احمد عياش: حزب الله الأميركي يطوّع لبنان/روزانا بومنصف: إجراءات لتسوية تشتري وقتاً للحكومة إرضاء عون بلا ضمانات لوقف التعطيل/سابين عويس: الحكومة ترتاح وبري ينشط للقاء حواري يحتوي الأزمة

290

حزب الله” الأميركي يطوّع لبنان
احمد عياش/النهار/29 آب 2015
لم يعد خافياً على أحد من المسؤولين أن “حزب الله” بدأ يعد لخطة العودة من الحرب السورية التي دخلت مساراً جديداً بعد الاتفاق النووي بين إيران والغرب. كما لم يعد مهما بالنسبة للحزب ما إذا كانت معارك الزبداني مثلا كانت باهظة التكلفة مما جعل ضحايا الحزب في سوريا يتجاوز حتى الآن الألفيّ قتيل بقدر ما يهمّه، بتوجيه من المرشد الإيراني، حجز موقع ثابت في السيطرة على لبنان تمتد لسنوات مقبلة. كان هناك اعتقاد أن أسبوع النفايات الاسود الذي شهده لبنان منذ السبت الماضي مجرد قضية تحرّك للمجتمع المدني الذي ضاق ذرعا بفشل المعالجة الرسمية لهذا الملف الصحي والبيئي، لكن تداعيات هذا التحرّك أمنيا فتحت الأعين على أبعاد أخرى أبرزها تحضير الارضية لتغيير على مستوى السلطة يبدأ بانتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق معايير تشبه تلك التي كانت تستخدم إبان السيطرة السورية على مقاليد الامور في لبنان بعد اتفاق الطائف عام 1989 ولغاية عام 2005 سنة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. يقول أحد المسؤولين إنه عند احتدام الموقف في الايام الماضية نتيجة اختلاط تحرّك المجتمع المدني بتصعيد العماد ميشال عون حكوميا ورئاسيا ظهر الموقف الاميركي في الاتصالات اللبنانية وكأنه خائف من تكرار تجربة 7 أيار عام 2008 وسيطرة الحزب على مركز القرار في بيروت تحضيرا لانتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق صيغة لا تنتظر معها مؤتمرا في دوحة قطر أو أي بلد آخر في المنطقة. لذلك سارع السفير الاميركي ديفيد هيل الى استباق ضغط “حزب الله” تارة من خلال دعوة الحكومة الى التراخي أمنيا وطورا من خلال التجاوب مع مطلب الحزب في حجز مكان للعميد شامل روكز في قيادة الجيش من خلال ترقيته مع عدد من العمداء الى رتبة لواء. وفي سياق تهيئة الارضية لـ”حزب الله” تجاوب الرئيس نبيه بري سريعا مع طلب الحزب فأقنع الرئيس تمام سلام بتجميد إصدار مراسيم الحكومة التي صدرت من دون توقيع وزراء الحزب و”التيار الوطني الحر” تماما كما فعل الرئيس بري في أعوام الوصاية السورية فتراجع عن قانون قضائي متخطيا مبدأ “المجلس سيد نفسه”. وفي موازاة ذلك كان لافتا أن يعلن وزير الداخلية نهاد المشنوق أن قيادة الجيش ابتعدت عن تلبية طلب حفظ النظام في بيروت خصوصا في التظاهرة المقررة اليوم. ركوب موجة النفايات لأهداف سياسية لن يستمر طويلا. وربما يمضي “حزب الله” الى تكرار تجربة 8 آذار 2005 أو 7 أيار 2008 لكن في كلتا الحالتين لن يجد أن هناك من ييسّر له “انتصاراً إلهياً” جديداً. وإذا كانت الحكومة قد بلغت آخر المطاف كما ظهر في القرارات الاساسية التي اتخذتها أخيراً ، فإن استقالتها لم تعد أمراً مستبعداً. وما بقي هو 6 أشهر صعبة على وشك أن يواجهها لبنان.

