علي حماده: كي ينجح الحراك الشعبي/أسعد حيدر: إسقاط النظام حالياً ينهي لبنان/حازم الامين: مقتل رجل داعش» الثاني: عودة إلى لحظة التوحش البعثية

293

كي ينجح الحراك الشعبي
علي حماده /النهار/29 آب 2015

اذا كان للحراك الشعبي الذي تقوده مجموعة متنوعة من الجمعيات الاهلية والتجمعات المستقلة ان يؤدي الى تغيير فعلي في البلاد، فعلى هذا الحراك ان ينحو نحو التجمع تحت مظلة ائتلاف اهلي مدني، يقدم في الوقت الحاضر موضوع ازمة النفايات وحلها على بقية العناوين الفضفاضة التي تحفل بها الساحة. نعم، على الساحة ان تكون فضفاضة في ابتكاراتها لوسائل الاعتراض والاحتجاج والتعبير، وعليها ان تكون خلاقة لاجتذاب اللبنانيين بشكل عابر للطوائف. لكن في الغرف المغلقة والاطر التنظيمية التي لا بد من ايجادها وتطويرها، لا بد من عناوين واضحة، هادفة، والاهم ان تكون موحدة. فلا قيمة لاي حالة احتجاجية مهما كبرت وتوسعت افقيا ان لم تتحد تحت برنامج واضح وخريطة طريق للبعد المطلبي الاجتماعي. فالشعار الموحد القابل للتحقق هو المطلوب رفعه اليوم من الجميع كي يعرف الناس تمامل لماذا سينزلون اليوم الى الساحات، ولماذا سيواصلون النزول في الايام و الاسابيع القادمة. ونضيف ان اكبر خطر على الحراك الشعبي مصدره التخبط في مقاربة البعد السياسي. بمعنى آخر ان تحول الموقف ازاء المسألة السياسية (حكومة، انتخابات رئاسية ونيابية… الخ) الى سوق عكاظ على النحو الحاصل سيؤدي الى تشتت الجهد وتشتت الناس معهم. طبعا، لا يسع الحراك الشعبي المدني الذي يعكس واقعا مأزوما حقيقيا ان يستمر طويلا وبما يكفي لاحداث نقلة في البلد، اذا ما اختُرق امنياً كما حصل ليل الاحد الفائت، وفي اليوم التالي ايضاً. فإذا بقيت الساحات مشرعة وسهلة الاختراق من رعاع منظمين، سيصبح الحراك رهينة العنف في الشارع الذي لا يمكن ان يخدم فكرة النزول الى الشارع بتظاهرات سلمية متدحرجة حجما. وعلى هذا المستوى، فإن القوى الحزبية المنظمة والمؤطرة والمتكئة على عصبية طائفية حقيقية لم تتراجع كما يتوهم البعض، هي التي تستعيد المبادرة في الشارع. فحذار الشارع المنفلت، لان الانفلات يحرف الانتباه عن الازمة الاجتماعية. ثمة نقطة جوهرية لا بد من التنبه اليها، وهي ان على القوى المنظمة للحراك الشعبي الا تحيّد من يمتلك السلاح من انتقاداتهم، لان البلد لا يزال مطيفا و ممذهبا ومنقسما عاموديا، وخاضعا لمنطق الصراع الاقليمي الممتد من اليمن الى العراق وسوريا. لا تظنوا ان تظاهرة مهما كانت كبيرة اليوم ستدفن الاحقاد والانقسامات الراسخة في عمق التركيبة اللبنانية. فإن لم يكن من وضوح في الموقف رافض لمنطق الدويلة والسلاح غير الشرعي والحروب المستولدة داخليا و خارجيا، فإن “الربيع اللبناني الثاني” سيبقى مجرد حلم عابر، فلا اصلاح حقيقيا بظل دويلة فوق الدولة، وجيش فوق الجيش، وسلاح فوق القانون والتوازنات الدقيقة . على الناس ان ينزلوا الى الساحات للتعبير عن وجعهم ورفضهم للواقع السيئ، لكن لا بد من توحيد العناوين ومنع اي اختراق يحول الحراك الى مطية لاجندات اخرى. وقد قيل “ليس المهم من اين تيت، بل المهم الى اين انت ذاهب”! فلننتظر ونر!

