عبدالوهاب بدرخان: نحو إغراق الأزمة السوريّة في محاربة الإرهاب/هشام ملحم: إرهابيون من صنع أميركي/خليل فليحان: ربط انتخاب الرئيس بالتسوية في سوريا يرجئ الاستحقاق إلى أجل غير مسمّى

299

ربط انتخاب الرئيس بالتسوية في سوريا يرجئ الاستحقاق إلى أجل غير مسمّى
خليل فليحان/النهار/6 آب 2015
كرّر مسؤول عربي التقى رئيس كتلة نيابية وازنة ومعنية أن “لا انتخاب لرئيس الجمهورية قبل انتها الأزمة السورية”. واوضح أن المعلومات الديبلوماسية المتوافرة عن اجتماع الدوحة تفيد أن تسوية قريبة “وكل ما عدا ذلك مبالغ فيه”. ويذكر أن الاجتماع ضم وزراء الخارجية الاميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف والسعودي عادل الجبير، وبحث في خريطة طريق لحل الأزمة، من دون التوصل الى رسم معالمها، نظراً الى الخلافات الكثيرة بين واشنطن وموسكو حول ما اذا كانت التسوية تشمل بقاء الرئيس بشار الاسد أم لا. وأول الخلافات تأكيد أميركي لمجلس التعاون الخليجي عبر كيري أن أي حل للأزمة السورية لن يشمل الأسد، فيما موسكو وطهران تدعمان ان يكون طرفاً في أي حل. ثانيها أن دمشق لا تقبل بطرح أي مبادرة حلّ إلا بالتنسيق معها، وقد وافقت طهران على هذا الموقف. كما أنها مع تشكيل جبهة دولية لمحاربة التنظيمات الارهابية، وفي مقدمها “داعش”، شرط التنسيق المسبق معها في العمليات العسكرية التي ستشن ضد مواقع التنظيمات الارهابية، وتعتبر أي عملية دون التنسيق معها هو خرق لسيادتها. لم يأخذ سلاح الجو الأميركي بهذا الشرط، فوجه ضربات جوية لمواقع تنظيم الدولة الاسلامية. وتجدر الاشارة الى أن موسكو معترضة على التصرف العسكري الاميركي المنفرد، لأن هدفها هو الافساح أمام مقاتلي المعارضة التي تسلحها وتدربها لتقاتل نظام الاسد.
واللافت انه رغم الخلافات بين أطراف الازمة، عقد اجتماع روسي – سوري – ايراني لصياغة موقف يطرح بين كيري ولافروف في محاولة للتوصل الى تسوية تكون مقبولة في الحد الأدنى من أجل وقف الاقتتال الذي يقوّي داعش وسواها من التنظيمات ويضعف النظام ويظهر عجزه العسكري المتزايد عن مقاتلي “داعش” و”النصرة”. ورأى رئيس كتلة نيابية معنية يسعى الى انجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت نظراً الى الشلل في مؤسسات الدولة، أن كل يوم تأخير لانتخاب رئيس للبلاد يراكم الازمات ويضاعف العجز عن حل اي مسألة. وأعطى مثالاً أن اي سياسي لم يكن يصدق ان مجلس الوزراء لن ينهي أزمة التعيينات الامنية أو جزءاً منها، على الأقل تعيين رئيس للأركان، على الرغم من المخرج – التسوية الذي جعل “التيار الوطني الحر” يهادن ويجعل جلسة مجلس الوزراء أمس تنعقد بهدوء، ومع ذلك لم تنتج من الأمر أي معالجة. وانتقل الى موضوع النفايات الذي وصفه بأنه من اخطر ما طرح على حكومة سلام، وانه كارثة الكوارث ويمسّ صحة المواطن ويبعد السائح عن لبنان، ولم يتقرر خلال الجلسة اي حل مطلوب. واعتبر أنه اذا نجحت المساعي لتحقيق التسوية المطروحة فستؤدي الى اعادة مجلس الوزراء الى العمل فقط في شكل طبيعي والى فتح دورة استثنائية لمجلس النواب دون ان تسمح بانتخاب رئيس للبلاد، بسبب تمسك رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب ميشال عون بموقفه وبأنه هو المرشح الأوحد للرئاسة لأنه الأكثر تمثيلاً.