إجراءات لتسوية تشتري وقتاً للحكومة إرضاء عون بلا ضمانات لوقف التعطيل
روزانا بومنصف/النهار/29 آب 2015
بدأ مسار لترميم الحكومة او ترقيعها اذا صح التعبير من اجل ان تحافظ على استمرارها في المرحلة الحاضرة في غياب اي بديل محتمل على وقع تسوية يقول سياسيون معنيون انها تفترض اعطاء العماد ميشال عون شيئا تحت وطأة استمراره في تعطيل عمل الحكومة نتيجة تضامن “حزب الله” معه الذي قال للزعماء السياسيين الذين تواصل معهم الاسبوع الماضي انه في موقع الطرف وليس وسيطا يمكن ان يطلب منه التوسط مع حليفه المسيحي حتى لو وصل الامر به النزول الى الشارع تضامنا على رغم ان الحزب رأى في تظاهرة السبت في 22 الجاري امرا مرعبا وخطيرا في البلد. الامر الوحيد الذي يشكل احراجا للحزب في سياق الازمة القائمة هو اقفال مجلس النواب باعتراض من حليفه المسيحي فيما هو يشارك حليفه الاخر رئيس مجلس النواب نبيه بري انزعاجه من اقفال المجلس الذي يعتبر في ادبيات السياسة اللبنانية تقييدا للسلطة الاشتراعية حيث الثقل السياسي للرئاسة الشيعية. ولذلك لم يوفق بسهولة في ترطيب الامور بين بري وعون.التسوية فرضها خطر الانحدار سريعاً نحو الفوضى وضغوط خارجية اميركية خصوصا ركزت على ضرورة ايجاد مخارج بتقديم تنازلات لاحياء عمل الحكومة لعجز عن الذهاب الى تأمين حصول الانتخابات الرئاسية في المدى المنظور ولعدم القدرة على الاهتمام بلبنان راهنا. اجراءات التسوية لارضاء عون تسهيلاً لعمل الحكومة والتي بدأت في تجميد نشر المراسيم تمهيدا لتوقيع المعترضين عليها هي مقدمة لاجراءات اخرى بدأ الكلام عليها من بينها اعادة البحث في آلية اتخاذ القرارات في مجلس الوزراء علما ان الالية التي يطالب بها عون هي التي اعتمدت اصلا بالاتفاق بين الجميع ثم نسفها وزراء عون انفسهم نكاية بالوزير بطرس حرب قبل ان تنقلب اللعبة السياسية ضدهم مجددا فيطالبوا بالعودة الى الالية القديمة. وكذلك الامر بالنسبة الى اعتماد مخرج ترقية مجموعة من الضباط الى رتبة لواء من اجل ضمان استمرار العميد شامل روكز في المؤسسة العسكرية على رغم ما للامر من انعكاسات سلبية لجهة اختيار من يمكن ان تتم ترقيتهم والاسباب المبررة لذلك على رغم ما ينقل عن تشجيع السفير الاميركي ديفيد هيل على هذه الخطوة من اجل تنفيس الاحتقان الداخلي والمحافظة على الحكومة وان هذا الاجراء لن يؤثر في الجوهر على المؤسسة العسكرية. وتفيد معلومات ان الموافقة على ترفيع رتبة روكز يريد عون اعلانها من الرئيس سعد الحريري شخصيا نتيجة اخلاله كما يقول بوعده بتعيين روكز في الاساس قائدا جديدا للجيش – هذا الاخلال بالوعد يتذرع به “حزب الله” من اجل تبريره اصطفافه مع عون بالكامل في الازمة الاخيرة على رغم ان مبررات ذلك الاصطفاف قائمة بالتحالف الوجودي الذي قال الحزب مرارا انه يجمع بينهما -. وترقية روكز تبقي امكان تعيينه قائدا للجيش على رغم ان الاسباب المانعة لذلك لا تتصل بكفايته او مناقبيته بل بتصنيفه محسوبا على فريق ما يثير التساؤل اذا كان هذا احتمال يبقى ام لا. يضاف الى ذلك مطلب تعديل قانون الدفاع لرفع سن التقاعد لقائد الجيش العماد جان قهوجي وعدد من الضباط لكي يصبح التمديد له في منصبه قانونيا ما يعطي افضلية لعون الذي يستمر في اعتبار قهوجي غير قانوني علما ان الحزب شارك في التمديد لقهوجي ايضا.
