علي الحسيني: الزبداني تختصر أزمات حزب الله حتى الاحتضار/مصطفى زين: ليس بالمحاصصة تبنى الأوطان/اميل خوري: الاتفاق النووي نقطة انطلاق نحو الاستقرار أم بداية خلاف على تقاسم النفوذ؟

312

الزبداني تختصر أزمات «حزب الله».. حتى الاحتضار
علي الحسيني/المستقبل/06 آب/15

لا جديد حتّى الساعة في موضوع الزبداني يُمكن أن يُضيفه «حزب الله» إلى سجلّه في الحرب السورية، سوى المزيد من الخسائر في صفوف عناصره، إضافة الى تدمير المدينة وإحراقها وتهجير أهلها، بعد أكثر من شهرين على الحصار شيّع خلالهما الحزب أكثر من مئتي عنصر، نصفهم من قوّات النخبة لديه والنصف الآخر من «التعبئة» و»سرايا المقاومة». هلّل إعلام «الممانعة» خلال اليومين المنصرمين لإنجاز قال إنه تحقق على أيدي جيش النظام و»حزب الله» في الزبداني، تمثّل بتقدم من الجهة الغربية للمدينة وبصد هجوم لفصائل سورية مسلحة من المُفترض أنها مُحاصرة وبالكاد تستطيع الدفاع عن وجودها في مواجهة أكثر من ثلاثة آلاف عنصر تؤازرهم طائرات حربية ودبابات وبراميل متفجرة، ما يكشف أنه منذ إعلان الحزب بدء معركة الزبداني حتى اليوم، لم يحقق أي «إنجاز« يُذكر، على عكس ما ادعاه طيلة هذه الفترة من انتصارات كانت جميعها تؤشر إلى قرب الانتهاء من هذا المأزق بعدما تحوّل إلى كابوس يفوق حجمه ما سبق أن واجهه في القلمون. إشارات عدّة تبرز حجم المعاناة التي يواجهها «حزب الله» في معركته في الزبداني، منها اضطراره إلى تحريك جبهة القصير في ريف حمص التي ظلت منذ احتلاله لها بعيدة عن الصراع المسلح والمناوشات لدرجة أن الحزب نفسه كان اعتبرها بمثابة حزام آمن له وجزء أساسي من حدوده الديموغرافية، لكن وبفعل الضغط العسكري الذي يمارسه الثوار من داخل الزبداني وعند أطراف جوسية والقصير حيث دارت منذ أيام اشتباكات بين الجهتين، أعاد الحزب «تزييت» مدافعه ورفع «الشوادر» عن راجماته تحسباً لمعركة قريبة، وقد ترافقت هذه التحركات مع معلومات تحدثت عن استعدادات تقوم بها الفصائل المسلحة لخلق جبهة موحدة في ريفي دمشق وحمص لاسترجاع قرى وبلدات كان النظام والحزب قد سيطرا عليها في السابق. من عادة «حزب الله» أنه يُعطي لكل مرحلة أهميتها الخاصة أو عنوانها الخاص، لكن هذا المبدأ في التعاطي ما عاد يستحوذ على أولويات الحزب في سوريا في الوقت الراهن، إذ إن كل الجبهات تحوّلت إلى عامل استنزاف له وفي طليعتها جبهة الزبداني التي جعلته يتبع مؤخراً سياسة الأرض المحروقة على غرار ما قام به سابقاً في القصير حيث يعمد إلى حرق المحاصيل الزراعية، إن من خلال قصفها بقذائف مُحرمة دولياً أو من خلال تلفها بمواد سامة ترميها طائرات النظام إلى جانب البرميل المتفجرة لمنع الأهالي والثوار من الصمود بعدما أصبحوا يعتاشون على ما تيسّر لهم من زرع من جرّاء الحصار المفروض عليهم منذ أكثر من ثلاثة أشهر. أزمة الحزب تتفاعل على جميع المستويات، وفي ظل هذا التأزم هناك من يترقب إعلان الحزب في القريب العاجل التعبئة العامة في صفوفه، وسط معلومات تؤكد طلب القيادة العسكرية ضرورة إنهاء كافة دورات التدريب داخل المعسكرات في