 

إرهابيون من صنع أميركي
هشام ملحم/النهار/6 آب 2015
قبل يومين نشرت صحيفة “النيويوك تايمز” مقالا تطرقت فيه الى الانقسام في أوساط المسؤولين حول من يمثل الخطر الارهابي الاكبر على اميركا الان: تنظيم القاعدة، ام “داعش”؟ في اليوم ذاته أصدر تنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” شريط فيديو حض فيه المسلمين على شن هجمات “جهادية” فردية على الاميركيين. العنف المرتبط بتنظيمات اسلامية ارهابية مثل “القاعدة” و”داعش” مستمر ويتزايد مع مرور السنين، وبات الحديث عن الارهاب في الولايات المتحدة كأنه حكر على اتباع دين واحد هو الاسلام.
ومنذ هجمات أيلول2001 الارهابية، والحرب على الارهاب التي اعلنها الرئيس السابق جورج بوش ، طغى الخوف من الارهاب “الاسلامي” على الاخطار الارهابية الاخرى. لكن الواقع – المبني على الاحصاءات والابحاث – مختلف كليا، اذ ان الارهاب الذي تمارسه جماعات يمينية متطرفة، أو افراد عنصريون ومتزمتون ويرفضون الانصياع للسلطات المركزية، هو الذي يشكل الخطر الاكبر على البلاد، وليس الارهاب الجهادي. ومنذ احداث ايلول 2001 بلغ عدد ضحايا الارهاب الجهادي 26 أميركياً، في مقابل 48 مواطناً قتلوا في هجمات قام بها يمينيون متعصبون، وفقا لاحصاءات أجراها مركزابحاث اسمه “نيو أميركا” (New America). ويتحدث الخبراء الاميركيون في شؤون الارهاب عن ظاهرة “الذئب الوحيد” في اشارة الى الفرد الذي يقوم بارهاب مستوحى من تنظيمات اسلامية متطرفة، كما يتحدثون الان عن ظاهرة اميركية حديثة العهد، لكنها مماثلة الى حد كبير، والتي يطلق عليها “المواطن ذو السيادة”، في اشارة الى افراد يغالون في تطرفهم الى درجة انهم يرفضون كل القوانين التي تشرعن السلطة، وهو موقف مشابه الى حد كبير للظاهرة الفوضوية في أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين. ووفقاً لدراسة أخرى أجريت مع 382 مركزاً للشرطة، قال 74 في المئة من الذين شملتهم ان التطرف اليميني المعادي للحكومة هو مصدر الخطر الاول، يليه 39 في المئة رأوا ان خطر تنظيم “القاعدة” و”التنظيمات المشابهة له هو الخطر الاول. وجاء في دراسة اخرى لجامعة ميريلاند، ان اليمينيين المتعصبين شنوا 65 هجوماً، في مقابل24 هجوماً شنها متطرفون اسلاميون منذ 2011. هذه الدراسات والاحصاءات تعزز التحول في مواقف عدد متزايد من المحللين الذين يقولون الان ان المخاوف من الخطر الارهابي لـ”القاعدة” و”داعش”، على خطورته، مبالغ فيها، في مقابل محاولات للحدّ من خطر المتطرفين اليمينيين. ولا يزال هناك تردد في اوساط السلطات الامنية المحلية في وصف العنف الذي يرتكبه اليمينيون المعادون للحكومة (من البيض) بانه ارهاب، بينما يسارعون ومعهم جانب كبير من الاعلام الى وصف أي عنف سياسي يقوم به مسلم، بأنه ارهاب اسلامي.

 

نحو إغراق الأزمة السوريّة في محاربة الإرهاب
عبدالوهاب بدرخان/الحياة/06 آب/15
إذا لم يكن ستيفان دي ميستورا جزءاً من المشكلة في سورية، فقد يكون في صدد أن يصبح كذلك، على غرار ما فعل جمال بن عمر في اليمن، وما كاد يفعل برناردينو ليون في ليبيا لولا استدراكه الخطأ جزئياً، علماً أنه لا يزال مؤهّلاً للسقوط. لم تعد ديبلوماسية الأمم المتحدة ترتكز على قرارات مجلس الأمن، وضرورة تنفيذها، بل صار المبعوثون يباشرون فوراً التعامل مع قوى الأمر الواقع لا لاجتذابها الى القانون الدولي، أو حتى لاحترام ما يكون متوَافَقاً على أنها «دساتير» بلدانهم، وإنما لتكييف القانون الدولي مع تفلّت تلك القوى من أي قانون على الإطلاق. فالحل الأمثل في اليمن هو ما ظنّ بن عمر أن في إمكانه بناءه مع الحوثيين في سعيهم الى اختراق الدولة ثم إلغائها، وهو ما اعتقده ليون حين أراد تركيب كيمياء التقاسم بين مَن الشرعي وغير الشرعي، ساعياً الى تذويب سموم برلمان منتهية صلاحيته في ترياق برلمان منتخب، وهو ما يحاوله أيضاً دي ميستورا بالتوجّه الى إلغاء صيغة جنيف (هيئة حكم انتقالي) مع تأكيده تكراراً العمل من خلالها، وعذره أن الولايات المتحدة وروسيا متوافقتان على أمر واحد: بقاء نظام بشار الأسد.