المشكلة في هذا المسار الذي بدأ يخط طريقه الى امكان فتح مجلس النواب من اجل اقرار قانون ترقية الضباط ما يخفف من غضب الرئيس بري على عون، انه لا يحمل في طياته اي ضمان بأن عمل مجلس الوزراء يمكن ان ينتظم او ان التعطيل الذي يمارس راهنا بذرائع محددة لا يعتمد تحت ذرائع مختلفة باعتباره بات اسلوب عمل معتمدا من التيار العوني خصوصا مع رئيس جديد له سيحاول اقصى جهده من اجل ان يلبس عباءة الجنرال قلبا وقالبا. فالخشية كانت دوما من ان الخضوع لمطالب التيار العوني تحت وطأة تعطيله عمل مؤسسات الدولة كما فعل بالنسبة الى تأخير تأليف حكومة بعد حكومة يمكن ان تفتح الباب امام هذا الاسلوب قاعدة لا عودة عنه. ثمة من يقول ان الوهن الذي اصاب التيار العوني في شارعه نتيجة انتخابات لم تحصل او اداء بات يثير تساؤلات يشكل عاملا اضافيا للحزب من اجل دعمه من الحزب لئلا يستفيد اي طرف مسيحي اخر من هذا الوهن او حتى الخصوم من الاطراف الاخرين. والبعض يقول ان تزكية الوزير جبران باسيل رئيسا للتيار بالطريقة التي حصلت هي جزء من استباق اي وهن محتمل واستكمال للتعويل على التحالف بين الجانبين ايا تكن التحولات. ومعلوم ان هناك وهناً كبيرا في الوسط السياسي المقابل لم يكن في الامكان اخفاؤه ايضا في الارتباك الذي حصل نتيجة تظاهرات السبت الماضي والشكوك التي اثارتها بين بعض الاطراف السياسيين على خلفية من يمكن ان يطعن بمن على رغم وجود توافق في ما بين هؤلاء الاطراف على مقاربة بعض الملفات ومن بينها عمل مجلس الوزراء ما ادى الى تبادل اتهامات ومواقف حرد وعتب لم تذلل بسهولة. الامر الذي انعكس تخبطا حصل في موضوع النفايات بين مناقصة تقر وتنقض في اليوم التالي وجدار يرفع في وسط بيروت ويزال في اليوم التالي وصولا الى اساءة تقدير في ادارة ملف احتمال نقل النفايات الى عكار.

الحكومة ترتاح وبري ينشط للقاء حواري يحتوي الأزمة الكل سجّل انتصاره والملفات العالقة والمراسيم سلكت طريقها
سابين عويس/النهار/29 آب 2015
ترك إعلان رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون تأجيل التحرك الشعبي لأسبوع وليس لساعات إنطباعاً بأن التسوية التي أنقذت الحكومة أمس من التعطيل سلكت طريقها نحو مزيد من التسويات، وأن التحرك الشعبي المقرر اليوم لحملة “طلعت ريحتكم” و”بدنا نحاسب” قد ينحصر في التعبير الشعبي بعيداً عن “المندسين”، علما أن مثل هذا الانطباع لا يزال يشكل تحديا ويطرح علامات استفهام إذا كان هذا الامر يدخل فعلا ضمن مفاعيل التسوية. لا يختلف إثنان في معرض قراءة حسابات الربح والخسارة لنتائج المعركة الحكومية الأخيرة التي خاضها رئيس الحكومة تمام سلام في وجه إعتراضات العماد عون، على أن النتيجة جاءت لمصلحة الاثنين على السواء، وأن الجميع كان رابحاً في معركة الدفاع عن الصلاحيات، وعن آلية العمل الحكومية. فرئيس الحكومة الذي رفض المس بصلاحيات الرئاسة الثالثة لجهة الدعوة الى مجلس وزراء منتج ووضع جدول اعمال ومناقشته وإقراره، نجح رغم الضغوط التي تعرض لها بهدف هز حكومته (وليس إسقاطها)، في تنفيذ وعده بعقد جلسة منتجة وبإقرار الملفات الملحة والضاغطة. ولم يتراجع عن عقد الجلسة رغم إبلاغه بمقاطعة وزراء عون و”حزب الله” لها. واقرت الجلسة البنود الملحة. فسلكت الاعتمادات طريقها الى وزارة المال لدفع الرواتب والأجور وإطعام الجيش، كما نفدت الهبات الدولية من خطر الالغاء او الشطب، وصار في إمكان وزارة المال إصدار سندات اوروبوند وإجراء عمليات الاستبدال التي تحتاج اليها بالغطاء القانوني المطلوب. في المقابل، نجح عون في تنفيذ تهديده بعدم البحث في مجلس الوزراء في أي بند قبل بت آلية العمل الحكومي. فامتنع، وإلى جانبه الوزراء من قوى 8 آذار، عن حضور الجلسة.