البقاع والجنوب في أسرع وقت تحسباً للأسوأ، خصوصاً في ظل التقارير التي تتحدث عن مواجهة مُحتملة مع إسرائيل، والتي على أساسها أجرى الحزب الشهر الماضي مناورتين ضخمتين لعناصره في البقاعين الأوسط والشمالي وفي الجنوب، حاكى من خلالهما فرضية إنزالات إسرائيلية من جهة وتقدم للفصائل السورية المسلحة من جهة أخرى، وهو ما فسره بعض الخبراء العسكريين بأنه يندرج ضمن التشتت العسكري الذي يُعانيه الحزب خلال الفترة الحالية. «حزب الله» على يقين اليوم بأن مشاركته في الحرب السورية تُشبه إلى حد بعيد الوقوع في «الرمال المتحركة« إذ لم يعد الانتصار مطلبه الأساسي بمقدار سعيه الى الحفاظ على وجوده العسكري وعلى صورته وهيبته أمام جمهوره وبيئته. فالحزب الذي سبق أن ادرك استحالة إنتصاره في الداخل اللبناني على الرغم من استمراره في اتباع سياسة التعطيل والهيمنة والتعالي، أصبح متأكداً من صعوبة انتصاره في سوريا ولهذا لجأ في العديد من المرّات إلى إجراء مفاوضات جانبية مع الثوار في العديد من البلدات آخرها إعلان حركة «أحرار الشام« المفاوض عن أهالي الزبداني أمس، «توقف المفاوضات مع إيران بسبب إصرارها على تفريغ المدينة من أهلها«. أمام الاستنزاف اليومي الذي يُصيبه، يقف «حزب الله» حائراً وعاجزاً عن تأمين أو حماية ما يدّعي بأنها حدوده أو حتى الاحتفاظ ببقعة آمنة خاضعة لسيطرته. العجز هذا يُفسره أحد كوادر الحزب العسكريين بكلام يقول فيه «إن المسلحين اكتسبوا خبرات قتالية عالية، يتفنّون بزرع العبوات وبعمليات قنص من داخل مدينة هم في الأصل أهلها وسكانها ويحفظون شوارعها وزواريبها. إنها فعلاً حرب».

ليس بالمحاصصة تبنى الأوطان
مصطفى زين/الحياة/06 آب/15
مستغلين الموقف الأميركي من «داعش»، ودعوة أوباما و»حرص» نائبه جو بايدن على العراق، ذهب زعماء عراقيون، بينهم نواب وشيوخ عشائر، إلى واشنطن قبل ما يقرب الشهرين، والتقوا مسؤولين في البيت الأبيض، طالبين تسليح أبنائهم وتدريبهم لتحرير مدنهم التي احتلها التنظيم، في استعادة لتجربة «الصحوات» التي طردت «القاعدة»، وشكوا إلى مضيفيهم سوء معاملة الحكومة لهم، وتفضيلها الميليشيات الشيعية عليهم، لكنهم تلقوا جواباً قاطعاً: سلاحكم سيكون عن طريق الحكومة، وتدريب أبنائكم سيكون بالتعاون مع جيشكم، ووعدوهم بالضغط على حيدر العبادي كي يساويهم بـ «الحشد الشعبي» الذي لا تكن له الإدارة الأميركية أي ود، وتتهمه بالولاء لإيران. عاد الوفد من واشنطن خائباً، منتظراً أن تثمر الضغوط على الحكومة سلاحاً، خصوصاً أن أميركا تحتاج إليهم في الحملة العسكرية على «داعش» في الأنبار وصلاح الدين، ولاحقاً في الموصل، وهي المحافظات الخاضعة للتنظيم. وفضلاً عن المراهنة على هذه الضغوط، عاد زعماء الوفد وبينهم مسؤولون كبار، مثل نائب الرئيس أسامة النجيفي، إلى المطالبة بتطبيق الاتفاق السياسي الذي شكلت الحكومة على أساسه، وينص على إقرار قانون الحرس الوطني، على أن يكون عماده من هذه المحافظات تحديداً، في مقابل «الحشد الشعبي» المكون من أبناء المحافظات الجنوبية، أي تشكيل ميليشيات سنية مقابل الميليشيات