علي نون/مبادرات أم مناورات؟/ربى كبّارة/نشاط ديبلوماسي لافت في المنطقة يعقب الاتفاق النووي/غسان حجار/كيس الزبالة عرّى السياسيّين/زكريا حمودان/إلى 14 آذار: هل ننتظر زوال حزب الله كي نبدأ الإصلاح؟

343

مبادرات أم مناورات؟
علي نون/المستقبل/06 آب/15
جيد مبدئياً، حديث المبادرات السلمية في زمن الحروب والفتن.. وجيد أكثر ومبدئياً ايضاً، ان تستفيق إيران من غفوة أوهامها على وعي أهمية العودة الى اعتماد منطق مضاد لمنطق مدّ النفوذ القومي والمذهبي بالقوة الى خارج حدودها (والتشاوف بذلك!) والانتباه الى الكوارث التي سببتها وتسببها لنفسها وللدول والمجتمعات العربية التي أرادت ان تجعل منها منصّات لذلك النفوذ! كثيرون راهنوا على استحالة استمرار إيران في اعتماد خط مزدوج بعد «اتفاق فيينا»، اي خط الوصل والانفتاح والانخراط في عالم مفتوح ديبلوماسياً وسياسياً واقتصادياً ومالياً، وخط الاستمرار في «مساعي» تصدير الثورة وبناء النفوذ والتدخل في شؤون الغير، واعتماد القياس المذهبي كأساس للسطوة السياسية.. لكن هؤلاء المراهنين (أو الآملين او المتوقعين او البراغماتيين أو المنطقيين.. الخ) افترضوا ولا يزالون، ان رحلة العودة الايرانية من تيه الطروح الجموحة والمستحيلة، لا تزال افتراضية ولن تنضج بسرعة وبسهولة، طالما ان سلطة «الولي الفقيه» لا تزال على ما هي عليه. واكثر من ذلك، فان احداً لا يمكنه تبسيط امور الاستدارة الايرانية الى حد تحوّلها جذرياً، من حال الى حال نقيض في غضون أيام واسابيع معدودة. المنطق الصحيح والسليم كان ولا يزال، يفرض أحكامه، وهذه تقول، ان 35 عاماً لا تُمحى بـ30 يوماً! إلا بمعطى انقلابي كامل الأوصاف، وهذا ما لم يحصل حتى اليوم. ولا يتوقع احد حصوله، على الأقل، قبل البدء الفعلي في تطبيق «اتفاق فيينا» ورفع العقوبات. ولذلك، فان «الهجوم الديبلوماسي» الايراني الراهن الذي يشتمل على إعادة «مد اليد» من قبل الحوثيين في اليمن، وطرح «مبادرة للحل» في سوريا، والتلويح بقرب حصول انفراج في أزمة الفراغ الرئاسي اللبناني، ذلك كله يثير اسئلة وشكوكاً واستطرادات اكثر بكثير من اثارته اي تلميح او تصريح او إشارة فعلية الى تغيير جدّي في أداء القيادة الايرانية ازاء الفتن التي اشعلتها في الجوار العربي. الا يثير الاستغراب مثلاً، ان ذلك «الهجوم الديبلوماسي» الايراني جاء بعد تقدم الهجوم العربي المضاد في اليمن؟ وفي ظل انتاج موقف واحد سعودي تركي قطري إزاء الوضع السوري؟ وتسجيل تطورات ايجابية اضافية على صعيد العلاقات السعودية المصرية؟ ووصول سياسة التعطيل في لبنان الى ازمة موازية للازمات التي انتجها وينتجها ذلك التعطيل؟ ثم ماذا تعني «المبادرة« المطروحة إزاء سوريا، اذا كانت المفاوضات (مثلاً) التي جرت بين وفد ايراني وآخر من حركة «احرار الشام» في تركيا في شأن الزبداني من جهة وبعض قرى ريف ادلب من جهة اخرى، تمحورت حول الطلب الايراني بإفراغ المدينة من المقاتلين وتهجير من بقي من اهلها الى مناطق اخرى. اي إكمال ما قالت الحركة، عملية تفريغ المناطق السورية المحاذية للحدود اللبنانية من كل وجود اسلامي اكثري والاستمرار في العمل على انضاج وقائع تقسيمية ذات ابعاد مذهبية واضحة، على الارض؟ وماذا تعني الاشارات الايجابية ازاء الوضع اليمني، اذا كان الحوثي (الناطق المحلي باسم ايران) لا يزال يرفض الاقرار بالشرعية الدستورية ولا يتراجع سياسياً بقدر تراجعه ميدانياً؟ وماذا تعني تلك الاشارات «الديبلوماسية» الايرانية، في العراق طالما ان شيئاً جدّياً وملموساً لم يتغير في سياسة وأداء المحسوبين على طهران في الحكومة و»الحشد الشعبي» على حد سواء؟ وماذا تعني بعد ذلك تلك الاشارات الخاصة بلبنان طالما ان حمى التعطيل لا تزال في ذروة انتاجها؟! بين المناورات والمبادرات فوارق ابعد من حدود اللغة. لكن أياً منها، لم تقدمه ايران حتى الآن، كي يبدأ من يريد ويشاء، في تصديق توجهاتها السلمية التقاربية المستجدة!