إسقاط النظام حالياً ينهي لبنان!
أسعد حيدر/المستقبل/29 آب/15

من أعاجيب هذا الزمن الرديء ومهازله، أن اللبنانيين يريدون إسقاط النظام اللبناني، وأن معظم العرب في الدول العربية «الجريحة»، يريدون «لبننة» نظام دولهم، ليخرجهم من الحروب والصدامات التي دمرتهم ودمرت بلادهم. لا شك أن الفراغ السياسي الذي طال إلى جانب الفساد الذي تعمّق وتجذّر لدى جميع الطبقات والمرافق، والأزمات المعيشية اليومية، التي تهدد بإدخال لبنان خانة الدول الفاشلة، كل ذلك ولّد حالات من الإحباط واليأس، تسمح بالتعلق بـ»حبال الهواء»، طلباً للخروج من كل هذا الوضع الذي لم يعشه اللبنانيون حتى في عز الحرب الأهلية بكل تفاصيلها الدموية والسوداوية التي مهما كانت ضخمة وصعبة تكاد تكون «كاريكاتوراً» لما يعيشه السوريون والعراقيون واليمنيون حالياً. شعار إسقاط النظام في لبنان، ليس هو الحل. القوى المستفيدة أو التي تشكل جزءاً أساسياً منه، إلى جانب تداخل كل هذه القوى بالوجود الأجنبي المتعدد الهويات والمصالح والنفوذ، لن تسمح بذلك. ولو كانت تريد او يمكنها على السواء ذلك، لوجدت أو شاركت في صياغة الحل الذي يخرج لبنان من حالة الفراغ والعجز عن إيجاد حل لمشكلة مثل «الزبالة» وقبلها الكهرباء والماء.
القوى الوحيدة التي تريد الحل هي القوى المدنية التي لم تدخل «طاحونة» النظام ولم تصبح بعد «برغياً» في آلته. لكن المشكلة أن هذه القوى ما زالت «وليدة» لم تتشكل بعد ولا تملك ما يجعلها تقف وتواجه من دون أن تخترق وتحترق.
هل يعني كل ذلك إعلان وفاة مبرمجة للبنان على وقع القضاء والقدر؟ من الواضح حتى الآن، أن لا احد يريد من القوى اللبنانية الأساسية بما فيها «حزب الله» وفاة لبنان، كذلك القوى الإقليمية والدولية تعمل منذ عشر سنوات، وباندفاع وقوة أكبر منذ أربع سنوات على منع «اغتيال» لبنان عبر دفعه إلى داخل «دوائر النار» الكامنة والمشتعلة. لكن بين منع لبنان من الموت وإيجاد الحلول مسافة كبيرة جداً تحددها التطورات الإقليمية والدولية.
انتهى الغموض الذي يلف «طاولة المفاوضات». بعد أربعين يوماً سيوقّع الاتفاق الإيراني الأميركي ويتم اختبار الإرادات السياسية. من دون الدخول في التفاصيل لأن «الشياطين» تكمن فيها. إيران تريد بعد أن استحوذت على الوجود في أربع عواصم عربية بقوة التدخل السلبي المباشر وبالوكالة، تثبيت هذا الوجود، المشكلة في «النسب» التي ستحصل عليها سواء في سوريا او لبنان والعراق واليمن. كل شيء خاضع للمفاوضات، التي تحدد موازين القوى والنسب.
سوريا ارض مفتوحة على الصراعات الدموية. من المبكر جداً الكلام فيها عن حل، خصوصاً وان إيران تعتبر سوريا جزءاً من وجودها الاستراتيجي في المنطقة. من الصعب جداً ان لم يكن مستحيلاً ان يصاغ الحل في عهد اوباما الذي لا شك سيكون سعيداً جداً اذا حصل ذلك. معنى هذا ان سوريا معلقة إلى ما بعد ربيع 2017. لبنان هو المعني مباشرة بالخروج من الفراغ في ربيع 2016 في اقصى الحالات، حتى لا يبقى معلقاً بذيل الحل السوري. اسقاط النظام في لبنان ينهي حالياً لبنان. «المؤتمر التأسيسي« لن يقوم ولو ارادته جميع القوى لأن الأساس اتفاق إيران والسعودية من هكذا تشكّل جديد للبنان. باختصار دائماً يعود «القطار» إلى «المحطة» الأولى. السعودية حمت في اليمن حدودها الاستراتيجية وقدمت للعالم «هدية» كبرى هي ابقاء «باب المندب» «باباً» لا تملك إيران ولا غيرها «مفتاحه». «باب المندب» «باب« لكل الدول الكبرى والمتوسطة. مثل هذه «الملكية» تبقى كما هي او تشعل حرباً كونية!. إيران اخذت حقوقها في الملكية النووية. يمكنها ان تقدم «هدية» للعرب وللعالم في تسريع اخراج لبنان من الفراغ وتثبت بذلك انها انتقلت فعلاً من حالة التدخل السلبي إلى حالة التدخل الايجابي. من الأفضل ان يتم ذلك سريعاً لان إيران ايضاً امام استحقاقات داخلية مهمة وحساسة قد تنتج انتقالاً نهائياً إلى حالة الدولة.