الشيعية، فما كان من العبادي إلا أن ارسل مشروع القانون إلى مجلس النواب لإقراره، مراهناً على أن الخلافات بين الكتل السياسية ستعطله. وكان رهانه في مكانه، إذ أن القانون لم يقر، وأضيف إلى الخلافات الكثيرة التي تعصف بـ «المكونات» وممثليها. وطرح العبادي مشروعاً آخر يقضي بضم المسلحين السنّة الذين يجري تدريبهم في الأنبار، إلى «الحشد الشعبي» باسم «الحرس الوطني»، في خطوة قال إنها لتوحيد الجهود في محاربة الإرهاب، وبدأ تطبيق هذا المشروع في حدود ضيقة جداً، خوفاً من اختراق «داعش» صفوف هذه القوات. فهل ينجح؟ واقع الأمر أن العراق «الجديد» المبني على أساس المحاصصة الطائفية، لا يسمح لأي رئيس وزراء باتخاذ خطوات توحيدية من هذا النوع. ولا يتيح له، مهما حسنت نواياه، أن يخرق «التوافق» الذي أصبح فوق أي قانون، ويعطل أي قرار وطني جامع. ولربما كان لبنان خير مثال على هذا النوع من الجمهوريات، ففي هذا البلد تعطل المحاصصة الطائفية حتى الاتفاق على جمع القمامة، فما بالك بمشاريع من حجم محاربة الإرهاب والفساد، وتشكيل جيش وطني غير خاضع لهذه الطائفة أو تلك. واقع الأمر أن العراق، بعد الاحتلال الأميركي، أصبح مقسماً على مستوى المؤسسات الاتحادية، كما يسمونها، بدءاً من رئاسة الجمهورية المكرسة لحزب كردي، وانتهاء بالإدارات العامة والجيش، من دون أن ننسى رئاسة الحكومة المكرسة للشيعة، فضلاً عن الوزارات والبرلمان والجيش، و»الحرس الوطني» الذي سيكون ميليشيا سنية مقابل «الحشد الشعبي» وهو ميليشيا الطائفة المقابلة. ليس بالمحاصصة تبنى الأوطان.

 

الاتفاق النووي نقطة انطلاق نحو الاستقرار أم بداية خلاف على تقاسم النفوذ؟
اميل خوري/االنهار/6 آب 2015
التقى وزيرا الخارجية الأميركي والايراني على القول إن الاتفاق النووي سيجعل الاستقرار يحلّ في المنطقة، ولكن من دون أن يحددا موعد ذلك وكيف. إلا أن اللافت هو وعد أميركا دول الخليج بتزويدها أسلحة متطورة تبديداً لمخاوفها من ايران ولتمكينها من الدفاع عن نفسها. فاذا كان الاستقرار سيحل في المنطقة فلماذا هذا السلاح، ولماذا تخلّت ايران عن السلاح النووي إذا كانت المنطقة مقبلة على حروب ولا بدّ تالياً من إقامة توازن رعب أقله مع اسرائيل؟
الواقع ان ملامح إحلال الاستقرار في المنطقة تظهر عندما تساعد ايران فعلاً لا قولاً على انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، ولا تستمر في ممارسة سياسة تعطيل عمل المؤسسات وفتح أبواب الفراغ الشامل عليها ما يزيد حدّة الانقسامات السياسية والحزبية والمذهبية فتسقط الوحدة الوطنية التي تشكل أمضى سلاح لمكافحة الارهاب. فهل تقدم ايران على خطوة إيجابية في لبنان ترجمة للكلام على أن الاتفاق النووي سيحل الاستقرار في المنطقة؟ وهل هي مستعدة لأن تساعد على حلّ الأزمة في سوريا وفي اليمن والعراق بالتوصل الى تشكيل حكومات وحدة وطنية تتمثل فيها كل القوى السياسية الأساسية لتكون قادرة على مكافحة الارهاب الذي لا نجاح في مكافحته ولا انتصار عليه إلا بتحقيق وحدة داخلية قويّة في كل دولة. ومن دون هذه الوحدة ستبقى بيئات حاضنة لخلايا الارهاب، ليس حباً بها بل نكاية بمن يشعرون بالظلم والقهر والفقر. وشرط قيام دولة قويّة في لبنان يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، وبالدعوة الى اجراء انتخابات نيابية على أساس قانون عادل ومتوازن، ينبثق منها مجلس نيابي يمثل شتى فئات الشعب واجياله تمثيلاً صحيحاً، وتشكيل حكومة تتمثل فيها كل القوى السياسية الأساسية في البلاد لتكون قادرة على اتخاذ القرارات المهمة وإعادة تكوين السلطة، وإكمال تنفيذ ما تبقى من اتفاق الطائف واعادة النظر في بعض بنوده الملتبسة فلا يظل الخلاف قائماً على تفسيرها فيحول ذلك دون تطبيقها، وتكون سبباً لنشوء أزمات يستعصي حلها، لا بل تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية ودون تشكيل حكومات إلا بعد أشهر عدة، ودون إجراء انتخابات نيابية أيضاً لخلاف على قانون جديد يوضع لكل انتخاب، ولا يكون في البلاد قانون واحد يعتمد في كل انتخاب ويكون قياسه على قياس مصالح الوطن وليس على قياس أفراد.
إن مثل هذه الحكومة تستطيع ان تضع استراتيجية دفاعية تفيد من قدرات المقاومة التي يقودها “حزب الله” وذلك إما بوضع سلاحها في كنف الدولة، أو تكون الأمرة للدولة، أو أن تستعين الدولة بهذا السلاح عندما ترى ذلك ضرورياً في الزمان والمكان. وأن حكومة وطنية جامعة كهذه تستطيع أن تنفذ كل القرارات التي صدرت عن اجتماعات هيئة الحوار الوطني وكل القرارات الدولية، ولاسيما القرار 1701، كي تقوم الدولة القويّة القادرة على سط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، فلا تكون دولة سواها ولا سلطة غير سلطتها ولا سلاح غير سلاحها. كما أن مثل هذه الحكومة تستطيع ان يكون لها موقف نهائي من تحييد لبنان عن صراعات المحاور، القريبة منها والبعيدة، لأن جعل لبنان دولة منحازة من شأنه ان يزعزع الوحدة الوطنية ويهدد العيش المشترك والسلم الأهلي. فأي طرف في لبنان ينحاز الى محور سيجعل طرفاً آخر ينحاز الى محور فيقع عندئذ الانقسام الحاد بين اللبنانيين، وهو ما عانوا منه كثيراً في الماضي وفي الحاضر. لذلك يمكن القول إن الكلمة في وضع لبنان هي أولاً لايران كما كانت من قبل لسوريا، وعليها تقع مسؤولية إقامة دولة قويّة في لبنان برئيس مقبول من جميع أو من غالبية القوى السياسية الأساسية في البلاد لتكون قادرة على ضرب الارهاب ومنع تعديات اسرائيل عليه، وإقامة أفضل العلاقات مع جميع الدول، ولا سيما مع دول الجوار وتحديداً سوريا عندما يقوم فيها حكم جديد يحظى بموافقة عربية ودولية. أما إذا كانت ايران تريد ربط حل أزمة الانتخابات الرئاسية في لبنان بحل أزمات المنطقة، ولا سيما في سوريا، وهو انتظار قد يطول ولا يقوى لبنان على تحمل ذلك لا سياسياً ولا أمنياً ولا اقتصادياً، فان ايران لا تكون عندئذ حريصة على أمنه واستقراره كما تقول، ولا على تمكينه من مواجهة التنظيمات الارهابية، بل تريد أن تدخل الفوضى اليه كما في دول عربية، وتضعه في سلّة واحدة ليكون جزءاً من عملية تقاسم النفوذ في المنطقة، وان يكون ذلك بداية خلاف بين الدول المعنية تفيد منه اسرائيل والتنظيمات الارهابية.