ويبدو أن تجربتَي كوفي أنان والأخضر الابراهيمي في سورية علّمتا جميع المبعوثين، لا سيما دي ميستورا، أنه عندما تكون المعالجة متعذّرة وفقاً للمعايير المعروفة فلا بدّ من الاستنباط، لا لإيجاد حلول بل لإدامة دور الأمم المتحدة، ولو مع بعض أو كثير من التجاوز لميثاقها وقراراتها. وفي الحال السورية، هناك نظام لا يزال يدّعي أنه «الدولة» ويعامله المبعوثون على هذا الأساس، على رغم علمهم بأنه زمرة يمثّلها شخص، وهي لا تقبل بأي حلّ تشاركي ما لم يكن تحت هيمنتها وإلا فهي ستعطّله. وإذ تعتقد الدول الكبرى المعنيّة أنه لا يستقيم حلٌّ من دون الرجل/ الزمرة لأن انهيارهما يعني السقوط في الفوضى/ الصوملة الكاملة، فإنها تعير كل الأهمية الى كون الزمرة ورجلها متماسكَين حيث يسيطران، آملة في أن تبني حلاً سياسياً منصفاً من هذا التماسك، لكنها لا تقيم أي اعتبار لكونهما لا يتصرفان كـ «دولة»، ولو فعلا لما تمادت الأوضاع الى هذا المنزلق الكارثي.
بعد أيام على توقيع الاتفاق النووي، خرج رجلا إيران في سورية ولبنان، في خطابَين موجّهين لتهنئتها بـ «النصر النووي»، ومخصَّصَين لإطلاق رسائل إيرانية منسّقة الى الولايات المتحدة وكل مَن يسأل عن ملامح التغيير السياسي الممكن توقّعه من طهران بعد الاتفاق. كالعادة، لم يتحدّث بشار الأسد عن شعب سورية بل عن الإرهاب، ولعله لا يزال يعني أن الإرهابيين هم نحو مليون ونصف مليون قتلهم أو أصابهم وعوّقهم وأخفاهم، وهم أكثر من عشرة ملايين إنسان عمل على اقتلاعهم وتهجيرهم. ولم يتحدّث الأسد عن سورية بل عن «المواقع الأكثر أهمية» التي تحاول قواته الاحتفاظ بها، مدشّناً بذلك إفصاحه العلني عن خيار «دولة الساحل». وهذا ما تستعدّ إيران لطرحه ما أن تُدعى الى المشاركة في المساومات. أما حسن نصرالله الذي حرص على إبلاغ أميركا أنها – بعد الاتفاق النووي كما قبله – باقية «الشيطان الأكبر»، وأن إسرائيل الى زوال، فكان ينقل عن المرشد علي خامنئي أن شيئاً لن يتغيّر في الاستراتيجية طالما أنها لم تأتِ بعد بـ «الجائزة» المتوخّاة.
ما قدّمه دي ميستورا كان اقتراحات لإغراق الأزمة في التفاصيل، وإغراق «صيغة جنيف» في «مجموعات عمل» من دون تحديد الهدف (الانتقال السياسي). وبالنظر الى الأسلوب الذي اتّبعه دي ميستورا في اختيار من تشاور معهم طوال شهرين، يمكن توقّع تشكيل تلك المجموعات بإشراف النظام والإيرانيين كما جرى في انتقاء مَن دُعوا الى «التحاور» في موسكو، أي بشرط عدم التطرّق الى تنحّي الأسد. وقد حرص في تقريره على مخاطبة كل طرف بما يودّ أن يسمعه. لكن هذا لم يمنعه من تعزيز فكرتين: بقاء النظام (أي الأسد) ومحاربة الإرهاب (استجابةً لرواية الأسد)، إلا أن منهجية الشيء ونقيضه جعلته يقول أن محاربة «داعش» تتطلّب تغييراً سياسياً في سورية. فعن أي تغيير يتحدث؟ الأرجح أنه لا يعرف، بل الأرجح أن لا معنى أو مغزى لاقتراحاته، إلا إذا كان يعتقد أن الأزمة تحتاج بعد خمسة أعوام الى مقاربة «أكاديمية».