 

مقتل رجل «داعش» الثاني: عودة إلى لحظة «التوحش» البعثية
حازم الامين/الحياة/30 آب/15
وسقط ضابط سابق آخر في الجيش العراقي في غارة للتحالف الدولي على موقع لـ «داعش» في الموصل. إنه العقيد فاضل الحياري، الملقب بأبو مسلم التركماني، ووصف أيضاً بأنه الشخص الثاني في التنظيم الإرهابي. إذا أردنا استخدام تقنية الـ «هاش تاغ» تلك التي يُستعان بها اليوم في صحافة الديجيتل لمساعدة «غوغل» في البحث عن الرجل، فعلينا أن نكتب الجملة المفتاح على هذا النحو: #عقيد_داعش_عراق_ بوكة. لقد صارت هذه العبارات من المفاتيح الأساسية في البحث عن تنظيم الدولة. وإذا كان تعبيرا «داعش» و «العراق» بديهيين، فإن تعبير «عقيد» يجب التوقف عنده ملياً، كما يجب التوقف عند تعبير «بوكة»، وهو اسم السجن الذي التقى فيه ضباط الجيش العراقي السابق، وهناك انعقدت رابطة بينهم صارت لاحقاً «داعش».
أما حكاية «العقيد»، فالملاحظة تأخذنا إلى حقيقة أن معظم قادة التنظيم عقداء سابقون، وهي رتبة لم يتجاوزها أحد ممن أدرجوا في هرمية قيادة التنظيم. عقيد في المخابرات العراقية وعقيد في الحرس الجمهوري وعقيد في القوات الخاصة. كانوا عقداء في لحظة انهيار الجيش العراقي وإعلان حله في 2003. وهذا ليس صدفة على الإطلاق. فعمر العقيد في الجيش آنذاك يتراوح بين 40 و50 سنة، وكان هؤلاء في حينه القيادات الوسطية التي تتولى بث توجيهات صدام حسين وتحولاته في العقد الأخير من حكمه إلى قواعد أجهزة السلطة وإلى محيطها الاجتماعي والمذهبي والعشائري. وفي ذلك العقد عصف بعقل صدام المحاصر والمنهك، الكثير من التحولات، وتُوجت بما أطلق عليه «الحملة الإيمانية»، أي ضخ جرعة من «الاسلاموية» في «الروح البعثية» وفي «عروبة» عشائر البادية.
إذاً، قادة «داعش» من عقداء الجيش العراقي المنحل، ليسوا بعثيين بالكامل. البعث لحس بعضاً من عقولهم، لكنه لم يلتهمها كلها، ذاك أنه من المفترض أن يكون هؤلاء في ثلاثيناتهم عندما باشر صدام حسين توجيه البعث إلى الإسلام في التسعينات. ثمة شيء لم يتم الاقتراب منه حتى الآن في تفسير تنظيم «الدولة»، وهو «عروبتها»، وهذه الأخيرة ليست بناء ذهنياً وفكرياً، انما خليط مشاعر وأمزجة وأهازيج وقيم، مضافاً إليها وعي مباشر وغير مركّب بالتاريخ وبالاجتماع. يصاحب هذا كله حس أمني مؤامراتي عال وقدرة هائلة على الذهاب بالعنف إلى أقصاه. وعروبة عقداء صدام حسين التي هذه مادتها، ليست فريدة في تاريخ العروبة، ولطالما لازمها العنف أينما حلت. انقلابات سورية في الخمسينات، ووصول البعث إلى السلطة في العراق عبر سلسلة من عمليات السحل نموذجان عنها، ولا تخلو العروبة الناصرية في تجربتها المصرية من جرعات عنف، وإن كانت أقل عنفاً ومشهدية.