نشاط ديبلوماسي لافت في المنطقة يعقب الاتفاق النووي
ربى كبّارة/المستقبل/06 آب/15
تشهد منطقة الشرق الاوسط حراكا ديبلوماسيا لافتا، دوليا طرفاه الولايات المتحدة – روسيا، واقليميا مسرحه يمتد من الرياض الى طهران فأنقرة، وهو انطلق في اعقاب انجاز الاتفاق على الملف النووي بين إيران والغرب. لكن غموض مضمون اللقاءات شرّع الباب واسعا امام التكهنات عن مآل التوازنات الاقليمية، خصوصا مع الانفتاح الإيراني المستجد الذي لن يكتسب دلالة فعلية قبل ان ينتقل من حيّز التصريحات الى حيّز الميدان العملي، وأوله في سوريا واليمن. فمن لقاءات الدوحة مطلع الاسبوع بين وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والسعودية جون كيري وسيرغي لافروف وعادل الجبير، الى لقاءات طهران بين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ونظيره الإيراني حسين امير عبد اللهيان ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، الى زيارة ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الاردن، الى جولات كيري ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف على بعض دول المنطقة. تضاف الى كل ذلك جملة مستجدات: تركية تمثلت بفتح قاعدة انجرليك امام المقاتلات الأميركية التي تلاحق عناصر «داعش» والتوافق مع الأميركيين على منطقة حدودية آمنة، الى جانب تعهد أميركي بغطاء جوي لحماية مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة. فرغم ان الاتفاق النووي، اذا لم ينجح الكونغرس في عرقلته، لن يدخل حيز التنفيذ قبل تشرين الاول، بادر المسؤولون الإيرانيون الى شن حملة انفتاح على دول الجوار. فقد اعلن اللهيان عن «فرصة مناسبة لتعزيز العلاقات مع دول الجوار وتعميق التعاون في مختلف الملفات للخروج من الازمات»، وكان ظريف قد سبقه بقوله «الجار قبل الدار». ويلفت ديبلوماسي عربي عامل في بيروت الى ان «الاتفاق النووي سمح بتقدم الديبلوماسية الإيرانية. فخلال الانشغال بالمفاوضات مع الدول الست احتل قائد الحرس الثوري قاسم سليماني واجهة الاحداث خصوصا في العراق وسوريا، ثم تقدم عليه محمد جواد ظريف«. لكنه سرعان ما يستدرك مشددا على ان «التغيير الحقيقي في الاولويات الإيرانية لا تجسده فعليا التصريحات وانما السلوك الميداني في ساحات الحروب، خصوصاً في سوريا واليمن. فبعد لقاء نظيره الإيراني اعلن وزير الخارجية القطري خالد العطية ان «الحوار البنّاء» يبدأ بعد وقف التدخل«. ويلفت المصدر الى تزامن الهجمة الديبلوماسية مع الترويج للقاء وليد المعلم مع الامير محمد بن سلمان. ويقول «هذا اللقاء، ان صح حدوثه، فهو بالتأكيد لقاء فاشل لم يؤد الى اية نتيجة بدليل تسريب وسائل الاعلام المقربة من النظام السوري لمحضر اللقاء المزعوم في الرياض والذي اتى بنتيجة جهد روسي«. ويضيف «لو كان ثمة احتمال لأي نتائج ايجابية لما تم التسريب، خصوصا في ظل غياب اي تعليق سعودي حتى الآن».
وكان لافروف قد شدد من الدوحة، وبحضور أميركي، على ان الحل السياسي لسوريا «يحتاج الى مشاركة جميع الاطراف» بما فيها طهران، وهو ما ترفضه دول الخليج وما كانت ترفضه علناً الولايات المتحدة في زمن مفاوضاتها الطويلة مع إيران.
