطقة الحدودية مع تركيا من شرقي القامشلي شرقًا إلى عين العرب غربًا، ها هي الخطوات تتعثر في القطاع الفاصل بين جرابلس وعفرين، ويُترك هذا القطاع عرضة لهجمات «داعش» بعدما قيل غير مرة أنه سيُعلَن «ملاذًا آمنًا» يحمي حلب وريفها، ويحول دون وصل منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية بالمناطق الكردية الأخرى في الشمال السوري.
أما في الجنوب، إذ انطلقت شرارة الانتفاضة الشعبية في مارس 2011 من مدينة درعا، فلا مؤشرات البتة على وجود نية حقيقية عند المجتمع الدولي في ضبط جيو – سياسي على الرغم من الأهمية السياسية لهذه المنطقة. ففي الجنوب، هناك الوجود الإسرائيلي في الجزء الجنوبي الغربي من هضبة الجولان، وهناك العمق الأردني لحوران التاريخية حيث تنقسم العائلات وتنتشر العشائر نفسها على جانبي الحدود السورية الأردنية. ثم هناك في محافظة السويداء (جبل العرب) أكبر تجمّع للموحدين الدروز في العالم، وكانت بعض قراهم قد تعرضت لتهديد «داعش» الذي اقترب من المنطقة عبر الصحراء وما زال يحاول احتلال محافظتي السويداء ودرعا، من دون أن يتصدى له النظام السوري ببراميله المتفجرة.. التي يخصّصها فقط لأحياء مدينة درعا وبلدات محافظتها. ولا ينفصل اغتيال الشيخ البلعوس، قائد «مشايخ الكرامة» الدروز، المناهضين للنظام، عن مشروع الفتنة السنّية – الدرزية الذي يعدّ له النظام في الجنوب السوري، مع استغلال «داعش» الذي كان قد طرد من درعا، وينوي العودة إليها للتخفيف عن قوات النظام المحاصرة هناك.
ورحم الله طارق بن زياد الذي قال: «أيها الناس أين المفر؟ والبحر من ورائكم والعدو أمامكم»؟

خريطة طريق للربيع اللبناني
محمّد علي مقلّد/المدن/السبت 05/09/2015
استعاد اللبنانيون الوجه المشرق للوطن، والوجه المشرق للنضال. لم يعد النضال مدفوعاً وممولاً، ولا وسائل النقل مؤمنة ولا جرى تحضير الحشود بمكبرات الصوت والتكليف الشرعي. الشعب اللبناني خرج إلى الساحات. تداعى. صوت داخلي دفعه إلى المشاركة الكثيفة في ساحتي الشهداء ورياض الصلح. ثلة من الشجعان أطلقوا الصرخة، وكانت الحناجر كلها تنتظر تلك اللحظة لتشاركهم الصرخة معلنة قيامة الوطن واستعادته من مغتصبيه. اللبنانيون استعادوا الوجه المشرق للثورة. الثورة الحقيقية هي تلك التي تصنع التغيير من غير سلاح ومن دون مسلحين وشبيحة وميليشيات. بقايا تلك المرحلة الكالحة من حياة لبنان بدت معزولة وصغيرة وحقيرة ومرذولة. وجه لبنان الجديد هو وجه الشجعان الذين أعلنوا عزمهم على استعادة الصورة الجميلة للوطن، “وطن النجوم أنا هنا ، حدق أتعرف من أنا؟ ” . نعم. الشاعر إيليا أبو ماضي، كأنه نادى كل فناني لبنان فاستجابوا وملأوا الساحات والشاشات ورسموا صورة لبنان الحقيقية بديلا من صورة حزينة ومقرفة ومخجلة لسياسيين شوهوا التاريخ الناصع لوطن الأرز، فحولوه من درة الشرق وجامعة الشرق ومستشفى الشرق ومكتبة الشرق إلى مكب للنفايات. نزل اللبنانيون إلى الساحات متفقين على التشخيص ذاته لأمراضنا. العلة في الطبقة السياسية الحاكمة، التي حولت الدولة إلى مزارع والقطاع العام إلى محميات خاصة، واستولت على السلطة وانتهكت الدستور وعطلت بعض المؤسسات ودمرت بعضها الآخر وتحاصصت ثروة البلاد البشرية والمالية وتاجرت بالطوائف وعقدت الصفقات باسمها واستخدمتها وقوداً في حروبها ، وفرطت بالسيادة الوطنية ونهبت المال العام وعممت سياسة الفساد والافساد وشرعت لها( كلفة الفساد السنوية 8 مليارات دولار).