لكن مسرح «العروبة» الذي يتحرك عليه «داعش» أكثر نموذجية في تظهير علاقة التنظيم الإرهابي بقيم العروبة. الأمر بدأ بوجدان بعثي مستقر على بنية عصبوية عشائرية ومذهبية، تم شحنه بعد هزيمة صدام في الكويت بجرعة من الإسلاموية، ثم ألحقت به هزائم متتالية دفعت بميول المؤامرة الأصلية فيه إلى منتهاها. هذا هو معنى أن تكون عقيداً سابقاً في الجيش العراقي. أو هذه هي نواة «داعش». ولم تعد محاولات إشاحة النظر عن ذلك مفيدة. التعرض لـ «العروبة» عبر رد «داعش» إلى شيء فيها يستفز على الأرجح كثيرين ممن لم يهز الزمن عروبتهم. «داعش» سلفية جهادية، و «داعش» مؤامرة، و «داعش» لحظة انهيار كبرى. كل هذا قد يكون صحيحاً، لكن «داعش» نحن أيضاً. قيمنا وخبرتنا وعنفنا وأنماط علاقاتنا. وهو اقترابنا من أنفسنا التي أفسدتها «عروبة» عسكرية عشنا في ظلها عقودنا الأخيرة.
حين نفكر في «داعش» يجب دائماً العودة إلى لحظات التأسيس، وإلى جغرافيا التأسيس وسوسيولوجيا التأسيس. الصحراء المشتركة بين العراق والأردن وسورية. ضباط سابقون في حزب البعث يقودهم في البداية فتوة من صحراء شرقي الأردن، وتضخ لهم الحدود السورية العراقية آلافاً من المتطوعين. البعث ليس وحيداً في هذه الصحراء. قيم البادية مستمرة في تغذية النفوس بتصوراتها، في وقت تنهار فيه دفاعات المدن المتباعدة في صحراء هائلة.
هنا تماماً تقع لحظة الافتراق بين «السلفية الجهادية» وبين تنظيم «الدولة». الافتراق بين أبو محمد المقدسي القادم من «جهادية مسجدية» وتلميذه أبو مصعب الزرقاوي القادم من «جهادية سجنية». السجن هنا بصفته عنصراً «ثقافياً» غير غريب عن خبرات اجتماعية تنعدم فيها الحدود بين السجان والسجين. فالزرقاوي تماماً كما البغدادي كانا نزيليه وفيه تشكلت «جهاديتهما» مثلومة بوعي السجان وعنفه. نعم «داعش» مؤامرة. وهنا علينا العودة إلى وقائع التأسيس والمبايعة. فالسرية والغموض اللذان لابسا خلافة أبو بكر البغدادي يشعرانك أن «مبايعته» حدث بعثي. فنحن حيال هذا الحدث أمام انقلاب يشبه انقلابات سورية والعراق في عقدي تأسيس دولة البعث فيهما. ضباط من رتب متوسطة تولوا تصفية العوائق أمام قدوم الخليفة، وتدبير المؤامرات والوشاية بالأسلاف، إلى أن استقرت لهم «الخلافة». تقول الرواية عن الضابط العراقي السابق حجي بكر الذي قتل بالقرب من مدينة حلب السورية أن الرجل كان «قومياً» ولم يكن إسلامياً، وأنه بنى «داعش» في ريف حلب معتمداً على خبرات حصّلها في الأجهزة الأمنية العراقية. ولم يُعثر في منزله على أثر لممارسته الصلاة. الأمر نفسه تقريباً بالنسبة لأبو مسلم التركماني. عقيدة عسكرية مطعمة بأقدار متساوية من روح البعث وعنف البادية وإسلام «الحملة الايمانية» الصدامي.
واحتاج مثلث الانهيارات هذا إلى شحنة «جهادية» لكي يستقيم سلطة، فأسعفته السلفية بـ «فقه التوحش»، أي الانقضاض على المجتمع في لحظة انهياره وتوحشه. فتتشكل السلطة حينها من عنصري «الانهيار» و «التوحش». وكم يردنا ذلك، وإن على نحو أقل وضوحاً، إلى لحظات أعاد البعث فيها انقضاضه على المجتمعات المحلية.
وأن يحدث ذلك من تلقائه، أي أن تنهار مدينة و «يتوحش» الناس فيها، فهذا ما سبق أن عاينّاه في العراق في 2003 عندما انهار النظام فيه، ولكن أن تتشكل سلطة في لحظة الانهيار ومن مادته، فهنا تكمن العبقرية الشيطانية لضباط البعث.