كل ذلك والاولويات لا تزال مختلفة. فمن اولوية مكافحة الارهاب متمثلاً بـ«داعش« واخواته بنظر روسيا وإيران وسوريا، الى اعتبار ان القضاء على هذه التنظيمات يقتضي اولوية التخلص ممن ساهم عملياً في انتاجها مثل بشار الاسد والتدخلات الإيرانية لزعزعة المجتمعات العربية. فالأميركي ورغم الاتفاق النووي وتقاربه مع إيران وروسيا، الداعمين الرئيسيين للأسد، لا يفوت فرصة إلا ويجدد التأكيد على ان الحل لا يستوي مع الاسد. وهذا موقف مماثل لموقف دول الخليج وتركيا التي وصل الامر برئيسها رجب طيب اردوغان للقول بان نظيره الروسي فلاديمير بوتين «لم يعد يشاطر الرأي القائل ان بلاده ستقف الى جانب سوريا حتى النهاية»، ليضيف «اعتقد انه يتجه للتخلي عن الاسد».

كيس الزبالة عرّى السياسيّين
غسان حجار/النهار/6 آب 2015
من يستمع الى وزراء في الحكومة يؤكدون أن حلّ مشكلة النفايات لا يكون إلا في السياسة، يتأكد له أن ثمة خلافاً ما بين المتقاسمين تلك الجبنة، سياسية كانت أم مالية مصلحية. وهذه الحصص المتنازع عليها حاليا، كانت شركة قبل ذلك، لذا لم يعترض أحد. أما وقد تفرق العشاق، فتبذل الجهود لاستيلاد “سوكلينات” جديدة ترث الرجل المريض. وكما يتحدث الشيعة عن مؤتمر تأسيسي لزيادة حصتهم في السلطة، بما يشبه المثالثة، من دون التجرّؤ على تسميتها، في محاولة منهم، ومن بعض “أهل السنّة”، لتقاسم الحصة المارونية التي كانت مضخمة بالشكل في زمن مضى، من دون صلاحيات ومكاسب فعلية، يطمح كثيرون اليوم الى تقاسم ورثة الرئيس رفيق الحريري في السياسة، كما يعملون على تقاسم الحصص التي أشرف الحريري الأب على توزيعها في مشاريع اقتصادية ومالية، هدفت أصلاً الى توفير خدمة أو خدمات سريعة ومتقدمة من دون الدخول في متاهات الروتين الاداري القاتل، فإذ ببعضها يتحول مع الوقت ممالك وإمارات مالية ينظر اليها بعين الحاسد. ولا يقتصر الصراع على خصوم التيار الأزرق، بل يطمح كثيرون من داخله أيضاً الى وراثة “سوكلين” ومؤسسات أخرى، صمدت بسبب الخدمات التي قدمتها، وآثارها جلية، رغم كل التكاليف، أو بسبب الرشى التي وزعتها إرضاء لهذا أو ذاك. أما وقد وقعت واقعة الزبالة، فقد انكشفت حقائق كثيرة، وتعرى سياسيون كثر، دافعوا عن “سوكلين” ام تهجموا عليها، ويكفي أن يقول وزير إن فريقه أقصي عن إدارة ملف النفايات منذ التسعينات، للدلالة على الحسرة التي يشعر بها ذاك الفريق الذي أبقي خارج جنة “سوكلين” وأخواتها. أكياس الزبالة التي عرّت السياسيين، وكشفت عجزهم عن توفير الحلول، وأكدت أن كل شيء في لبنان يحل بتوافق السياسيين، فاذا ما اختلفوا تعرقلت الأمور في التعيينات وفي التشريع وفي القرارات الوزارية وصولاً الى تأليف الحكومات وانتخاب الرئيس. واذا ما اتفقوا، ولاتفاقهم معنى آخر وأحياناً روائح كريهة، مضت الأمور في أحسن حال. قال لي والدي يوماً عن المقاولين في لبنان انهم ضحية فضحكت. وشرح لي: “المقاول يأخذ مشروع بألف ليرة مثلاً، وفيه هامش ربح يبلغ 250 ليرة، لكن توقيع المعنيين عليه لمباشرة العمل يستنزف منه نحو 400 ليرة. فكيف يمكن ان ينفذ المقاول مشروعاً بـ750 ليرة ولم يتبق له إلا 600 ليرة؟ عندها ينفذ المشروع دون المواصفات المطلوبة. وهكذا يكون ضحية النظام القائم”. وعمل المقاول نموذج مصغر لعمل الدولة، التي تُسرق أموالها من مجموعة حاكمة تجدد لنفسها بقانون انتخاب يضمن التوارث السياسي، واستمرار المصالح المالية.