أوجاع اللبنانيين كثيرة آخرها كانت قضية النفايات، لكن الحل واحد. الاصلاح السياسي. كل حل موضعي أو جزئي من غير الاصلاح السياسي هو بمثابة مسكنات، قد تبدو ضرورية وملحة في لحظتها، لكن الحل السياسي هو المطلوب.
ثورات الربيع العربي قامت تحت شعار ” الشعب يريد إسقاط النظام” ، وخريطة الطريق التي رسمتها كل منها هي دستور وانتخابات وديمقراطية وتداول سلطة. نجاح نسبي في تونس ومصر وتخبط في ليبيا وسوريا واليمن. والتخبط سببه انهيار الدولة أو الخوف من انهيار الدولة. خريطة الطريق اللبنانية قد تبدو أكثر سهولة لأننا بلد الدستور الأول في العالم العربي، لكنها ربما تكون أكثر كلفة. لأن المؤتمنين على الدستور هم أول منتهكيه، ولأن المطالبين بالاصلاح هم المفسدون الفاسدون، ولا سيما بعد أن تلقح النظام اللبناني بفيروسات العروبة وصار يتأرجح بين نظام الوراثة وتداول السلطة، بين الدستور وتعليق الدستور، بين القوانين والأحكام العرفية. لذلك بات على أهل الانتفاضة اللبنانية الشجعان أن يدرسوا خطواتهم ويرسموا خارطة طريقهم بعناية وإتقان .
إذا كان مستحيلا التوصل إلى أي حل من غير إصلاح سياسي، فإن المهمة الأولى أمام الربيع اللبناني هي حماية الدولة من الانهيار. لكننا ، لنعترف، نحن أمام مأزق. الدولة هي الدستور والمؤسسات والقوانين، وسلطة الدولة ليست واحدة بل سلطات موزعة بين التشريع والقضاء والحكومة، وسلطتها هي سيادتها، وسيادتها ليست شيئا آخر غير سيادة القانون داخل الحدود وعلى الحدود.مأزقنا يتمثل في أن علينا أن نحمي كل سلطات الدولة وأن نواجه واحدة منها هي السلطة الحاكمة . مهمتنا في حماية الدولة من الانهيار كمهمة الجراح الذي عليه أن ينتزع الشوكة من العين من غير أن يؤذي العين. مهمة الربيع اللبناني محددة بدقة، إنها الضغط السلمي على السلطة الحاكمة لتحقيق الاصلاح ومحاربة الفساد. ضغط متواصل في كل الساحات والشوارع وفي كل المدن والقرى، وأمام مقرات الأحزاب والمؤسسات وبيوت المسؤولين، وفي كل المرافق المعرضة للنهب والسرقة، في المطار والمرفأ والأملاك البحرية. ضغط متواصل ومتنقل على كل مسؤول يعطل أو يشارك في تعطيل الدستور والمؤسسات، وعلى النواب في البرلمان وفي مكاتبهم وبيوتهم ليقوموا بواجبهم الدستوري وينتخبوا رئيساً للجمهورية، ويعدلوا قانون الانتخاب التزاماً بأحكام دستور الطائف. ضغط متواصل طويل النفس يستأصل شوكة الفساد ويحقق الاصلاح السياسي ويعيد بناء الدولة والوطن ويعلن قيام الجمهورية الثالثة.