اما حضور وزراء “أمل” فكان ضمن سيناريو التسوية الذي يضمن “ميثاقية” الجلسة وعدم غياب مكون طائفي أساسي عنها! وساعد هذا السيناريو على إيجاد المخرج لأزمة المراسيم الموقعة من 18 وزيرا، عبر اعتماد آلية تقضي بأن كل مرسوم لا يقر في مجلس الوزراء ويحتاج الى توقيع رئيس الجمهورية إلى جانب تواقيع الوزراء المختصين، يوقعه 24 وزيرا، وعادة لا تتسم مثل هذه المراسيم بطابع الاهمية، باعتبار أن الامور الاساسية تحتاج الى قرار من مجلس الوزراء. وفي هذه الحال، فإن المراسيم التي تعرض على مجلس الوزراء تقر وفق الدستور، إما بأكثرية الثلثين وإما بالنصف زائد واحد. وهذه الحال لا تستدعي تواقيع الوزراء بالوكالة عن رئيس الجمهورية على قاعدة أن الوكيل لا يتمتع بكل صلاحيات الاصيل. اما المراسيم التي يمضي عليها اكثر من اسبوعين من دون ان يردها الوزراء المعترضون بوكالتهم عن رئيس الجمهورية فتحال على النشر. في المقابل، لن يكون على وزراء عون والحزب التحفظ او ابداء الاعتراض بما انهم لم يحضروا الجلسة الاخيرة للحكومة، ويُترك لهم ان يقرروا اذا كانوا سيوقعون او لا القرارات التي اتخذت في الجلسة بغالبية 18 وزيرا كانوا حاضرين.
اما ثمن هذه التسوية، فيقضي بأن ترتاح الحكومة لفترة من الوقت قبل أن تستأنف جلساتها. وهي المدة الكفيلة بتهدئة الاجواء وترطيبها، خصوصاً ان جميع القوى السياسية محكومة بالحكومة الائتلافية وبسقف الاستقرار الداخلي حتى نضوج التفاهم الاقليمي. اما في الانتظار، فالقوى السياسية مدعوة الى التعايش مع المساكنة القسرية وتسوية الاوضاع الداخلية حفاظاً على الحد الأدنى من مظاهر الحياة الدستورية، ولا سيما بعدما فضح التعامل السياسي مع ملف النفايات كل الاطراف، وأبرز تقدم المصالح الشخصية والحسابات الخاصة على حساب المصلحة العامة. وانطلاقاً من إلحاح سلام على ضرورة تحييد مجلس الوزراء عن الخلافات السياسية ودعوته مختلف القوى الى معالجتها على طاولة الحوار وترك مجلس الوزراء لتسيير شؤون الدولة والناس، فإن هذه الدعوة قد تكون لاقت صداها عند رئيس المجلس نبيه بري الذي تلقفها، وهو يقود حالياً سلسلة مشاورات تمهيداً لدعوة القيادات الى لقاء حواري. ولا تزال هذه المشاورات في بداياتها لتلمس مدى تجاوب الاطراف السياسية مع الدعوة، خصوصاً أن ثمة محاذير تثير هواجس بعض القوى ولا بد من طمأنتها حيالها. فهل هذه المحاذير في محلها؟