في أي حال، وعلى رغم ما تقدّم، أنسوا دي ميستورا، الذي يُحسب له تحذيره من أن كل شهر يمضي «يقلّل فرص إعادة سورية دولة موحّدة». ذاك أن الأزمة صارت في مكان آخر، وهي كسواها تمرّ الآن بمرحلة ضبط السياسات الإقليمية بعد الاتفاق النووي. فحتى لو لم يكن في نيّة طهران أن تغيّر سياساتها، فإنها لا تتجاهل الحركة المتسارعة في محيطها: تركيا تدخل «الحرب على داعش»، «عاصفة الحزم» السعودية باشرت مع «التحالف العربي» تغيير المعادلة في اليمن، الولايات المتحدة استأنفت «الشراكة الاستراتيجية» مع مصر، وروسيا تجد نفسها (مع أميركا) في سياق البحث عن معالجات مشتركة للأزمات العربية، من خلال التشاور مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي… تلك خطوات استوجبتها التداعيات السياسية للاتفاق النووي بحثاً عن توازنات يمكن الارتكاز عليها في المنطقة، وقد لا تعزز نتائجها موقف العرب استراتيجياً أو مصلحة الشعوب وانتفاضاتها مستقبلياً، لكنها ستحاول وضع حدٍّ للتخريب الإيراني من جهة، ومن جهة أخرى بلورة الممكن سياسياً بالتوازي مع تصعيد جهود الحرب على الإرهاب، الذي بات فعلاً أولوية كما هندسه النظامان الإيراني والسوري.
ربما كان اللقاء الخليجي – الأميركي والخليجي – الروسي، وبخاصة الاجتماع الثلاثي، السعودي – الأميركي – الروسي، من إرهاصات بناء تفاهمات دولية – إقليمية. إذ لا يكفي الاتفاق النووي لاستدراج تغيير مرغوب في سياسات إيران، سواء في سورية واليمن أو حتى في العراق، وبالطبع لا تكفي تصريحات محمد جواد ظريف في العواصم التي انتقتها طهران لمعاودة إطلاق دعواتها الى تعاون اقتصادي ومحاربة مشتركة للإرهاب، بل يستلزم ذلك جهوداً روسية وأميركية لمعالجة قلق دول الخليج من التدخلات الإيرانية في شؤونها ومن تغوّل إيران وأتباعها في عدد من الدول العربية. فالمعروف أن ليست هناك تدخلات عربية مقابلة في شؤون إيران، وإذا كانت إيران ساعية الى نفوذ فلا بد أن تدرك أن لا مستقبل لأي نفوذ ما دام يرتكز على تفكيك الدول، واستبدال الميليشيات بالجيوش، وإزكاء الصراعات الطائفية، وإشعال الحروب الأهلية، على غرار ما فعلته إيران في سورية والعراق واليمن ولبنان وما تحاوله في البحرين. والأهم أنه إذا كان «الاستقرار» هو المتوخّى من محاربة الإرهاب، فالأولَى إحباط الأهداف التي رسمها صانعو الإرهاب ووظّفوه في العمل لتحقيقها.
صدرت إشارتان من طهران يوم لقاءات الدوحة، لكنهما لا تحملان أي مغزى تغييري. الأولى، إعلان عن مبادرة «معدّلة» لحل الأزمة السورية، ولا أحد يتذكّر المبادرة الأصلية لأنها لم تحمل أي نواة لأي «حلّ»، ولا يتوقّع من «المعدّلة» سوى التذاكي في تزكية فكرة الأسد عن «المناطق الأهمّ» أو «دولة الساحل» كصيغة وحيدة ضامنة لـ «مصالح» إيران في سورية. أما الإشارة الأخرى فهي مقال للوزير ظريف نشرته صحف عربية، وفيه يقترح إقامة «مجمّع للحوار الإقليمي» بهدف «تسوية الخلافات سلمياً»، لكنه يختار نموذجاً يعطيه أولوية، وهو اليمن حيث أُجهض المشروع الإيراني، ولم يشر الى سورية والعراق إلا في معرض حديثه عن محاربة الإرهاب. فبهذه الأفكار يمهّد، كما قيل، لجولة عربية. وليس واضحاً ما إذا كان يعبّر عن قيادته أو يخاطبها عندما يُحاضر في وجوب «الامتناع عن التدخل فى الشؤون الداخلية للدول الأخرى». ثمة كذبة يجري ترويجها حالياً، وهي إشراك إيران في ضرب الإرهاب وحلّ أزمات المنطقة، فهل ألغى الاتفاق النووي حقيقة أنها صانعة هذا الإرهاب وتلك الأزمات؟