 قاتل آلان قتل حمزة أيضاً
الياس حرفوش/الحياة/06 أيلول/15

ليس آلان أول طفل سوري يذهب ضحية الكارثة التي حلّت ببلده، ومع الأسف لن يكون الأخير. وإذا كانت صورة هذا الطفل على الشاطئ التركي قد هزّت العالم واحتلّت صدر الصفحات الأولى من الصحف، فإن أطفالاً كثراً في سورية ماتوا ويموتون كل يوم، ولا يثير موتهم قلق العالم ولا يحرّك ضميره، لأنه لا يرى صورهم في صحفه وعلى شاشاته، أو لأنه يفضّل تجاهل هذه الصور إذا كانت ستدفعه الى قرار سياسي يتجاوز تحرّك الضمير. جيد أن يقلق الغرب بعد موت هذا الطفل بالصورة المفجعة التي شاهدناها، وأن يبادر باندفاع إنساني، الى فتح أبواب دوله لاستقبال عدد أكبر من الهاربين من الحرب السورية والحروب الأخرى وسائر المجازر التي تُرتكب في منطقتنا من دون حساب. لكن لهذه الهجرات والكوارث والمجازر أسبابها، ولو اهتمّ الضمير الغربي بهذه الأسباب منذ البداية لما كان مضطراً اليوم الى مواجهة هذه النتائج. أمام مسلسل المأساة السورية، وقف الغرب متفرجاً. وبين الشلل الغربي والانتهازية الروسية والدعم الإيراني للنظام، طالت المأساة. وما جثة الطفل آلان الممددة على الشاطئ إلا واحدة من النتائج. مثل آلان ابن كوباني، مات الطفل حمزة الخطيب ابن بلدة الجيزة في محافظة درعا. لم يذهب حمزة ضحية أمواج البحر التي قذفت جثّته الى الشاطئ، بل مات تحت تأثير التعذيب الذي ارتكبته عناصر أمنية مجرمة بأوامر من نظام بشار الأسد. أحرقت جسده وكسرت رقبته وقطعت عضوه التناسلي، وهو ابن الحادية عشرة. هل يكفي تبريراً لصمت ضمير العالم أنه لم يرَ صورة جثة حمزة الخطيب على شاشاته ولهذا لم يتحرك؟! صحيح أن صورة آلان الكردي حرّكت القلوب وأظهرت للعالم حجم الكارثة الواقعة على السوريين، والتي تدفع عائلاتهم الى المخاطرة بكل شيء، بما في ذلك حياتهم، من أجل ترك بلدهم بحثاً عن مستقبل أفضل… وأي مستقبل سيكون أفضل لهم من البقاء تحت «رحمة» النظام السوري. وصحيح أن صورة هذا الطفل أظهرت لنا مجدداً أن الغرب أكثر رقياً من مجتمعاتنا في التعاطي مع الكوارث البشرية وفي احتضان ضحاياها. ومع أن بعض الأصوات الناشزة ارتفعت في أوروبا (كما من رئيس حكومة المجر أو من حكومة سلوفاكيا) تدعو الى استقبال اللاجئين المسيحيين فقط، فإن هذه الأصوات أثارت اشمئزازاً من جانب سائر الحكومات الأوروبية قبل أن تثير انتقاداتنا، واعتبرت مناقضة للقيم التي يحترمها الاتحاد الأوروبي ويدافع عنها. هل نستطيع أن نقول الشيء نفسه عن احترام هذه القيم الإنسانية من جانب حكوماتنا وفي مجتمعاتنا؟ كان التعاطف مع موت آلان عفوياً شعبياً وإعلامياً في الغرب، اضطر القادة والسياسيون الى تعديل قراراتهم للتجاوب معه. غير أنه في مقابل هذا التعاطف، وجد البعض فرصاً للمتاجرة بمأساة الطفل. هناك من اعتبرها مناسبة لانتقاد الحكومات الغربية لأنها تتعامل «بطريقة مخزية» مع اللاجئين. كلام لا يمكن تقدير درجة وقاحته إلا عندما نعرف أنه صادر عن النظام السوري، المسؤول عن استمرار هذه المأساة. أما على الجانب الآخر، فقد وجدها رجب طيب أردوغان فرصة للتشفّي، فاعتبر أن الحكومات الغربية حوّلت البحر المتوسط الى «مقبرة للاجئين»، متناسياً أن حكومته تتحمّل مسؤولية لا بأس بها عن حرب كوباني، التي جاء منها هذا الطفل، لتصفية حساباتها مع الأكراد. وفي مقابل ردود الفعل هذه، كان كلام ابراهيم، والد آلان، مدوياً ببساطته، إذ تمنى أن تكون صورة جثة ابنه كافية لوقف مأساة بلده، قبل أن تقضي على أطفال سورية الباقين.