إلى 14 آذار: هل ننتظر زوال حزب الله كي نبدأ الإصلاح؟
زكريا حمودان/جنوبية/الأربعاء، 5 أغسطس 2015
يعيش الساسة في لبنان على شماعة مقولة “عدم الإستقرار”، ما يبرّر لهم عدم مبالاتهم بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.. هذه الشماعة ترمى على حزب الله كونه تابعاً لمشروع إقليمي خارج حدود الوطن. فماذا ينتظر المسؤولون في لبنان من أجل العمل على الإنماء: هل تنتظرون زوال حزب الله؟ لم تهدأ منطقة الشرق الأوسط منذ عشرات السنين. فالصّراعات العالمية تصبّ حيث المكاسب الدولية ومصالح الدُوَل الكُبرى ومنبع الرساميل، كما تتّجه أيضًا إلى حيث يوجد سياسيّون من نوع آخر. فما يشغل هؤلاء هو كم زادت ثروتهم وأين هم في التصنيف العربي والعالمي لأغنى أغنياء الكَون، بالإضافة إلى بعض التفاصيل من بذخ وترف وتبذير للثروات في مآرب سياسية ومشاريع باتت تسبح في الفضائيات ويراها الجميع بوضوح.هذه ليست رسالة إلى حكام الوطن العربي فقط، كما هي لا تستهدف ساسة لبنان بشكلٍ خاص، وهي لا تتحدث عن مشاريع إيران العابرة للأوطان في البيئات الشيعية أينما وُجِدَت. لكنّها إظهار لهذا الواقع الأليم المُرتد على بيئة عريضة ومُعرّضة للإتساع أكثر فأكثر، إن لم يتعظ البعض قليلاً ويملّون من الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع. إيران موجودة ومشروعها مكتوب ومُعلن، وسياستها أوضح من نور الشمس فماذا ننتظر في لبنان؟ هل ننتظر زوال حزب الله؟
إيران موجودة ومشروعها مكتوب ومُعلن، وسياستها أوضح من نور الشمس فماذا ننتظر في لبنان؟
يربط البعض كلّ ما يحصل في لبنان بحزب الله، فهو شمّاعة تُعَلَّق عليها الحجج التي لا تملك براهين أو أدنى مستويات الإقناع. لكن حقيقة الأمور مختلفة والذهنية اللبنانية عند البعض ممن يدَّعون المسؤولية، ما زالت تقبع في أدنى بحر من اللامبالاة بمستقبل المواطنين وتحصيلهم لحقوقهم.
هنا تُرمى الحجج جميعها على مقولة “عدم الإستقرار”، ثُمَّ يتم تصويب فقدان الإستقرار باتجاه حزب الله الغائب كُليًا عن الساحة اللبنانية، وغير المبالي بدوره في الصالون الداخلي مقارنة مع إنشغالاته الأخرى الأكثر أهمية بالنسبة لسياسته ومشروعه الاقليمي.
هل يُعَطِّل الإستقرار المُطالبة بحقوق المواطنين الأساسية لإنتشالهم من المجهول
فهل يُعَطِّل الإستقرار المُطالبة بحقوق المواطنين الأساسية لانتشالهم من المجهول، خصوصاً في طرابلس وبعض مناطق الشمال؟ هل تزفيت الطرقات وتسكير الخنادق التي تُهلك السيارات سببها الإستقرار؟ وتشغيل معرض طرابلس وتفعيل دوره مرتبط أيضًا بالإستقرار؟ إستغلال أراضي عكار الزراعية وجلب استثمارات لتصنيع المنتجات الزراعية يحتاج لرضى ساسة من خارج الشمال؟إنَّ أبشع ما قد تقدّمه حجة “عدم الإستقرار” هو خلق الفوضى وعدم الإستقرار الحقيقي ضمن هذه البيئات التي ما زالت تبحث عن شيء واحد ليس أكثر وهو الإنماء. هذا البحث عن الإنماء خلق تجربة من عدم الإستقرار ما زالت محدودة بسبب غياب الوعي والحرص على مصلحة البلد، قبل فقدان التماسك الجزئي للمجتمع الداخلي الذي ينتظر الحلول الطارئة للخروج من أزماته الحياتيّة المستعصية جدًا.
فما تنتظرون أيها الساسة؟ هل تنتظرون زوال حزب الله؟